[ب] ميكائيل مع محمد صلى الله عليه وسلم
عن أبى بن كعب قال: ما حاك فى صدرى منذ أسلمت إلا أنى قرأت آيةً وقرأها آخرُ غيرَ قراءتى
فقلت: أقرأنيها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
وقال الآخر: أقرأنيها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
فأتيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقلت: يا نبى الله أَقْرَأْتَنِى آية كذا وكذا؟
قال: «نعم، إن جبريل وميكائيل عليهما السلام أتيانى فقعد جبريل عن يمينى وميكائيل عن يسارى فقال جبريل عليه السلام: اقرأ القرآن على حرف. قال ميكائيل: استزده. حتى بلغ سبعة أحرف فكل حرف شافٍ كافٍ.»
وفى لفظ: «يا أُبَىُّ إنى أُقْرِئْتُ القرآن فقيل لى: على حرف أو حرفين؟ فقال الملَك الذى معى: قل على حرفين. قلت على حرفين. فقيل لى على حرفين أو ثلاثة؟ فقال الملَك الذى معى: قل على ثلاثة. حتى بلغ سبعة أحرف ثم قال: ليس منها إلا شافٍ كافٍ إن قلت: سميعا عليما عزيزا حكيما مالم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب.»[1]
و عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ: كَانَ النبي صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى صَلاَةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ «مَنْ رَأَى مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا» قَالَ: فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ قَصَّهَا، فَيَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ
فَسَأَلَنَا يَوْمًا، فَقَالَ: «هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا»
قُلْنَا: لاَ.
قَالَ: «لَكِنِّى رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِى فَأَخَذَا بِيَدِى، فَأَخْرَجَانِى إِلَى الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ بِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ - قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ مُوسَى-: إِنَّهُ يُدْخِلُ ذَلِكَ الْكَلُّوبَ فِى شِدْقِهِ، حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا، فَيَعُودُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ.
قُلْتُ: مَا هَذَا؟
قَالاَ: انْطَلِقْ.
فَانْطَلَقْنَا، حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ عَلَى قَفَاهُ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ بِفِهْرٍ أَوْ صَخْرَةٍ، فَيَشْدَخُ بِهِ رَأْسَهُ، فَإِذَا ضَرَبَهُ تَدَهْدَهَ الْحَجَرُ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ لِيَأْخُذَهُ، فَلاَ يَرْجِعُ إِلَى هَذَا حَتَّى يَلْتَئِمَ رَأْسُهُ، وَعَادَ رَأْسُهُ كَمَا هُوَ، فَعَادَ إِلَيْهِ فَضَرَبَهُ
قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟
قَالاَ: انْطَلِقْ.
فَانْطَلَقْنَا إِلَى ثَقْبٍ مِثْلِ التَّنُّورِ، أَعْلاَهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ، يَتَوَقَّدُ تَحْتَهُ نَارًا، فَإِذَا اقْتَرَبَ ارْتَفَعُوا حَتَّى كَادَ أَنْ يَخْرُجُوا، فَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا، وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ.
فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟
قَالاَ: انْطَلِقْ.
فَانْطَلَقْنَا، حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى وَسَطِ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ، فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِى فِى النَّهَرِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِى فِيهِ، فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ، فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِى فِيهِ بِحَجَرٍ، فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ.
فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟
قَالاَ: انْطَلِقْ.
فَانْطَلَقْنَا، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ، فِيهَا شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ، وَفِى أَصْلِهَا شَيْخٌ وَصِبْيَانٌ
وَإِذَا رَجُلٌ قَرِيبٌ مِنَ الشَّجَرَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ نَارٌ يُوقِدُهَا
فَصَعِدَا بِى فِى الشَّجَرَةِ، وَأَدْخَلاَنِى دَارًا لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا، فِيهَا رِجَالٌ شُيُوخٌ وَشَبَابٌ، وَنِسَاءٌ وَصِبْيَانٌ
ثُمَّ أَخْرَجَانِى مِنْهَا فَصَعِدَا بِى الشَّجَرَةَ فَأَدْخَلاَنِى دَارًا هِىَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ، فِيهَا شُيُوخٌ وَشَبَابٌ.
قُلْتُ: طَوَّفْتُمَانِى اللَّيْلَةَ، فَأَخْبِرَانِى عَمَّا رَأَيْتُ.
قَالاَ: نَعَمْ؛ أَمَّا الَّذِى رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بِالْكَذْبَةِ، فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ، فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَالَّذِى رَأَيْتَهُ يُشْدَخُ رَأْسُهُ فَرَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ، فَنَامَ عَنْهُ بِاللَّيْلِ، وَلَمْ يَعْمَلْ فِيهِ بِالنَّهَارِ، يُفْعَلُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَالَّذِى رَأَيْتَهُ فِى الثَّقْبِ فَهُمُ الزُّنَاةُ.
وَالَّذِى رَأَيْتَهُ فِى النَّهَرِ آكِلُو الرِّبَا.
وَالشَّيْخُ فِى أَصْلِ الشَّجَرَةِ إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهُ فَأَوْلاَدُ النَّاسِ
وَالَّذِى يُوقِدُ النَّارَ مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ.
وَالدَّارُ الأُولَى الَّتِى دَخَلْتَ دَارُ عَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ
وَأَمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ
وَأَنَا جِبْرِيلُ، وَهَذَا مِيكَائِيلُ، فَارْفَعْ رَأْسَكَ، فَرَفَعْتُ رَأْسِى فَإِذَا فَوْقِى مِثْلُ السَّحَابِ.
قَالاَ ذَاكَ مَنْزِلُكَ.
قُلْتُ دَعَانِى أَدْخُلْ مَنْزِلِى.
قَالاَ إِنَّهُ بَقِىَ لَكَ عُمْرٌ لَمْ تَسْتَكْمِلْهُ، فَلَوِ اسْتَكْمَلْتَ أَتَيْتَ مَنْزِلَكَ.»[2]
فائدة:
قال الإمام القرطبى: قال علماؤنا – رحمة الله عليهم – لا أَبْيَنَ فى أحوال المعذبين فى قبورهم من حديث البخارى وإن كان منامًا فمنامات الأنبياء وحى.[3]
وعن سعد بن أبى وقاص قال: رأيت عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن شماله يوم أحد رجلين عليهما ثياب بياض ما رأيتهما قبل ولا بعد. يعنى جبريل وميكائيل عليهما السلام.[4]
____________________________
[1] صحيح: رواه من حديث أنس عن أُبَىٍّ النسائيُّ (940) وهو لفظه وأحمد (21151، 21190) ورواه من حديث عبادة بن الصامت عن أُبَىٍّ أحمد (21150) ورواه من حديث سليمان بن صرد عن أُبَىّ باللفظ الثانى المذكور أبو داود (1477) وهو لفظه وأحمد (21207، 2120 وابنه عبد الله فى زوائد المسند (21209)
[2] صحيح: رواه البخارى تاما ومختصرا فى مواضع منها (1386، 7047) وهو لفظه، ومسلم (2275) من أوله إلى قوله: "هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا."
[3] التذكرة: 120
[4] صحيح: رواه البخارى (4054، 5826) ومسلم (2306) وهو لفظه
اترك تعليق: