إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

المرجئة - التعريف بهم ونشأتهم - شبهاتهم و الرد عليها، بحث من مجلة البحوث العلمية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المرجئة - التعريف بهم ونشأتهم - شبهاتهم و الرد عليها، بحث من مجلة البحوث العلمية

    المرجئـــــــــــة - التعريف بهم ونشأتهم - شبهاتهم و الرد عليها

    المرجئـــــــــــة - التعريف بهم ونشأتهم - شبهاتهم و الرد عليها

    جعلتها على شكل حلقات
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو عاصم عمرو بن حسين; الساعة 24-Mar-2010, 06:06 PM. سبب آخر: تعديل في العنوان

  • #2
    المرجئـــــــــــة - التعريف بهم ونشأتهم - شبهاتهم و الرد عليها

    المرجئـــــــــــة - التعريف بهم ونشأتهم - شبهاتهم و الرد عليها

    المرجئـــــــــــة



    ************************************************** *


    أولا : في التعريف بالمرجئة ونشأتهم :

    ( أ ) : في التعريف بالمرجئة .

    المرجئة : لغة : اسم فاعل من " أرجأته " بالهمزة بمعنى أخرته ، والرجاء من الأمل نقيض اليأس . ممدود ، تقول رجاه يرجو رجوا ورجاء : أي أمل فيه . والإرجاء : بمعنى التأخير . ومنه سميت المرجئة .

    فأرجأ الشيء : أي أخره ، ومنه قوله تعالى : {أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} (سورة الأعراف الآية 111)، وفي حديث توبة كعب بن مالك : "وأرجأ رسول الله أمرنا" أي أخره .

    والطائفة المعروفة : المرجئة . بهمز ولا بهمز وكلاهما بمعنى التأخير ، والهمز أجود .

    المرجئة في الاصطلاح :

    نظرا لتعدد أنواع الإرجاء فقد اختلف في تعريفهم . وإليك بعض التعاريف مع الإشارة للأشمل منها : قال بعضهم : المرجئة : "هم الذين يقولون الإيمان قول بلا عمل" .

    وقال آخرون : "المرجئة : هم فرقة من فرق الإسلام يعتقدون أن الإيمان لا يضر معه ذنب كما لا تنفع مع الكفر طاعة" .

    وقال الشهرستاني : "الإرجاء على معنيين . أحدهما : بمعنى التأخير كما في قوله تعالى : {قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} الآية (سورة الأعراف الآية 111 ) أي أمهله وأخره .

    والثاني : إعطاء الرجاء . أما إطلاق اسم المرجئة على الجماعة بالمعنى الأول . . ، لأنهم كانوا يؤخرون العمل عن النية والعقد . وأما بالمعنى الثاني . . فلأنهم كانوا يقولون لا تضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة . وهذا أمثل الأقوال لأنه أشملها لأنواع الإرجاء" .

    تعليق


    • #3
      ( ب ) : نشأتهم.

      الإرجاء ليس شيئا واحدا نشأ في لحظة حاسمة كما هو الحال في نشأة الخوارج ، وإنما هو أنواع . وقد بدأ ضعيفا في جانب واحد ثم ما لبث أن انتقل في جانب آخر بينهما فترة من الزمن . وإليك الإشارة إليها مع بيان نشأة كل منها .


      أولا : إرجاء أمر الصحابة .

      والأظهر أن أول من تكلم فيه الحسن بن محمد بن الحنفية الذي اشتهر عنه بسبب كتاب كتبه ليقرأ على الناس . قال ابن سعد في ترجمة الحسن : إنه أول من تكلم بالإرجاء .

      وهذا الإرجاء لا يعد مذموما ؛ لأنه إرجاء أمر الصحابة إلى الله لما حصل بينهم من الاختلاف ، ولم يتبرأ منهم .

      ثانيا : إرجاء أمر مرتكب الكبيرة .

      وقد نشأ هذا النوع بظهور الخوارج وحكمهم بالكفر على مرتكب الكبيرة واختلافهم فيه . وبيان ذلك : أنهم قالوا : بالكفر على مرتكب الكبيرة ثم افترقوا فرقا وأخذ حكمهم يتنازل في حكم مرتكب الكبيرة حتى تولدت المرجئة .

      فقد ذكر الشهرستاني عن الحازمية - وهي من فرق الخوارج - أنهم يتوقفون في أمر علي بن أبي طالب ولا يصرحون بالبراءة منه .

      ويروي ابن سعد عن بعض المحدثين كمحارب بن دثار السدوسي ( قاضي الكوفة ) أنهم يتوقفون في أمر علي بن أبي طالب وعثمان ، ولا يشهدون لهما بإيمان ولا كفر . إذا ما هو موقفهم ؟ ، إنه الإرجاء .

      ومما ذكرته يتضح أن التوقف من قبل بعض الخوارج هو البذرة الأولى في ظهور المرجئة الأولى الذين لا يشهدون بإيمان ولا كفر على مرتكب الكبيرة . والأصل عندهم في قولهم : مرتكب الكبيرة هم الصحابة . قال ابن أبي العز في شرحه للطحاوية : وكانت المرجئة الأولى يرجئون عثمان وعليا ، ولا يشهدون بإيمان ولا كفر .

      ومن هؤلاء : محارب بن دثار السدوسي , كما قال ابن سعد ، ومنهم أيضا خالد بن سلمة الكوفي الفأفاء . كما قال الذهبي .

      وهذا النوع من الإرجاء يختلف عما سبقه . فالأول الذي تكلم فيه ابن الحنفية إرجاء تفويض أمر المختلفين من الصحابة إلى الله ، مع اعتقاد أفضليتهم والشهادة لهم بالإيمان ، وليس له أي صلة بالمرجئة فيما بعد .

      أما النوع الثاني : وهو الإرجاء الذي تولد من الخوارج فالقائلون به لا يشهدون للصحابة بإيمان ولا كفر وإنما يتوقفون ، وهذا بدعة ، وهو أصل قول المرجئة في الإيمان كما سيأتي بيانه ، ثم إن هذا النوع من الإرجاء قد انقرض ؛ إذ أن الإرجاء تحول إلى موضوع الإيمان . فقد سئل سفيان بن عيينة عن الإرجاء فقال : الإرجاء على وجهين : قوم أرجئوا أمر علي وعثمان فقد مضى أولئك ، فأما المرجئة اليوم فهم قوم يقولون : الإيمان قول بلا عمل .

      النوع الثالث : الإرجاء في الإيمان .

      وهذا النوع بدأ بإخراج العمل من مسمى الإيمان ، وكان هذا زمن التابعين وهو على ثلاثة أنواع . الأول : إرجاء العباد والفقهاء من أهل الكوفة ابتدأ بهم . وموضوعه : إخراج العمل من الإيمان . وهو امتداد للمرجئة الذين انفصلوا عن الخوارج ؛ حيث إن مسالة تكفير المسلم هي السبب في ذلك وهي القضية التي كانت موضوع نقاش الناس وخاصة بين الخوارج ومن انفصل منهم من المرجئة أدى هذا النقاش فيما بعد إلى البحث في الإيمان عند هاتين الفرقتين . فرأت كل فرقة أن تجعل قولها في الإيمان مبنيا على قولها في الكبيرة ، فقالت الخوارج : إنه جميع الطاعات فمن ترك طاعة واحدة فقد كفر . فقولهم هذا بناء على تكفيرهم مرتكب الكبيرة .

      فقابلتهم المرجئة بما يناقضهم ؛ فقالوا : مرتكب الذنب مؤمن كامل الإيمان ، لكن لا يسلم لهم هذا القول حتى يخرجوا العمل من الإيمان ، لذا قالوا : الإيمان هو التصديق والإقرار فقط . وأول من عرف عنه هذا النوع ذر بن عبد الله الهمذاني ، وحماد بن أبي سليمان من فقهاء الكوفة .

      وكان ظهور هذا النوع من الإرجاء بعد الثمانين من الهجرة لما ورد في صحيح البخاري عن زبيد قال : " سألت أبا وائل عن المرجئة . . . " وكانت وفاة أبي وائل سنة 82 هـ .

