إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

"المُداواة في المُدارة" لفضيلة الشيخ محمد بن عبد الحميد حسونة -حفظه الله تعالى

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "المُداواة في المُدارة" لفضيلة الشيخ محمد بن عبد الحميد حسونة -حفظه الله تعالى


    ....
    بسم الله الرحمن الرحيم
    "وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً * عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا * رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ "
    سورة"الأعراف"الآية (89)
    ....
    ((( المقدمة وفيها الباعث على الطرح )))
    ....إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله :
    ....
    ...." يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " سـورة " آل عمران " الآيـة (102).
    ....
    ...." يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا " سـورة " النسـاء " الآيـة (1).
    ....
    ...." يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا " سـورة "الأحزاب" الآيـة (70-71).
    ....
    أما بعد
    ....إن مما لا يخفى أن الله تعالى خلق الخلق متفاوتون في الطبائع والرغبات، والعقول والقدرات، ابتلاء .
    ....
    ....خلق الناس معادن : منهم الثمين النفيس، ومنهم الرخيص البئيس . منهم الصالح ومنهم الطالح .
    ....
    ....والمسلم معنيّ بإصلاح نفسه، وسعيه ابتداءًا في تحقيق نجاتها،بالابتعاد عن أسباب هلاكها، قبل اشتغاله بغيره من المخاطبين - كل بحسبه- تأويلاً لقوله تعالى : "والعصر إن الإنسان لفي خسر . إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحقوتواصوا بالصبر" سورة "العصر" .
    ....
    ....فأخبر الله تعالى عن الناجين من الخسران بأنهم من تحققت فيهم هذه الخصال، فذكر سبحانه : تحقيقهم.للإيمان والعمل الصالح في أنفسهم، ثم دعوتهم لغيرهم، فالصبر على تبعاتها؛ اتباعا واحتسابا .
    ....
    ....ومن أدلة الباب العملية الموجبة الاتباع : ما صحّ من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتألف الناس عموما " والسادة المطاعين في أقوامهم وأهل الجاه كأبي سفيان وعيينة بن حصن والأقرع بن حابسوأمثالهم، لعظيم أثرهم .
    ....
    ....وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية– رحمه الله تعالى : " ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قوماًويهجر آخرين كما أن الثلاثة الذين خلفوا كانوا خيراً من أكثر المؤلفة قلوبهم لماكان أولئك كانوا سادة مطاعين في عشائرهم فكانت المصلحة الدينية في تأليف قلوبهم ...
    ....وهذا كما أن المشروع في العدو القتال تارةوالمهادنة تارة وأخذ الجزية تارة، كل ذلك بحسب الأحوال والمصالح وجواب الأئمةكأحمد وغيره في هذا الباب مبني على هذا الأصل " "مجموع الفتاوى" (28/206)
    ....
    ....ومن لوازم الإخلاص : أن يحب هداية المخالف ورجوعه للحق .
    ....
    ....وأن يسلك كل المسالك الممكنة في تقريب قلبالمخالف لا تنفيره .
    ....
    ....وأن يصحب ذلك دعاء الله تعالى له أن يهديه؛ وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الكفاربالهداية، فكيف بالمسلمين الموحدين" بتصرف من "نصيحة للسلفيين" للشيخ الرحيلي – زاده الله تعالى توفيقا .
    ....
    ....ومن ذلك أيضاً : ما رواه الإمام أحمد-رحمه الله تعالى-عن أنس -رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -قال لرجل : " أسلم"
    ....فقال الرجل : إني أجدني كارها ً.
    ....قال:" وإن كنت كارهاً"انظره في "السلسلة الصحيحة"(3/439) برقم(1454)
    ....
    ....قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى: " هذا حديث ثلاثي صحيح، ولكن النبي -صلى الله عليه وسلم - لم يكرهه على الإسلام بل دعاه إليه فأخبره أن نفسه غير قابلة له، بل هي كارهة، فقال له :" وإن كنت كارهاً" فإن الله سيرزقك النية والإخلاص "انتهى"تفسير ابن كثير (1/465)
    ....
    ....قلت :
    وفي هذا دليل على أن النبي- صلى الله عليه وسلم-لم يكن حريصاً على جمع الأدلة التي تخرج الناس من الإسلام، بل كان يداري الناس للدخول في الإسلام ويقبل ظواهرهم، ويكل سرائرهم إلى الله ([1]) وإن بدت منهم أفعال وأقوال تناقض الإسلام .
    ....
    ....ذلك : أن من "قواعد أهل السنة : رحمة أهل القبلة" فرحم الله أهل السنة ([2]) ما أكثرهم علماً وفهماً لدين الله، ورحمة لأهل القبلة ...إذ لو عومل كل واحد بظاهر قوله لكان من اليسير الحكم عليه بالكفر .
    ....
    ....ولكن هيهات..هيهات أن يقرنا دين الإسلام على هذا المنهج الفوضوي !!!
    ....
    ....كيف ذلك؟! وفيه قول الله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً ..." سورة "النساء" الآية(94) .
    ....
    ....وقوله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ" سورة "الحجرات" الآية(6)
    ....
    ....فهاتان الآيتان وما جاء في معناهما من الآيات والأحاديث وأقوال أهل العلم تعرفنا أصل من أصول أهل القبلة، وهو :
    ....
    إثبات قرائن الخير بأدنى دليل، وعدم إثبات قرائن الشر وخاصة أحكام الكفر إلا بعد التبين والتمحيص والتدقيق .
    ....
    ....وقد جهل البعض فظنوا أن المعاملة بالظاهر تقتضي الحكم على الناس بما ظهر منهم في كل الأحوال، مع أن هذا مختص فقط بقرائن الخير، كمعاملة النبي - صلى الله عليه وسلم- للمنافقين .....
    ....
    ....ولكن للآسف الشديد كثير من شباب المنهج السلفي ([3]) قد ضلوا في هذا الباب، وتبعهم على ذلك كثير من شباب ([4]) الإخوان، فانساقوا وراءهم ووافقوهم على تسفيه علماء السنة في هذا الزمان، واتهامهم بالنفاق والعمالة لأجل كلمات خرجت منهم أو فتاوى أفتوا بها..." بتصرف من"قواعد أهل السنة في معاملة أهل القبلة"
    ....
