إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

يا أتباع السلف الصالح إخوانكم إخوانكم ... فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ( لا تذهب ريحكم )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [مقال] يا أتباع السلف الصالح إخوانكم إخوانكم ... فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ( لا تذهب ريحكم )

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله حمدا كثيرا باطنا وظاهرا والصلاة والسلام على سيد البشر المبعوث بشيرا ونذيرا ، وعلى من اقتفى أثره تحريرا وتحبيرا ، فعظم في نفسه الأمر والنهي ووقره توقيرا ، فتصالح مع إخوانه تقريرا وتقديرا ، وعلى الصحابة الذين دمروا البغضاء والشحناء التي بينهم تدميرا ، حتى يئس الشيطان أن يعبد ورضي باليسير حقيرا ، وسلم تسليما عظيما أولا وأخيرا .
    أما بعد :
    إلى إخواني أهل السنة السلفيين في بلادي وغيرها من بلاد الإسلام ، هذه الصرخة التي آلمتني كثيرا لعلها توقظ النائم ، وتنبه الغافل الهائم، وتذكر المتعصب الناقم ، وتفرح المحب المتألم ، فتتآلف القلوب وتتراحم ، وتراجع نفسها وتتفاهم ..
    إخواني لا يخفى على كل ذي عقل سوي ؛ وقلب بالعلم والإيمان قوي ، وانتسابٍ للمنهج النبوي ، النزاع القائم بين اتباع المنهج السلفي ، والخلاف الذي ذب وسط طلبة العلم منهم بحق وببغي ، من أتباع كل شيخ رشد، أو جهة أو بلد ، تاركين القول الفصل المعتمد ، الذي أنزله الفرد الصمد ، وأمر بالرد إليه عند التنازع الواحد الأحد ، فكل يغني على ليلاه ، ويتعصب لفريقه ، وشيخه الذي تولاه ، بإلزام مبالغ فيه ، أو شبهة قامت لديه ، أو تأويل قال به ، أو لاجتهاد تسمك به ، أو لغير ذلك مما الله أعلم به ، وليس ثمة ما ينكره عليه ، ولا يبدعه حقيقة به ...
    فليس ثمة إلا تعصب ، واستظهار وتغلب ، ورمي بالغلو والتحزب ، ومرة بالتمييع (1) والتذبذب ، فحلت المفارقة بدل الموافقة ، والمشاقة بدل الحب والمصادقة ، وجاءت الصالقة (2) تتبعها الحالقة ، فأين العقلاء ، الذين ينبذون الشحناء والبغضاء...أين التزام نصائح العلماء الربانيين الفضلاء؟؟؟
    فعلى هؤلاء وهؤلاء الشباب السنيين السلفيين في كل مكان وزمان أن يتقوا الله سبحانه وتعالى فإنه بهم رقيب ، وعليهم وكيل حسيب، أن يعظموا أمر الله بالصلح في نفوسهم ويتنادوا فيما بينهم هلموا إلى الوداد ، هلموا إلى تناسي الأحقاد ، فقد أمر الله سبحانه وتعالى بالصلح وترك الإفساد ، فقال جلت عظمته في نفوس المؤمنين من العُباد :{{ ...فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }} (1) سورة الأنفال} .
    قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله- [ج2/187]: عليكم إذا حكم الله ورسوله أن ترضوا بحكمهما ، وتسلموا الأمر لهما ، وذلك داخل في قوله :{ فاتقوا الله } بامتثال أوامره ، واجتناب نواهيه ، {وأصلحوا ذات بينكم } أي أصلحوا ما بينكم من التشاحن ، والتقاطع ، والتنابز ، بالتوادد ، والتحاب ، والتواصل ، فبذلك تجتمع كلمتكم ، ويزول ما يحصل – بسبب التقاطع – من التخاصم ، والتشاجر ، والتنازع ، ويدخل في إصلاح ذات البين تحسين الخلق لهم ، والعفو عن المسيئين منهم فإنه – بذلك – يزول كثير مما يكون في القلوب من البغضاء والتدابر . والأمر الجامع لذلك كله :قوله تعالى : {{ وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين }}.
    وقال ابن كثير -رحمه الله- [ج2/ 1260] : اتقوا الله في أموركم ، وأصلحوا فيما بينكم ولا تظالموا،ولا تخاصموا ولا تشاجروا فما آتاكم الله من الهدى والعلم خير مما تختصمون بسببه .أ.هـ
    فلا شك أن المنهج الذي منّ الله به عليكم وهو سبيل المؤمنين على منهاج النبوة ، ومنهج الفرقة الناجية والطائفة المنصورة الرضية المرضية خير مما تتخاصمون بسببه من حظوظ النفس ، والانتصار لها ، والتعصب ، والعناد والتناجي بالفساد ، مما يوجب الفرقة وتمزيق الصف – أيدي سبأ – مما ذمه الله تعالى وجعله كله شر وذلك في قوله سبحانه :{{ لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}} (114) سورة النساء }.
