إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

مدارسة أحاديث كتاب الصيام من صحيح مسلم بشرح العلامة الفقيه النووي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [متجدد] مدارسة أحاديث كتاب الصيام من صحيح مسلم بشرح العلامة الفقيه النووي

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .
    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم؛

    (يا أيّها الّذِين آمنوا اتّقوا اللّه حقّ تقاتِهِ ولا تموتنّ إِلّا وأنْتمْ مسْلِمون)[ آل عمران:102]

    (يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم الّذِي خلقكمْ مِنْ نفْسٍ واحِدةٍ وخلق مِنْها زوْجها وبثّ مِنْهما رِجالًا كثِيرًا ونِساءً واتّقوا اللّه الّذِي تساءلون بِهِ والْأرْحام إِنّ اللّه كان عليْكمْ رقِيبًا)[ النساء:1]

    (يا أيّها الّذِين آمنوا اتّقوا اللّه وقولوا قوْلًا سدِيدًا (70) يصْلِحْ لكمْ أعْمالكمْ ويغْفِرْ لكمْ ذنوبكمْ ومنْ يطِعِ اللّه ورسوله فقدْ فاز فوْزًا عظِيمً)[ الأحزاب:70 - 71]

    ألا وإن أصدق الحديث كلام الله تعالى ، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم؛ ، وشر الأمر محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة
    أما بعد :

    فهذه مدارسة بعض أحاديث كتاب الصيام من صحيح مسلم بشرح العلامة الفقيه النووي من أراد الزيادة أو التعقيب أو تصحيح أو أي شيء مفيد للموضوع فليتفضل والله الموفق

  • #2


    قال الإمام مسلم:
    كتاب الصيام
    حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ قَالُوا حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِى سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ.
    وَحَدَّثَنِى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ أَبِى أَنَسٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضى الله عنه يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ.
    ---------------------------------------------

    16 - كتاب الصيام
    هو في اللغة: الإمساك. وفي الشرع: إمساكٌ مخصوص في زمنٍ مخصوص من شخصٍ مخصوص بشرطه.
    قوله: إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ.
    وفي الرواية الأخرى: إِذَا كَانَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ.
    وفي رواية (إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ)
    الشرح:
    فيه دليل للمذهب الصحيح المختار الذي ذهب إليه البخاري والمحققون أنه يجوز أن يقال: "رمضان" من غير ذكر الشهر بلا كراهة، وفي هذه المسألة ثلاثة مذاهب: قالت طائفة: لا يقال: رمضان على انفراده بحال، وإنما يقال: شهر رمضان هذا قول أصحاب مالك، وزعم هؤلاء أن رمضان اسم من أسماء الله تعالى فلا يطلق على غيره إلا بقيد.
    وقال أكثر أصحابنا وابن الباقلاني: إن كان هناك قرينة تصرفه إلى الشهر فلا كراهة، وإلا فيكره، قالوا: فيقال: صمنا رمضان، وقمنا رمضان، ورمضان أفضل الأشهر، ويندب طلب ليلة القدر في أواخر رمضان، وأشباه ذلك، ولا كراهة في هذا كله، وإنما يكره أن يقال: جاء رمضان، ودخل رمضان، وحضر رمضان، وأحبُّ رمضان، ونحو ذلك.
    والمذهب الثالث، مذهب البخاري¹، والمحققين: أنه لا كراهة في إطلاق رمضان بقرينة وبغير قرينة وهذا المذهب هو الصواب، والمذهبان الأولان فاسدان، لأن الكراهة إنما تثبت بنهي الشرع ولم يثبت فيه نهي، وقولهم: إنه اسم من أسماء الله تعالى ليس بصحيح، ولم يصح فيه شيء وإن كان قد جاء فيه أثر ضعيف²، وأسماء الله تعالى توقيفية لا تطلق إلا بدليل صحيح ولو ثبت أنه اسم لم يلزم منه كراهة.
    وهذا الحديث المذكور في الباب صريح في الرد على المذهبين، ولهذا الحديث نظائر كثيرة في الصحيح في إطلاق رمضان على الشهر من غير ذكر الشهر، وقد سبق التنبيه على كثير منها في "كتاب الإيمان" وغيره، والله أعلم.
    وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجنة وغلقت أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ".
    فقال القاضي عياض رحمه الله: يحتمل أنه على ظاهره وحقيقته، وأن تفتيح أبواب الجنة وتغليق أبواب جهنم وتصفيد الشياطين علامة لدخول الشهر، وتعظيم لحرمته، ويكون التصفيد ليمتنعوا من إيذاء المؤمنين والتهويش عليهم.
    قال: ويحتمل أن يكون المراد المجاز³، ويكون إشارة إلى كثرة الثواب والعفو، وان الشياطين يقل اغواؤهم وايذاؤهم فيصيرون كالمصفدين، ويكون تصفيدهم عن أشياء دون أشياء، ولناس دون ناس، ويؤيد هذه الرواية الثانية: "فتحت أبواب الرحمة"، وجاء في حديث آخر: "صفدت مردة الشياطين"⁴.
    قال القاضي: ويحتمل أن يكون فتح أبواب الجنة، عبارة عما يفتحه الله تعالى لعباده من الطاعات في هذا الشهر، التي لا تقع في غيره عموما، كالصيام والقيام وفعل الخيرات والانكفاف عن كثير من المخالفات، وهذه أسباب لدخول الجنة وأبواب لها، وكذلك تغليق أبواب النار، وتصفيد الشياطين عبارة عما ينكفون عنه من المخالفات.
    ومعنى "صفدت": غللت، والصفَد بفتح الفاء: الغُل بضم الغين، وهو معنى "سُلْسِلَتْ" في الرواية الأخرى، هذا كلام القاضي، أو فيه أحرف بمعنى كلامه.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ
    1 - كتاب الصوم باب هَلْ يُقَالُ رَمَضَانُ أَوْ شَهْرُ رَمَضَانَ وَمَنْ رَأَى كُلَّهُ وَاسِعًا وَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَقَالَ لاَ تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ.
    2 - قال الشوكاني في الفوائد المجموعة رواه ابن عدي عن أبي هريرة مرفوعا، وفي إسناده محمد بن أبي معشر.
    ورواه تمام في فوائده من حديث ابن عمر من غير طريق أبي معشر.
    وأخرجه ابن النجار من حديث عائشة.
    والحديث ضعفه غير واحد من أهل العلم.
    3 - قال الزين ابن المنير: والأول أوجه، ولا ضرورة تدعو إلى صرف اللفظ عن ظاهره. نقلا عن شرح الشيخ الأثيوبي رحمه الله تعالى.)368/20(.
    4 - رواه الترمذي وابن ماجه واللفظ للترمذي: "إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ وَغُلِّقَتْ".
    وأحمد في مسنده بلفظ: "وَيُصَفَّدُ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ".