    ....وأقول : إذ هداية الخلق إلى هذاالدين الحق، عموما، وإلى حسن الاتباع ونبذ الابتداع خصوصاً، مطلب شرعي، حثّ عليه الشارع وحضّ، من ذلك : قول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي – رضي الله تعالى عنه- لما بعثه إلى خيبر : "... لأن يهدي الله بكرجلاً واحداً خير لك من حمر النعم" أخرجه الشيخان ? البخاري برقم (4210) ومسلمبرقم (2406)ونحوه .
    ....
    ....فعلى من منّ الله عليهم بالهداية إلى السنة – بالمعنى العام- ووفقوا لفقهها، أن يجدّوا ويجتهدوا في دعوة من ضل عن الهدى، مستصحبين اللين في بُدوّا أمرهم، مصداق ذلك، أمر الله تعالىلموسى وهارون – عليهما وعلى نبينا وإخوانهم الصلاة والسلام – بشأن فرعون : "اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى" سورة "طه" الآيتان (43-44)
    ....
    ....ومن التأليف، وله صلة وثيقة بما ننحن بصدده من أمر المداراة، مخاطبتهم بالألقاب التي تتناسب مع مكانتهم . ودليلنا العملي في ذلك : مكاتبة النبي صلى الله عليه وسلمإلى هرقل بقوله "إلى هرقل عظيم الروم"
    ....
    ....وكذلك آخر قولي : كان – صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم- يكني شيخ المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول ([5]) .
    ....
    ....ومن ذلك أيضاً : الآثار الكثيرة الشاهدة على حلم النبي – صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم- لجفاء بعض المدعوين، ومقابلته بالإحسان واللين، تأويلاً لقول رب العالمين: " فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ..." سورة"الأحقاف"الآية(35)
    ....
    ....وإنا إذ نذكر هذا نذكّر بأن نبينا – صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله- كان من أتقى الناس لربه تعالى، وأخشاهم منه، وأعبدهم له، كان أقوى الناس في دينالله عزّ وجلّ، لا يداهن، حاشاه .
    ....
    ....أقول هذا لأن : " من الناس من قد يظن أن مداراةالناس والرفق بهم ضعف في الدين وتمييع .
    ....
    ....بينما يظن فريق آخر أن من الرفق بالناسإقرارهم على الباطل، والسكوت عن الأخطاء .
    ....
    ....وكلا الفريقين مخطئ، تائه عن الحق، فليتنبه لهذا الأمر فإنه مزلق خطير لا يعصم منه إلا من وفقه الله وهداه...
    ....
    ....إن للداعية في دعوة الناس مسلكان شرعيان دلت عليهما النصوص : مسلك التأليفوالترغيب . ومسلك الهجر والترهيب .
    ....
    ....ويخطئ من يعمم أحد المسلكين . مع كل أحد بل يسلكمع كل مخالف ما هو أرجى في قبوله للحق ورجوعه للصواب" بتصرف من "نصيحة للسلفيين" .
    ....
    ....وبعد ..
    نصبت راية – عنوان - هذا البحث في ساحات العلم وميادين المناظرات على أشلاء ورفات مناهج الغلاة : من التكفيرين أتباع ذي الخويصره، والجاهلين أتباع الهوى، وإن اشتركا في الأصل .
    ....
    ....نصبتها امتداداً لجسر التناصح المتواصل، راجياً الوصول بسلوك سبيل الرسول- صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم- إلى مرضاة ربنا الغفور .
    ....
    ....والقبول مأمول، إذ هو سبحانه أكرم وأجود مسؤول، فاقول :
    ....
    ....
    ((( الموضوع )))
    ....
    تعريف المداراة ؟
    ....
    ....المداراة : هي المداجاة والملاينة ، كما في "مختار الصحاح" .
    ....
    ....وفي "المصباح المنير" : داريته مداراة : لاطفته ولايَـنْـتُـه" "المصباح المنير"للفيومي.....
    ....
    ....وقال.ابن الأثير – رحمه الله تعالى : المداراة : ملاينة الناس، وحسن صحبتهم، واحتمالهم؛ لئلا ينفروا عنك""غريب الحديث" .
    ....
    ....وقال الحسن – رحمه الله تعالى : "حسن السؤال نصف العلم، ومداراة الناس نصف العقل، والقصد في المعيشة نصف المؤونة .
    ....
    ....قال ابن الحنفية – رحمه الله تعالى : " ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لم يجد من معاشرته بداّ حتى يأتيه الله منه بالفرج أو المخرج".
    ....
    ....وقال بعضهم : "ينبغي للعاقل أن يداري زمانه مداراة السابح في الماء الجاري".
    ....
    ومداراة الناس هي :
    ....
    ....حسن صحبتهم، واحتمال أذاهم، وعدم مجابهتهم بما يكرهون .
    ومن لا يصانع في أمور كثيرة *** يُضرّس بأنياب ويوطأ بمنسم !
    ....
    ....نعم ..
    المداراة ترجع إلى حسن اللقاء، ولين الكلام، وتجنب ما يشعر ببغض أو غضب أو استنكار، إلا .
    ....
    ومن تطبيقات المداراة :
    ....
    ....أن يجمعك برجل يضمر لك العداوة مجلسٌ، فتقابله بوجه طلق، وتقضيه حق التحية، وترفق به في الخطاب .
    ....
    ....قال أحد الحكماء :
    وأمنحه مالي وودي ونصرتي *** وإن كان محني الضلوع على بغضي
    ....
    ....وحيث أنعقول الناس مختلفة ومتفاوتة فمداراة الناس أن تتعامل معهم على قدر عقولهم، ما لم تكن مخالفة .
    ....
    ....وعليه ..
    فيمكن تجلية الفروق بين المداراة والمداهنة بما يلي :
    ....
    الفرق بين المداهنة والمدارة :....
    ....ولتجلية الفرق نعرّف المداهنة أسوة بما تقدم من تعريف المداراة، وبذا يبرز الفرق .
    ....
    ....قال المبرد : يقال أدهن في دينه، وداهن في أمره : أي خان فيه، وأظهر خلاف ما يضمر" "الجامع لأحكام القرآن" (9/18/202)
    ....
    ....والإدهان الغش، ودهن الرجل إذا نافق . كما يقول ابن منظور في لسان العرب .
    ....
    ....قال أبو بكر ابن العربي – رحمه الله تعالى : قال أهل اللغة : الإدهان هو التلبيس، لذا رجح القول بأن الادهان : الكذب([6]) قال : وحقيقة الادهان : إظهار المقاربة مع الاعتقاد للعداوة..." "أحكام القرآن"(4/305) ت: محمد عبد القادر عطا . ط. دار الكتب العلمية . بيروت .
    ....
    ....وجاء في "التوقيف على مهمات التعاريف": " المداهنة أن ترى منكراً تقدر على دفعه فلم تدفعه، حفظا لجانب مرتكبه، أو لقلة مبالاة بالدين" .....
    ....
    ....إذا ً :
    المداراة هي : التودد لنافر؛ لأجل الدين . فهي والحالة هذه من باب التصدق، خلافاً للمداهنة التي هي التودد له على حساب الدين([7]) وتحريم الأخيرة ظاهر .
    ....
    ....قال العلامة أبو بكر ابن العربي – رحمه الله تعالى : " وحقيقة الإدهان؛ إظهار المقاربة مع الاعتقاد للعداوة، فإن كانت المقاربة باللين فهي مداهنة، وإن كانت مع سلامة الدين فهي مداراة، أي مدافعة" "أحكام القرآن" (4/305) .