    قال الشنقيطي – رحمه الله - في أضواء البيان(1/306) : وقوله في هذه الآية الكريمة: {أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} ، لم يبين هنا هل المراد بالناس المسلمون دون الكفار أو لا.
    ولكنه أشار في مواضع أُخر أن المراد بالنّاس المرغب في الإصلاح بينهم هنا هم المسلمون خاصة كقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [49/10]، وقوله: {{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}} [49/9]، فتخصيصه المؤمنين بالذكر يدل على أن غيرهم ليس كذلك كما هو ظاهر، وكقوله تعالى: { فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ } [8/1].
    قال ابن بطال تحت ترجمة البخاري بَاب قولِ الإمامِ لأصحابهِ : ( اذهَبوا بنا نُصلِح) وذكر فيها الآية السابقة : {{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}} وفيه : ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - من التواضع والخضوع والحرص على قطع الخلاف وحسم دواعي الفرقة عن أمته كما وصفه الله تعالى .
    قلت : والمؤمن حق المؤمن هو من استسلم لله بالانقياد والطاعة ولرسوله بالتصديق وتجريد المتابعة ، ولم يتقدم بين يدي الله ورسوله ، بشيء من القول أو الفعل ، فضلا عن الإحداث والمشاقة ...أو الاختيار والمفارقة ، ولم يخرج عن سبيل المؤمنين الذي أمر الله بسلوكه وبينه رسوله بقوله : << ما أنا عليه وأصحابي >> ..
    قال البغوي{ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ } أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، أنا حاجب بن أحمد الطوسي، أنا محمد بن حماد، أنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سالم هو ابن أبي الجعد، عن أم الدرداء - رضي الله عنها- عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : << ألا أخبرُكم بأفضلَ من درجة الصيام والصدقة والصلاة ؟ >> قال: قلنا بلى، قال: << إصلاحُ ذاتِ البين. وفساد ذات البين هي الحالقة >> . أخرجه البخاري في الأدب المفرد ص (11، وأبو داود في الأدب، باب في إصلاح ذات البين: (7 / 25) والترمذي في صفة القيامة، باب سوء ذات البين: ( 7/212 ) وقال: هذا حديث صحيح ، وأحمد في المسند:(6 / 444 ، 445) والمصنف في شرح السنة :( 13 / 116).
    وفيه قال : أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ؛ أنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران ، أنا إسماعيل بن محمد الصفار ، نا أحمد بن منصور الرمادي ، نا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أمه أم كلثوم بنت عقبة، وكانت من المهاجرات الأوَل، قالت: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول: << ليس بالكذاب من أصلح بين الناس فقال خيرًا أو نَمَى خيرًا>> أخرجه البخاري في الصلح، باب ليس الكاذب الذي يصلح بين الناس:( 5 / 299 ) ومسلم في البر والصلة، باب تحريم الكذب وبيان المباح منه برقم (2606)(4/2011) والمصنف في شرح السنة : (13 / 117).
    قال : الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي [ج1/ 407]:{ أو إصلاح بين الناس } والإصلاح لا يكون إلا بين متنازعين متخاصمين ، والنزاع والخصام ، والتغاضب ، يوجب من الشر والفرقة مالا يمكن حصره ،فلذلك حث الشارع على الإصلاح بين الناس في الدماء والأموال والأعراض ، بل وفي الأديان ، كما قال تعالى : {{ واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا }}. وقال تعالى: { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ } الآية.
    فهذا أمر من الله حتم للمؤمنين بالصلح بين المتنازعين ،فإن رفضت إحدى الطائفتين ولم يحصل الصلح إلا بالقوة وجب الانحياز إلى من تبتغي الصلح ودفع الباغية التي رفضته بالقوة والعنف، ولكن المؤمن الذي رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا ليس له اختيار فيما قضاه الله ورسوله لذلك يسعى لقبول الصلح لأنه يعلم أن ذلك لا يقل أهمية من المسارعة إلى الصلاة والمحافظة عليها والصيام والصدقة كما جاء في الحديث .
    وقال تعالى: { وَالصُّلْحُ خَيْرٌ } والساعي في الإصلاح بين الناس أفضل من القانت بالصلاة والصيام والصدقة، والمصلح لا بد أن يصلح الله سعيه وعمله.
    قلت: أي في الدين ، فهو أفضل نعمة تفضل الله بها عليكم ، وأفضل رابط يؤلف بين قلوبكم :{{ واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا ...}}.
    والاعتصام بحبل الله وعدم الاختلاف عليه والتفرق بسببه يوجب المودة والمحبة ، والأخوة ، فقد قال سبحانه : {{ إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم ،واتقوا الله لعلكم ترحمون}} فانظروا يرحكمك الله فحيثما أمر بالإصلاح بين ذات البين بين الإخوة المؤمنين عقب عليها بقوله تعالى :{{ واتقوا الله }}مما يفيد أن الإصلاح يورث التقوى التي تكون سببا لحصول الرحمة :{{ لعلكم ترحمون }}.
    وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث عن كل أسباب التفرق والتدابر والتشاحن فعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : << لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهاجر أخاه فوق ثلاث ليال قال مالك لا أحسب التدابر إلا الإعراض عن أخيك المسلم فتدبر عنه بوجهك >>. أخرجه مالك في الموطأ (2/907)(1615) برواية يحي الليثي .
    وفي صحيح البخاري برقم (6064) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ ، وَلاَ تَحَسَّسُوا ، وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ تَحَاسَدُوا ، وَلاَ تَدَابَرُوا ، وَلاَ تَبَاغَضُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا>> وزاد في حديث أنس رضي الله عنه (6065 ):<< وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ. وأخرجه مسلم :( 255 وأحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم .
    وقوله :<< وَلاَ تَبَاغَضُوا >> قال ابن بطال(9/259) : وقال أبو الدرداء : ( ألا أخبركم بخير لكم من الصدقة والصيام : صلاح ذات البين ، وإن البغضة هي الحالقة ) لأن في تباغضهم افتراق كلمتهم وتشتت أمرهم ، وفى ذلك ظهور عدوهم عليهم ودروس دينهم .
    قلت : وقوله : ( كونوا عباد الله إخوانا ) أي تصالحوا وتعاملوا وتعاشروا معاملة الإخوة ومعاشرتهم في المودة والرفق والشفقة والملاطفة والتعاون في الخير ونحو ذلك مع صفاء القلوب والنصيحة بكل حال ، ألم يقل نبينا عليه الصلاة والسلام :<< مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى >> متفق عليه ، وهذا لفظ مسلم .
    ألستم أيها الإخوة جسدا واحدا قد اشتكى منه كثير من الأعضاء فأين التداعي بالصلح وليس بالسهر والحمى ؟؟ ألستم أسعد الناس بهذه النصوص ، ألستم أشرح الناس صدورا لهذه الآيات والأحاديث ؟؟
    واعلموا- يرحمني الله وإياكم- أن الصلح بين المسلمين واجب فيكف بأصحاب المنهج الحق ، والقول الصدق فهم أولى وأسعد الناس بهذه النصوص وبإصلاحهم ما بينهم يحصل خير عظيم لهذه الأمة فقد قال تعالى : {{ والصلح خير }} قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله- [شرح رياض الصالحين [ج2/161] : هذه جملة عامة في جميع الأمور ، وقول الله تعالى بعدها :{{ وأحضرت الأنفس الشح }} إشارة إلى أن الإنسان ينبغي له عند الإصلاح أن يتنازل عما في نفسه ، وأن لا يتّبع نفسه لأنه إذا اتبع نفسه فإن النفس شحيحة ، ربما يريد الإنسان أن يأخذ بحقه كاملا فإن الصلح يتعذر لأنك إذا أردت أن تأخذ بحقك كاملا وأراد صاحبك أن يأخذ بحقه كاملا لم يكن إصلاحا .
    لكن إذا تنازل كل واحد من المتنازعين وغَلَبَ شح نفسه حصل الخير ، ويحصل بذلك الصلح، وقال تعالى : {{ وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما }} فأمر الله عز وجل بالإصلاح بين المتقاتلين من المؤمنين .
    قال ابن بطال في شرح البخاري(8/84) تحت باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : {{ أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}} [ النساء : 128 ]
    : قال المهلب : الصلح خير في كل شيء من التمادي على الخلاف والشحناء والبغضاء التي هي قواعد الشر ، والصلح وإن كان فيه صبر مؤلم فعاقبته جميلة ، وأمرُّ منه وشر عاقبة العداوة والبغضاء ، وأنها الحالقة التي تحلق الدين .
    المهم أيها الأحبة أن الإصلاح كله خير ، والساعي في الإصلاح بين الناس ، أفضل من القانت بالصلاة ، والصيام ، والصدقة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :<< ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة ، والصيام والصدقة ؟قالوا: بلى . قال: إصلاح ذات البين . قال : وفساد ذات البين هي الحالقة >> .رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ، وهو في صحيح الترمذي [ح 2037] .
    بل إن الإصلاح بين الناس في الخصومات أي كانت دينية أو دنيوية هي مما يرضاه الله ورسوله ، فكيف إذا كان بين طائفتين مؤمنتين سنيتين سلفيتين يحصل الخير الكثير بالصلح بينهما فلا شك أن هذا من الأعمال التي يحبها الله ورسوله ويرضاها الله ورسوله ،ألا تحبون ما يحبه الله ورسوله ؟؟
    عن أبي أيوب رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :<< يَا أَبَا أَيُّوبَ، أَلَاأَدُلُّكَ عَلَى عَمِلٍ يَرْضَاهُ اللهُ وَرَسُولُهُ؟>>.قَالَ : بَلَى. قَالَ:<< تُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ إِذَاتَفَاسَدُوا،وَتُقَارِبُ بَيْنَهُمْ إِذَاتَبَاعَدُوا >>.قال الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3/46)(2820 ) ( حسن لغيره ).وهو في السلسلة الصحيحة برقم (2644)بلفظ آخر .
    فماذا تريدون من الفضل بعد هذا الفضل؟ولماذا التغافل والتفريط في هذا الفضل العظيم والدرجة الرفيعة ؟ والمصلح لابد أن يصلح الله سعيه ، كما أن الساعي في الإفساد ، لا يصلح الله عمله ، ولايتم له مقصوده كما قال تعالى :{{ إن الله لا يصلح عمل المفسدين }}.فمن كان سببا أو عائقا في طريق الإصلاح بين أهل السنة السلفيين فهو أحد رجلين :
    1- أن يكون متسترا مندسا بين صفوفهم لايريد أن تجتمع كلمتهم لأن في اجتماعها خيرا كبيرا وكثيرا لهذه الأمة ، بل إن عودة الدين وانتصاره متوقف على القوة التي تكمن في التراص والإتحاد بينهم ، فكل منقبة ثبتت لهذه الأمة من وسطية وعلم ، وجهاد ، ودعوة وأمر بمعروف ونهي عن المنكر فهو للطائفة المنصورة والفرقة الناجية التي ينتسب إليها السلفيون ثابت من باب أولى ، فهذا الدين لايقوم إلا على أنقاضهم وأكتافهم ، لتمسكهم بالفهم الصحيح الذي كان عليه الرعيل الأول من السلف الصالح والأسباب التي تمكّن بها الإسلام في عهده الأول .
    2 – جاهل حقود أحضرت نفسه الشح فهو شحيح النفس لا يريد الخير ، من الغوغاء والاتباع والهمج الرعاع النفعيين الذين يريدون أن تبقى دار لقمان على حالها وتعود حليمة إلى سابق عهدها ، لما لهم من مصالح ضيقة ، ونفع دنيوي زائل ، والله المستعان .
    وعدم التصالح والعفو والتصافح سبب لعدم مغفرة الذنوب ، ومن منا يرضى أن يُؤخر وأن يُنظر ، ولذنوبه الله لا يغفر ، فقد أخبر بذلك من لاينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم كما جاء عنه في الأثر ، فعن مكحول عن كثير بن مرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:<< في ليلة النصف من شعبان يغفر الله عز وجل لأهل الأرض إلا مشرك أو مشاحن>> رواه البيهقي ، وقال هذا مرسل جيد ، أنظر له صحيح الترغيب والترهيب[ح2770 ] وقال الشيخ الألباني (صحيح لغيره).
    وقال الحافظ ورواه الطبراني والبيهقي أيضا عن مكحول عن أبي ثعلبة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:<< يطلع الله إلى عباده ليلة النصف من شعبان فيغفر للمؤمنين ويمهل الكافرين ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يصطلحوا >>[ح2771 ] من صحيح الترغيب والترهيب وقال الشيخ الألباني (صحيح لغيره).
    والمهم أن نتصالح مع أنفسنا قدر الاستطاعة، فنحملها على ترك الشح ، والحسد والبغضاء من غير موجب ، وكذلك نسعى للصلح بين إخواننا ، وإصلاح من حولنا بصدق وإخلاص حتى يحصل الخير الكثير والأجر العظيم كما قال تعالى : {{ ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما }} فهذا جزاؤه لمن كان قصده ابتغاء مرضاة الله ، ويظهر صدقه من غيره بظهور ثمرة الصلح من خير واجتماع ، فكونوا - رحمكم الله مفاتيح خير مغاليق شر - وابشروا بالخير وعظيم الأجر .
    وأخيرا أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يصلح بين المسلمين أهل السنة جميعا والسلفيين خصوصا ، كما أسأله أن يجعلني وإياكم من الصالحين المصلحين.

    1- قولي : بالتمييع أقصد به ، بعض الشباب السني السلفي الذي لم يفهم معنى المميعة الذين ميعوا الدين ، فرمى به كل من خالفه ممن رأى عنده بعض التقصير أو اللين ، أما المميعة حقيقة من الحزبيين والمبتدعة فلا توادد ولا تحاب معهم ...
    2- الصَّلْقةُ ، والصَّلْق ، والصَّلَقُ ، الصياحُ والوَلْوَلةُ ، والصوت الشديد .وقد صَلَقُوا وأَصْلَقُوا. وفي الحديث :<< ليس مِنَّا مَنْ صَلَقَ أَو حَلَقَ شعره >> الصّلْقُ الصوت الشديد يريد رَفْعَه عند ا لمصائب وعند الموت ويدخل فيه النَّوْح ومنه الحديث << أَنا بَرِيٌ مِنَ الصّالِقةِ والحالِقةِ >> . تاج العروس .
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو الحسين عبد الحميد الصفراوي; الساعة 12-Jan-2012, 05:35 PM. سبب آخر: تعديل خطأ في كلمة

  • #2
    رد: يا أتباع السلف الصالح إخوانكم إخوانكم ... فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ( لا تذهب ريحكم )

    ولإتمام الفائدة أضف كلام للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
    باب الإصلاح بين الناس (من شرح الشيخ العثيمين لرياض الصالحين)

    قال الله تعالى: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاس)[النساء :114] ، وقال تعالى : ( وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) [النساء: 128] ، وقال تعالى :( فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) [الأنفال: الآية1] ، وقال تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) [الحجرات: 10]
    الشرح :
    قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ: باب الإصلاح بين الناس .
    الإصلاح بين الناس : هو أن يكون بين شخصين معاداة وبغضاء ، فيأتي رجل موفق فيصلح بينهما ، ويزيل ما بينهما من العداوة والبغضاء ، وكلما كان الرجلان أقرب صلة بعضهما من بعض ؛ فإن الصلح بينهما أوكد ، يعني أن الصلح بين الأب وابنه أفضل من الصلح بين الرجل وصاحبه ، والصلح بين الأخ وأخيه أفضل من الصلح بين العم وابن أخيه ، وهكذا كلما كانت القطيعة أعظم ؛ كان الصلح بين المتابغضين وبين المتقاطعين أكمل وأفضل وأوكد .
    واعلم أن الصلح بين الناس من أفضل الأعمال الصالحة ، قال الله عزَّ وجلَّ (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) أي إلا نجوى من أمر بصدقة .
    والنجوى : الكلام الخفي بين الرجل وصاحبه ، فأكثر المناجاة بين الناس لا خير فيها إلا من أمر بصدقة أو معروف .
    والمعروف : كل ما أمر به الشرع ، يعني : أمر بخير .
    أو إصلاح بين الناس : بين الرجل وصاحبه مفسدة ، فيأتي شخص موفّق فيصلح بينهما ، ويزيل ما بين الرجل وصاحبه من العداوة والبغضاء .
    ثم قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) [النساء: 114] ، فبين سبحانه في هذه الآية أن الخير حاصل فيمن أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ، فهذا خير حاصل لا شك فيه ، أما الثواب فقال : ( وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) .
    فأنت يا أخي المسلم إذا رأيت بين شخصين عداوة وبغضاء وكراهة ، فاحرص على أن تسعى بينهما بالصلح حتى لو خسرت شيئاً من مالك فإنه مخلوف عليك .
    ثم اعلم أن الصلح يجوز فيه التورية أي أن تقول لشخص : إن فلاناً لم يتكلم فيك بشيء ، إن فلاناً يحب أهل الخير وما أشبه ذلك ، أو تقول : فلان يحبك إن كنت من أهل الخير ، وتضمر في نفسك جملة (( إن كنت من أهل الخير )) لأجل أن تخرج من الكذب .
    وقال الله عز وجل : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) [النساء: 128] ، هذه جملة عامة (( الصلح خير )) في جميع الأمور .
    ثم قال تعالى :( وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحّ ) [النساء: 128] ، إشارة إلى أن الإنسان ينبغي له عند الإصلاح أن يتنازل عما في نفسه ، وأن لا يتبع نفسه ؛ لأنه إذا اتبع نفسه فإن النفس شحيحة ، ربما يريد الإنسان أن يأخذ بحقه كاملاً ، وإذا أراد الإنسان أن يأخذ بحقه كاملاً ؛ فإن الصلح يتعذر ؛ لأنك إذا أردت أن تأخذ بحقك كاملاً وأراد صاحبك أن يأخذ بحقه كاملاً ؛ لم يكن إصلاحاً .
    لكن إذا تنازل كل واحد منكما عما يريد وغلب شحّ نفسه ؛ فإنه يحصل الخير ويحصل الصلح ، وهذا هو الفائدة من قوله تعالى : ( وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ ) بعد قوله : ( وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) ، وقال تعالى : ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) [الحجرات: 9] ، فأمر الله عز وجل بالإصلاح بين المتقاتلين من المؤمنين .
    والحاصل أن الإصلاح كله خير ، فعليك يا أخي المسلم إذا رأيت شخصين متنازعين متباغضين متعاديين ؛ أن تصلح بينهما ؛ لتنال الخير الكثير ، وابتغ في ذلك وجه الله وإصلاح عباد الله حتى يحصل لك الخير الكثير كما قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) [النساء: 114] .
    أسأل الله أن يجعلني وإياكم من الصالحين المصلحين .