    تعليق


    • #3
      تعقيبة:

      الصوم هو: إمساك البالغ العاقل المسلم القادر عن شهوتي البطن و الفرج من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس بنية التقرب إلى الله.

      ويصح عن غير البالغ.

      تعليق


      • #4
        باب وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ لِرُؤْيَةِ الْهِلاَلِ وَالْفِطْرِ لِرُؤْيَةِ الْهِلاَلِ وَأَنَّهُ إِذَا غُمَّ فِى أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ أُكْمِلَتْ عِدَّةُ الشَّهْرِ ثَلاَثِينَ يَوْمًا

        حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَلَ وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ أُغْمِىَ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ.

        حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ رَمَضَانَ فَضَرَبَ بِيَدَيْهِ فَقَالَ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا ثُمَّ عَقَدَ إِبْهَامَهُ فِى الثَّالِثَةِ فَصُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ أُغْمِىَ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ ثَلاَثِينَ.
        وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بِهَذَا الإِسْنَادِ وَقَالَ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا ثَلاَثِينَ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِى أُسَامَةَ

        وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بِهَذَا الإِسْنَادِ وَقَالَ ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَمَضَانَ فَقَالَ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَقَالَ فَاقْدِرُوا لَهُ وَلَمْ يَقُلْ ثَلاَثِينَ.

        وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَلاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ.

        وَحَدَّثَنِى حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَاهِلِىُّ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ وَهُوَ ابْنُ عَلْقَمَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَإِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلاَلَ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ.


        ---------------------------------------------
        قوله صلى الله عليه وسلم (لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَلَ وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ أُغْمِىَ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ).
        وفي رواية: (فَاقْدِرُوا لَهُ ثَلاَثِينَ).
        في رواية: (فَإِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلاَلَ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ).
        وفي رواية: (فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلاَثِينَ يَوْمًا)، وفي رواية: (فَإِنْ غُمِّىَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعَدَدَ)، وفي رواية: (فَإِنْ عَمِيَ1 عَلَيْكُمُ الشَّهْرُ فَعُدُّوا ثَلاَثِينَ)، وفي رواية: (فَأَفْطِرُوا فَإِنْ أُغْمِىَ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلاَثِينَ).
        هذه الروايات كلها في الكتاب على هذا الترتيب، وفي رواية للبخاري: "فَإِنْ غُبِّىَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ".
        واختلف العلماء في معنى "فَاقْدُرُوا لَهُ" فقالت طائفة من العلماء: معناه ضيقوا له وقَدِّروه تحت السحاب، وممن قال بهذا أحمد بن حنبل وغيره ممن يجوز صوم يوم ليلة الغيم من رمضان، كما سنذكره إن شاء الله تعالى، وقال ابن سريج وجماعة منهم: مطرف بن عبد الله وابن قتيبة وآخرون معناه: قدروه بحساب المنازل، وذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة وجمهور السلف والخلف إلى أن معناه: قَدِّرُوا له تمام العدد ثلاثين يوما.
        قال أهل اللغة: يقال قدرت الشيء، أَقْدِرُهُ وأَقْدُرُهُ وَقَدَّرْتُهُ وأَقْدَرْتُهُ بمعنى واحد، وهو من التقدير، قال الخطابي ومنه قول الله تعالى: (فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ ٱلْقَٰدِرُونَ).
        واحتج الجمهور بالروايات المذكورة: (فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلاَثِينَ) وهو تفسير لـ "اقْدِرُوا لَهُ"، لهذا لم يجتمعا في رواية، بل تارة يذكر هذا وتارة يذكر هذا، ويؤكده الرواية السابقة (فَاقْدِرُوا ثَلاَثِينَ).
        قال المازري: حمل جمهور الفقهاء قوله صلى الله عليه وسلم: "فَاقْدِرُوا لَهُ"، على أن المراد اكمال العدة ثلاثين، كما فسره في حديث آخر، قالوا: ولا يجوز أن يكون المراد حساب المنجمين، لأن الناس لو كلفوا به ضاق عليهم، لأنه لا يعرفه إلا أفراد، والشرع إنما يعرف الناس بما يعرفه جماهيرهم، والله أعلم.
        وأما قوله صلى الله عليه وسلم (فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ) فمعناه: حال بينكم وبينه غيم، يقال غُمَّ وأُغْمِيَ وغُمِّيَ وغُمِيَ بتشديد الميم وتخفيفها والغين مضمومة فيهما، ويقال غَبِي بفتح الغين وكسر الباء، وكلها صحيحة، وقد غامت السماء وغيمت وأغامت وتغيمت وأغمت.
        وفي هذه الأحاديث دلالة لمذهب مالك والشافعي والجمهور: أنه لا يجوز صوم يوم الشك ولا يوم الثلاثين من شعبان عن رمضان إذا كانت ليلة الثلاثين ليلة غيم.

        قوله صلى الله عليه وسلم (صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ) المراد: رؤية بعض المسلمين ولا يُشترط رؤية كل إنسان، بل يكفي جميع الناس رؤية عدلين وكذا عدل على الأصح، هذا في الصوم، وأما الفطر فلا يجوز بشهادة عدل واحد على هلال شوال عند جميع العلماء، إلا أبا ثور فجوزه بعدل.

        قوله صلى الله عليه وسلم (الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا).
        وفي رواية: ( الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ) معناه: أن الشهر قد يكون تسعا وعشرين، وحاصله أن الاعتبار بالهلال فقد يكون تاما ثلاثين، وقد يكون ناقصا تسعا وعشرين، وقد لا يرى الهلال فيجب إكمال العدد ثلاثين، قالوا: وقد يقع النقص متواليا في شهرين وثلاثة وأربعة، ولا يقع في أكثر من أربعة.

        وفي هذا الحديث: جواز اعتماد الإشارة المفهمة في مثل هذا.

        ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ
        1 - في صحيح مسلم غمي.



        تعليق


        • #5
          وَحَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِىُّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا عَشْرًا وَعَشْرًا وَتِسْعًا.

          وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ جَبَلَةَ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رضى الله عنهما يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الشَّهْرُ كَذَا وَكَذَا وَكَذَا وَصَفَّقَ بِيَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ بِكُلِّ أَصَابِعِهِمَا وَنَقَصَ فِى الصَّفْقَةِ الثَّالِثَةِ إِبْهَامَ الْيُمْنَى أَوِ الْيُسْرَى.

          وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عُقْبَةَ وَهُوَ ابْنُ حُرَيْثٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رضى الله عنهما يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ وَطَبَّقَ شُعْبَةُ يَدَيْهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ وَكَسَرَ الإِبْهَامَ فِى الثَّالِثَةِ.
          قَالَ عُقْبَةُ وَأَحْسِبُهُ قَالَ الشَّهْرُ ثَلاَثُونَ وَطَبَّقَ كَفَّيْهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ.

          حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ رضى الله عنهما يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَعَقَدَ الإِبْهَامَ فِى الثَّالِثَةِ وَالشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِى تَمَامَ ثَلاَثِينَ.

          وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِىٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ وَلَمْ يَذْكُرْ لِلشَّهْرِ الثَّانِى ثَلاَثِينَ.

          حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِىُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ قَالَ سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ رضى الله عنهما رَجُلاً يَقُولُ اللَّيْلَةَ لَيْلَةُ النِّصْفِ فَقَالَ لَهُ مَا يُدْرِيكَ أَنَّ اللَّيْلَةَ النِّصْفُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الْعَشْرِ مَرَّتَيْنِ وَهَكَذَا فِى الثَّالِثَةِ وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ كُلِّهَا وَحَبَسَ أَوْ خَنَسَ إِبْهَامَهُ.

          حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلاَلَ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلاَثِينَ يَوْمًا.

          حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلاَّمٍ الْجُمَحِىُّ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ يَعْنِى ابْنَ مُسْلِمٍ عَنْ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ابْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمِّىَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعَدَدَ.

          وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضى الله عنه يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمِّىَ عَلَيْكُمُ الشَّهْرُ فَعُدُّوا ثَلاَثِينَ.

          حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِىُّ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْهِلاَلَ فَقَالَ إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ أُغْمِىَ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلاَثِينَ.


          ---------------------------------------------

          قوله (حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ) هو بفتح الباء وتشديد الكاف.

          قوله صلى الله عليه وسلم (إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا) قال العلماء: "أُمِّيَّةٌ" باقون على ما ولدتنا عليه الأمهات لا نكتب ولا نحسب، ومنه: النبي الأمي، وقيل هو نسبة إلى الأم وصفتها لأن هذه صفة النساء غالبا.

          قوله: (سَمِعَ ابنُ عُمَرَ رَجُلًا يَقُولُ: اللَّيْلَةُ النِّصْفُ، فَقَالَ لَهُ: وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّ اللَّيْلَةَ النِّصْفُ؟) وذكر الحديث، معناه: أنك لا تدري أن الليلة النصف أم لا، لأن الشهر قد يكون تسعا وعشرين، وأنت أردت أن الليلة ليلة اليوم الذي بتمامه يتم النصف، وهذا إنما يصح على تقدير تمامه، ولا تدري أنه تام أم لا.

          قوله صلى الله عليه وسلم (فَإِنْ غُمِّيَ عَلَيْكُمُ الشَّهْرُ) هو بضم الغين، وكسر الميم مشددة ومخففة.

          قوله صلى الله عليه وسلم (لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ، إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ) فيه التصريح بالنهي عن استقبال رمضان بصوم يوم ويومين، لمن لم يصادف عادة له أو يصله بما قبله، فإن لم يصله ولا صادف عادة فهو حرام، هذا هو الصحيح في مذهبنا، لهذا الحديث وللحديث الآخر في سنن أبي داود وغيره: "إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا صِيَامَ حَتَّى يَكُونَ رَمَضَانُ"1 فإن وصله بما قبله أو صادف عادة له، فإن كانت عادته صوم يوم الاثنين ونحوه، فصادفه فصامه تطوعا بنية ذلك جاز، لهذا الحديث.
          وسواء في النهي عندنا لمن لم يصادف عادته ولا وصله يوم الشك وغيره، فيوم الشك داخل في النهي، وفيه مذاهب للسلف فيمن صامه تطوعا وأوجب صومه عن رمضان أحمد وجماعة بشرط أن يكون هناك غيم، والله أعلم.
          قوله في حلفه صلى الله عليه وسلم ("لَا يَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِهِ شَهْرًا"، ثُمَّ دَخَلَ لما مضت تسع وعشرون ليلة، ثم قَالَ: "الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ").

          وفي رواية (فَخَرَجَ إِلَيْنَا فِي تِسْعَةِِ وَعِشْرِينَ، فَقُلْنَا لَهُ: إِنَّمَا اليَوْمُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ).

          وَفِي رِوَايَةٍ:(فَخَرَجَ إِلَيْنَا صَبَاحَ تِسْعٍ وعشرين، فَقَالَ: "إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ").

          وَفِي رِوَايَةٍ: (فَلَمَا مَضَى تِسْعٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا، غَدَا عَلَيْهِمْ أَوْ رَاحَ).
          قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ: (معناه كله: بعد تمام تسعة وعشرين يوما، يدل عليه رواية: "فَلَمَّا مَضَى تِسْعٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا")
          وقوله: "صَبَاحَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ" أي: صباح الليلة التي بعد تسعة وعشرين يوما، وهي صبيحة ثلاثين.
          ومعنى "الشَّهْرُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ": أنه قد يكون تسعة وعشرين، كما صرح به في بعض هذا الروايات واللَّهُ أعلم.


          ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ
          1 - أخرجه الترمذي وأبي داود في سننه والترمذي في جامعه وابن ماجه في سننه والنسائي في الكبرى وأحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه والدارقطني في سننه والطبراني في الأوسط وابن أبي شيبة وعبد الرزاق في مصنفيهما وغيرهم كثير.
          والحديث مداره على العلاء بن عبد الرحمن، وقد قال فيه ابن عدي ليس بالقوي، وذكره العقيلي في الضعفاء، وقال أبو زرعة ليس هو بأقوى ما يكون ، ومرة : لا بأس به، وثال الحافظ صدوق ربما وهم، وقال يحيى بن معين: ليس بذاك لم يزل الناس يتوقون حديثه، ومرة: ليس حديثه بحجة، ومرة: سئل عن العلاء عن أبيه كيف حديثهما؟ فقال: ليس به بأس، ومرة: سئل عن العلاء بن عبد الرحمن وسهيل فلم يقوي أمرهما، ومرة: ليس بالقوي، ومرة: سئل أيهما أحب إليك هو أم سعيد المقبري قال سعيد المقبري أوثق والعلاء ضعيف، ....
          قال أبو حاتم : صالح أنكر من حديثه أشياء ، روى عنه الثقات ، ومرة : لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات، ذكره الترمذي في جامعه، وقال: ثقة عند أهل الحديث، ...
          قال الخليلي مختلف فيه لأنه ينفرد بأحاديث لا يتابع عليها.

          وممن صحح الحديث الترمذي في جامعه حيث قال: حَدِيثُ أَبِى هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ،
          والطحاوي في شرح المعاني، وأبو عوانة حيث أخرجه في مستخرجه على صحيح مسلم، وابن حبانفي صحيحه، وابن عبد البر في الاستذكار، وابن حزم في المحلى، وغيرهم .

          لكن قال الحافظ ابن رجب في اللطائف بعد نقله عمن صححه: "وتكلم فيه من هو أكبر من هؤلاء وأعلم، وقالوا: هو حديث منكر، منهم عبد الرحمن بن مهدي، والإمام أحمد، وأبو زرعة، والأثرم، وقال الإمام أحمد: لم يرو العلاء أنكر منه، ورده بحديث " لا تقدموا رمضان بصوم يوم ...".
          قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لاَ يُحَدِّثُ بِهِ قُلْتُ لأَحْمَدَ لِمَ قَالَ لأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَصِلُ شَعْبَانَ بِرَمَضَانَ وَقَالَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم خِلاَفَهُ.
          قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَلَيْسَ هَذَا عِنْدِى خِلاَفَهُ وَلَمْ يَجِئْ بِهِ غَيْرُ الْعَلاَءِ عَنْ أَبِيهِ.



          تعليق


          • #6
            حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَقُتَيْبَةُ، وَابْنُ حُجْرٍ، قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا، وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ ابْنُ أَبِى حَرْمَلَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ بَعَثَتْهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ، قَالَ فَقَدِمْتُ الشَّامَ فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا، وَاسْتُهِلَّ عَلَىَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ، فَرَأَيْتُ الْهِلاَلَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِى آخِرِ الشَّهْرِ، فَسَأَلَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما، ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلاَلَ، فَقَالَ: مَتَى رَأَيْتُمُ الْهِلاَلَ؟ فَقُلْتُ: رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، وَرَآهُ النَّاسُ، وَصَامُوا، وَصَامَ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ، فَلاَ نَزَالُ نَصُومُ، حَتَّى نُكْمِلَ ثَلاَثِينَ، أَوْ نَرَاهُ، فَقُلْتُ أَوَلاَ تَكْتَفِى بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ؟ فَقَالَ: لاَ، هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
            وَشَكَّ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى فِى نَكْتَفِى أَوْ تَكْتَفِى.

            ---------------------------------------------
            بَابُ بَيَانِ أَنَّ لِكُلِّ بَلَدٍ رُؤْيَتَهُمْ
            وَأَنَّهُمْ إِذَا رَأَوُا الْهِلَالَ بِبَلَدٍ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ لِمَا بَعُدَ عَنْهُمْ

            فيه: حديث كريب، عن ابن عباس، وهو ظاهر الدلالة للترجمة.
            والصحيح عند أصحابنا: أن الرؤية لا تعم الناس، بل تختص بمن قرب على مسافة لا تقصر فيها الصلاة، وقيل: إن اتفق المطلع لزمهم، وقيل: إن اتفق الإقليم وإلا فلا، وقال بعض أصحابنا: تعم الرؤية في موضع جميع أهل الأرض، فعلى هذا نقول: إنما لم يعمل ابن عباس بخبر كريب، لأنه شهادة فلا تثبت بواحد1، لكن ظاهر حديثه أنه لم يرده لهذا، وإنما رده لأن الرؤية لم يثبت حكمها في حق البعيد.

            قوله: (وَاسْتُهِلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ) هو بضم التاء من (اسْتُهِلَّ).

            ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ
            1 - جاء في إكمال المعلم (21/4): وقيل لأن السماء كانت مصحية بالمدينة فلم يروه ارتابوا الخبر عن رؤية غيرهم.

