إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

ماذا نفعل إذا خالف الحديث الصحيح المذهب المالكي ؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ماذا نفعل إذا خالف الحديث الصحيح المذهب المالكي ؟

    ((وإذا سمعت الرجل يطعن على الآثار أو يرد الآثار أو يريد غير الآثار فاتهمه على الإسلام ولا تشك أنه صاحب هوى مبتدع))
    (شرح السنّة للبربهاري 96)




    ((المذهبية باعدت مـا بيـننا *** حتى تجافى الأهلُ والخُلطــاءُ


    وعلى التعصُّب شبَّ فينا ناشءٌ *** وعلى التعصّب ضابت الكُبراءُ


    المـذهبية جمّـدت تفكيرنا *** فأصابَ فكر الأمّـة الإغمـاءُ


    فمـتى نثوبُ لرشدنا فكتابُنا *** وحـديثُ أحمـدَ روضةٌ غنّاءُ


    فيـها سعادتُنا وفيـها مجدُنا *** والله يُؤتي الفضـل من يشاءُ))



    (ديوان النصر للإسلام لخير الدّين وانلي ص80)





    ماذا نفعل إذا خالف الحديث الصحيح المذهب المالكي ؟



    1) نأخذ بقول علماء المذهب ونترك الحديث النبوي ولا نعمل به فهم أعلم منّا على كلّ حال!
    2) نعمل بالحديث ولا نلتفت إلى غيره!



    اقرأ ثمّ اختر أي الجوابين أولى بالحقّ.




    بحث متواضع من إعداد أخيكم في الله


    أبي عبد الله غريب بن عبد الله الأثري القسنطيني


    ستر الله عيوبه.







    المقدّمة:

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبع هداهم إلى يوم الدّين وبعد:

    ((اعلم أيها الطالب للحق المتبرئ من الشرك والبدعة وأهلهما ! أن الله أرسل رسوله محمداً صلى الله عليه وسلّم بالهدى ودين الحق بشيراً ونذيراً، لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين، فبلغ الرسالة ولم يخص بـها أحداً دون أحد وأدى الأمانة على أكمل وجه، وجاهد في الله حق جهاده وعبد الله حتى أتاه اليقين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله و أصحابه العدول الثقات الذين هم أغزر هذه الأمة علماً، وأقومها سبيلاً، وأطهرها قلوباً و أتقاها لله، اختارهم الله لصحبة نبيه وقال فيهم: ((كنتم خير أمة أخرجت للناس))، و أمر كل من بعدهم باتباعهم فقال تعالى في سورة التوبة : ((والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنـهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم)).

    وقال تعالى حاثاً عباده على اتباع رسوله في سورة آل عمران : ((قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم)) وقال تعالى في سورة الأعراف: ((ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة و الإنجيل)) إلى أن قال: ((فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون)) وقال تعالى في سورة الأعراف: ((اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون)) والآيات في هذا المعنى أكثر من أن تحصى .
    ثم تحمل الرسالة بعد الصحابة الكرام التابعون، ورعوها حق رعايتها وكانوا أحق بـها وأهلها، ثم حملها تابعوهم من الأئمة المجتهدين والحفاظ المبرزين نفوا عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.

    ولم يكن في تلك القرون المفضلة تشدد في الدين، ولا تمذهب، ولا تحزب، ولا تعصب، بل كانوا عباد الله إخوانا، وعلى طاعته أعوانا، وكان العامي في تلك العصور إذا عنت له مسألة سأل من يصادفه من العلماء، فكان الواحد يسأل في مسألة أحد الخلفاء الراشدين، وفي الأخرى عبد الله بن عباس، وفي الثالثة عبد الله بن مسعود، وفي الرابعة عبد الله بن عمر وفي الخامسة جابر بن عبد الله. وهكذا.
    ولم يتخذ أحد منهم رجلاً بعينه يخص بالسؤال والاتباع دون غيره كأنه نبي مرسل.

    حاشاهم من ذلك، وإنما حدث ذلك بعد القرون المفضلة أي في القرون المذمومة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلّم. (من كتاب الحسام الماحق للعلامة تقي الدين الهلالي)

    ((وكان النّاس في الصدر الأوّل –أعني الصحابة والتابعين والصالحين رضوان الله عليهم أجمعين- يبنون أمورهم على الحجّة، فكانوا يأخذون بالكتاب ثمّ بالسنّة ثمّ بّأقوال من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلّم ما يصحّ بالحجّة، فكان الرجل يأخذ بقول عمر رضي الله عنه في مسألة ثمّ يخالفه بقول علي رضي الله عنه في مسألة أخرى، وقد ظهر من أصاحب أبي حنيفة رحمهم الله أنّهم وافقوه مرّة وخالفوه أخرى على حسب ما تتضّح لهم الحجّة، ولم يكن المذهب في الشريعة عُمَريا ولا عَلويا، بل النّسبة كانت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقد كانوا قرونا أثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالخير، فكانوا يرون الحجّة لا علماءهم ولا نفوسهم.

    فلمّا ذهب التقوى من عامّة القرن الرابع، وكسلوا عن طلب الحجج، جعلوا علماءهم حجّة واتّبعوهم، فصار بعضهم حنفيا وبعضهم مالكياً وبعضهم شافعياً، ينصرون الحجّة بالرجال، ويعتقدون الحجّة بالميلاد على ذلك المذهب، ثمّ كلّ قرن اتّبع عالمه كيفما أصابه بلا تمييز، حتّى تبدّلت السنن بالبدع، فضلّ الحق بين الهوى.)) قاله الإمام أبو زيد الدّبوسي رحمه الله –من أكابر أصحاب أبي حنيفة رحمه الله- في كتاب تقويم الأدلّة في أواخر باب الاستحسان (الفتوى في الإسلام للعلامة جمال الدين القاسمي رحمه الله ص 149، قصر الكتاب الجزائر 1988م)

    ولقد كثُر الكلام هذه الأيّام -في الجزائر- حول ضرورة الإلتزام بتعاليم (!) المذهب المالكي والتحذير من فتنة (!) اللامذهبية (!!) وقد حمل لواء هذه الدعاية رجلان من أهل التصوّف والخرافة والبدعة، معروفان بعدائهما لعقيدة أهل السنّة والجماعة أهل الحديث والأثر.

    أمّا الصوفي الأوّل فهو رأس البدعة في الجزائر وهو المنسّق الأعلى (الأسفل) للطريقة القادرية في الجزائر وعموم إفريقيا وهو الهيتي المدعو محمّد بن بريكة ! حيث إنّ هذا الأخير يشنُّ هذه الأيّام حملة شعواء ضدّ أهل السنّة السلفيين الذين يُسمّيهم هو بالوهّابيين. وسيكون لي وقفات مع هذا الرجل في المستقبل القريب إن شاء الله تعالى فصبرا.

    وأمّا الصوفي الثاني فهو (صاحبنا!) أبو شبر شمس الدّين بوروبي! طبعاً هو غنيٌّ عن كلّ تعريف !! الرجل الذي يسبُّ الإمام أحمد والدارمي وأبي يعلى الفرّاء وابن خزيمة وابن تيمية وابن القيّم و و و ..إلى آخر القائمة الطويلة.

    ومن الطريف في الأمر أنّ كلا الرجلين اجتمعت كلمتهما على وجوب صدّ الفتنة القادمة من الشرق (!) -زعموا - أي من بلاد التوحيد المملكة العربية السعودية حرسها الله تعالى وجعلها ذخرا لأهل السنّة والجماعة- وذلك بإلزام النّاس بالمذهب المالكي وتعاليمه وإن خالفت هذه التعاليم الأحاديث الصحيحة والسنن الثابتة.

    وأنا أتعجّب من حمق هذين الرجلين! كيف يريدان أن يمنعا العلم القادم من أرض الحجاز وفي نفس الوقت يُريدان إلزام النّاس بمذهب إمام أرض الحجاز ؟!

    أوليس الإمام مالك بن أنس رحمه الله من الحجاز ؟ أليست المملكة العربية السعودية من الحجاز ؟ ألم يكن الإمام مالك من أهل المدينة النبويّة على ساكنها أفضل صلاة وأزكى تسليم ؟ أليست المدينة في السعودية ؟ أم لعلّ القوم ظنّوا الإمام مالك جزائري ؟؟!!

    ثمّ كيف يدعوا هؤلاء القوم إلى الرجوع إلى فقه الإمام مالك وجعله المصدر الأوّل والأخير في الفتيا في الجزائر وفي نفس الوقت يتغافلون عن عقيدة الإمام مالك التي لم يشيروا إليها في نُباحهم ولو من بعيد ؟!
    فهل يجوز لهم أن يأخذوا من الرجل فقهه ويتركوا عقيدته ؟! قد يصحُّ هذا الفعل مع من كانت عقيدته فاسدة من أمثال العز بن عبد السلام والسبكي والمناوي وغيرهم من الذين نبغوا في العمليات وزلّت بهم القدم في العلميات فهل الإمام مالك بن أنس صاحب عقيدة فاسدة ؟!

    فإن كان جوابهم لا -وهو الحقّ- وكانوا حقّا مالكيّة فلينهجوا نهج مالك في العقيدة أيضا، أو أنّهم سيزعمون أنّ الإمام مالك كان أشعريا قادريا كما هو حال بن بريكة أو جهمياً صوفياً كما هو حال شمس الدّين ؟!

    أليس من الإنصاف أن يعلّم هؤلاء القوم الشعبَ الجزائريَّ عقيدة الإمام مالك قبل فقهه ؟!
    أم أنّ الهوى يُسيطرُ على أفئدتهم فهم يتخيّرون ما يُناسبُهم ويتركون ما لا يُناسبُهم ؟! لا شكّ أنّ الجواب الأخير هو واقع القوم، فمالنا من حيلة مع من كانت هذه حاله إلا أن نقول لهم: حسبُنا الله ونعم الوكيل، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

    ورحم الله أبا شامة الإمام المحدّث الفقيه (ت 665 هـ) حين تحدّث عن العلماء في عصره وتقصيرهم، وتحدّث عن المقلّدين الملتزمين بأقوال من سبقهم من الرجال من غير معرفة بأدلّتهم ولا تمحيص في مُستنداتهم، فقال عليه رحمة الله: ((ومنهم من قنع بزبالة أذهان الرجال وكناسة أفكارهم، وبالنقل عن أهل مذهبه، وقد سُئل بعض العارفين عن معنى المذهب، فأجاب أنّ معناه: ((دينٌ مُبدّل، قال تعالى: ((ولا تكونوا من المشركين من الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعا)). ألا ومع هذا يُخيَّل إليه أنّه من رؤوس العلماء، وهو عند الله وعند عُلماء الدين من أجهل الجهلاء، بل بمنزلة قسّيس النّصارى أو حبر اليهود، لأنّ اليهود والنّصارى ما كفروا [إلا] بابتداعهم في الأصول والفروع، وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلّم: ((لتركبنّ سنن من كان قبلكم)). اهـ (تاريخ الفقه الإسلامي لعمر سليمان الأشقر ص142 قصر الكتاب، البليدة، الجزائر والكتاب نافع ولكن مؤلفه عليه ملاحظات)

    لأجل هذا وذاك رأيتُني متحمّساً لجمع مادة علمية في بيان حكم التمذهب بمذهب معيّن من كلام أئمّة الإسلام على مرّ السنين كما ذكرتُ في ثنايا هذا البحث المُتواضع -الذي أسأل الله أن يجعله خالصا لوجهه وأن ينفع به من قرأه- أُمورا لا غنى لطالب العلم عن معرفتها.