      وقال ابن تيمية : حدثت بدعة الإرجاء في أواخر عصر الصحابة في خلافة عبد الملك بن مروان ، وخلافته انتهت بوفاته سنة 86 هـ .

      وهؤلاء المرجئة الذين يخرجون العمل عن الإيمان لم يكونوا يقصرون في العمل ، وإنما قالوا هذا القول كرد فعل لتكفير الخوارج لصاحب الكبيرة .انظر : الفتاوى جـ 7 صـ 297 ، 510 . .

      الثاني : إرجاء الغلاة من المتكلمين ، الذين جعلوا الإيمان في القلب فقط ، كالجهمية والغيلانية وبعض المتكلمين .

      وهؤلاء : جعلوا الإيمان شيئا واحدا في القلب فقط فزادوا على من سبقهم بأن أخرجوا القول من الإيمان . فصار الإيمان يتم - عندهم - بمجرد معرفة القلب . ومن أوائل من عرف عنهم هذا الغلو في الإرجاء غيلان بن مسلم الدمشقي أبو مروان ، والجهم بن صفوان ، ومقاتل بن سليمان المشبه .

      وهؤلاء من مذهبهم أنه لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة . وهم الطائفة الأولى من المرجئة الغلاة .

      وهذا النوع من الإرجاء أثر من آثار الإرجاء السابق ، وهو إرجاء الفقهاء حيث إن ذلك الخطأ اللفظي فتح الباب لهذا الخطأ العظيم .

      الثالث : إرجاء الكرامية : وهو نوع ثالث من أنواع الإرجاء في الإيمان حيث جعلوا الإيمان : قولا باللسان فقط ، وإن اعتقد الكفر بقلبه فهو مؤمن عند الله ولي له ، من أهل الجنة , وأول من ابتدع هذا النوع محمد بن كرام السجستاني المجسم ، عاش في أوائل القرن الثالث . حيث قال : إن الإيمان هو القول باللسان فقط دون تصديق القلب وعمل الجوارح . ولم يكن هذا النوع معروفا قبله ، وهذا القول هو أفسد الأقوال وآخرها حدوثا .

      يقول ابن تيمية : لم يكن حدث في زمن السلف من المرجئة من يقول : الإيمان بمجرد القول بلا تصديق ولا معرفة ، فإن هذا : إنما أحدثه ابن كرام ، وهذا هو الذي انفرد به ابن كرام وهذه هي الطائفة الثانية من المرجئة الغلاة .

      تعليق


      • #4
        ثانيا : رأي المرجئة في حكم مرتكب الكبيرة مع المناقشة :

        ( أ ) : رأي المرجئة في حكم مرتكب الكبيرة

        اختلف المرجئة في حكم مرتكب الكبيرة ، فمنهم من وافق أهل السنة كمرجئة الفقهاء حيث كان إرجاؤهم في تأخير العمل عن الإيمان فقط . يقول ابن تيمية - وهو يتكلم عن العمل هل هو داخل في الإيمان أم لا ؟ - : ومما ينبغي أن يعرف أن أكثر التنازع بين أهل السنة في هذه المسألة هو نزاع لفظي وإلا فالقائلون بأن الإيمان قول من الفقهاء كحماد بن أبي سليمان وهو أول من قال ذلك ، ومن اتبعه من أهل الكوفة وغيرهم ، متفقون مع جميع علماء السنة على أن أصحاب الذنوب داخلون تحت الذم والوعيد ، وإن قالوا إن إيمانهم كامل كإيمان جبريل ، فهم يقولون : إن الإيمان بدون العمل المفروض ، ومع فعل المحرمات ، يكون صاحبه مستحقا للذم والعقاب كما تقول الجماعة ، ويقولون أيضا بأن من أهل الكبائر من يدخل النار كما تقوله الجماعة .

        ومنهم من خالف أهل السنة ، كالمرجئة الغلاة حيث قالوا : لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة . فمن قال لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وحرم ما حرم الله ، وأحل ما أحل الله دخل الجنة ابتداء ولو مات من غير توبة ، وإن زنى وسرق وقتل وشرب الخمر وقذف المحصنات وترك الصلاة . . إذا كان مقرا بها لا يضر وقوعه في الكبائر وركوبه الفواحش وتركه الفرائض ، وإن فعل ذلك مستحلا كان كافرا بالله وخرج من إيمانه فصار من أهل النار .