            وجاء في شرح الأثيوبي رحمه الله (469/20): الظاهر أنه أراد: أمرنا أن لا نعتمد على رؤية غيرنا، ولا نكتفي بها، بل لا نعتمد إلا على رؤية أهل بلدنا، وقد ترجم الترمذي رحمه الله، فقال: باب مَا جَاءَ لِكُلِّ أَهْلِ بَلَدٍ رُؤْيَتُهُمْ، ثم أورد حديث الباب، وقال أيضا: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ لِكُلِّ أَهْلِ بَلَدٍ رُؤْيَتَهُمْ.

            وقال القرطبي في المفهم(143/3): وحكى ابن عبد البر الإجماع على أنه لا تراعى الرؤية فيما بعد من البلدان كالأندلس من خرسان، قال: ولكل بلد رؤيتهم، إلا ما كان المصر الكبير، وما تقاربت أقطاره من بلدان المسلمين. قلت: وهذا الإجماع الذي حكاه أبو عمر بدل: على أن الخلاف الواقع في هذه المسألة إنما هو فيما تقارب من البلاد، ولم يكن في حكم القطر الواحد.اهـ
            ثم ذكر كلاما لابن منذر يراجعه من أراد الاستزادة.




            تعليق


            • #7
              حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِى الْبَخْتَرِىِّ قَالَ خَرَجْنَا لِلْعُمْرَةِ، فَلَمَّا نَزَلْنَا بِبَطْنِ نَخْلَةَ، قَالَ: تَرَاءَيْنَا الْهِلاَلَ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابْنُ ثَلاَثٍ، وَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابْنُ لَيْلَتَيْنِ: قَالَ: فَلَقِينَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقُلْنَا: إِنَّا رَأَيْنَا الْهِلاَلَ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابْنُ ثَلاَثٍ، وَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابْنُ لَيْلَتَيْنِ، فَقَالَ أَىَّ لَيْلَةٍ رَأَيْتُمُوهُ؟ قَالَ: فَقُلْنَا لَيْلَةَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ اللَّهَ مَدَّهُ لِلرُّؤْيَةِ، فَهُوَ لِلَيْلَةِ رَأَيْتُمُوهُ.
              حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ (ح) وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالاَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْبَخْتَرِىِّ قَالَ: أَهْلَلْنَا رَمَضَانَ، وَنَحْنُ بِذَاتِ عِرْقٍ، فَأَرْسَلْنَا رَجُلاً إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما يَسْأَلُهُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَدَّهُ لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ أُغْمِىَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ.


              ---------------------------------------------
              باب بيان أنه لا اعتبار بكبر الهلال وَصِغَرِهِ،
              وأنّ اللَّه تعالى أمدّه للرؤية،
              فإن غمّ فليكمل ثلاثون

              فيه حديث أبي البختري، عن بن عباس، وهو ظاهر الدلالة للترجمة.
              وقوله: (تَرَاءَيْنَا الْهِلَالَ) أي: تكلفنا النظر إلى جهته لنراه.
              قوله عن بن عباس: (فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَدَّهُ لِلرُّؤْيَةِ) هكذا هو في بعض النسخ، وفي بعضها: (فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مَدَّهُ لِلرُّؤْيَةِ)، وجميع النسخ متفقة على: "مَدَّهُ" من غير ألف فيها.
              وفي الرواية الثانية: (فَقَالَ بن عَبَّاسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَدَّهُ لِرُؤْيَتِهِ) هكذا هو في جميع النسخ: "أَمَدَّهُ" بألف في أوله.
              قال القاضي: قال بعضهم: الوجه أن يكون "أَمَدَّهُ" بالتشديد من الأمد، أو "مَدَّهُ" من الامتداد، قال القاضي: والصواب عندي بقاء الرواية على وجهها، ومعناه: أطال مدته إلى الرؤية، يقال منه: مَدَّ وَأَمَدَّ، قال الله تعالى: (وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ) قرئ بالوجهين، أي يطيلون لهم، قال: وقد يكون أمَدَّهُ من المدة التي جعلت له، قال صاحب الأفعال: "أَمْدَدْتُكَ مُدَّةََ: أَعْطَيْتُكَهَا".
              قوله في الإسناد: (عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ) هو بفتح الموحدة، وإسكان الخاء المعجمة، وفتح التاء، واسمه سعيد بن فيروز، ويقال: بن عمران ويقال بن أبي عمران الطائي، توفي سنة ثلاث وثمانين عام الجماجم.


              تعليق


              • #8
                حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ رضى الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: شَهْرَا عِيدٍ لاَ يَنْقُصَانِ، رَمَضَانُ، وَذُو الْحِجَّةِ.

                حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سُوَيْدٍ وَخَالِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ عَنْ أَبِى بَكْرَةَ أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: شَهْرَا عِيدٍ لاَ يَنْقُصَانِ. فِي حَدِيثِ خَالِدٍ: شَهْرَا عِيدٍ: رَمَضَانُ، وَذُو الْحِجَّةِ.


                ---------------------------------------------
                بَابُ بَيَانِ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "شَهْرَا عِيدٍ لاَ يَنْقُصَانِ".

                قوله صلى الله عليه وسلم: (شَهْرَا عِيدِِ لَا يَنْقُصَانِ: رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ) الأصح أن معناه: لا ينقص أجرهما، والثواب المرتب عليهما، وإن نقص عددهما، وقيل: معناه: لا ينقصان جميعا في سنة واحدة غالبا.
                وقيل: لا ينقص ثواب ذي الحجة عن ثواب رمضان، لأن فيه المناسك، حكاه الخطابي، وهو ضعيف.
                والأول هو الصواب المعتمد، ومعناه أن قوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا" وغير ذلك، فكل هذه الفضائل تحصل سواء تم عدد رمضان أم نقص، والله أعلم.

                تعليق


                • #9
                  حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنِ الشَّعْبِىِّ عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ رضى الله عنه قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) قَالَ لَهُ عَدِىُّ بْنُ حَاتِمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّى أَجْعَلُ تَحْتَ وِسَادَتِى عِقَالَيْنِ: عِقَالاً أَبْيَضَ، وَعِقَالاً أَسْوَدَ، أَعْرِفُ اللَّيْلَ مِنَ النَّهَارِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ وِسَادَتَكَ لَعَرِيضٌ، إِنَّمَا هُوَ سَوَادُ اللَّيْلِ، وَبَيَاضُ النَّهَارِ.

                  حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِىُّ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ) قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَأْخُذُ خَيْطًا أَبْيَضَ، وَخَيْطًا أَسْوَدَ، فَيَأْكُلُ، حَتَّى يَسْتَبِينَهُمَا، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (مِنَ الْفَجْرِ) فَبَيَّنَ ذَلِكَ.

                  حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ التَّمِيمِىُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ قَالاَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبيى مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا أَبُو غَسَّانَ حَدَّثَنِى أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضى الله عنه قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ) قَالَ: فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَرَادَ الصَّوْمَ، رَبَطَ أَحَدُهُمْ فِى رِجْلَيْهِ الْخَيْطَ الأَسْوَدَ، وَالْخَيْطَ الأَبْيَضَ، فَلاَ يَزَالُ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ رِئْيُهُمَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ: (مِنَ الْفَجْرِ) فَعَلِمُوا أَنَّمَا يَعْنِى بِذَلِكَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ.

                  ---------------------------------------------
                  باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر، وأن له الأكل وغيره حتى يطلع الفجر، وبيان صفة الفجر الذي تتعلق به الأحكام، من الدخول في الصوم ودخول وقت صلاة الصبح وغير ذلك، وهو الفجر الثاني ويسمى الصادق والمستطير، وأنه لا أثر للفجر الأول في الأحكام، وهو الفجر الكاذب المستطيل -باللام- كذنب السرحان، وهو الذئب
                  قَوْلُهُ: (عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ لَمَّا نَزَلَتْ (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسود من الفجر)، قَالَ لَهُ عَدِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَجْعَلُ تَحْتَ وِسَادَتِي عِقَالَيْنِ: عِقَالًا أَبْيَضَ وَعِقَالًا أَسْوَدَ، أَعْرِفُ اللَّيْلَ مِنَ النَّهَارِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ وِسَادَكَ لَعَرِيضٌ، إِنَّمَا هُوَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ).