    ....
    ....قال ابن زيد في قوله تعالى : " وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ " قال : الركون : الإدهان .
    ....وقال عليه الصلاة والسلام : " مثل الْمُدهِنِ في حدود الله والواقع فيها، مثل قوم استهموا سفينة فصار بعضهم في أسفلها، وصار بعضهم في أعلاها، فكان الذي في أسفلها يمرّون بالماء على الذين في أعلاها، فتأذّوا به، فأخذ فأسا فجعل ينقر أسفل السفينة فأتوه فقالوا ما لك قال تأذيتم بي ولا بد لي من الماء فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم" رواه الإمام البخاري .
    ....
    ....والرواية الأخرى عند البخاري : "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها ..." .
    ....
    وعليه .. يمكننا القول بأنهما :
    ....يشتركان : في أن كل منهما قد يستخدم مع محبوب أو مبغوض .
    ....
    ....ويختلفان : في أن المداهنة : تكون في كل أمر حلال كان أو حرام .
    ....
    ....بل قد يكون في الكفر – عياذاً بالله - ولذا قال عز وجل : " وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ" سورة "القلم" الآية(9)
    ....قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما- فيها : ودوا لو تكفر فيكفرون .
    ....خلافاً للمدارة : فلا تكون إلا في حلال ومباح .
    ....
    ....ويختلفان بحسب الباعث : فالمدارة قربى لله تعالى، لأجل الدين، والمداهنة قربى لغير الله سبحانه لأجل الدنيا .
    ....
    ....وغايتهما : إرضاء الغير .
    ....
    ....وثمرتهما : في المداهنة : مأزور متعاطيها، ومن شؤمها أن الله تعالى قد يعاقب بنقيض العزم . قال رسول الله – صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم : " من أرضى الناس بسخط الله؛ وكله الله إلى الناس. ومن أسخط الناس برضا الله كفاه الله مؤنة الناس" "صحيح الجامع..." برقم(6010)
    ....وفي المدارة : يثاب فاعلها، وغالباً ما تثمر ثمارا يافعة يانعة تورث فرحة في القلب وببهجة في الوجه .
    ....
    ....وعليه ..
    فالمحب يُجامل ويُداري محبوبه، والمُبغِض يُنافق مبغوضه! والكريم يُجامل ويُداري ويُصانِع، واللئيم يُداهن ويُنافق!
    ....
    أسباب المداراة وآثارها :
    ....فللمداراة أسباب معلومة، وآثار محمودة، منها :
    ....
    أما عن أسباب المداراة :
    ....
    ....فأولاً : من أسباب المداراة : أن نبلغ من خلالها الحق، امتثالا لأمر الحق – سبحانه- وفي التنزيل قوله تعالى : "... وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً ..." سورة "البقرة" الآية(83) .
    ....
    ....وثانياً : المحافظة على الإخوان من جهتين : من جهة أعدائهم، ومن جهة أهوائهم .
    ....
    وأما عن أثار المداراة :
    ....
    ....أولاً : حصول الثواب والأجر، بامتثال الأمر القاضي بالإحسان إلى الناس، والمداراة منه .
    ....
    ....ثانياً : ومن آثار وثمار المداراة : أن يكون المرء في سلامة في دينه، وصيانة من دنياه .
    ....
    ....ثالثاً : ومن آثار وثمار المداراة : أنها مجلبة للعيش الطيب مع الناس، وهي ادعى إلى تحابب الناس، ورفع الحرج عن النفوس، ودفع الخصومات بينهم .
    ....
    ....وقد قال تعالى مخاطباً نبيه الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم : " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ..." سورة "آل عمران" الآية (159) .
    ....
    ....
    المداراة حاجة مواكبة للجبلة البشرية،
    داعية من دواعي الاستخلاف، وأداة لدومومة التعارف فالتعايش :
    ....
    ....خلق الله تعالى الناس للاجتماع لا للعزلة, وللتآلف لا التناكر، وللتعاون لا التنافر .
    ....
    ....والإنسان جبل ذو عوارض نفسية كـ : الحب، والبغض، والرضا، والغضب، والاستحسان، والاستهجان؛ فلو سار على أن يكاشف الناس بكل ما يعرض له من هذه الشؤون في كل وقت وعلى أي حال؛ لاختل الاجتماع، ولم يحصل التعارف، وانقبضت الأيدي عن التعاون، والآنفس عن التآلف، وأثرت العزلة على الخلطة، فتعطلت مصالح، وضيق واسعا .
    ....
    ....فكان من حكمة الله في خلقه أن هيأ الإنسان لأدب يتحامى به ما يحدث تقاطعاّ، أو يدعو إلى تخاذل، ذلك الأدب هو المداراة.
    ....
    ....فخلق االمدارة مما يزرع المودة، ويثمر الألفة، ويجمع القلوب النافرة، والعقول الشاردة، والآراء المشتتة، فتتحقق بذا مصالح : عامة وخاصة .
    ....
    ....وَقَالَأَبُوسُلَيْمَانَ الْخَطَّابِي- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:
    مَا دُمْت حَيًّا فَدَارِ النَّاسَ كُلَّهُمْ *** فَإِنَّمَا أَنْتَ فِي دَارِالْمُدَارَاةِ
    مَنْ يَدْرِدَارَى وَمَنْ لَمْ يَدْرِ سَوْفَ يُرَى*** عَمَّا قَلِيلٍ نَدِيمًا لِلنَّدَامَاتِ
    ....
    ....
    العرب تهادوا المدارة، ويعدونها من جملة مفاخرهم- وهي كذلك
    ....
    ....قد كثرت أقوال العرب في تهادي خلق المداراة تحببا وتطيبا، في إيماءة إلى التحضيض عليه، ومن أمثالهم السيارة :
    ....
    ....قولهم :
    " نصف العقل بعد الإيمان : مداراة الناس"
    ....
    ....وقالوا :
    " مداراة الناس قيادة القلوب "
    ....
    ....ومن أقوالهم أيضاً في الباب :
    " المداراة قوام المعاشرة" و "ملاك المعاشرة" "مجمع الأمثال" للميداني .
    ....
    ....بل قالوا :
    " سلامة الدين والدنيا في مداراة الناس ".
    ....
    ....كما قالوا :
    " أعقل الناس أشدهم مداراة للناس، وأذل الناس أكثرهم لهم إهانة "
    ....بل والعامة تقولفي أمثالها السيارة :
    " اعط كل هوا شراعه"المراد بالهوا : الرياح التي تعترض السفينة .
    ....
    ....ويقصد المثل أنه عليك مداراة الناس حتى تتفقمعهم في طريق واحد .وتنال ما تأمله منهم، كل هذا وفق ما رسمته الشريعة وحدّته من حدود .
    ....
    ....
    فصل
    فيه : بيان أن الأنبياء تعاملوا بالمداراة،
    ....