        قال الإمام أبو حنيفة : " ولا نقول إن المؤمن لا تضره الذنوب ولا نقول إنه لا يدخل النار . . كما قالت المرجئة " .

        وقال الماتريدي : " قالت المرجئة لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة " .

        ويقول ابن تيمية - وهو يتكلم عن أصحاب الذنوب - : " . . . ولكن الأقوال المنحرفة قول من يقول بتخليدهم في النار . . ، وقول غلاة المرجئة الذين يقولون : ما نعلم أحدا منهم يدخل النار بل نقف في هذا كله . وحكي عن بعض غلاة المرجئة الجزم بالنفي . . . " .

        وهذا مبني على أصلهم الفاسد ، وهو أنه لا يتصور أن الشخص يدخل الجنة والنار معا بل إذا دخل أحدهما فلا يدخل الأخرى ، وبناء على هذا قالوا : " إن أهل الذنوب يدخلون الجنة ولا يدخلون النار أبدا " .

        تعليق


        • #5
          ( ب ) : شبهاتهم والجواب عليها .

          لقد تمسك المرجئة في قولهم بهذه البدعة بشبهات منها : ما ورد في الكتاب والسنة من نصوص فيها الوعد لعباده المؤمنين ، وإليك البعض منها مع الجواب .


          الشبهة الأولى :

          قوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} سورة النساء الآية 48 .
          وجه الاستدلال : قالوا : إن الآية تدل على أن الشرك وحده لا يغفر وما دون ذلك فهو مغفور ، ومرتكب الكبيرة ليس بمشرك فهو مغفور له .

          الجواب : يقال لهم : استدلالكم باطل لما يلي :

          ( أ ) أن المغفرة معلقة بالمشيئة ففيها دليل على التقسيم . وهو أن من العصاة من يعذب ، ومنهم من لا يعذب ، وعليه فالآية حجة عليكم لا لكم .

          ( ب ) لو كانت المغفرة لكل أحد - كما تزعمون - لبطل قوله تعالى : {لِمَنْ يَشَاءُ} فلما أثبت أنه يغفر ما دون ذلك ، وأن المغفرة هي لمن يشاء دل ذلك على وقوع المغفرة العامة لما دون الشرك لكنها لبعض الناس . وبذلك يتضح بطلان استدلالكم بالآية على ما تزعمونه ، والله أعلم .

          الشبهة الثانية:

          قوله تعالى : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا } الآية

          وجه الاستدلال : أن الله تعالى حكم بغفران الذنوب جميعا , ولم يشترط التوبة ، وذلك يدل على أنه تعالى يغفر الذنوب قبل التوبة وبعدها ، وإذا غفرت ذنوب مرتكب الكبيرة لم يدخل النار .

          الجواب : نقول لهم المراد بأن الله تعالى يغفر الذنوب جميعا مع التوبة .


          وحمل الآية على هذا المعنى أولى لوجهين . الأول : أنا إذا حملناها على هذا الوجه فقد حملناها على جميع الذنوب - على ما هو ظاهر الآية - وإن حملناها على ما ذكرتم ، لم يمكن حمله على ظاهر الآية ؛ لأنه تعالى لا يغفر جميع الذنوب من غير توبة ؛ إذ الكفر ذنب والله لا يغفره إلا مع التوبة .
          الثاني : أنه تعالى ذكر عقيب هذه الآية قوله تعالى : { وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ } والإنابة هي التوبة .

          قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وقد ذكرنا في غير موضع أن هذه الآية في حق التائبين . . . ثم قال : الآية فيها نهي عن القنوط من رحمة الله ، وإن عظمت الذنوب فلا يحل لأحد أن يقنط من رحمة الله . . ولا أن يقنط الناس من رحمة الله ، والقنوط : يكون بأن يعتقد أن الله لا يغفر له ؛ إما لكونه إذا تاب لا يقبل الله توبته ويغفر ذنبه ، وإما أن يقول نفسه لا تطاوعه على التوبة . . فهو ييأس من توبة نفسه . وإذا كانت الآية في حق التائب لم يبق فيها دلالة على ما تزعمه المرجئة , والله أعلم .