    ورحم الله رجلا وقف على خطأ منّي فأرشدني إليه بالتي هي أحسن وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم.



    وكتب: أبو عبد الله غريب بن عبد الله الأثري.
    قسنطينة 20/01/2008 م

  • #2

    1) تعريف الحديث الصحيح: هو المسند المتّصل برواية العدل الضابط عن مثله عن مثله إلى منتهاه ولا يكون شاذّا ولا معلاً. (علوم الحديث للألباني ص11-12 جمع وإعداد عصام موسى هادي دار ابن حزم ط1)

    والمقصود بالحديث الصحيح في هذا البحث هو ما صحّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم من قول أو فعل أو تقرير أو ترك بالطريقة المذكورة في التعريف أعلاه، وهذه الأربعة هي أقسام سنّته عليه الصلاة والسلام، ولذلك فقد أعبّر عن الحديث الصحيح بالسنّة والعكس بالعكس.


    2) منزلة الحديث الصحيح في الشريعة
    قال تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) (النساء:59).
    وقال تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يُصيبهم عذاب أليم) (النور:63).
    وقال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً ممّا قضيت ويُسلموا تسليما) (النساء:65).
    و((أجمع العلماء على أن هذا الرد والتحاكم بعده يكون إلى سنته، ففي هذه الآيات أعظم برهان على تحريم مخالفته، والاستبدال بسنته، فانظر كيف حذر المخالفين له بالفتنة التي هي الشرك، أو الزيغ، وبالعذاب الأليم، وكيف أقسم على نفي [كمال] الإيمان عنهم إذا لم يحكموه في كل نزاع يحدث بينهم، ويسلموا لقضائه، ولا يبقى في أنفسهم حرج من قضائه، وكفى بذلك وعيداً وتهديداً لمن ترك سنته بعد معرفة حكمها، تهاوناً واستخفافاً، واعتاض عنها العادات والآراء)). (من رسالة: أخبار الآحاد في الحديث النبوي للشيخ ابن جبرين أصلحه الله وغفر له -بتصرّف- مع التحذير من منهجه)
    وقال تعالى: (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون) (الأعراف:15.
    قال الله تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) (النحل:44).
    وقال تعالى: (وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه) (النحل:64).
    وقال تعالى: (ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيراً) (الفتح:13).
    وقال تعالى: (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا إنما على رسولنا البلاغ المبين) (المائدة:92).
    وقال تعالى: (قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين) (النور:54).
    وقال تعالى: (يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم)(محمد:33). وقال تعالى: (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين) (التغابن:12).
    وقال تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (الحشر:7).
    وقال تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ، قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين) (آل عمران:31-32).
    وقال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنةُ لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً ) (سورة الأحزاب:21).
    ولا شك أن محبة العبد لربه واجبة، وقد وقف حصولها وقبولها على اتباع هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وجعل من ثواب اتباعه حصول محبة الله ومغفرته للعبد، وهذا الاتباع له والتأسي به يوجب تقليده، والسير على نهجه، والاقتداء به في تقرباته، وتجنب كل ما نهى عنه، والحذر من مخالفته التي نهايتها الخروج عن التأسي به. (من رسلة: أخبار الآحاد في الحديث النبوي للشيخ ابن جبرين أصلحه الله بتصرّف)
    وقال تعالى: ((لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلوا عليهم آياته و يزكيهم و يُعلمهم الكتاب و الحكمة و إن كانوا من قبل لفي ضلال مبين))(سورة آل عمران:164)،
    ففي هذه الآيات الكريمة دلالة واضحة على وجوب العمل بالسنّة النبوية بأقسامها الأربعة:
    القولية والعملية والتقريرية والتركية.
    بل جعل الله علامة حبّنا له تعالى متعلّقة بمدى تمسّكنا بسنّة نبيّه عليه الصلاة والسلام ومدى اتّباعنا له.
    فمن لم يستنّ بسنّة نبيّه عليه السلام ولم ينصاغ لأوامره ويقف عند نواهيه فليس محبّا لله وإن حلف الأيمان المغلّظة على خلاف ذلك.
    وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي وبما جئت به).
    كما ثبت عنه في الصحيح أنه قال: (فمن رغب عن سنتي فليس مني).
    قال صلى الله عليه و سلم: ((قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك))، رواه أحمد وابن ماجة (هو في مسند أحمد 4/126، و ابن ماجة برقم 43 عن العرباض بن سارية رضي الله عنه).
    وقال: ((إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، و ينذرهم شر ما يعلمه لهم))، رواه مسلم و النسائي عن عبدالله بن عمرو (كما في صحيح مسلم 12/232 كتاب الإمارة، و سنن النسائي 7/152 كتاب البيعة في حديث طويل).
    فكان حقاً على الأمة السير على نهجه، و اتباع سنته، مما يسبب لهم النصر والعزّ والتمكين في الدنيا، و حصول رضى الله تعالى و ثوابه في الدار الآخرة.


    3) ما تدل عليه النصوص السابقة :
    وفي هذه النصوص من الآيات والأحاديث أمور هامة جداً يمكن إجمالها فيما يلي :
    1) أنه لا فرق بين قضاء الله وقضاء رسوله، وأن كلا منهما، ليس للمؤمن الخيرة في أن يخالفهما، وأن عصيان الرسول كعصيان الله تعالى، وأنه ضلال مبين.

    2) أنه لا يجوز التقدم بين يدي الرسول كما لا يجوز التقدم بين يدي الله تعالى، وهو كناية عن عدم جواز مخالفة سنته ، قال الإمام ابن القيم في ((إعلام الموقعين)) (1/5 : (( أي لا تقولوا حتى يقول، وتأمروا حتى يأمر، ولا تفتوا حتى يفتي ، ولا تقطعوا أمراً حتى يكون هو الذي يحكم فيه ويمضي )).

    3) أن التولي عن طاعة الرسول إنما هو من شأن الكافرين .

    4) أن المطيع للرسول مطيع لله تعالى .

    5) وجوب الرد والرجوع عند التنازع والاختلاف في شيء من أمور الدين إلى الله وإلى الرسول، قال ابن القيم (1/54) :
    ((فأمر تعالى بطاعته وطاعة رسوله ، وأعاد الفعل ( يعني قوله : وأطيعوا الرسول ) إعلاماً بأن طاعته تجب استقلالاً من غير عرض ما أمر به على الكتاب ، بل إذا أمر وجبت طاعته مطلقاً سواء كان ما أمر به في الكتاب ، أو لم يكن فيه ، فإنه (( أوتي الكتاب ومثله معه )) ، ولم يأمر بطاعة أولي الأمر استقلالاً ، بل حذف الفعل وجعل طاعتهم في ضمن طاعة الرسول )) ومن المتفق عليه عند العلماء أن الرد إلى الله إنما هو الرد إلى كتابه ، والرد إلى الرسول ، هو الرد إليه في حياته ، وإلى سنته بعد وفاته ، وأن ذلك من شروط الإيمان.

    6) أن الرضى بالتنازع، بترك الرجوع إلى السنة للخلاص من هذا التنازع سبب هام في نظر الشرع لإخفاق المسلمين في جميع جهودهم، ولذهاب قوتهم وشوكتهم.

    7) التحذير من مخالفة الرسول لما لها من العاقبة السيئة في الدنيا والآخرة .

    استحقاق المخالفين لأمره الفتنة في الدنيا ، والعذاب الأليم في الآخرة .

    9) وجوب الاستجابة لدعوة الرسول وأمره ، وأنها سبب الحياة الطيبة ، والسعادة في الدنيا والآخرة .

    10) أن طاعة النبي سبب لدخول الجنة والفوز العظيم ، وأن معصيته وتجاوز حدوده سبب لدخول النار والعذاب المهين .

    11) أن من صفات المنافقين الذين يتظاهرون بالإسلام ويبطنون الكفر أنهم إذا دعوا إلى أن يتحاكموا إلى الرسول وإلى سنته، لا يستجيبون لذلك، بل يصدون عنه صدوداً .

    12) وأن المؤمنين على خلاف المنافقين ، فإنهم إذا دعوا إلى التحاكم إلى الرسول صلى الله عليه وسلّم بادروا إلى الاستجابة لذلك ، وقالوا بلسان حالهم وقالهم : (( سمعنا وأطعنا )) ، وأنهم بذلك يصيرون مفلحين ، ويكونون من الفائزين بجنات النعيم .

    13) كل ما أمرنا به الرسول يجب علينا اتباعه فيه ، كما يجب علينا أن ننتهي عن كل ما نهانا عنه .

    14) أنه أسوتنا وقدوتنا في كل أمور ديننا إذا كنا ممن يرجو الله واليوم الآخر .

    15) وأن كل ما نطق به رسول الله مما لا صلة بالدين والأمور الغيبية التي لا تعرف بالعقل ولا بالتجربة فهو وحي من الله إليه . ((لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه )).

    16) وأن سنته صلى الله عليه وسلّم هي بيان لما أنزل إليه من القرآن.

    17) وأن القرآن لا يغني عن السنة ، بل هي مثله في وجوب الطاعة والاتباع ، وأن المستغني به عنها مخالف للرسول عليه الصلاة والسلام غير مطيع له ، فهو بذلك مخالف لما سبق من الآيات .

    1 أن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله ، وكذلك كل شيء جاء به رسول الله مما ليس في القرآن ، فهو مثل ما لو جاء في القرآن لعموم قوله: (( ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه )).

    19) أن العصمة من الانحراف والضلال إنما هو التمسك بالكتاب والسنة ، وأن ذلك حكم مستمر إلى يوم القيامة ، فلا يجوز التفريق بين كتاب الله وسنة نبيه (بتصرّف من رسالة: وجوب الرجوع إلى السنّة وتحريم مخالفتها للإمام الألباني عليه رحمة الله تعالى) .

    4) هل النبي صلى الله عليه وسلّم معصوم فيما يُبلّغ عن ربّه؟ الجواب نعم وبلا شكّ ولا تردّد بل لو شكّ أحدٌ في عصمة النبيّ صلى الله عليه وسلّم في تبليغ أمور الدّين والشريعة كفر وخلع ربقة الإسلام من عنقه. ولولا أنّه خرج على المسلمين في العصر الحديث من يُشكّك في ذلك لما تعرّضت لهذه المسألة.

    5) تعريف المذهب (المالكي): المذهب المالكي هو عبارة عن اجتهادات الإمام مالك رحمه الله تعالى في المسائل الفقهية التي لا نصّ فيها، فيخرج من هذا التعريف ما ورد فيه النّص من مسائل الأحكام، فمثل هذا الأخير لا يُقال فيه هذا مذهب مالك وإنّما يُقال فيه هذا قول مالك.
    قال محمّد المكي بن عزوز في هيئة النّاسك: ((قولنا في منصوصات الشارع.. هذا مذهب فلان فيه تسامح إذ لا يُنسبُ مذهبٌ لأحد إلا المسائل الاجتهادية التي لا نصّ فيها من الكتاب ولا من السنّة ولا من الإجماع)). (راجع المقدّمة السلفية للشيخ أبي عبد الباري عبد الحميد العربي حفظه الله للطريقة المُثلى في الإرشاد إلى ترك التقليد واتّباع ما هو أولى للسيّد أبي الخير الطيّب نور حسن خان، مكتبة الفرقان، ط2 سنة 1422هـ ص123 وما بعدها)

    6) منزلة المذهب المالكي في الشريعة: المذهب المالكي هو أحد المذاهب الأربعة الفقهية المعتمدة عند أهل السنّة والجماعة بل وعند أهل الأهواء أيضا كالصوفية والأشاعرة وغيرهم.

    7) هل الإمام مالك وعلماء المالكية معصومون ؟ لا شكّ أنّ الجواب لا ومن اعتقد ذلك وجب استتابته فإن تاب وإلا قُتل مُرتدّاً.
    بل إنّ الإمام مالك وتلاميذه وأتباعه ومن جاؤوا بعدهم ومن هم أفضل من الإمام مالك علما وديناً كالصحابة والتابعين وغيرهم كلّهم ليسوا بمعصومين.
    ولا يجوز اعتقاد العصمة في بشر خلا الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه.
    والقول بعصمة الأئمّة والمشايخ العلماء هو شعار أهل البدع الكُبرى كالشيعة الرافضة ومن تبعهم كغلاة المتصوّفة وغيرهم. فقد أدى بهم الغلو في أئّتهم ومشايخهم إلى الإعتقاد بعصمتهم وامتناع الخطئ عنهم!
    ((ومن الغلوّ المذموم تعظيمُ أقوال الأئمّة بحيثُ تُقدّم على النصوص الواضحة الصريحة، وإيجابهم على كلّ مكلّف بلغ سنّ الرشد أن يلتزم أحد المذاهب الفقهية، وتحريمهم خروج المسلم عى مذهبه، كما يحرّمون عليه الأخذ من المذاهب الأخرى، ويتعلّلون لذلك بعلل سقيمة كقولهم: علماؤنا السابقون أعلمُ منّا بالنّصوص، وربّما اطّلعوا على شيء لم نطّلع عليه، وربّما كان هذا منسوخا، أو لا يُراد ظاهره، ونحو ذلك)) (تاريخ الفقه الإسلامي ص140)
    ونحنُ نبرأ إلى الله من أن نشابه هؤلاء القوم الذين ضلّوا عن سواء السبيل فغلوا في مشايخهم وأئمّتهم فأنزلوهم منزلة من لا ينطقُ عن الهوى بل غلا بعضهم فأنزلهم منزلة من أوحى إلى عبده ما أوحى !!
    بل نحنُ نقول أنّ الإمام مالك وغيره من الأئمّة الكبار كأبي حنيفة والأوزاعي وابن المبارك والسفيانين والحمّادين والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهُوَيْه وابن تيمية وغيرهم بشرٌ مثلُنا فضّلهم الله علينا بالعلم والتقوى لا بالعصمة. فيجوز عليهم الخطأ كغيرهم من بني البشر ومن اعتقد خلاف هذا فقد أصيب في عقله!


    من قال إنّ الشافعيَّ ومالكاً *** وأبا حنيفةَ مـا لهم أخطاءُ ؟
    إن ظـنّ أنّ إمامَهُ في عصمة *** فظنونُهُ كالرافضين هبـاءُ
    أوَ ما درى أنّ ابنَ آدمَ عرضةٌ *** للوهم وهو الجاهلُ النَسَّاءُ
    لـم يعصم الرحمنُ إلا رُسْلهُ *** في كلّ ما أدَّوا فهُم أُمنـاءُ

    (ديوان النصر للإسلام ص 7


    هل يمكن أن يجهل الإمام مالك حديثا ونعلمه نحنُ ؟ هذا ينبني على ما قبله. فمن اعتقد أنّ الإمام مالك غير معصوم أجاب عن السؤال بنعم!
    ومن اعتقد في الإمام مالك ما يعتقده الرافضة في أئمّتهم الإثني عشر والصوفية في أوليائهم و أقطابهم وأوتادهم أجاب بلا!!
    وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته الجليلة (رفع الملام عن الأئمّة الأعلام) -(ص10 وما بعدها، المكتبة العصرية، بيروت. تحقيق: عبد الله الأنصاري)- عشرة أسباب يكون وجود أحدها عذراً لمن قام به في مخالفة الحديث النبوي الصحيح.
    فمنها: أن لا يكون الحديث قد بلغه، فإنه لا يمكن لأحد الإحاطة بالحديث النبوي جميعه. فقد خفيت بعض الأحاديث عن بعض الصحابة وغابت عنهم، فإذا جاز هذا الأمر في الصحابة الذين عاشوا مع النبي صلى الله عليه وسلّم جاز على الإمام مالك من باب أولى وبين الإمام مالك وبين وفاة النبي صلى الله عليه وسلّم عشراة السنين!
    ومنها: أن يكون الحديث قد بلغه ولكن لم يثبت عنده، أو اعتقد ضعفه خطأ.
    أو نسيه.
    أو لم يتفطن لدلالته عند الفتيا.
    أو اعتقد أن لا دلالة فيه.
    أو اعتقد أنه معارض بما يدل على ضعفه أو نسخه أو تأويله مما خالفه فيه غيره... إلى غير ذلك من الأعذار التي قد تصرفه عن العمل بالحديث النبوي وإن كان صحيحا في ذاته.

    تعليق


    • #3

      9) تعريف التقليد:
      التقليد قبول قول المجتهد والعمل به.
      وقال القفال في أول شرح التلخيص: هو قبول قول القائل إذا لم يعلم من أين قاله.
      وقال الشيخ أبو إسحاق: هو قبول القول بلا دليل.
      قال القفال: كأنه جعل قادة له. اهـ (تهذيب الأسماء لابن حزام 3/279 دار الفكر ط1 سنة 1996م )
      فمن التعريف السابق يتبيّن لنا انّ التقليد ليس سبيلا إلى العلم ولا طريقا موصلة إليه ولأجل ذلك اتّفقت كلمة العلماء أنّ المقلّد جاهل وإن كان أعلم النّاس بمذهب من يقلّده!


      9) الأئمّة والفقهاء والعلماء يذمّون التقليد والتعصّب المذهبي:

      المـذهبيةُ بدعـةٌ خرقـاءُ *** دهبَتْ ضحيّة حُمقها الدّهماءُ !

      قال ابن عبد البرّ (ت463 هـ) في التمهيد (2/248 وزارة الشؤون الإسلامية المغرب سنة 1387 تحقيق مصطفى العلوي ومحمد البكري): ((وإنما دخلت الداخلة على الناس من قبل التقليد لأنهم إذا تكلم العالم عند من لا ينعم النظر بشيء كتبه وجعله دينا يرد به ما خالفه دون أن يعرف الوجه فيه فيقع الخلل وبالله التوفيق)) اهـ

      وما أعظم ما قاله الإمام ابن القيّم في حاشيته (6/362 دار الكتب العلمية ط2 سنة 1415هـ):
      ((وعياذا بالله من شر مقلد عصبي يرى العلم جهلا والإنصاف ظلما وترجيح الراجح على المرجوح عدوانا. وهذا المضايق لا يصيب السالك فيها إلا من صدقت في العلم نيته وعلت همته. وأما من أخلد إلى أرض التقليد واستوعر طريق الترجيح فيقال له ما هذا عشك فادرجي.)) اهـ

      وقال الإمام أبو عثمان بن الحداد المغربي المالكي صاحب سحنون رحمهما الله تعالى: هو (أي تقليد الرجال والتزام أقوالهم والتعصب لهم) من نقص العقول أو دناءة الهمم ! (انظر السير 14/206 مؤسسة الرسالة تحقيق الأرناؤوط والعرقسوسي)

      وقال الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى (سبل السلام 4/118 وما بعدها دار إحياء التراث العربي ط4 سنة 1379هـ تحقيق محمد الخولي ):
      واستدلوا بالحديث على أنه يشترط أن يكون الحاكم مجتهدا.
      قال الشارح وغيره ((وهو المتمكن من أخذ الأحكام من الأدلة الشرعية قال ولكنه يعز وجوده بل كاد يعدم بالكلية ومع تعذره فمن شرطه أن يكون مقلدا مجتهدا في مذهب إمامه ومن شرطه أن يتحقق أصول إمامه وأدلته وينزل أحكامه عليها فيما لم يجده منصوصا من مذهب إمامه))
      قلت (الإمام الصنعاني) ولا يخفى ما في هذا الكلام من البطلان وإن تطابق عليه الأعيان وقد بينا بطلان دعوى تعذر الاجتهاد في رسالتنا المسماة بـ ((إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد)) بما لا يمكن دفعه وما أرى هذه الدعوى التي تطابقت عليها الأنظار إلا من كفران نعمة الله عليهم فإنهم -أعني المدعين لهذه الدعوى والمقررين لها- مجتهدون يعرف أحدهم من الأدلة ما يمكنه بها الاستنباط مما لم يكن قد عرفه عتاب بن أسيد قاضي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على مكة ولا أبو موسى الأشعري قاضي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في اليمن ولا معاذ بن جبل قاضيه فيها وعامله عليها ولا شريح قاضي عمر وعلي رضي الله عنهم على الكوفة.
      ويدل لذلك قول الشارح ((فمن شرطه أي المقلد أن يكون مجتهدا في مذهب إمامه وأن يتحقق أصوله وأدلته)) أي ومن شرطه أن يتحقق أصول إمامه وأدلته وينزل أحكامه عليها فيمالم يجده منصوصا من مذهب إمامه فإن هذا هو الاجتهاد الذي حكم بكيدودة عدمه بالكلية وسماه متعذرا فهلا جعل هذا المقلد إمامه كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عوضا عن إمامه وتتبع نصوص الكتاب والسنة عوضا عن تتبع نصوص إمامه والعبارات كلها ألفاظ دالة على معان فهلا استبدل بألفاظ إمامه ومعانيها ألفاظ الشارع ومعانيها ونزل الأحكام عليها إذا لم يجد نصا شرعيا عوضا عن تنزيلها على مذهب إمامه فيما لم يجده منصوصا؟!
      تالله لقد استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير من معرفة الكتاب والسنة إلى معرفة كلام الشيوخ والأصحاب وتفهم مرامهم والتفتيش عن كلامهم.
      ومن المعلوم يقينا أن كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أقرب إلى الأفهام وأدنى إلى إصابة المرام فإنه أبلغ الكلام بالإجماع وأعذبه في الأفواه والأسماع وأقربه إلى الفهم والانتفاع ولا ينكر هذا إلا جلمود الطباع ومن لاحظ له في النفع والانتفاع والأفهام التي فهم بها الصحابة الكلام الإلهي والخطاب النبوي هي كأفهامنا وأحلامهم كأحلامنا إذ لو كانت الأفهام متفاوتة تفاوتا يسقط معه فهم العبارات الإلهية والأحاديث النبوية لما كنا مكلفين ولا مأمورين ولا منهيين لا اجتهادا ولا تقليدا أما الأول فلاستحالته وأما الثاني فلأنا لا نقلد حتى نعلم أنه يجوز لنا التقليد ولا نعلم ذلك إلا بعد فهم الدليل من الكتاب والسنة على جوازه لتصريحهم بأنه لا يجوز التقليد فهذا الفهم الذي فهمنا به هذا الدليل نفهم به غيره من الأدلة من كثير وقليل على أنه قد قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأنه يأتي من بعده من هو أفقه ممن في آلاف وأوعى لكلامه حيث قال فرب مبلغ أفقه من سامع وفي لفظ أوعى له من سامع والكلام قد وفينا حقه في الرسالة المذكورة)) اهـ