    ....أجل .. تلطفوا مع أقوامهم في بادئ الأمر؛ استجلاباً للخير الكامن في نفوسهم، وتطيباً واستحلاباً لصفاء ونقاء نفوسهم، واستمطارا لديم الهداية في قلوبهم، فلما تبيّن إعراضهم اتخذوا جانب الزجر كسبيل آخر للإصلاح والاستصلاح .
    ....
    ....ذكر العلامة العز بن عبد السلام – رحمه الله تعالى – في كتابه "شجرة المعارف والأحوال ..." : " فصل في إلانة القول والفعل في مظانهما" ذكر تحته قول : "الله تعالى : " فقولا له قولاً لينا" سورة "طه" الآية(44) وقال عز وجل : " فبما رحمة من الله لنت لهم" سورة"آل عمران"الآية(159) ...
    ....
    ....وقال عليه السلام : "المؤمن كالجمل الآنف، إن قيد انقاد، وإن أنيخ على صخرة استناخ ([8])" " صحيح الجامع..." برقم(6669)
    ....
    ....وبعد ذكر ما تقدم قال العلامة العز بن عبد السلام –رحمه الله تعالى : " للين مواطن لا يليق بها غيره، وللغلظ مواطن لا يناسبها سواه، فمن استعمل أحد الأمرين في موضع الآخر فقد أخطأ.
    ....
    ....وقد ألان موسى –عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- القول لفرعون في ابتداء رسالته بقوله:" هل لك إلا أن تزكى" سورة"النازعات"الآية(1 فلما أصر مع علمه بصدقه قال له موسى : " إني لأظنك يا فرعون مثبورا"سورة "الإسراء" الآية(102) وفيه ( إي الإصلاح باللين تارة وبالشدة أخرى) تأليف القلوب، وتطيب النفوس، موجب للاتفاق على مصالح الدارين" "شجرة المعارف والأحوال وصالح الأقوال والأعمال" للعز بن عبد السلام ص(214-215) ت: حسين عكاشة – دار ماجد عسيري ط. الأولى 1421هـ
    ______ [ الحاشية ] ______
    ....
    ([1]) قلت : ومن ذلك أيضا، اتباعا : ما كان من أمر الصحابي الكبير أبي طلحة – رضي الله تعالى عنه- مع العظيمة أم سليم، وأكرم به من مهر ، وما كان كذلك من أسد الإسلام حمزة - رضي الله تعالى عنه وحميته على ابن أخيه . والله تعالى أعلم .
    ....
    ([2]) تنبيه: يجدر بنا هنا الإشارة إلى أن مقصود المؤلف من إطلاق لفظ أهل السنة كما هو ظاهر من السياق هو المعنى الخاص لها، المرادف لقولنا" السلف الصالح"
    ....
    ([3]) قلت: يقصد المنهج العاق القطبي، فهم من مدعي السلفية، وهم الذين كفروا الحكام وسبوا السادة العلماء الكبار، وصارموا إخوانهم بعد مبارزتهم بأسنة جهلهم - هداهم الله تعالى .
    ....وإلا فالسادة السلفيون ما يزالون يتبعون الحق ويرحمون الخلق ويعظمون علماءهم ويوقرون ولاة أمورهم، ويلازمون حلق العلم؛ يرجون من ربهم الخير، كان الله لهم .
    ....
    ([4]) قلت : يلحظ كل نجيب أن المؤلف الأريب يخاطب انحراف شباب .
    ....ونقول له : كيف لو رأيت شيوخا تصابوا، وانحطوا إلى درك سفه عقول الشباب ؟!!!
    ....ولله درّ القائل : إن حماس الشباب يحتاج إلى رجاحة عقول الشيوخ .
    ....
    ([5]) قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى- في معرض كلامه على أهل البدع وغيرهم من أهل القبلة : "فهؤلاء فيهم إيمان وفيهم نفاق، وتجري عليهم أحكام الإسلام الظاهرة، فإن هذه الأحكام إذا جرت على المنافق المحض كابن أبي وأمثالهم من المنافقين، فلأن تجري على هؤلاء أولى وأولى""مجموع فتاوى شيخ الإسلام"(7/617)
    ....
    ([6]) وهو قول : الربيع بن أنس- رحمه الله تعالى- قاله الإمام القرطبي – رحمه الله تعالى- في "الجامع لأحكام القرآن"(9/18/202) ت: عبد الرزاق المهدي – مكتبة الرشد -الرياض
    ....
    ([7]) قال قتادة – رحمه الله تعالى- في تعريف المداهنة وبيان أنها على حساب الدين، تأويلاً لقوله تعالى " ودودا لو تدهن فيدهنون" : " ودوا لو تذهب عن هذا الأمر، فيذهبون معك .
    ....وقال الحسن – رحمه الله تعالى : ودوا لو تصانعهم في دينك، فيصانوعك في دينهم .
    ....وعنه أيضاً : ودوا لو ترفض بعض أمرك، فيرفضون بعض أمرهم .
    ....زيد بن أسلم – رحمه الله تعالى : لو تنافق وترائي، فينافقون ويراءون" "الجامع لأحكام القرآن"للإمام القرطبي (9/18/202)
    ....
    ([8]) قال المناوي – رحمه الله تعالى- تحت حديث : "المؤمنون هينون لينون كالجمل الأنف إن قيد انقاد وإذا أنيخ على صخرة استناخ"
    ( المؤمنون هينون لينون )
    ....قال ابن الأعرابي : تخفيفهما للمدح وتثقيلهما للذم .
    ....وقال غيره: هما سواء والأصل التثقيل كميت وميت والمراد بالهين سهولته في أمر دنياه ومهمات نفسه .
    ....
    ....أما في أمر دينه فكما قال عمر : فصرت في الدين أصلب من الحجر .
    ....وقال بعض السلف : الجبل يمكن أن ينحت منه ولا ينحت من دين المؤمن شيء .
    ....واللين : لين الجانب، وسهولة الانقياد إلى الخير، والمسامحة في المعاملة ( كالجمل ) أي كل واحد منهم .
    ....قال الزمخشري : ويجوز جعله صفة لمصدر محذوف أي لينون ليناً مثل لين الجمل ( الأنف ) بفتح الهمزة وكسر النون من أنف البعير إذا اشتكى أنفه من البرة فقد أنف على القصر وروي آنف بالمد . قال الزمخشري : والصحيح الأول" اهـ وبالغ في شرح المصابيح فقال المد خطأ .
    ....
    ....قال ابن الكمال : مدحهم بالسهولة واللين؛ لأنهما من الأخلاق الحسنة على ما نطق به الكتاب المبين { فيما رحمة من اللّه لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك }
    ....فإن قلت : من أمثالهم : لا تكن رطباً فتعصر، ولا يابساً فتكسر، ولهذا قال لقمان لابنه : يا بني لا تكن حلواً فتبلع، ولا مراً فتلفظ ، ففيه نهي عن اللين فما وجه كونه مدح؟
    ....
    ....قلت : لا شبهة في أن خير الأمور أوساطها، وقد أطبق العقل والنقل على أن طرفي الإفراط والتفريط في الأفعال والأحوال والأقوال مذموم إنما الممدوح ما في الطبيعة من حالة جبلية مقابلة لغلظ القلب وقساوته وإنما يعبر عنها باللين تسمية لها باسم أثرها وذلك سائغ ( إن قيد انقاد وإذا أنيخ على صخرة استناخ ) فإن البعير إذا كان أنفاً للوجع الذي به ذلول منقاد إلى طريق سلك به فيه أطاع، والمراد أن المؤمن سهل يقضي حوائج الناس ويخدمهم وشديد الإنقياد للشارع في أوامره ونواهيه وخص ضرب المثل بالجمل لأن الإبل أكثر أموالهم وآخرها ..." إهـ "فتح القدير" للمناوي .