          الشبهة الثالثة:

          قول تعالى : { لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى ** الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى } .

          وجه الاستدلال : قالوا : قد أخبرنا الله عز وجل - في هذه الآية - أن النار لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى ، فصح أن من لم يكذب ولا تولى لا يصلاها ، قالوا : ووجدنا أن مرتكبي الكبائر- مما دون الشرك - كلهم لم يكذبوا ولا تولوا بل هم مصدقون معترفون بالإيمان ، فصح أنهم لا يصلونها ، وأن المراد بالوعيد المذكور في هذه الآية وأمثالها إنما هو فعل تلك الأفاعيل من الكفار خاصة .

          الجواب : من وجوه منها . الأول : قيل أن المراد بهذه النار : نار مخصوصة - كما قاله الزجاج - وعدم دخوله هذه النار لا يمنع من دخوله غيرها . . وقيل : لا يصلاها صلي خلود ، وهذا أقرب ، وعليه فمن دخل النار وخرج منها فإنه نوع من الصلي ، لكنه ليس الصلي المطلق وهو صلي الخلود ، لا سيما إذا كان قد لبث فيها والنار لم تأكله ؛ فإنه قد ثبت أنها لا تأكل مواضع السجود .

          الثاني : على التسليم بأن الآية تدل على أن الكفار هم المخصوصون بالعذاب ، فإن هذا لا يمنع ما يحصل لبعض المؤمنين من تمحيص في النار بسبب ذنوبهم - كما دلت عليه بعض النصوص ، من مثل قوله تعالى : { وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ } .

          وكما ورد في الحديث الصحيح : أن فيه من يدخل النار بذنوبه ثم يخرج منها وعليه فإنه لا دلالة في الآية على ما تزعمه المرجئة ، والله أعلم .

          الشبهة الرابعة :

          قوله تعالى : { إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ }.

          وجه الاستدلال : قالوا الآية تدل على أن كل محسن رحمة الله قريبة منه ، ومرتكب الكبيرة قد قال لا إله إلا الله فهو محسن ، وإذا كان محسنا فرحمة الله قريبة منه ، ومن رحمه الله فلا يعذب .

          الجواب : نقول استدلالكم باطل لما يلي :

          ( أ ) أن الآية تدل على أن رحمة الله قريب من عباده المحسنين ، لكنها لا تفسر بمنع العذاب في النار لمن أخطأ منهم ؛ لأن عذاب الله للمخطئ عدل ، والعدل لا يضاد الرحمة .

          ( ب ) أنه لولا رحمة الله لهؤلاء المخطئين لطال عذابهم ، ولكن رحمته كانت السبب في التجاوز عن كثير من خطاياهم وإدخالهم الجنة ؛ لما روى أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "ليصيبن أقواما سفع من النار بذنوب أصابوها عقوبة ، ثم يدخلهم الله الجنة بفضل رحمته ، يقال لهم الجهنميون" صحيح البخاري التوحيد (7012),مسند أحمد بن حنبل (3/147). وبذلك اتضح أن الله عذب الفساق بعدله ، وتجاوز عن كثير من خطاياهم برحمته . ولم يستلزم العدل انتفاء الرحمة ، ولا الرحمة انتفاء العذاب بعدله سبحانه .

          ( ج ) على التسليم بما تزعمونه فإن رحمة الله مقيدة بالمشيئة ؛ لما روى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "تحاجت الجنة والنار . . . إلى أن قال : فقال الله تعالى للجنة : أنت رحمتي أرحم بك من أشاء " الحديث، صحيح البخاري تفسير القرآن (4569),صحيح مسلم الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2847),سنن الترمذي صفة الجنة (2557),مسند أحمد بن حنبل (2/314). ، وإذا كانت الرحمة مقيدة بالمشيئة لم يبق في الآية دلالة على ما تزعمونه , والله أعلم .

          الشبهة الخامسة :

          قوله تعالى : { إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى } .

          وجه الاستدلال : قالوا : هذه الآية صريحة في أن ماهية العذاب مختصة بمن كذب بالله تعالى وكان موليا عن دينه . ومن لم يكن مكذبا بالله تعالى ولا متوليا عن دينه لم يكن للعذاب به تعلق . ومرتكب الكبيرة ليس مكذبا ولا متوليا عن دين الله ؛ إذا ليس للعذاب به تعلق .

          الجواب : نقول : الآية تؤكد بأن الكافر المكذب المتولي هو المخصص بالعذاب الأبدي ، وهذا لا يمنع من حصول بعض العذاب لمن ارتكب كبيرة أو ذنبا ، ثم إن عذاب الله لمرتكب الكبيرة إنما هو تطهير ولبعض مرتكبي الكبائر حسب إرادة الله ومشيئته .

          وعليه فكلمة العذاب بمعناها الحقيقي لا تشمل ما يحصل لبعض مرتكبي الكبائر من تطهير ، وإذا لم تشمله لم يبق في هذه الآية دلالة على عدم دخول مرتكبي الكبائر في النار ، والله أعلم .

          الشبهة السادسة :

          استدلوا بعموم النصوص التي فيها الوعد لمن ارتكب الكبيرة بأن لا يخلد في النار ، كقوله تعالى : { وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ}.

          وجه الاستدلال : أن لفظ الكفور للمبالغة ، فوجب أن يختص هذا الحكم بالكافر الأصلي ، وكقوله تعالى : { إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ} .

          وجه الاستدلال : قالوا : إن هذه الآية دلت على اختصاص الخزي بالكافرين ، ثم إن كل من دخل النار فقد حصل له الخزي لقوله تعالى : {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ } فلما لم يحصل الخزي إلا للكفار وجب ألا يحصل دخول النار إلا لهم . وغيرهما من نصوص الوعيد .

          الجواب : يقال لهم : أولا : هذه الآيات إنما تدل على أن الكافر هو المخصص بالعذاب الأبدي .

          يقول القرطبي : إن الكافر يجازى بكل سوء عمله ، أما المؤمن فإنه يجزى ولا يجازى ؛ لأنه يثاب . فقوله : { وَهَلْ نُجَازِي } أي نكافئ السيئة بمثلها . وقال طاوس : هو المناقشة في الحساب أما الموحد فلا يناقش الحساب .
          وعن قتادة عن أنس : في قوله : { رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ } الآية ، قال : من تخلد .
          وعن ابن جريح قال : هو من يخلد فيها .

          وإذا كانت هذه الآيات إنما تدل على اختصاص الكافر بالعذاب الأبدي فإنها لا تعتبر حجة في انتفاء العذاب عمن ارتكب كبيرة من الكبائر مما دون الشرك .

          ثانيا : لو سلمنا بقولكم واستدلالكم بهذه الآيات وأمثالها ، فما ترون أن نصنع بالآيات التي استدل بها الوعيدية على عذاب الله للعصاة ( نصوص الوعيد ) ! .

          مثل قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ *** وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } . وقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ } إلى قوله : { وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} .

          ماذا نصنع بهذه الآيات ؟ هل نضرب عنها صفحا ؟ , هذا لا يمكن ؛ لأنه إيمان ببعض الكتاب وكفر ببعضه , هل نخصصها بأدلتكم ؟ ، فإن قالوا : نعم , قلنا : ولماذا لا تخصصون أنتم ؟ وذلك بالموازنة ؛ ليتم الإيمان بالجميع .

          الشبهة السابعة :

          حديث معاذ قال : "كنت رديف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : هل تدري ما حق الله على العباد ؟ , قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا . . ثم قال : هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه ؟ , قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : حق العباد على الله أن لا يعذبهم" ، صحيح البخاري اللباس (5622),صحيح مسلم الإيمان (30),سنن الترمذي الإيمان (2643),سنن ابن ماجه الزهد (4296),مسند أحمد بن حنبل (5/23.