      أما ابن حزم رحمه الله فقد أغلظ في ذمّ التقليد وأهله في معظم كتبه انظر على سبيل المثال (المحلى: 1/69 وغيرها) بل قال رحمه الله في (7/110): ((تالله إن الحمير لتميز الطريق من أقل من هذا فكم في هذا الإقدام والجرأة على مدافعة السنن الثابتة في نصر التقليد مرة بالكذب المفضوح ومرة بالحماقة المشهورة ومرة بالغثاثة والبرد حسبنا الله ونعم الوكيل والحمد لله على السلامة)) اهـ


      ومن علماء الجزائر الذين اشتهروا بذمّ التقليد والعصبية المذهبية ومحاربتهما العلامة الفقيه الشيخ المجاهد العربي بن بلقاسم التبسي رحمه الله وأجزل له المثوبة، حيث قال في معرض إجابته عن أحد الأسئلة الموجّهة إليه ما ملخّصه:
      ((إنّ ردّ السُنن النبوية قولية أو عملية بمجرد مخالفتها لمذهب من المذاهب محادة لرسول الله عليه الصلاة والسلام ، وعصيان لوصايا أئمة الاسلام الثابتة عنهم وفي مقدمة أولئك الائمة مالك بن انس الذي روى عنه اصحابه كمعين بن عيسى انه كان يقول ((انما انا بشر اخطىء واصيب فانظروا في رايي فكلما وافق الكتاب والسنة فخذوه وكلما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه)).
      وكم له ولغيره من هذه العبارات في هذا المعنى مناديا بعرض اقوال الرجال على سنة خير الانام ولكن وصاياهم عطلها بل نبذها الخلف الذي انتسب اليهم بعد الف سنة او تزيد انتسابا لو قُدّر لمالك ان يبعث من قيره لقال في نسبة هذا الرهط اليه المخالفين لوصاياه المعطلين لروح مذهبه ما قال عيسى عليه السلام في اولئك الذين كذبهم بقوله: ((ماقلت لهم الا ما امرتني به ان اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت انت الرقيب عليهم وانت على كل شيء قدير)).

      والله يشهد والوا العلم ان مالكا بريء من كل نابذ لسنة قولية او عملية بدعوى التمذهب بمذهب مالك او ان كتب المالكية ليس فيها مايصدق تلك السنة!
      وحاشا مالكا ان يقول صدقوا ما يقول ابن شامس في الجواهر واكفروا بصحيح الحديث الذي يرويه احمد وابو داوود والنسائي والبيهقي والطحاوي !!

      واذا كان الفقهاء كلهم او جلهم يذهبون الى ان العبادات يتبع فيها النص وياخذ فيها بالوارد واننا نرى ان مذهبهم كلهم يقوم بالاحاديث التي يصح سندها او يحسن عن كل راي وكل قياس واذا وجد خلاف بينهم في فرع من فروع العبادات فان حكم الله مع من يشهد له النص ويأيّده الدليل النقلي.
      والقول الآخر صاحبه مجتهد مخطىء معذور له اجتهاده وكل ماجاء بعد ذللك ممن اطلع على القولين ان بيد احد القولين حديث عن رسول الله صحيح وليس بيد الاخر شىء او مايسميه الخياليون او العقلانيون بالقواعد والاقيسة التي لا دخل لها في باب العبادات فانه يجب عليه ان لا يعدل عن قول المبني على الدليل والا كان صاحب هوى جدير بان يذكر بقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((اعوذ بالله من علم لا ينفع)). اهـ (جريدة البصائر العدد 102، 1محرّم 1357هـ).

      11) ((إذ تبرّأ الذين اتُّبعوا من الذين اتّبعوا)):

      إعلم رحمك الله أنّه إذا كان الإمام مالك معذور عن اجتهاده الذي أخطأ فيه، فإنّك لا تُعذر إذا تبين لك الدليل فأصررت على مخالفته، وأخذت تتأوّل له تأويلات متكلفة في رده وتفنيده، ولا تقل: لو كان الحديثُ صحيحاً لما خالفه الإمام مالك الذي قد أجمعت الأمّة على إمامته وعلمه وفضله، ونحو ذلك من الأعذار التي لا تصدُرُ إلا من جاهل عنيد.

      قال شيخ الإسلام في عصره الإمام المحقق محمّد علي الشوكاني رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: ((وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا)) (النّساء 140)
      وفي هذه الآية باعتبار عموم لفظها الذي هو المعتبر دون خصوص السبب دليل على اجتناب كل موقف يخوض فيه أهله بما يفيد التنقص والاستهزاء للأدلة الشرعية، كما يقع كثيراً من أسراء التقليد الذين استبدلوا آراء الرجال بالكتاب والسنة ولم يبق في أيديهم سوى قال إمام مذهبنا كذا، وقال فلان من أتباعه بكذا، وإذا سمعوا من يستدل على تلك المسألة بآية قرآنية أو بحديث نبوي سخروا منه ولم يرفعوا إلى ما قاله رأساً ولا بالوا به بالة وظنوا أنه قد جاء بأمر فظيع وخطب شنيع وخالف مذهب إمامهم الذي نزلوه منزلة معلم الشرائع، بل بالغوا في ذلك حتى جعلوا رأيه الفائل، واجتهاده الذي هو عن منهج الحق مائل، مقدماً على الله وعلى كتابه وعلى رسوله، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ما صنعت هذه المذاهب بأهلها والأئمة الذين انتسب هؤلاء المقلدة إليهم برآء من فعلهم، فإنهم قد صرحوا في مؤلفاتهم بالنهي عن تقليدهم كما أوضحنا ذلك في رسالتنا المسماة بـ((القول المفيد في حكم التقليد)) وفي مؤلفنا المسمى بـ((أدب الطلب ومنتهى الأرب)) اللهم انفعنا بما علمتنا واجعلنا من المقتدين بالكتاب والسنة وباعد بيننا وبين آراء الرجال المبنية على شفا جرف هار، يا مجيب السائلين. اهـ


      وقال العلامة السعدي في تفسير قوله تعالى ((وإذا قيل لهم اتّبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا)):
      ... وهذه شبهة لرد الحق واهية فهذا دليل على إعراضهم عن الحق ورغبتهم عنه وعدم إنصافهم فلو هدوا لرشدهم وحسن قصدهم لكان الحق هو القصد ومن جعل الحق قصده ووازن بينه وبين غيره تبين له الحق قطعا واتبعه إن كان منصفا. اهـ


      وقال القرطبي في تفسير الآية السالفة: ((قال علماؤنا: وقوة ألفاظ هذه الآية تعطي إبطال التقليد، ونظيرها: ((وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا)) [المائدة: 104] الآية )) إلى أن قال: التقليد ليس طريقا للعلم ولا موصلا له، لا في الأصول ولا في الفروع، وهو قول جمهور العقلاء والعلماء، اهـ


      وقال العلامة عبد العزيز الراجحي حفظه الله تعالى: ينقسم التقليد إلى ثلاثة أقسام:
      القسم الأول: تقليد محرم.
      القسم الثاني: تقليد واجب.
      القسم الثالث: تقليد جائز.
      القسم الأول: التقليد المحرم، وهو ثلاثة أنواع:
      النوع الأول: تقليد الآباء إعراضًا عما أنـزل الله، كحال المشركين في زمن النبي عليه الصلاة والسلام.
      النوع الثاني: تقليد من تجهل أهليته للأخذ بقوله.
      النوع الثالث: التقليد بعد ظهور الدليل على خلاف قول المقلَّد.
      الفرق بين النوع الأول والنوع الثالث: هو أن المقلِّد في النوع الأول قلّد قبل تمكنه من العلم والحجة، والمقلِّد في النوع الثالث قلد بعد ظهور الحجة له، فهو أشد معصية لله من المقلد في النوع الأول، وهو أولى بالذم منه.اهـ (من رسالة التقليد والإفتاء و الإستفتاء لفضيلته)

      فهل من مدّكر ؟!

      12) إذا صحّ الحديثُ فهو مذهبي:

      قال فضيلة الشيخ خير الدّين وانلي رحمه الله في ديوانه (النّصر للإسلام ص7

      ((كـلّ الأئمّة ردّدوها دائما *** إن صـحَّ نقلٌ صحّت الآراءُ
      وتبرؤوا من كلّ قول ناقض *** نصـّا صحيحاً حقُّهُ الإمضاءُ
      قالوا: اضربوا بكلامنا وبفقهنا *** عُرضَ الجدار فكلُّنا خطّاءُ
      وتمسَّكوا بحديث خير مشرّع *** إن صحَّت الأخبار والأنباءُ))


      جاء في مقدّمة الكتاب الماتع ((صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلّم)) للإمام المحدّث العلامة محمّد ناصر الدّين الألباني عليه رحمة الله:

      أقوال الأئمة في اتباع السنة وترك أقوالهم المخالفة لها [إقتصرتُ على أقوال الإمام مالك]
      ومن المفيد أن نسوق هنا ما وقفنا عليه منها أو بعضها لعل فيها عظة وذكرى لمن يقلدهم - بل يقلد من دونهم بدرجات تقليدا أعمى - ويتمسك بمذاهبهم وأقوالهم كما لو كانت نزلت من السماء والله عز وجل يقول : ((اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون . ))
      ... وأما الإمام مالك بن أنس رحمه الله فقال :
      1) ((إنما أنا بشر أخطئ وأصيب فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه )) . ( ابن عبد البر في الجامع 2/32 ).
      2) ((ليس أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم )) . ( ابن عبد البر في الجامع 2/91 )
      3) قال ابن وهب : سمعتُ مالكا سُئل عن تخليل أصابع الرجلين في الوضوء ؟ فقال : ليس ذلك على الناس .
      قال : فتركته حتى خف الناس فقلت له : عندنا في ذلك سنة.
      فقال : وما هي ؟
      قلت : حدثنا الليث بن سعد وابن لهيعة وعمرو بن الحارث عن يزيد بن عمرو المعافري عن أبي عبد الرحمن الحنبلي عن المستورد بن شداد القرشي قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدلك بخنصره ما بين أصابع رجليه .
      فقال : إن هذا الحديث حسن وما سمعت به قط إلا الساعة ثم سمعته بعد ذلك يسأل فيأمر بتخليل الأصابع . ( مقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ص 31 - 32 ). اهـ

      الآن وبعد أن عرفت موقف الإمام مالك من الحديث الصحيح ، فما عليك إلا أن تقول بموجبه ولو خالفك أكثر من حولك ممّن يسمّون أنفسهم (مالكية)، فإن عمل الأكثر ليس بحجة، والكثرة لم ولن تكون معيارا ودليلا على صحّة العمل.
      ولقد كان الأئمة الأربعة بل الأربع مائة رحمهم الله ينكرون على من خالف الحديث بعد ثبوته وصحته عنده.
      وقد تقدّم عن الإمام مالك نفسه شيء من ذلك.
      فهل يصحّ بعد هذا إلزام النّاس بأقوال مالك وحده دون غيره من الأئمّة والفقهاء وإن خالف صريح السنّة !؟ انظر العنصر التالي:

      تعليق


      • #4

        13) هل يجبُ على المسلمين في الجزائر إلتزام مذهب الإمام مالك ولا شيء غيره ؟

        يجيبنا الإمام ابن القيّم في كتابه القيّم (إعلام الموقّعين 4/261-263 مكتبة الكليات الأزهرية، مصر، القاهرة. سنة 1388هـ تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد):