  • #2

    فصل
    ((( المدارة في كلام الودود ، وهو – سبحانه وبحمده- الغني المعبود )))
    ....
    ....جاء في القرآن الكريم آيات طيبات مباركات دالات على ما نحن بصدده من بيان، منها قوله تعالى :" يا بني إسرائيل " ومنها قوله تعالى "ذرية من حملنا مع نوح" وكقوله تعالى "وإلى عاد أخاهم هودا ..." وأشباه ذلك .
    ....
    ....بل ذكر القرآن استعمال المنكرين هذا الخلق.مع الصالحين، وذلك كما في.قوله تعالى :" يا أخت هارون ..." الآيات .
    ....
    ....بل دعت الشريعة إلى التهادي.هذا الأدب حتى في حالة القتل، والقتل عظيم، ففي قوله تعالى : " فمن عفي له من أخيه شيء ..."سورة"البقرة"الآية(17
    ....
    ....قال العلامة ابن عثيمين- رحمه الله تعالى- معلقاً ومبيناً ضرورة شيوع هذا.الخلق وذيوعه في حينه لمستحقيه : "مع أنه قاتل؛ تحنيناً وتعطيفاً لهذا.المخاطب" "شرح الأربعين النووية"ص(232) اعتناء محمد بن عبد الله المصري- المكتبة الإسلامية-الرواد للإعلام والنشر.
    ....
    ...."المداراة"، وهي الخصلة القريبة من الرفق معنى، لأنها تعني ملائمة الناس، وحسن صحبتهم واحتمال اذاهم، وربما فرق بينهما أن في المداراة تحملاً أكثر لأذى ..
    ....
    ....فالمؤمن يرفق بإخوانه المؤمنين ويخالطهم مناصحة، ويتقي الأشرار ويخالقهم مراودة، وتلك هي المدارة؛ طاعة لله تعالى واتباعاً لسنة رسوله – صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم .
    ....
    ....ثم : من أجل أن يحفظ المؤمن دينه ونفسه وإخوانه، متجنباً كل فتنة، حذراً من كل كيد ووقيعة .
    ....
    ....قال تعالى في وصف المدارين : "وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً" سورة "الفرقان" الآية(63) .
    ....
    ....قيل : إذا خاطبهم الجاهلون خطاباً ناشئاً عن الجهل، مما يكره عباد الرحمن أن يخاطبوا به، أو يثقل عليهم، أجابوا بما هو سالم من القول، وقالوا لهم قولاً سلاماً خاليا ًمن اللغو والإثم .
    ....
    ....وَقَالَ بَعْضِهِمْ :
    قَوْمٌ مَضَوْا كَانَتْ الدُّنْيَا بِهِمْ نُزَهًا *** وَالدَّهْرُ كَالْعِيدِ.وَالْأَوْقَاتُ أَوْقَاتُ
    عَدْلٌ وَأَمْنٌ وَإِحْسَانٌ وَبَذْلُ نَدًى *** وَخَفْضُ عَيْشٍ نُقَضِّيهِ.وَأَوْقَاتُ
    مَاتُوا وَعِشْنَافَهُمْ عَاشُوا بِمَوْتِهِمْ *** وَنَحْنُ فِي صُوَرِ الْأَحْيَاءِ أَمْوَات
    لِلَّهِ دَرُّ زَمَانٍ نَحْنُ فِيهِ فَقَدْ *** أُوذِيَ بِنَا وَعَرَتْنَا.فِيهِ نَكَبَاتُ
    جَوْرٌ.وَخَوْفٌ وَذُلٌّ مَا لَهُ أَمَدٌ *** وَعِيشَةٌ كُلُّهَا هَمٌّ وَآفَاتُ
    وَقَدْ بُلِينَا بِقَوْمٍ لَاخَلَاقَ لَهُمْ *** إلَى.مُدَارَاتِهِمْ تَدْعُو الضَّرُورَاتُ
    ....
    ....إلى أن قال :
    وَالصَّبْرُ قَدْ عَزَّ وَالْآمَالُ تُطْعِمُنَا *** وَالْعُمْرُ يَمْضِيفَتَارَاتٌ وَتَارَاتُ
    وَالْمَوْتُ أَهْوَنُ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ فَقَدْ *** زَالَتْ مِنْ النَّاسِوَاَللَّهِ الْمُرُوآت
    يَارَبِّ لُطْفَكَ قَدْ مَالَ الزَّمَانُ بِنَا *** مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَأَبْلَتْنَا الْبَلِيَّاتُ "
    ....
    ....
    فصل
    ((( المدارة في سنة أرحم الأنام – صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم- القولية والفعلية والإقرارية )))
    ....
    أولاً :
    ((( المداراة في سنة النبي – صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم- القولية )))
    ....
    ....وجاء في السنة أيضاً ما يومئ لذلك، لا بل ما يصرح بذلك، لا بل ما يدعو إلى التحليبهذا الخلق؛ ترغيباً فيه، وتشويقاً لثمرته اليافعة اليانعة حين بذره في سويداء قلوبالمدعوين، وبثه في قفاري صدورهم؛ استصلاحاً، واستمطاراً لديم الهداية المبارك .
    ....
    ....قال رسول الله – صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم : " إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف" "صحيح سنن أبي داود" (4/254) برقم(4807)وفي رواية ذات زيادة :
    ....
    ....قال رسول الله – صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم : " إن الله رفيق يحب الرفق، ويرضاه، ويعين عليه، ما لا يعين على العنف ..." "صحيح الجامع..." برقم(1770)
    ....
    ....ويأتي بها – صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم- مؤكدة، مبشرا وموفّيا، وذلك في قوله – صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم : "إنه من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة" " السلسلة الصحيحة"(2/4 برقم(519)
    ....
    ....وعليه ..
    فقد أوصى رسولنا – صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم- زوجه وحبه الصديقة بنت الصديق – رضي الله تعالى عنهما- به، فقال : " عليك بالرفق إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه" "صحيح الجامع..." برقم(4041)
    ....
    ....وفي رواية : فيها دلالة على استعمال المدارة ترفقا، والتحذير من المداهنة تنفرا؛ مستقى من تقديم التقوى حال الترفق، قال – صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم : " ياعائشة عليك بتقوى الله والرفق، فإن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه ولا نزع من شيء قط إلا شانه" "صحيح الجامع..." برقم(7929)
    ....
    ....وقام رسول الله – صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم-ناصحاً به الأمة ترغيباً وترهيباً :
    ....
    ....فمن قبيل الأول : قوله– صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم : " إذا أراد الله بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق" "صحيح الجامع..." برقم(303)
    ....
    ....ومثله قوله – صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم :" ما أعطي أهل بيت الرفق إلا نفعهم " "صحيح الجامع..." برقم(5541)
    ....
    ....وكذلك قوله– صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم : " إن الله عز وجل ليعطي على الرفق ما لا يعطي على الخرق ([1]) وإذا أحب الله عبدا أعطاه الرفق، ما من أهل بيت يحرمون الرفق إلا حرموا " "صحيح الترغيب والترهيب"برقم(2666)
    ....
    ....ومن قبيل الثاني :قوله – صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم : " من يحرم الرفق يحرم الخير كله " "صحيح سنن أبي داود" (4/255) برقم(4809) .
    ....
    ....وجمع بين أسلوبي الترغيب والترهيب في نص واحد،وذلك في قوله – صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم : "من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير، ومن حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من الخير" "صحيح الجامع..." برقم(6055)
    ....
    ....وشفعه، قوله– صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم- لحبه عائش– رضي الله تعالى عنها : " عليك بالرفق، وإياك والعنف والفحش، إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه" "مشكاة المصابيح" برقم(506
    ....
    ....ونلحظ كيف قدّم الأمر بالرفق، على الأمر بالعنف، في دلالة على تقديمه، وخطير أثره .
    ....
    ....وقد تقرر : أنه عند استواء الرفق والشدة عند فقيه، يغلب جانب الرفق؛ ومن أدلة الترجيح ما تقدم .........
    ....
    ....وأيضاً : في قوله- صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" والحديث في "الصحيحين" وغيرهما
    ....
    ....قال العلامة ابن عثيمين - رحمه الله تعالى-مبيناً ومجلياً لشاهد مسألتنا : " الشاهد لهذا قوله - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : " لأخيه" لأن هذا يقتضي العطف والحنان والرقة"
    ....
    ....قال هذا مقرراً لفوائد منها : " أنه ينبغي صياغة الكلام بما يحمل على العمل به"أهـ"شرح الأربعين النووية"ص(232) اعتناء محمد بن عبد الله المصري- المكتبة الإسلامية- الرواد للإعلام والنشر
    ....
    قلت :
    ....وهذا من محسنه إحسان دال على إخلاصه، وصدق إيمانه، وحياة قلبه، متمثلاً في إرادة الخير للمخاطب، وحب إيصال النفع له، وتأويلاً لقوله تعالى : "... وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً ..." سورة "البقرة" الآية(83)
    ....
    ....ومن النصوص التي تتضمن الدلالة على هذا الخلق : قول رسول الله – صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم: " أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوما ما" "صحيح الجامع..." برقم(17
    ....
    ....هذا من سنته- صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- القولية، أما سنته- صلى الله تعالى عليه وآله وسلم – الفعلية :
    ....
    ثانياً
    ((( المداراة في سنة النبي – صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم- الفعلية )))
    ....
    ....فمنها الحديث المتفق عليه، عن أمنا الصادقة الطاهرة عائشة- رضي الله تعالى عنها-قالت: استأذن رجلٌ النبيَ- صلى الله عليه وآله وسلم-فقال : "ائذنوا لَهُ بئسَ أخوالعَشيرَة هُو" فلما دخل ألان له القول .
    ....
    ....قالت عائشة : فقلت : يا رسول الله!.قلت عنه الذي قلت ثم ألنت له القول!!
    ....
    ....قال: يا عائشة ، إنّ شَرّ الناس مَنزلةعند اللّه يوم القيامَة من ودَعَهُ أو ترَكَهُ الناسُ اتّقاء فُحشه" متفق عليه
    ....
    ....قَالَ فِي شَرْح ِصحيح الإماممُسْلِمٍوَغَيْرِهِ : " فيه : مُداراة مَن يُتَّقَى فُحشُه.
    ....
    ....أقول :
    في هذا تعليم أدب من آداب الاجتماع، وهو رِفْقُ المسلم بمن يتيممه، ولو كان شرَّه إليه سابقا، وفحشه في الناس فاشياً، ويكون معه خلق الباب، للإذهاب .
    ....
    ....من ذلك أيضاً : قصة الزبير- رضي الله عنه -وخصومته مع رجل من الأنصار وهي في"صحيح الإمام البخاري"
    ....
    ....وفيها : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - للزبير"اسق أرضك يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك"
    ....
    ....فقال الأنصاري : أن كان ابن عمتك يا رسول الله"
    ....
    ....وفي رواية : " أراك تحابي ابن عمتك .
    ....
    ....فتلون وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقال للزبير "اسق ثم احبس الماء حتى يبلغ الجدر"
    ....
    ....وفيهم أنزل الله-عز وجل " فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ..." الآيةسورة "النساء" الآية(65) .
    ....
    ....فهذا الرجل ردّ حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - بل اتهمه بالمحاباة، فهذا الفعل ظاهره الكفر البواح، لكن النبي - صلى الله عليه وسلم-لم يكن حريصاً على إنزال أحكام الكفر على أهل القبلة .
    ....
    ....قال العلامة أبو بكر ابن العربي - رحمه الله تعالى:" كل من اتهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -في الحكم، فهو كافر، لكن الأنصاري زل زلة، فأعرض عنه النبي - صلى الله عليه وسلم- وأقال عثرته؛ لعلمه بصحة يقينه، وأنها كانت فلتة، وليست لأحد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم .
    ....
    ....قال القرطبي - رحمه الله تعالى : "وهو الصحيح""تفسير القرطبي" (5/267)([2])
    ....
    ثالثاً
    (((المدارة في سنة النبي – صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم- الإقرارية )))
    ....
    ....وكان مِن مُداراة النبي - صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم - أنه كان لا يواجه الناس بما يكرهون .
    وإذا غضب عُرِف ذلك في وجهه .
    ....
    ....ومن ذلك : ما رواه أبو هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال : " ما عاب النبي - صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم- طعاماً قط ؛ إن اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه " رواه الإمامان : البخاري ومسلم .....
    ....
    ....ومن صور تأويله : الحليلة – ومن في حكمها- قد تأتي بعلها – ومن في حكمه- بطعام، لا يُعجبه لا يشتهيه، فيُجاملها ، فهذه مُداراة ومصانعة محمودة .
    ....
    ______ [ الحاشية ] ______
    ....
    ([1]) قال ابن الأثير – رحمه الله تعالى : " الخُرق : بالضم : الجهل والحمق . "النهاية في غريب الحديث" ص(261) ط. دار ابن الجوزي .
    ....
    ([2]) انظر.-رحمنا الله وإياك وسائر إخواننا المسلمين-.كيف احتوت هذه الأحرف على عدم الرضى بحكم رسول الله.-صلى الله عليه وسلم-.والانقياد لقوله، ومع ذا فقد روعي حال صاحبها.-رضي الله تعالى عنه-.ولم تقم ساحاتهم على قدم وساق ولم يمتطوا شهوات نفوسهم، ويركبوا رؤوسهم، ولم تنشب بينهم حروب التكفير ولم يتراموا الطعون، ويتبارزوا بالظنون، ولم ترفع ألوية الباطل تحت شعارات ظاهرها فيها.-الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الغيرة الإيماني، كلمة حق- الرحمة وباطنها من قبلهم العذاب.-تكفير فتكتل"تحزب"فخروج فتفجير، وما يصاحب ذلك من اضطراب الأمن وهتك الأعراض وزيادة الأمراض والفقر، ثم استغفار وندم- كما هو حال إخواننا أبناء أيامنا هداهم الله تعالى .