          وجه الاستدلال : الحديث يدل على أن الله وعد من عبده ولم يشرك به شيئا بعدم العذاب ، ومرتكب الكبيرة قد عبد الله ولم يشرك به شيئا إذا سيشمله الوعد بعدم العذاب .

          الجواب : من وجوه منها :

          ( أ ) أن المراد بالعبادة فعل الطاعات واجتناب المعاصي ، والموحد الفاعل للطاعات المجتنب للمعاصي لا يعتبر من أهل الكبائر ، وعليه فلا دلالة في الحديث .

          ( ب ) المراد بقوله : أن لا يعذبهم قيل : المراد ترك دخول نار الشرك ، وقيل : ترك تعذيب جميع بدن الموحدين ، لأن النار لا تحرق مواضع السجود . وقيل : ليس ذلك لكل من وحد وعبد بل يختص بمن أخلص ، والإخلاص يقتضي تحقيق القلب بمعناه ، ولا يتصور حصول التحقيق مع الإصرار على المعصية ؛ لامتلاء القلب بمحبة الله تعالى.

          ( ج ) على التسليم بما تزعمونه ، فإن تطهير أهل الكبائر من خطاياهم لا يعتبر عذابا على حقيقته ، ولذا فإنه لا منافاة بين تطهيرهم من الخطايا وبين قوله : أن لا يعذبهم ، وبذلك يتضح خطأ استدلالكم بالحديث على عدم دخول أهل الكبائر النار ، والله أعلم .

          الشبهة الثامنة :

          ما روي عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أنه قال : أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل فقال : يا رسول الله ، ما الموجبتان ؟ , قال : "من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ، ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار " , مسند أحمد بن حنبل (3/392).

          وجه الاستدلال : في الحديث وعد لمن مات لا يشرك بالله شيئا بدخول الجنة ، ومرتكب الكبيرة لا يشرك بالله شيئا ، فلو مات على ذلك فإن الوعد سيشمله بدخول الجنة .

          وخشيته فتنبعث الجوارح إلى الطاعة وتنكف عن المعصية . وعلى ذلك فإنه لا دلالة في الحديث .

          الجواب : يقال لهم : المراد بقوله : دخل الجنة أن مصيره الجنة ، لكن إن لم يكن صاحب كبيرة مات مصرا عليها دخل الجنة أولا ، وإن كان صاحب كبيرة مات مصرا عليها فهو تحت المشيئة ، فإن عفي عنه دخل الجنة أولا ، وإلا عذب ثم أخرج من النار وأدخل الجنة . والله أعلم .

          الشبهة التاسعة :

          ما روي عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال : "أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليه ثوب أبيض ، وهو نائم , ثم أتيته وقد استيقظ فقال : ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة ، قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ ، قال : وإن زنى وإن سرق ، قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ ، قال : وإن زنى وإن سرق ، قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ ، قال : وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر" ،صحيح البخاري اللباس (5489),صحيح مسلم الإيمان (94),سنن الترمذي الإيمان (2644),مسند أحمد بن حنبل (5/152). .

          وجه الاستدلال : في الحديث وعد لمن قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك بدخول الجنة . وإن ارتكب بعض الكبائر كالزنا والسرقة . إذا مرتكب الكبيرة الذي قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك يشمله هذا الوعد بدخول الجنة .

          الجواب - قال الإمام البخاري - بعد روايته هذا الحديث : هذا عند الموت أو قبله إذا تاب وندم وقال لا إله إلا الله غفر له .

          وقيل : إن الحديث محمول على من وحد ربه ومات على ذلك تائبا من الذنوب التي أشير إليها في الحديث ، فإنه موعود بهذا الحديث بدخول الجنة ابتداء . . وأما من تلبس بالذنوب المذكورة أو غيرها مما دون الشرك ومات من غير توبة فهو تحت المشيئة ، إن شاء الله عفا عنه وأدخله الجنة ، وإن شاء عذبه على قدر ذنبه ثم أخرجه من النار وأدخله الجنة . ويدل على ذلك حديث عبادة بن الصامت في كتاب الإيمان ، فإن فيه : "ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله تعالى ، إن شاء عاقبه ، وإن شاء عفا عنه" ، إذا المراد بالحديث : من قال لا إله إلا الله تائبا نادما على ما حصل منه من الذنوب ثم مات على ذلك فإنه يدخل الجنة ؛ لأن التوبة تجب ما قبلها . أو المراد : أن مصيره الجنة ابتداء إن قالها تائبا ومات على ذلك أو النار ثم الجنة ؛ إذ أنه لا يخلد في النار . وبذلك يتضح خطأ استدلالهم بالحديث ، والله أعلم .

          تعليق


          • #6
            ( ج ) : في ذكر بعض اللوازم التي تؤكد بطلان هذه البدعة ( بدعة المرجئة في مرتكب الكبيرة ) .

            بعد عرض أمثلة من شبهاتهم والجواب عنها ، نشير إلى بعض اللوازم التي تؤكد بطلان هذه البدعة ، فنقول وبالله التوفيق .

            إن قول المرجئة : مرتكب الكبيرة لا يدخل النار - قول باطل لما تظافر من الأدلة التي تؤكد بطلانه ولما يستلزمه من اللوازم الباطلة والتي منها :

            أولا : إنكار عدل الله ؛ لأنهم جعلوا الظالمين والمجرمين المنتهكين للحرمات سواء مع البررة الأتقياء الذين التزموا شرع الله وأقروا عدله في الأرض . فخالفوا بذلك النصوص الصريحة من كتاب الله ، والتي تؤكد بأن الله تعالى لم يجعل الفساق كالمؤمنين . حيث يقول سبحانه : { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} ، ويقول سبحانه : { أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} .

            بل إن الله لم يسو بين الطائفتين من المؤمنين حيث فضل بعضهم على بعض بحسب الإيمان والعمل الذي قدموه ، حيث يقول سبحانه : { لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى } الآية

            ويقول - سبحانه - : { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} الآية .

            فإذا كان سبحانه لم يسو بين المؤمنين بل فضل بعضهم على بعض بحسب العمل الذي قدموه فكيف يسوي بين المؤمنين والفساق .

            وقد ناقشهم الملطي - رحمه الله - وألزمهم الحجة حيث قال :

            أخبرونا عن قوله تعالى : { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } الآية ، وقوله تعالى : { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } . أهذا شيء قاله على حقيقة القول أم على المجاز ؟ فإن قالوا : على المجاز ، جعلوا إخبار الله عن وعده على المجاز وهذا كفر ممن قاله ؛ لأن أحدا لا يتيقن حينئذ بخبره إذا لم يكن له حقيقة وصحة ، وإن قالوا على الحقيقة ، قيل لهم : أخبر الله عز وجل أنه لا يستوي عنده الولي والعدو . ويقال لهم : أخبرونا عمن زنى وأتى شيئا من الكبائر ، أترون عليه توبة أم لا ؟ فإن قالوا : لا ، بان جهلهم , وإن قالوا : نعم , قيل لهم : لأي شيء يتوب ؟ فإن قالوا : يقبل الله توبته ويغفر ذنبه ، تركوا قولهم وجعلوا لأهل المعاصي توبة وغفرانا مما اجترموا ، وإن قالوا : لا يحتاجون إلى غفران ولا توبة عليهم : خرجوا من دين الإسلام وخالفوا الجماعة .

            ثانيا : كما يلزم من قولهم فتح الباب للمجرمين والفساق للتمادي في فسقهم وضلالهم ؛ لأن المجرم أو الفاسق إذا علم بأن جريمته أو فسقه لن يضره فلن يتركه .

            ثالثا : كما يلزم أيضا بطلان التكليف بالفروع جملة ، وضياع آيات الوعيد هباء ، وصيرورتها كذبا وخداعا ، تعالى الله عن ذلك . ولا شك أن هذا كله باطل . وإذا كان كذلك فما يستلزمه مثله . وعليه فالقول بأن مرتكب الكبيرة لا يدخل النار مطلقا باطل . والله أعلم .


            تعليق

            يعمل...
            X