    1/248 ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم : (( كل سلامى من الناس عليه صدقة ، كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الاثنين صدقة ، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها ، أو ترفع له عليها متاعه صدقه ، والكلمة الطيبة صدقة ، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة ، وتميط الأذى عن الطريق صدقة )) متفق عليه ( 18 ) .
    ومعنى (( تعدل بينهما )): تصلح بينهما بالعدلِ .
    الشرح :
    سبق لنا ما ذكره المؤلف من الآية الكريمة الدالة على فضيلة الإصلاح بين الناس ، ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( يصبح على كل سلامى من الناس صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس )) ، والسُلامى هي العظام والمفاصل ؛ يعني كل يوم تطلع الشمس ؛ فعلى كل مفصل من مفاصلك صدقة .
    قال العلماء من أهل الفقه والحديث : وعدد السلامى في كل إنسان ثلاثمائة وستون عضواً أو مفصلاً ، فعلى كل واحد من الناس أن يتصدق كل يوم تطلع فيه الشمس بثلاثمائة وستين صدقة ، ولكن الصدقة لا تختص بالمال ؛ بل كل ما يقرب إلى الله فهو صدقة بالمعنى العام ؛ لأن فعله يدل على صدق صاحبه في طلب رضوان الله عز وجل .
    ثم بيّن صل الله عليه وسلم هذه الصدقة فقال : (( تعدل بين اثنين صدقة )) يعني رجلان يتخاصمان إليك فتعدل بينهما ؛ تحكم بينهما بالعدل ، وكل ما وافق الشرع فهو عدل ، وكل ما خالف الشرع فهو ظلم وجور .
    وعلى هذا فنقول : هذه القوانين التي يحكم بها بعض الناس وهي مخالفة لشريعة الله ليست عدلاً ؛ بل هي جور وظلم وباطل ، ومن حكم بها معتقداً أنها مثل حكم الله أو أحسن منه ؛ فإنه كافر مرتد عن دين الله ؛ لأنه كذب قول الله تعالى : ( وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة: 50] ، يعني لا أحد أحسن من الله حكماً ، لكن لا يفهم هذا إلا من يوقن ، أما الذي أعمى الله بصيرته ، فإنه لا يدري بل قد يزين له سوء عمله فيراه حسناً والعياذ بالله .
    ومن العدل بين اثنين : العدل بينهما بالصلح ، لأن الحاكم بين الاثنين سواء أكان منصوباً من قبل ولي الآمر، أو غير منصوب قد لا يتبين له وجه الصواب مع أحد الطرفين ، فإذا لم يتبين له، فلا سبيل له إلا الإصلاح ، فيصلح بينهما بقدر ما يستطيع .
    وقد سبق لنا أنه لا صلح مع المشاحة ، يعني أن الإنسان إذا أراد أن يعامل أخاه بالمشاحة ، فإنه لا يمكن الصلح ، كما قال تعالى: ( وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ ) [النساء:128] يشير إلى أن الصلح ينبغي للإنسان أن يبعد فيه عن الشحّ ، وأن لا يطالب بكامل حقه ؛ لأنه إن طالب بكامل حقه ، طالب الآخر بكامل حقه ولم يحصل بينهما صلح ؛ بل لابد أن يتنازل كل واحد منهم عن بعض حقه .
    فإذا لم يكن الحكم بين الناس بالحق ، بل اشتبه على الإنسان إما من حيث الدليل ، أو من حيث حال المتخاصمين ، فليس هناك إلا السعي بينهما بالصلح .
    قال عليه الصلاة والسلام : (( تعدل بين اثنين صدقة ، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعاً صدقة )) .
    هذا أيضاً من الصدقات ؛ أن تعين الرجل في دابته فتحمله عليها إذا كان لا يستطيع أن لا يركبها بنفسه ، أو تحمل له عليها متاعه ، تساعده على حمل المتاع على الدابة فهذا صدقة ، وتميط الأذى عن الطريق صدقة ؛ يعني إذا رأيت ما يؤلم المشاة فأمطته أي : أزلته فهذه صدقة ، سواء كان حجراً ، أم زجاجاً ، أم قشر بطيخ ، أم ثياباً يلتوي بعضها على بعض ، أو ما أشبه ذلك .
    والحاصل أن كل ما يؤذي أَزِلْه عن الطريق ، فإنك بذلك تكون متصدقاً ، وإذا كان إماطة الأذى عن الطريق صدقة ؛ فإن إلقاء الأذى في الطريق سيئة .
    ومن ذلك من يلقون قمامتهم في وسط الشارع ، أو يتركون المياه تجري في الأسواق فتؤذي الناس ، مع أن في ترك المياه مفسدة أخرى ، وهي استنفاد الماء ؛ لأن الماء مخزون في الأرض ، قال الله تعالى : ( فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ) [الحجر: 22] ، والمخزون ينفد .