    تعليق


    • #3
      فصل
      ((( في استعمال السلف الصالح خلق المدارة تأويلاً لم تقدم، واستصلاحا للخلق )))
      ....
      .... كفانيها كتاب "المداراة" للحافظ ابن أبي الدنيا – رحمه الله تعالى- ومن فيضه أنهل- بتصرف :
      ...." وعن عطاء– رحمه الله تعالى –في قوله. تعالى : "... وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً ..." سورة "البقرة" الآية(83) قال : للناس كلهم. المشرك وغيره ..."
      ....
      .... عن أبي الدرداء – رضي الله تعالى عنه-قال : إنا لنكشّر في وجوه أقوام ونضحك إليهم وإن قلوبنا لتلعنهم ...
      ....
      .... وقال رجل لمعاوية – رضي الله تعالى عنه : المروءة : إصلاح المال، ولين الكف، والتحبب([1]) إلى الناس .
      ....
      .... وعن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما- قال أظنه رفعه شك ليث قال:. كلمة طيبة يتكلم بها الرجل صدقة .
      ....
      .... وعن حميد بن هلال – رحمه الله تعالى- قال : أدركت الناس يعدون المداراة صدقة تخرج فيما بينهم .....
      ....وكان يقال إذا بلغك عن أخيك ما تكره، فالقه بما يحب؛ فإنك تقضمه جمرته، وهو لا يشعر ...
      ....
      .... وقال الإمام مالك – رحمه الله تعالى : " كان القاسم قليل الحديث، قليل الفتيا، وكان يكون بينه وبين الرجل المداراة في الشيء .
      ....
      .... فيقول له القاسم : هذا الذي تريد أن تخاصمني فيه هو لك، فإن كان حقاً، فهو لك، فخذه، ولا تحمدني فيه، وإن كان لي، فأنت منه في حلٍّ، وهو لك"أهـ "سير أعلام النبلاء" للحافظ شمس الدين الذهبي رحمه الله تعالى (5/75) .
      ....
      ....الأصمعي قال : لما حضرت جدي علي بن الأصمع الوفاة جمع بنيه فقال : أي بني! عاشروا الناس معاشرة إن عشتم حنوا إليكم، وإن متم بكوا عليكم .
      ....
      ....وَقَالَ زُهَيْرٌ :
      وَمَنْ لَمْ يُصَانِعْ فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ. ***. يُضَرَّسْ بِأَنْيَابٍ وَيُوطَأْ بِمَنْسِمِ

      ....

      ....

      فصل

      ((( تحضيض أئمة هذا الزمان على هذا الخلق )))

      ....
      قال شيخ الإسلام ابن باز ـ رحمه الله وطيّب ثراه :
      ...."هذا العصر: عصر الرفق والصبر والحكمة ، وليس عصر الشدّة .
      ....الناس أكثرهم في جهل، في غفلة وإيثار للدنيا، فلا بدّ من الصبر، ولا بدّ من الرفق؛ حتى تصل الدعوة، وحتى يبلغ الناس، وحتى يعلموا . ونسأل الله للجميع الهداية" " مجموع فتاوى سماحته" (8/376) و (10/91)
      .
      ....ورحم الله شيخ الإسلام الألباني الذي أوصى قبل وفاته بقوله:
      ...." علينا أن نترفق في دعوتنا مع المخالفين، وأن تكون من قوله تبارك وتعالى دائما وأبداً : "ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ".سورة."النحل".الآية.(125)
      ....
      ....وأول من يستحق أن نستعمل معه هذه الحكمة هو من كان أشد خصومة لنا في مبدئنا وفي عقيدتنا؛ حتى لا نجمع بين ثقل دعوة الحق التي امتن الله عز و جل بها علينا و بين ثقل أسلوب الدعوة إلى الله عز و جل " "موقع الإمام محمد ناصر الألباني .
      ....
      ....

      ((( دفع ورفع )))

      .... دفع تعارض :
      ....أما إظهار العزة على الكفار : " ... أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ..." سورة "المائدة" الآية(54)
      ....
      ....فهو مطلوب في حال المجابهة مع جموع الكافرين أو المعاندين الذين يحاربون الدين، بعد البيان والتخيير .
      ....
      .... رفع شبهة
      ....قيل.لِابنِ عقيل– رحمه الله تعالى- في "فُنونه" : " أَسمع وصِيَّةَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يقول : " ادْفَعْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم"....
      ....وأَسمع النَّاس. يعدون من يظْهِر خلَاف ما يبطن منافقا .
      ....
      ....فَكَيف لِي بِطَاعة اللَّه تعالَى والتخلُّصِ من النِّفَاقِ ؟
      ....
      ....فَقَال. ابن.عقيل: النفَاق هو : إظْهار الْجمِيلِ, وإِبطَال الْقَبِيحِ, وإِضمار الشَّرِّ معإظْهارِ الْخير؛ِ لِإِيقَاعِ الشر .
      ....
      ....واَلَّذي تَضمنتهُ الْآيةُ.إظْهار الْحسنِ فِي مقَابلَة الْقَبِيح؛ لِاستدعاء الْحسنٍ .
      ....
      ....فخرج من هذه الْجملَة أَن النفَاق إبطَال الشَّرِّ وَإِظْهارُ الْخَيْرِ لِإِيقَاعِ الشَّرِّ الْمضمرِ....
      ....ومن أَظْهر الْجمِيل والْحسنَ في مقَابلَة الْقَبِيحِ؛ ليزول الشَّر،ُّ فَلَيْسَ بِمنافق .
      ....
      .... لَكنَه يستصلح، أَلَا تسمع إلَى قَوله سبحانَهُ وَتَعَالَى " فَإِذَا. الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم"
      ....
      .... فَالمداراة : اكتساب واستمالَة, ودفْع عداوة، وإِطْفَاء لِنيرانِ الْحقَائد ([2]) واسْتنماء الْود وإِصلاح الْعقَائد، فَهَذَا طِبّ المودات، واكتساب الرجال " .
      ....

      ....
      ((( فتوى : في حكم المجاملة )))
      ....
      ....سؤال : في بعض الظروف تقتضي المجاملة بأن لا نقول الحقيقة ، فهل يعتبر هذا نوعا من الكذب ؟
      .. .
      ..الجواب : هذا فيه تفصيل :
      ....
      ....فإن كانت المجاملة يترتب عليها جحد حق أو إثبات باطل لم تجز هذه المجاملة .
      ....
      ....أما إن كانت المجاملة لا يترتب عليها شيء من الباطل إنما هي كلمات طيبة فيها إجمال ولا تتضمن شهادة بغير حق لأحد ولا إسقاط حق لأحد فلا أعلم حرجا فيذلك ". "فتاوى ومقالات العلامة ابن باز رحمه الله تعالى "
      ....
      ....
      ((( الخاتمة )))
      ....
      .... ولا يفوتنا أن نقول : إن المداراة وسيلة وليست غاية، فينبغي فيها مراعاة مرضاة الله تعالى وطاعته، وتكون النية فيها ترويد القلوب إلى الإيمان والمحبة، وتهذيب النفوس وتزكيتها، وأيضاً : دفع الشر عن الدين والمؤمنين فلا تكون المداراة تواطؤاً ولا مداهنة على حساب الدين قط، وإلا حَرُمَ .
      ....
      .... فالواجب أخي : أن لا يعوقك أن تعالج مرض أخيك – شبهات كان أو شهوات- بالابتسامة الصافية، بالكلمة الطيبة، بالموعظة الحسنة، وتغض الطرف مؤقتاً عن خطأ هو الأصغر في سبيل تحصيل خير هو الأكمل والأكثر والأكبر
      ....
      .... وعلى ما تقدم ننزل قال الله تعالى : "... ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ" سورة"فصلت" الآية(34) .
      ....
      .... وقال الشافعي - رحمه الله تعالى :
      إني أحيي عدوي عند رؤيته *** لأدفع الشر عني بالتحيات

      وأظهر البشر للإنسان أبغضه *** كأنه قد حشا قلبي محبات

      ....
      .... إن المداراة قد تبلغ إلى إطفاء العداوة, وقلبها إلى صداقة، وفي ذلك يقول بعضهم :
      لَمَّا عَفَوْتُ وَلَمْ أَحْقِدْ عَلَى أَحَدٍ *** أَرَحْتُ نَفْسِي مِنْ هَمِّ الْعَدَاوَاتِ