        ((القول في التمذهب بمذهب معين:
        وهل يلزم العامي ان يتمذهب ببعض المذاهب المعروفة ام لا ؟
        فيه مذهبان احدهما لا يلزمه وهو الصواب المقطوع به إذ لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله، ولم يوجب الله ولا رسوله على أحد من الناس ان يتمذهب بمذهب رجل من الامة فيقلده دينه دون غيره وقد انطوت القرون الفاضلة مبرأة مبرا اهلها من هذه النسبة بل لا يصح للعامي مذهب ولو تمذهب به فالعامي لا مذهب له لان المذهب إنما يكون لمن له نوع نظر واستدلال ويكون بصيرا بالمذاهب على حسبه أو لمن قرأ كتابا في فروع ذلك المذهب وعرف فتاوي إمامه وأقوله وأما من لم يتأهل لذلك ألبتة بل قال أنا شافعي أوحنبلي أوغير ذلك لم يصر كذلك بمجرد القول كما لو قال أنا فقيه أونحوي أوكاتب لم يصر كذلك بمجرد قوله
        يوضحه:
        ان القائل إنه شافعي أومالكي أوحنفي يزعم انه متبع لذلك الامام سالك طريقه وهذا إنما يصح له إذا سلك سبيله في العلم والمعرفة والاستدلال.
        فأما مع جهله وبعده جدا عن سيرة الامام وعلمه وطريقه فكيف يصح له الانتساب اليه إلا بالدعوى المجردة والقول الفارغ من كل معنى ؟!
        والعامي لا يتصور ان يصح له مذهب ولو تصور ذلك لم يلزمه ولا لغيره ولا يلزم أحدا قط ان يتمذهب بمذهب رجل من الامة بحيث يأخذ اقواله كلها ويدع أقوال غيره.

        وهذه بدعة قبيحة حدثت في الامة لم يقل بها احد من أئمة الاسلام وهم أعلى رتبة وأجل قدرا وأعلم بالله ورسوله من ان يلزموا الناس بذلك وأبعد منه قول من قال يلزمه ان يتمذهب بمذهب عالم من العلماء وأبعد منه قول من قال يلزمه ان يتمذهب بأحد المذاهب الاربعه.

        فيالله العجب ماتت مذاهب اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومذاهب التابعين وتابعيهم وسائر أئمة الاسلام وبطلت جملة إلا مذاهب اربعة أنفس فقط من بين سائر الامة والفقهاء!
        وهل قال ذلك احد من الائمة أودعا اليه أودلت عليه لفظه واحدة من كلامه عليه ! والذي اوجبه الله تعالى ورسوله على الصحابة والتابعين وتابعيهم هو الذي اوجبه على من بعدهم الى يوم القيامة لا يختلف الواجب ولا يتبدل وإن اختلفت كيفيته أوقدره باختلاف القدرة والعجز والزمان والمكان والحال فذلك أيضا تابع لما أوجبه الله ورسوله ومن صحح للعامي مذهبا قال هو قد اعتقد ان هذا المذهب الذي انتسب اليه هو الحق فعليه الوفاء بموجب اعتقاده وهذا الذي قاله هؤلاء لو صح للزم منه تحريم استفتاء اهل غير المذهب الذي انتسب اليه وتحريم تمذهبه بمذهب نظير إمامه أو أرجح منه أوغير ذلك من اللوازم التي يدل فسادها على فساد ملزوماتها.
        بل يلزم منه أنه إذا رآى نص رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قول خلفائه الاربعة مع غير إمامه ان يترك النص وأقوال الصحابة ويقدم عليها قول من انتسب اليه!!!

        وعلى هذا فله ان يستفتى من شاء من أتباع الائمة الاربعة وغيرهم ولا يجب عليه ولا على المفتى ان يتقيد بأحد من الائمة الاربعة بإجماع الامة كما لا يجب على العالم ان يتقيد بحديث اهل بلده أوغيره من البلاد بل إذا صح الحديث وجب عليه العلم به حجازيا كان أوعراقيا أوشاميا أومصريا أويمنيا)).
        إلى أن قال عليه رحمة الله:
        ((ولكن ليس له ان يتبع رخص المذاهب واخذ غرضه من أي مذهب وجده فيه بل عليه اتباع الحق بحسب الامكان)) اهـ


        تبيّن لنا ممّا قاله الإمام ابن القيّم رحمه الله تعالى أنّه:
        * لا يجب على أيّ مسلم الإلتزام بمذهب معيّن دون غيره مهما بلغ صاحب هذا المذهب من العلم والفقه في الدّين.
        ** وأنّه لا يكون الإنسان مالكيا أو شافعيا أو حنبليا بمجرّد الدعاوى الفارغة الخالية من البراهين والحجج، فمن ادّعى الإنتساب إلى الإمام مالك طالبناه بالإلتزام بأصول الإمام مالك رحمه الله تعالى.
        ومن بين تلك الأصول التي بنا عليها الإمام مالك مذهبه وفقهه: ((كلًّ يؤخذُ من كلامه ويردُّ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلّم)) ولو كنّا مضطرين إلى الإلتزام بأقوال وفتاوى ومذهب شخص بعينه بحيث لا نخرج عمّا يُقرّرهُ هذا الشخص قيد أُنمُلَة لالتزمنا بمذهب من هو أعلم من مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد ابن حنبل وغيرهم ممّن جاء بعدهم- وهم الصحابة رضوان الله عليهم وتابعيهم رحمهم الله تعالى.
        فكيف نُعرض عن الفاضل إلى المفضول ؟؟


        قال الحافظ أبو محمد ابن حزم رحمه الله (المحلى1/168 دار الآفاق الجديدة بيروت): ((فإن كان التقليد جائزا فتقليد من ذكرنا من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أولى من رحمة أبي حنيفة ومالك والشافعي)) اهـ.
        ومع ذلك فإنّه لا يجوز لنا أن نلتزم بمذهب صحابي واحد دون غيره وإن كان في جلالة أبي بكر وعمر فضلا عن غيرهما. ذلك أنّه لم ينقل لنا عن أحد من الصحابة ولا من التابعين من كان بكريا ولا عمريا ولا علويا ولا عُثمانيا بل كان الرجل منهم إذا تيسّر له أن يسأل أبا بكر سأله وإن تيسّر له سؤال أبي هريرة سأله وهكذا، ذلك لأنّهم كانوا يُؤمنون أنّ العصمة لا تكون لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلّم، أمّا هذا التعصّب للأشخاص فما كانوا يعرفونه ولا شمّوا رائحته ولو من بعيد وإنّما كانوا رضي الله عنهم أزكى وأطهر وأفقه من ذلك بكثير. وقد تقدّم كلام الإمام أبي زيد رحمه الله في المقدّمة فراحعه واحفظه فإنّه مهم.
        سئل شيخ اّلإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله تعالى :

        ما تقول السادة العلماء أئمة الدين - رضي الله عنهم أجمعين - في رجل سُئل إيش مذهبك ‏؟‏ فقال‏:‏ محمدي أتبع كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
        فقيل له‏:‏ ينبغي لكل مؤمن أن يتبع مذهبا ومن لا مذهب له فهو شيطان.
        فقال‏:‏ إيش كان مذهب أبي بكر الصديق والخلفاء بعده - رضي الله عنهم - ‏؟‏
        فقيل له‏:‏ لا ينبغي لك إلا أن تتبع مذهبا من هذه المذاهب. فأيهما المصيب ‏؟‏
        أفتونا مأجورين.
        فأجاب‏:‏ الحمد لله‏.‏
        إنما يجب على الناس طاعة الله والرسول وهؤلاء أولوا الأمر الذين أمر الله بطاعتهم في قوله‏:‏ ‏((‏وأطيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الأَمْرِ منكُم‏))‏ ‏(النساء‏:‏ 59‏)‏، إنما تجب طاعتهم تبعا لطاعة الله ورسوله لا استقلالا ثم قال‏:‏ ‏((‏فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً‏))‏ ‏‏.
        ‏ وإذا نزلت بالمسلم نازلة فإنه يستفتي من اعتقد أنه يفتيه بشرع الله ورسوله من أي مذهب كان ولا يجب على أحد من المسلمين تقليد شخص بعينه من العلماء في كل ما يقول ولا يجب على أحد من المسلمين التزام مذهب شخص معين غير الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما يوجبه ويخبر به بل كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.
        واتباع شخص لمذهب شخص بعينه لعجزه عن معرفة الشرع من غير جهته إنما هو مما يسوغ له ليس هو مما يجب على كل أحد إذا أمكنه معرفة الشرع بغير ذلك الطريق بل كل أحد عليه أن يتقي الله ما استطاع ويطلب علم ما أمر الله به ورسوله فيفعل المأمور ويترك المحظور‏.
        ‏ والله أعلم. اهـ (مجموع الفتاوى 20/208-209 جمع ابن القاسم)
        قال أيضا عليه رحمة الله: ((إنّه متى اعتقد أنّه يجب على النّاس اتّباع واحد بعينه من هؤلاء الأئمّة الأربعة دون الآخر، فإنّهُ يجبُ أن يُستتاب، فإن تاب وإلا قُتلَ...)) (مختصر الفتاوى المصرية ص46) (المقدّمة السلفية ص129)

        فقد تبيّن من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله –وهو من هو!- أنّه لا يجب على المسلمين إلتزام مذهب بعينه دون آخر.
        وكلّ ما في الأمر أنّ الإنسان يسوغ له: أي يجوز له –وفرق بين المُباح والواجب!- أن يُقلّد شخصا بعينه إذا عجز هو عن معرفة أحكام الشرع من غير هذه الوسيلة دون تعصّب بشرط أن يترك قوله إذا تبيّن له خلافه من السنّة الصحيحة أو الإجماع وغيرهما من أدلّة الأصول.

        وقال أبو إسحاق الشيرازي الفقيه الشافعي (صاحب كتاب المهذّب في فقه الشافعي) المتوفّى سنة 476هـ رحمه الله تعالى: ((فصل: في جواز تقليد العامّي لمن شاء من العلماء: قال رحمه الله: إذا ثبت ما ذكرناه فيجوز لهُ تقليدُ من شاء من سائر العلماء وقال أبو العبّاس والقفّال: ((يلزمُهُ الإجتهادُ في أعيان المفتيّين، ولا يجوز لهُ أن يترُكَ تقليد الأعلم الأدين إلى تقليد من هو دونهُ)) والدليلُ على أنّه لا يجبُ عليه ذلك قوله تعالى: ((فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)) ولم يفصّل. )) اهـ (الوصول إلى مسائل الأصول 2/406، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1399هـ تحقيق عبد المجيد تركي)
        فأنت ترى أنّه لم يوجبه بتقليد عالم معيّن أو مذهب معيّن، بل ترك له الحريّة في تقليد من يحسبُه الأعلم والأتقى والأورع.
        وقال سند بن عنان الفقيه المالكي المتوفّى سنة 541هـ عليه رحمة الله في شرحه على مدونة سحنون: ((... أمّا التقليد فهو قبول قول الغير من غير حجّة فمن أين يحصل به علم وليس له مستند إلى قطع؟! وهو أيضا في نفسه بدعة محدثة لأنّا نعلم بالقطع أنّ الصحابة رضوان الله عليهم لم يكن في زمانهم وعصرهم مذهب لرجل معيّن يدرك ويُقلّد، وإنّما كانوا يرجعون في النّوازل إلى الكتاب والسنّة أو إلى ما يتمحّض بينهم من النّظر عند فقد الدّليل، وكذلك تابعوهم أيضا يرجعون إلى الكتاب والسنّة فإن لم يجدوا نظروا إلى ما أجمع عليه الصحابة، فإن لم يجدوا اجتهدوا واختار بعضهم قول صحابي فرآه الأقوى في دين الله تعالى، ثمّ كان القرن الثالث وفيه كان أبو حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل فإنّ مالكا توفّى سنة تسع وسبعين ومائة (179هـ) وتوفّى أبو حنيفة سنة خمسين ومائة (150هـ) وفي هذه السنة وُلد الإمام الشافعي، ووُلد ابن حنبل سنة أربع وستّين ومائة (164هـ) وكانوا على منهاج من مضى، ولم يكن في عصرهم مذهب رجل معيّن يتدارسونه ... فالعجبُ من أهل التقليد كيف يقولون هذا هو الأمرُ القديم ؟! وعليه أدركنا الشيوخ وهو إنّما حدث بعد مائتي سنة من الهجرة وبعد فناء القرون الذين أثنى عليهم الرسول صلى الله عليه وسلّم)). اهـ
        قال الشيخ أبو عبد الباري عبد الحميد العربي حفظه الله معلّقاً: ((وقد تكلّمنا في صدر تحقيق هذا الجزء أنّ الأئمّة الأربعة بل الأربع مائة لم يكن واحد منهم يجيز لتلامذته تقليده والتسليم لقوله وردّ أقوال الآخرين مُطلقا، ومنه تعلم أن التعصّب للعلماء مُحدَثٌ لم يدرج عليه الأوائل)) اهـ (المقدّمة السلفية ص128-129)
        وقال الإمام صالح بن محمد بن نوح الفلاني في كتابه ((إيقاظ همم أولي الأبصار للاقتداء بسيد المهاجرين والأنصار وتحذيرهم عن الابتداع الشائع في القرى والأمصار من تقليد المذاهب مع الحمية والعصبية بين فقهاء الأعصار)) بعد نقله ما مر من كلام ابن عبد البر و أكثر منه كلاما، ما نقله عن ((سند بن عنان)) شارح مدونة سحنون جاء فيه :
        ((وأما التقليد فلا يرضاه رجل رشيد، ولسنا نقول إنه حرام على كل فرد بل نوجب معرفة الدليل، أقاويل الرجال، ونوجب على العامي تقليد العالم)).
        ثم قال ((سند)) بعد ذكره الخلاف في تقليد الميت ما نصه:
        ((وإنما نقول نفس المقلد ليست على بصيرة، ولا يتصف من العلم بحقيقة، إذ ليس التقليد بطريق إلى العلم بوفاق أهل الآفاق، وإن نازعنا في ذلك برهانه فنقول: قال الله تعالى:
        ((فاحكم بين الناس بالحق ))
        وقال: ((لتحكم بين الناس بما أراك الله))
        وقال: ((ولا تقف ما ليس لك به علم))
        وقال: ((وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون))
        ومعلوم أن العلم هو معرفة المعلوم على ما هو به، فنقول للمقلد : إذا اختلفت الأقوال وتشعبت المذاهب من أين تعلم صحة قول من قلدته دون غيره، أو صحة قولة له على قولة أخرى، و لن يبدي كلاماً في قول إلا انعكس عليه في نقيضه، خاصة إذا عرض له ذلك في قولة لإمام مذهبه الذي قلده، وقولة تخالفها لبعض أئمة الصحابة)) اهـ. نقلا عن الحسام الماحق للعلامة الهلالي رحمه الله.

        وجاء في كتاب ((التقرير والتحبير)) لمحمد بن محمد ابن أمير الحاج الحنبلي (3/439-440 دار الكتب العلمية -بيروت تحقيق عبد الله محمود محمد عمر ط1 سنة 1419هـ) ما نصّه:
        ((تتميم: ثم في أصول ابن مفلح وذكر بعض أصحابنا يعني الحنابلة والمالكية والشافعية هل يلزمه التمذهب بمذهب والأخذ برخصه وعزائمه؟
        فيه وجهان: أشهرهما لا كجمهور العلماء فيتخير.
        ونقل عن بعض الحنابلة أنه قال: ((وفي لزوم الأخذ برخصه وعزائمه طاعة غير النبي صلى الله عليه وسلم في كل أمره ونهيه، وهو خلاف الإجماع)) ...)) اهـ.
        وقال أبو عبد الله بن خويز منداد البصري المالكي: (( التقليد معناه في الشرع الرجوع إلى قول لا حجة لقائله عليه، وذلك ممنوع منه في الشريعة، والاتباع ما ثبتت عليه حجة ))

        وقال في وضع آخر من كتابه : (( كل من اتبعت قوله من غير أن يجب عليك قوله لدليل يوجب ذلك فأنت مقلده، والتقليد في دين الله غير صحيح وكل من أوجب عليك الدليل اتباع قوله فأنت متبعه، والاتباع في الدين مسوغ والتقليد ممنوع )). اهـ نقلا عن الحسام الماحق للشيخ محمد تقي الدين الهلالي رحمه الله.

        ولعلمي أنّ هؤلاء القوم –يعني أهل الأهواء والتعصّب لأقوال الرّجال- لا يقتنعون إلا بكلام أئمّتهم وعلمائهم فسأنقل بعض ما جاء عن أشهر من يُعتبرُ حجّة عندهم في نبذ التقليد والتمذهب:
        الأوّل هو أبي حامد الغزالي رحمه الله –المُلقّب عندهم بحجّة الإسلام!!-، والثاني هو عبد الوهّاب الشُعراني –صاحب الطبقات القذرة، الصوفي المشهور- رحم الله أموات المسلمين:
        جاء في أوّل الفصل الثامن من كتاب ((المنخول في علم الأصول)) لأبي حامد الغزالي رحمه الله: الفصل الثامن في المسألة إذا ترددت بين مُفتيين على التناقض ولم يمكن الجمع بين قوليهما مثل: القصر في حق العاصي بسفره واجب عند أبي حنيفة والإتمام واجب عند الشافعي ؟ فيجبُ على المُستفتي مُراعاة الأفضل واتّباعه... اهـ
        فأنت ترى أنّه لم يُلزمه بمذهب معيّن بل أرشده إلى مراعاة الأفضل والأقوى حجّة ودليلا واتّباعه والتزامه.

        وأمّا الشعراني فقد نقل عنه الزركشي في آخر كتاب القواعد له ما مثاله: ((إنّ مطلوب الشرع الوفاق وردّ الخلاف إليه ما أمكن كما عليه عمل الأئمّة من أهل الورع والتقوى كأبي محمّد الجويني وأضرابه فإنّه صنّف كتابه ((المحيط)) ولم يلتزم فيه المشي على مذهب معيّن. انتهى
        ثمّ قال الشعراني: وقد بلغنا أنّه كان يُفتي النّاس بالمذاهب الأربعة الشيخ الإمام الفقيه المحدّث المفسّر الأصولي الشيخ عبد العزيز الديوبني وشيخ الإسلام عز الدين بن جماعة المقدسي والشيخ العلامة الشيخ شهاب الدّين البرلسي والشيخ علي الثبثيتي الضرير.
        وقال أيضا: إنّ كلّ مقلّد اطّلع على عين الشريعة المطهّرة –أدلّتها- لا يُؤمر بالتقيّد بمذهب واحد وربما لزم المذهب الأحوط في الدّين مبالغة منه في الطاعة.
        وإلى نحو ما ذكرناه أشار الإمام الأعظم أبو حنيفة رضي الله عنه بقوله ((ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم بأبي هو وأمّي فعلى الرأس والعين وما جاء عن أصحابه تخيّرنا وما جاء عن غيرهم فهم رجال ونحن رجال)) ثمّ قال: إذا علمت ذلك فيقال لكل مقلّد امتنع عن العمل بقول غير إمامه في مضايق الأحوال ((إمتناعك هذا تعنّت لا ورع لأنّك تقول لنا إنّك تعتقد أنّ سائر أئمّة المسلمين على هدى من ربهم لاغتراف مذاهبهم من عين الشريعة)).
        ثمّ قال: وكان الإمام ابن عبد البرّ رحمه الله تعالى يقول: لم يبلغنا عن أحد من الأئمّة أنّه أمر أصحابه بالتزام مذهب معيّن لا يرى صحّة خلافه بل المنقول عنهم تقريرهم النّاس على الفتوى بعمل بعضهم بعضا لأنّهم كلّهم على هدى من ربهم.
        وكان يقول أيضا: لم يبلغنا في حديث صحيح ولا ضعيف أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم أمر أحدا من الأمّة بالتزام مذهب معيّن لا يرى خلافه ... وكان الزيّاتي من أئمّة المالكيّة يقول: يجوز تقليد كل من أهل المذاهب في النوازل ...)) اهـ (الفتوى في الإسلام ص 156-158 بتصرّف)
        بل نقل مثل هذا الكلام إمام الزندقة والإلحاد الصوفي الهالك محي الدين ابن عربي الطائي في الباب الثامن عشر وثلثمائة من كتابه الكفري ((الفتوحات المكيّة)) في معرفة منزل نسخ الشريعة المحمّدية وغير المحمّدية بالأغراض النّفسية!! عافانا الله وإيّاك من ذلك. (انظر نفس المصدر ص149)
        لأجل هذا وذاك كان الإمام الحافظ ابن شاهين رحمه الله تعالى يقول إذا سُئل عن مذهبه: أنا محمّدي.
        فأين ما يتقيّأ به أتباع تقديس الرجال –كابن بريكة وشمس الدين ومن شايعهما- من أنّه يحرُمُ (!) على الجزائري المالكي (!) أن يستفتي السعودي الحنبلي (!!) ؟؟
        ألا يخشى هؤلاء الجُهّال أن يدخلوا في قوله تعالى: ((إتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله)) ؟! ((وقد بيّن الرسول صلى الله عليه وسلّم المراد باتّخاذهم أربابا فقال: ((أما إنّهم لم يعبدوهم، ولكنّهم كانوا إذا أحلّوا لهم شيئا استحلّوه، وإذا حرّموا عليهم شيئا حرّموه)) (حاشية: رواه الترمذي وحسّنه، وانظر تخريج الشيخ ناصر له في تخريج المصطلحات الأربعة للمودودي: ص1
        وقد سأل الربيع أبا العالية وهو تابعيٌّ جليل، فقال: كيف كانت تلك الربوبية في بني إسرائيل؟
        فقال: ((إنّهم وجدوا في كتاب الله ما يُخالف أقوال الأحبار والرهبان، فكانوا يأخذون بأقوالهم، وما كانوا يقبلون حُكم الله)) (تفسير الرازي المسمّى بمفاتيح الغيب: 4/431) (تاريخ الفقه الإسلامي، ص142)
        فما الفرق بين من اتّبع الأحبار والرهبان على تحريم الحلال وتحليل الحرام وهو يعلمُ وبين من يتّبعُ قول إمامه ومؤسس مذهبه وإن خالف الحديث الصحيح وهو يعلمُ ؟!
        وما الفرق بيننا -إن نحنُ فعلنا ذلك- وبين الرافضة الإمامية الذين جعلوا لهم في كلّ وقت رجلا لقّبوه بالإمام المعصوم وأوجبوا على النّاس طاعته في كلّ ما أمر والإنتهاء عن كل ما نهى عنه وزجر ؟!
        وما الفرقُ بيننا وبين الصوفية القبورية الذين قالوا (كن أمام شيخك كالميت أمام غاسله) ؟!
        اللهم إنّا نبرأُ إليك من أن نشابه هؤلاء، ونبرأُ إليك من كلّ من خالف سنّة نبيّك صلى الله عليه وسلّم واتّبع قول غيره –وهو يعلم- ونعوذ بالله أن نغلوا في أئمّتنا غلوّ الصوفية والإمامية والحزبيين وصرعى التمذهب والتكودن في أئمّتهم ومشايخهم وقادتهم ومنظّريهم، بل نعرفُ لأئمّتنا قدرهم وننزلهم منزلتهم ولا نغلوا فيهم وقد قال من أرسله الله حجّة على النّاس أجمعين ((لا تطروني كما أطرت النّصارى ابن مريم إنّما أنا عبدُ الله ورسوله)) فكيف بمن دونه بلا شكّ ولا ريب ؟!

        تعليق


        • #5

          من أطاع بشرا في تحليل الحرام أو تحريم الحلال وهو يعلم فقد اتّخذه ربّا من دون الله !!جاء في فتح المجيد للإمام عبد الرحمن بن حسن رحمهما الله تعالى: ((ص383 وما بعدها بتصرّف))
          ((باب: ((من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله، فقد اتخذهم أربابا من دون الله)) وقال ابن عباس: (( يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر؟ )) .
          قال الشارح: وهذا القول من ابن عباس -رضي الله عنهما- جواب لمن قال له: إن أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- لا يريان التمتع بالعمرة إلى الحج، ويريان أن إفراد الحج أفضل أو ما هو معنى هذا، وكان ابن عباس يرى أن التمتع بالعمرة إلى الحج واجب ويقول: ((إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط، فقد حل من عمرته شاء أم أبى)) لحديث سراقة بن مالك حين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعلوها عمرة، ويحلوا إذا طافوا بالبيت وسعوا بين الصفا والمروة، فقال سراقة: (( يا رسول الله ألِعامنا هذا أم للأبد؟ فقال: بل للأبد )). والحديث في الصحيحين.

          وحينئذ فلا عذر لمن استفتى أن ينظر في مذاهب العلماء وما استدل به كل إمام، ويأخذ من أقوالهم ما دل عليه الدليل إذا كان له ملكة يقتدر بها على ذلك. كما قال تعالى: ((فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)).
          وبالجملة فلهذا قال ابن عباس لما عارضوا الحديث برأي أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-: (( يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء )). الحديث.

          وقال الإمام مالك -رحمه الله تعالى-: (( ما منا إلا راد ومردود عليه، إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم)).
          وكلام الأئمة في هذا المعنى كثير.

          وما زال العلماء -رحمهم الله- يجتهدون في الوقائع، فمن أصاب منهم فله أجران، ومن أخطأ فله أجر، كما في الحديث.
          لكن إذا استبان لهم الدليل أخذوا به وتركوا اجتهادهم.
          وأما إذا لم يبلغهم الحديث أو لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم عندهم في حديث، أو ثبت وله معارض أو مخصص ونحو ذلك، فحينئذ يسوغ للإمام أن يجتهد...
          وفي كلام ابن عباس -رضي الله عنهما- ما يدل على أن من يبلغه الدليل فلم يأخذ به- تقليدا لإمامه- فإنه يجب الإنكار عليه بالتغليظ لمخالفته الدليل...

          وعلى هذا فيجب الإنكار على من ترك الدليل لقول أحد من العلماء كائنا من كان، ونصوص الأئمة على هذا، وأنه لا يسوغ التقليد إلا في مسائل الاجتهاد التي لا دليل فيها يرجع إليه من كتاب ولا سنة، فهذا هو الذي عناه بعض العلماء بقوله: لا إنكار في مسائل الاجتهاد.
          وأما من خالف الكتاب والسنة فيجب الرد عليه كما قال ابن عباس والشافعي ومالك وأحمد، وذلك مجمع عليه، كما تقدم في كلام الشافعي رحمه الله تعالى...
          وقال أبو طالب عن أحمد وقيل له: إن قوما يدعون الحديث ويذهبون إلى رأي سفيان وغيره، فقال: ((أعجب لقوم سمعوا الحديث وعرفوا الإسناد وصحته يدعونه ويذهبون إلى رأي سفيان وغيره، قال الله تعالى: ((فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) أتدري ما الفتنة ؟ الفتنة: الكفر.
          قال الله تعالى: ((وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ)) فيدعون الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتغلبهم أهواؤهم إلى الرأي)).
          ذكر ذلك عنه شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-.

          قال الإمام عبد الرحمن بن حسن: قوله: ((عرفوا الإسناد)) أي إسناد الحديث وصحته، فإذا صح إسناد الحديث فهو صحيح عند أهل الحديث وغيرهم من العلماء.

          وسفيان: هو الثوري الإمام الزاهد العابد الثقة الفقيه، وكان له أصحاب يأخذون عنه، ومذهبه مشهور يذكره العلماء -رحمهم الله- في الكتب التي يذكر فيها مذاهب الأئمة...

          فقول الإمام أحمد -رحمه الله-: ((عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته )) إلخ إنكار منه لذلك، وأنه يؤول إلى زيغ القلوب الذي يكون به المرء كافرا.
          وقد عمت البلوى بهذا المنكر خصوصا ممن ينتسب إلى العلم، نصبوا الحبائل في الصد عن الأخذ بالكتاب والسنة، وصدوا عن متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيم أمره ونهيه، فمن ذلك قولهم:
          • لا يستدل بالكتاب والسنة إلا المجتهد.
          • والاجتهاد قد انقطع.
          • ويقول: هذا الذي قلدته أعلم منك بالحديث وبناسخه ومنسوخه، ونحو ذلك من الأقوال التي غايتها ترك متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن
          الهوى، والاعتماد على قول من يجوز عليه الخطأ، وغيره من الأئمة يخالفه، ويمنع قوله بدليل، فما من إمام إلا والذي معه بعض العلم لا كله.

          فالواجب على كل مكلف إذا بلغه الدليل من كتاب الله وسنة رسوله وفهم معنى ذلك: أن ينتهي إليه ويعمل به، وإن خالفه من خالفه، كما قال تعالى: ((اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ)).
          وقال تعالى: ((أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)).
          وقد تقدم حكاية الإجماع على ذلك، وبيان أن المقلد ليس من أهل العلم، وقد حكى أيضا أبو عمر ابن عبد البر وغيره الإجماع على ذلك.

          قلت: ولا يخالف في ذلك إلا جهال المقلدة، لجهلهم بالكتاب والسنة، ورغبتهم عنهما، وهؤلاء وإن ظنوا أنهم قد اتبعوا الأئمة فإنهم في الحقيقة قد خالفوهم، واتبعوا غير سبيلهم.
          كما قدمنا من قول مالك والشافعي وأحمد، ولكن في كلام أحمد -رحمه الله- إشارة إلى أن التقليد قبل بلوغ الحجة لا يذم، وإنما ينكر على من بلغته الحجة وخالفهم لقول إمام من الأئمة، وذلك إنما ينشأ عن الإعراض عن تدبر كتاب الله وسنة رسوله، والإقبال على كتب من تأخروا والاستغناء بها عن الوحيين، وهذا يشبه ما وقع من أهل الكتاب الذين قال الله فيهم: ((اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ))، فيجب على من نصح نفسه إذا قرأ كتب العلماء ونظر فيها، وعرف أقوالهم أن يعرضها على ما في الكتاب والسنة؛ فإن كل مجتهد من العلماء ومن تبعه وانتسب إلى مذهبه لا بد أن يذكر دليله، والحق في المسألة واحد، والأئمة مثابون على اجتهادهم، فالمنصف يجعل النظر في كلامهم وتأمله طريقا إلى معرفة المسائل واستحضارها ذهنا، وتمييزا للصواب من الخطأ بالأدلة التي يذكرها المستدلون، ويعرف بذلك من هو أسعد بالدليل من العلماء فيتبعه، والأدلة على هذا الأصل في كتاب الله أكثر وفي السنة كذلك، والأئمة -رحمهم الله- لم يقصروا في البيان، بل نهوا عن تقليدهم إذا استبانت السنة، لعلمهم أن من العلم شيئا لم يعلموه، وقد يبلغ غيرهم، وذلك كثير كما لا يخفى على من نظر في أقوال العلماء.

          قوله: ((لعله إذا رد بعض قوله)) أي قول الرسول صلى الله عليه وسلم ((أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك)) نبه -رحمه الله- أن رد قول الرسول صلى الله عليه وسلم سبب لزيغ القلب، وذلك هو الهلاك في الدنيا والآخرة كما قال تعالى: ((فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)). اهـ

          قال الشيخ العلامة محمّد تقي الدين الهلالي رحمه الله: ((كل من اتخذ رجلاً غير النبي صلى الله عليه وسلّم حجة يحلل به، و يحرم به، دون أن يسأله عن دليل ما أفتى به، تحسيناً للظن به، واعتقاداً منه أنه لا يخطئ حكم الله أبداً، فقد اتخذ ذلك الشخص رباً دون الله .
          وإليك برهانه : قال حافظ المغرب الإمام أبو عمر يوسف بن عبد البر النمري الذي شرح الموطأ ثلاثة شروح في كتابه جامع بيان العلم و فضله ما نصه: ((قد ذم الله تبارك و تعالى التقليد في غير موضع في كتابه فقال : ((اتخذوا أحبارهم و رهبانـهم أرباباً من دون الله)) و روى عن حذيفة و غيره قالوا : ((لم يعبدوهم من دون الله ولكن أحلوا و حرموا عليهم فاتبعوهم )) .
          قال عدي بن حاتم : (( أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم و في عنقي صليب فقال: يا عدي ألق هذا الإثم من عنقك وانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة حتى أتى على هذه الآية: (( اتخذوا أحبارهم ورهبانـهم أرباباً من دون الله)) قال: قلت: يا رسول الله، إنا لم نتخذهم أرباباً. قال: بلى، أليس يحلون لكم ما حرم عليكم فتحلونه ويحرمون عليكم ما أحل الله لكم فتحرمونه فقلت: بلى فقال: تلك عبادتـهم )) .
          قال محمد تقي الدين : وروى الإمام ابن عبد البر آثاراً في هذا المعنى، و بيان ذلك أن الحكم الشرعي لا يجوز أن يكون لأحد إلا لله فهو كالصلاة والصيام وسائر العبادات فمن جعله لغير الله فقد أشرك وقال تعالى في سورة الشورى: ((أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ))
          و قال تعالى في سورة المائدة : ((وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم و احذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبـهم وإن كثيراً من الناس لفاسقون . أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون ))
          و قال تعالى في سورة الشورى: ((وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ))
          و لا حجة في قول أحد كائناً من كان إلا في كلام الله وكلام رسوله لأنه معصوم .
          قال تعالى في سورة النجم : ((وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ))
          واعلم أن ما فرضه الله على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم وسائر القرون المفضلة هو الذي فرضه الله على سائر المسلمين إلى يوم القيامة، وما ابتدع بعدهم في الدين فهو ضلال لا يقبله الله و لا يرضاه رسوله صلى الله عليه وسلّم أبداً، فالتفرق إلى مذاهب و طرائق وشيع أو فرق كله ضلال .... (الحسام الماحق)