    ولهذا نرى أن الذي يترك المياه ويسرف في صرفها ولا يبالي في ضياعها مسيء إلى كل الأمة ؛ لأن الماء مشترك ، فإذا أسأت في تصريفه وأنفقته ولم تبال به كنت مسرفاً ، والله لا يحب المسرفين ، وكنت مسيئاً لتهديد الأمة قي نقص مائها أو زواله ، وهذا ضرر عام .
    والحاصل أن الذين يلقون في الأسواق ومسار الناس ما يؤذيهم هم مسيئون، والذين يزيلون ذلك هم متصدقون.
    (( وتميط الأذى عن الطريق صدقة ، والكلمة الطيبة صدقة )) ، وهذه ـ ولله الحمد ـ من أعم ما يكون . الكلمة الطيبة تنقسم إلى قسمين : طيبة بذاتها ، طيبة بغاياتها .
    أما الطيبة بذاتها فالذكر : لا إله إلا الله ، الله أكبر ، الحمد لله ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، وأفضل الذكر قراءة القرآن .
    وأما الكلمة الطيبة في غايتها فهي الكلمة المباحة كالتحدث مع الناس ، إذا قصدت بهذا إيناسهم وإدخال السرور عليهم ، فإن هذا الكلام وإن لم يكن طيباً بذاته لكنه طيب في غاياته ، في إدخال السرور على إخوانك ، وإدخال السرور على إخوانك مما يقربك إلى الله عز وجل ، فالكلمة الطيبة صدقة وهذا من أعم ما يكون .
    ثم قال (( وفي كل خطوة تخطوها إلى الصلاة صدقة)) .
    كل خطوة : خطوة ـ بالفتح ـ يعني خطوة واحد تخطوها إلى الصلاة ففيها صدقة . عد الخطى من بيتك إلى المسجد تجدها كثيرة ومع ذلك كل خطوة فهي صدقة لك ، إذا خرجت من بيتك مسبغاً الوضوء ، لا يخرجك من بيتك إلى المسجد إلا الصلاة ، فإن كل خطوة صدقة ، وكل خطوة تخطوها يرفع الله لك بها درجة ، ويحط عنك بها خطيئة . وهذا فضل عظيم .
    أسبغ الوضوء في بيتك ، واخرج إلى المسجد ، لا يخرجك إلا الصلاة ، وأبشر بثلاث فوائد :
    الأولى : صدقة ، والثانية : رفع درجة ، والثالثة : حطّ خطيئة .
    كل هذا من نعم الله عز وجل ، والله الموفق .

    2/249 ـ وعن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (( ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً ، أو يقول خيراً )) (19) متفق عليه.
    وفي رواية مسلم زيادة ، قالت (( ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقوله الناس إلا في ثلاث : تعني : الحرب ، والإصلاح بين الناس ، وحديث الرجل امرأته ، وحديث المرأة زوجها )) .
    الشرح :
    هذا الحديث الذي ذكره المؤلف حديث أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً )) فالإنسان إذا قصد الإصلاح بين الناس وقال للشخص : إن فلاناً يثني عليك ويمدحك ويدعو لك وما أشبه ذلك من الكلمات ، فإن ذلك لا بأس به.
    وقد اختلف العلماء في هذه المسألة ، هل المراد أن يكذب الإنسان كذباً صريحاً ، أو أن المراد أن يوري ، بمعنى أن يظهر للمخاطب غير الواقع ، لكنه له وجه صحيح ، كأن يعني بقوله مثلاً : فلان يثني عليك أي : على جنسك وأمثالك من المسلمين ، فإن كل إنسان يثني على المسلمين من غير تخصيص .
    أو يريد بقوله : إنه يدعو لك ؛ أنه من عباد الله ، والإنسان يدعو لكل عبد صالح في كل صلاة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إنكم إذا قلتم ذلك )) .يعني قلتم السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.(( فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض ))( 20) .
    وقال بعضهم : إن التورية تعد كذباً ؛ لأنها خلاف الواقع ، وإن كان المتكلم قد نوى بها معنى صحيحاً ، واستدلوا على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام يعتذر عن الشفاعة بأنه كذب ثلاث كذبات في ذات الله ))( 21 ) وهو لم يكذب عليه الصلاة والسلام ، لكنه ورّى .
    وعلى كل حال فالإنسان المصلح ينبغي له أن يتحرز من الكذب، وإذا كان ولابد فليتأول؛ ليكون بذلك مورياً ، والإنسان إذا كان مورياً فلا إثم عليه فيما بينه وبين الله ، والتورية جائزة عند المصلحة .
    أما اللفظ الثاني ففيه زيادة عن الإصلاح بين الناس ، وهو الكذب في الحرب .
    والكذب في الحرب هو أيضاً نوع من التورية مثل أن يقول للعدو : إن ورائي جنوداً عظيمة وما أشبه ذلك من الأشياء التي يرهب بها الأعداء .
    وتنقسم التورية في الحرب إلى قسمين :
    قسم في اللفظ ، وقسم في الفعل . مثل ما فعل القعقاع بن عمرو رضي الله عنه في إحدى الغزوات ؛ فإنه أراد أن يرهب العدو فصار يأتي بالجيش في الصباح ، ثم يغادر المكان ، ثم يأتي به في صباح يوم آخر وكأنه مدد جديد جاء ليساعد المحاربين المجاهدين ، فيتوهم العدو أن هذا مدد جديد جاء ليساعد المحاربين المجاهدين ، فيتوهم العدو أن هذا مدد جديد فيرهب ويخاف ، وهذا جائز للمصلحة .
    أما المسألة الثالثة فهي أن يحدث الرجل زوجته وتحدث المرأة زوجها ، وهذا أيضاً من باب التورية ، مثل أن يقول لها : إنك من أحب الناس إليّ ، وإني أرغب في مثلك ، وما أشبه ذلك من الكلمات التي توجب الألفة والمحبة بينهما .
    ولكن مع هذا لا ينبغي فيما بين الزوجين أن يكثر الإنسان من هذا الأمر ؛ لأن المرأة إذا عثرت على شيء يخالف ما حدثها به ، فإنه ربما تنعكس الحال وتكرهه أكثر مما كان يتوقع ، وكذلك المرأة مع الرجل .


    3/250 ـ وعن عائشة رضي الله عنها قالت : سمع رسول الله صل الله عليه وسلم صوت خصوم بالباب عالية أصواتهما ، وإذا أحدهما يستوضع الآخر ويسترفقه في شيء، وهو يقول : والله لا أفعل ، فخرج عليهما رسول الله صل الله عليه وسلم فقال : (( أين المتألي على الله لا يفعل المعروف ؟ )) فقال أنا يا رسول الله فله أي ذلك أحب )، متفق عليه( 22 ) .
    معنى (( يستوضعه )): يسأله أن يضع عنه بعض دينه . (( ويسترفقه )): يسأله الرفق. ((والمتألي )): الحالف .
    الشرح :
    هذا الحديث ذكره المؤلف رحمه الله في بيان الصلح بين اثنين متنازعين فإذا رأى شخص رجلين يتنازعان في شيء وأصلح بينهما ، فله أسوة برسول الله صل الله عليه وسلم ، وقد فعل خيراً كثيراً ، كما سبق الكلام فيه على قول الله تعالى :
    ( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) [النساء:114] .
    فالنبي صل الله عليه وسلم لما سمع نزاع رجلين وقد علت أصواتهما ، خرج إليهما صل الله عليه وسلم لينظر ماذا عندهما ، وفيه دليل على أنه لا حرج على الإنسان أن يتدخل في النزاع بين اثنين ، إذا لم يكن ذلك سراً بينهما ؛ لأن هذين الرجلين قد أعلنا ذلك ، وكانا يتكلمان بصوت مرتفع ، أما لو كان الأمر بين اثنين على وجه السر والإخفاء ؛ فلا يجوز للإنسان أن يتدخل بينهما ؛ لأن في ذلك إحراجاً لهما ، فإن إخفاءهما للشيء يدل على أنهما لا يحبان أن يطلع عليه أحد من الناس ، فإذا أقحمت نفسك في الدخول بينهما ؛ أحرجتهما وضيقت عليهما ، وربما تأخذهما العزة بالإثم فلا يصطلحان .
    والمهم أنه ينبغي للإنسان أن يكون أداة خير، وأن يحرص على الإصلاح بين الناس وإزالة العداوة والضغائن حتى ينال خيراً كثيراً .
    والله الموفق .

    ---------------------

    ( 18 ) رواه البخاري ، كتاب الجهاد والسير ، باب من أخذ بالركاب ونحوه ، رقم ( 2989 ) ، ومسلم ، وكتاب الزكاة ، باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من ، رقم ( 1009 ) .
    (19) رواه البخاري ، كتاب الصلح ، باب ليس الكاذب الذي يصلح بين الناس ، رقم (2692 ) ، ومسلم ، كتاب البر والصلة ، باب تحريم الكذب وبيان الهباج منه ، رقم (2605 )
    ( 20 ) رواه البخاري ، كتاب الجمعة ، باب من سمى قوماً أو سلم في الصلاة على غيره ، رقم ( 1202 ) ، ومسلم ، كتاب الصلاة ، باب التشهد في الصلاة ، رقم ( 402 ) .
    ( 21 ) رواه البخاري ، كتاب أحاديث الأنبياء ، باب قول الله تعالى : ( وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) رقم ( 3357 ) ، ومسلم ، كتاب الفضائل ، باب من فضائل إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم ، رقم (2371 ) .
    ( 22 ) رواه البخاري ، كتاب الصلح ، باب هل يشير الإمام بالصلح ، رقم ( 2705 ) ، ومسلم ، كتاب المساقاة ، باب استحباب الوضع من الدين . . ، رقم ( 1557 )

    تعليق

    يعمل...
    X