      إنِّي أُحَيِّي عَدُوِّي عِنْدَ رُؤْيَتِهِ ***لِأَدْفَعَ الشَّر([3]) عَنِّي بِالتَّحِيَّاتِ

      وَأُظْهِرُ الْبِشْرَ لِلْإِنْسَانِ أَبْغَضُهُ *** كَأَنَّهُ قَدْ حَشَى قَلْبِي مَحَبَّاتِ

      وَلَسْتُ أَسْلَمُ مِمَّنْ لَسْتُ أَعْرِفُهُ *** فَكَيْفَ أَسْلَمُ مِنْ أَهْلِ الْمَوَدَّاتِ

      النَّاسُ دَاءٌ وَدَاءُ النَّاسِ قُرْبُهُمْ *** وَفِي الْجَفَاءِ بِهِمْ قَطْعُ الْأُخُوَّاتِ

      فَجَامِلِ. النَّاسَ وَاجْمُلْ مَا اسْتَطَعْتَ *** وَكُنْ أَصَمَّ أَبْكَمَ أَعْمَى ذَا تَقِيَّاتِ

      ....
      .... فما أحوج المرء إلى هذه الخصلة الحميدة، خصوصاّ؛ استجلابا لكوامن الخير في الناس، واستصلاحهم، لا سيما مع من لا بد له من معاشرته؛ اتقاءًا لشرّه، وهذا كله بعيداً عن الأمر والنهي، وإلا فلا .
      ....
      .... وبالجملة : فالمداراة خلق النبلاء، خصلة الفضلاء، يتهاداها الأذكياء، ولا يتعدى حدودها الأتقياء .
      ....

      وصلي اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

      والحمد لله رب العالمين

      ....
      ....
      كتبه
      الراجي عفو ربه
      أبو عبد الله محمد بن عبد الحميد حسونة
      في 9/12/1428هـ 18 /12/2007م
      .
      .
      .
      ______ [ الحاشية ] ______

      ....

      ( [1] ) ومن صور التودد والتحبب : ما أخرجه الإمام مسلم – رحمه الله تعالى- في "صحيحه" عن عمَر بن الخطّاب - رضي الله تعالى عنه- في قصّة أسارى بدر ـ وكانوا سبعين رجلاً من المشركين ـ أنّهم : " لما أسروا الأسارى، قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم لأبي بكر،‏ ‏و عمر ‏: " ‏ما ترون في هؤلاء الأسارى ؟
      .
      .... فقال ‏أبو بكر :‏ ‏يا نبي الله هم بنو العم و العشيرة أرى أن تأخذ منهم ‏ ‏فديةً،‏ ‏فتكون لنا قوةً على الكفار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام .
      ..
      ... فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم‏ : "‏ما ‏‏ترى يا‏ ‏ابن الخطاب ؟‏ ‏
      ..
      ... قلت : لا و الله يا رسول الله ، ما أرى الذي رأى ‏ أبو بكر، ‏و لكني أرى أن تُمكنا فنضرب أعناقهم...
      .
      .... ‏فهَوِيَ رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ما قال ‏أبو بكر، ‏و لم يهوَ ما قلتُ .
      .
      .... فلما كان من الغد جئتُ، فإذا رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم و أبو بكر ‏قاعِدَين يبكيان، قلت : يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي ، أنت و صاحبك فإن وجدت بكاءً بكيتُ، و إن لم أجد بكاءً تباكيتُ لبكائكما .
      .
      ....فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم‏ : " أبكي للذي عَرض علي أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عُرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة - شجرة قريبة من نبي الله ‏‏صلى الله عليه وسلم - ‏و أنزل الله عز و جل : " مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَ اللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ واللهُ عَزيزٌ حَكِيمٌ" سورة "الأنفال" الآية(67)."صحيح.الإمام مسلم" كتاب الهجرة والمغازي "باب: في الإمداد بالملائكة، وفداء الأسارى، وتحليل الغنيمة" . ....

      ( [2] ) في الفرق بين أخمدت النار وأطفأتها، وتعلقها بالمداراة، قالوا : " أن الاخماد يستعمل في الكثير، والاطفاء في الكثير والقليل .
      .
      ....يقال أخمدت النار وأطفأت النار ويقال أطفأت السراج ويقال أخمدت السراج .
      .
      ....وطفئت النار يستعمل في الخمود مع ذكر النار : فيقال خمدت نيران الظلم، ويستعار الطفي في غير ذكر النار : فيقال طفئ غضبه ولا يقال خمد غضبه، وفي الحديث: " الصدقة تطفئ غضب الرب "
      .
      ....وقيل : الخمود يكون بالغلبة والقهر، والاطفاء بالمداراة والرفق .
      .
      ....ولهذا يستعمل الاطفاء في الغضب؛ لأنه يكون بالمداراة والرفق، والاخماد يكون بالغلبة، ولهذا يقال خمدت نيران الظلم والفتنة.
      .
      .... وأما الخمود والهمود فالفرق بينهما : أن خمود النار، أن يسكن لهبها ويبقى جمرها، وهمودها : ذهابها البتة.
      .
      ....وأما الوُقود بضم الواو. فاشتعال النار، والوَقود بالفتح ما يوقد به" "معجم الفروق اللغوية الحاو لكتاب أبي هلال العسكري وجزء‌ من كتاب السيد نور الدين الجزائر" .

      ....
      ( [3] ) وفي باب وجوب اعتزال الشر وأهله :
      .... أقول : المؤمن شره مأمون، وخيره مأمول، فإن فشا الشر، وامتنع دفعه، وجب اعتزاله وأهله، وفي ذلك أخبار، منها :
      .
      .... " بلال بن أبي الدرداء – رحمه الله تعالى - قال : قال لي أبي – رضي الله تعالى عنه-يا بني إذا رأيت الشر فدعه وأهله.
      .
      ....وعن قتادة : قال لقمان لابنه– رحمهم الله تعالى : أي بني اعتزل الشر كما يعتزلك، فإن الشر للشر خلق .
      .
      .... وعن زيد بن أسلم أن لقمان قال لأبنه– رحمهم الله تعالى :من قال الشر يطفئ الشر فإن كان صادقا فليوقد نارا عند نار ثم لينظر هل تطفئ إحداهما الأخرى، ألا فإن الخير يطفئ الشر كما يطفئ الماء النار .
      .
      ....عن مجاهد عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهم- قال : إذا أردت أن تذكر عيوب صاحبك فاذكر عيوب نفسك.
      .
      .... عن عون بن عبد الله – رحمه الله تعالى- قال : ما أحسب أحدا تفرغ لعيوب الناس إلا من غفلة غفلها عن نفسه
      .
      ....وعن عبد الله بن بكر بن عبد الله المزني عن أبيه – رحمهما الله تعالى- قال : إذا رأيتم الرجل موكلا بذنوب الناس ناس لذنوبه فاعلموا أنه قد مكر به" "مداراة الناس" لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا / تحقيق : محمد خير الدين رمضان يوسف – ص(139-144) دار إبن حزم – بيروت - الطبعة الأولى ، 1998م

      تعليق

      يعمل...
      X