          الصحابة يضربون أروع الأمثلة في الرجوع إلى السنّة عند النّزاع : أخرج ابن عبد البر بإسناده في تمهيده (23/48 وما بعدها بتصرّف):
          ((اجتمع أبو هريرة وعبد الله بن سلام فذكروا عن النبي الساعات التي في يوم الجمعة وذكر أنه قالها.
          فقال عبد الله بن سلام: (أنا أعلم أية ساعة هي: بدأ الله عز وجل في خلق السماوات والأرض يوم الأحد وفرغ في آخر ساعة من يوم الجمعة فهي آخر ساعة من يوم الجمعة).
          وفي قول عبد الله بن سلام كذب كعب ثم قوله صدق كعب دليل على ما كان القوم عليه من إنكار ما يجب إنكاره والإذعان إلى الحق والرجوع إليه إذا بان لهم.
          ... وفي قول أبي هريرة: (أخبرني بها ولا تضن علي) أي لا تبخل علي، دليل على ما كان القوم عليه من الحرص على العلم والبحث عنه.
          وفي مراجعة أبي هريرة لعبد الله بن سلام حين قال: (هي آخر ساعة من يوم الجمعة) واعتراضه عليه بأنها ساعة لا يصلى فيها ورسول الله قد قال: ((لا يوافقها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه)) أدل دليل على إثبات المناظرة والمعارضة وطلب الحجة ومواضع الصواب.
          وفي إدخال عبد الله بن سلام عليه قول رسول الله ((من انتظر صلاة فهو في صلاة)) وإذعان أبي هريرة إلى ذلك دليل بين على ما كان القوم عليه من البصر بالاحتجاج والاعتراضات والإدخال والإلزامات في المناظرة وهذا سبيل أهل الفقه أجمع إلا طائفة لا تعد من العلماء أعرقوا في التقليد وأزاحوا أنفسهم من المناظرة والتفهم وسموا المذاكرة مناظرة جهلا منهم بالأصول التي منها ينزع أهل النظر وإليها يفزع أولوا البصر والله المستعان)) اهـ.

          وقال رحمه الله عند الحديث رقم 537 (23/288-289):
          مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز أن رجلا من بني كنانة يدعى المخدجي سمع رجلا بالشام الغرماء أبا محمد يقول: (إن الوتر واجب)
          قال المخدجي: فرحت إلى عبادة بن الصامت فاعترضت له وهو رائح إلى المسجد فأخبرته بالذي قال أبو محمد، قال عبادة: (كذب أبو محمد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ((خمس صلوات كتبهن الله عز وجل على العباد ...)) الحديث.
          قال أبو عمر رحمه الله: ((وفي هذا الحديث من الفقه دليل على ما كان القوم عليه من البحث عن العلم والاجتهاد في الوقوف على الصحة منه وطلب الحجة وترك التقليد المؤدي إلى ذهاب العلم)). اهـ
          فهلا تأسّينا بهم واقتدينا بفعالهم واهتدينا بأقوالهم وأفعالهم ؟!
          ومن المفيد في آخر هذا البحث المتواضع أن نذكر الحكم الشرعي في اشتراط المستفتي من المفتي أن يُفتيه على مذهب معيّن لا غير !
          جاء في كتاب: (الفتوى في الإسلام ص 14:
          حكم الاشتراط في الفتوى أن تكون على مذهب معيّن:يُستفاد هذا ممّا أوضحه الإمام الماوردي في الأحكام السلطانية في القضاء، قال:
          يجوز لمن اعتقد مذهب الشافعي رحمه الله أن يقلّد القضاء من اعتقد مذهب أبي حنيفة لأنّ للقاضي أن يجتهد برأيه في قضائه ولا يلزمه أن يقلّد في النوازل والأحكام من اعتزى إلى مذهبه، فإذا كان شافعيا لم يلزمه المصير في أحكامه إلى أقاويل الشافعي حتّى يؤدّيه اجتهاده إليها، فإن أدّاه اجتهاده إلى الأخذ بقول أبي حنيفة عمل عليه وأخذ به.
          وقد منع بعض الفقهاء من اعتزى إلى مذهب أن يحكم بغيره لما يُتوجّه إليه من التهمة والمحايلة في القضايا والأحكام، وإذا حكم بمذهب لا يتعدّاه كان أنفى للتهمة وأرضى للخصوم.
          قال الماوردي: وهذا وإن كانت السياسة تقتضيه فأحكام الشرع لا توجبه. ((لأنّ التقليد فيها محظور والاجتهاد فيها مستحّق)). اهـ

          وجاء في ((شرح نظم الورقات)) للإمام ابن عثيمين رحمه الله:
          ((ولو جاء سائل يسأل، فقال للمفتي: أفتني على مذهب فلان، والمفتي يعلم أنّ الحقّ بخلافه، فهل يجوز أن يفتيه به ؟
          الجواب: لا يجوز، فإذا قال قائل: هذا الرجل لم يطلب إلا المذهب الفلاني ؟
          أقول (الإمام ابن عثيمين): نعم، هو لم يطلب إلا المذهب الفلاني، ولكنّه لم يقل ما هو مذهب فلان ليَعلَم به ولا يعمل، لو كان يريد أن يعلم به ولا يعمل أفتيته، أمّا وأنا أعرف أنّه لم يسأل عن مذهب فلان إلا ليتّبعه، ويدع الدليل الذي عندي، فأنا لا أُفتيه، وأقول: هذا قول الله عزّ وجلّ، أو هذا قول محمّد بن عبد الله صلى الله عليه وسلّم.
          فالحاصل أنّه لو استفتاك شخص مقلّد وقال: ما هو مذهب فلان في كذا ؟ وأنت تعرف أنّ الصواب في خلافه، فإنّه لا يجوز أن تُفتيَهُ، نّك إذا أفتيتهُ فقد أفتيته أن يخالف الحقّ الذي تعلمُ، أو يغلب على ظنّك أنّه الحقّ.
          أمّا لو جاء يسألك سؤالا مجرّدا، لا ليعمل به، فهنا لا حرج عليك أن تبيّن له المذهب، إذا كنت عارفا به. )) (ص199-200) دار أنس، القاهرة، ط1.

          تعليق


          • #6

            شُبهة: السلفيون لا يأخذون بأقوال الأئمّة الأربعة ولا يحترمونهم !!هذا ما نسمعه من بعض من اعتلى منابر المساجد ولبس لباس أهل العلم وانتسب إليهم وهو بعيد عنهم بعد المشرق عن المغرب، بل قد ألّف بعضهم كتبا ورسائل تتّهم السلفيين بالوقيعة في الأئمّة الأربعة والتنقّص من قدرهم بل ادّعى أحد الكذّابين الحزبيين هنا في قسنطينة –وهو الآن يقيم في بلاد الكفر فرنسا ! بعد أن كان يخطب في مساجد مدينة العلم قسنطينة !- أنّ السلفيين يسمّون الإمام مالك بالإمام هالك !! وزعم آخر أنّ السلفيين يقولون عن الأئمّة الأربعة: هم رجال ونحنُ رجال وأنّهم –أي السلفيين- يحرّمُون الأخذ بأقوالهم !! ((كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا)).
            لا والله ما سمعتُ سلفيا واحدا في قسنطينة ولا في غيرها يطعن في الأئمّة ولا سمعت من يتنقّص من قدر الإمام مالك أو حتى يشكك في إمامته وجلالته، ولكن أهل الأهواء والبدع لا يتحرّجون في نسبة كلّ شنيع إلى السلفيين لغرض تشويه صورتهم عند العوام المساكين فما وجدوا أخبث من أن ينسبوا للسلفيين الوقيعة في الإمام مالك الذي يعُظّمه العوام أكثر من الصحابة وسائر التابعين بل قد يعظّمه بعضهم أكثر من رسول ربّ العالمين !!
            فقالوا إنّ السلفيين يسبّون العلماء ويسبّون الإمام مالك ويرمونه بكلّ نقيصة ويبهتونه بكلّ شنيعة وهم يعلمون أنّهم كاذبون وأنّهم على غير السبيل سائرون ولكن ماذا نصنع بهم والأهواء تتجارى بهم كما يتجارى الكلب بصاحبه؟!
            فإلى هؤلاء جميعا نقول لهم، إن كنتم مالكية فقها فنحنُ مالكية وحنفية وحنابلة وشافعية وأوزاعية وحمّادية فقها وعقيدة.
            وإن كنتم لا تأخذون إلا عن الإمام مالك فنحنُ نأخذُ عنه وعن غيره من الأئمّة الفقهاء.
            ويشهدُ الله كم نحبُّ الإمام مالك وكم نبجّله ونوقّره ولكننا لا نغلوا فيه فلا نعتقد فيه العصمة. ويشهدُّ الله أنّنا نتبرّأ ممن يسبُّ الإمام مالك وغيره من الأئمّة.
            ونُشهدُ الله أنّنا نعتبرُ الأئمّة الأربعة وغيرهم من أئمّة الهدى ومصابيح الدُّجى من أولياء الله الصالحين الناصحين الذين بذلوا البخس والثمين إعلاءً لراية الدين وسيرا بالأمّة إلى النّصر والتمكين.
            فكيف بعد هذا يرمينا أدعياء العلم وأعداؤه في آن واحد أنّنا نسبُّ الأئمّة ونُسمّي مالكا هالكاً ؟! كبُرت كلمةً تخرُجُ من أفواههم إن يقولون إلا كذبا.

            وأخيرا:
            أيّ الفريقين أولى بالصواب ؟ لستُ أشكُّ أنّ من قرأ هذا البحث المتواضع سيقتنعُ –بالرغم من ضعف أسلوبي وقلّة علمي- أنّ الواجب على المسلم أن يتّبع السنّة أيّا كانت وفي أيّ شأن كانت وإن خالفت المذهب السائد في بلده والذي نشأ وتربّى عليه.
            وكلّ عاقل يعلمُ أنّه سيُسألُ عن مدى استجابته لرسوله صلى الله عليه وسلّم لا عن مدى استجابته لأبي حنيفة أو مالك أو غيرهما.
            وقد قال تعالى: ((ويوم يُناديهم ماذا أجبتم المرسلين)) ولم يقل سبحانه: ماذا أجبتم مالكا و لا غيره، فالله الله في السنّة والحذر الحذر من مخالفتها وقد تقدّم ما صحّ عن ابن عبّاس أنّه قال: ((يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء: أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم وتقولون قال أبو بكر وعمر ؟!!)) أو كما قال رضي الله عنه.
            هذا آخر ما جال به خاطري وقدرت على جمعه في هذه العجالة ولعلّي لم أعطي الموضوع حقّه فأنا لستُ أهلا لذلك ولكن ما لا يُدرك كلّه لا يُتركُ كلّه أو كما يُقال.
            هذا وأسأل الله أن يردّنا إلى ديننا ردّا جميلا وأن يقينا الفتن والشبهات في الدين والدنيا وأن يصرف عنّا بقدرته تعالى دعاة الشرّ والفتنة وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه.
            كما أسأل كلّ من قرأ هذه الكلمات أن يترفّق بكاتبها وأن يُحسن الظنّ بجامعها فما أريد إلا الإصلاح ما استطعتُ وما توفيقي إلا بالله العظيم وصلى الله على رسوله الكريم وعلى آله والصحب والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدّين.

            تعليق

            يعمل...
            X