                  هكذا هو في كثير من النسخ، أو أكثرها: (فَقَالَ لَهُ عَدِيٌّ)، وفي بعضها: (قَالَ عَدِيٌّ) بحذف "له" وكلاهما صحيح، ومن أثبتها أعاد الضمير إلى معلوم، أو متقدم الذكر عند المخاطب.
                  وفي أكثر النسخ أو كثير منها: (إِنَّ وِسَادَكَ لَعَرِيضٌ) وفي بعضها: ( إِنَّ وِسَادَتَكَ لَعَرِيضٌ)، بزيادة تاء، وله وجه أيضا مع قوله: (عَرِيضٌ) ويكون المراد بـ (الْوِسَادَةِ) الوسادُ كما في الرواية الأخرى، فعاد الوصف على المعنى لا على اللفظ.
                  وأما معنى الحديث: فللعلماء فيه شروح، أحسنها كلام القاضي عياض رحمه الله قال: (إنما أخذ العقالين وجعلهما تحت رأسه، وتأول الآية، لكونه سبق إلى فهمه أن المراد بها هذا، وكذا وقع لغيره ممن فعل فعله، حتى نزل قوله تعالى: (مِنَ الْفَجْرِ) فعلموا أن المراد به بياض النهار وسواد الليل، وليس المراد أن هذا كان حكم الشرع أولا ثم نسخ بقوله تعالى: (من الفجر)، كما أشار إليه الطحاوي، والداودي.
                  قال القاضي: وإنما المراد أن ذلك فعله وتأوله من لم يكن مخالطا للنبي صلى الله عليه وسلم، بل هو من الأعراب ومن لا فقه عنده، أو لم يكن من لغته استعمال الخيط في الليل والنهار، لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولهذا أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على عدي بقوله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ وِسَادَكَ لَعَرِيضٌ إِنَّمَا هُوَ بَيَاضُ النَّهَارِ وَسَوَادُ اللَّيْلِ".
                  قال: وفيه أن الألفاظ المشتركة لا يصار إلى العمل بأظهر وجوهها، وأكثر استعمالها إلا إذا عدم البيان، وكان البيان حاصلا بوجود النبي صلى الله عليه وسلم، قال أبو عبيد: الخيط الأبيض: الفجر الصادق، والخيط الأسود: الليل، والخيط: اللون.
                  وفي هذا مع قوله صلى الله عليه وسلم: (سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ)، دليل على أن ما بعد الفجر هو من النهار لا من الليل، ولا فاصل بينهما وهذا مذهبنا، وبه قال جماهير العلماء، وحكي فيه شيء عن الأعمش وغيره لعله لا يصح عنهم.
                  قوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ وِسَادَكَ لَعَرِيضٌ) قال القاضي: معناه: إن جعلت تحت وسادك الخيطين اللذين أرادهما الله تعالى وهما الليل والنهار، فوسادك يعلوهما ويغطيهما، وحينئذ يكون عريضا.
                  وهو معنى الرواية الأخرى في صحيح البخاري: (إِنَّكَ لَعَرِيضُ الْقَفَا)، لأن من يكون هذا وساده يكون عِظم قفاه من نسبته وبقدره، وهو معنى الرواية الأخرى: (إِنَّكَ لَضَخْمٌ).
                  وأنكر القاضي قول من قال: إنه كناية عن الغباوة، أو عن السِّمن لكثرة أكله إلى بيان الخيطين، وقال بعضهم: المراد بالوساد النوم، أي: إن نومك كثير، وقيل: أراد به الليل، أي: من لم يكن النهار عنده إلا إذا بان له العقالان طال ليله وكثر نومه، والصواب ما اختاره القاضي، والله أعلم.

                  قوله (رَبَطَ أَحَدُهُمْ فِي رِجْلَيْهِ الْخَيْطَ الْأَسْوَدَ وَالْخَيْطَ الْأَبْيَضَ وَلَا يَزَالُ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ رِئْيُهُمَا) هذه اللفظة ضبطت على ثلاثة أوجه:
                  أحدها: (رِئْيَهُمَا) براء مكسورة، ثم همزة ساكنة، ثم ياء، ومعناه منظرهما، ومنه قول الله تعالى: (أَحْسَنُ أَثَثَا وَرِئْيَا).
                  والثاني: (زِيُّهُمَا) بزاي مكسورة وياء مشددة بلا همزة، ومعناه: لونهما.
                  والثالث: (رَِئِيُّهُمَا) بفتح الراء وكسرها، وتشديد الياء، قال القاضي: هذا غلط هنا، لأن الرئي التابع من الجن، قال: فإن صح رواية فمعناه: مرئي، والله أعلم.


                  تعليق


                  • #10
                    حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ قَالاَ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضى الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ إِنَّ بِلاَلاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا تَأْذِينَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ.

                    حَدَّثَنِى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إِنَّ بِلاَلاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا أَذَانَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ.

                    حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما قَالَ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُؤَذِّنَانِ بِلاَلٌ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الأَعْمَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ بِلاَلاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ قَالَ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلاَّ أَنْ يَنْزِلَ هَذَا وَيَرْقَى هَذَا.

                    حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِىِّ عَنْ أَبِى عُثْمَانَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضى الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ أَذَانُ بِلاَلٍ أَوْ قَالَ نِدَاءُ بِلاَلٍ مِنْ سَحُورِهِ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ أَوْ قَالَ يُنَادِى بِلَيْلٍ لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ وَيُوقِظَ نَائِمَكُمْ وَقَالَ لَيْسَ أَنْ يَقُولَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَصَوَّبَ يَدَهُ وَرَفَعَهَا حَتَّى يَقُولَ هَكَذَا وَفَرَّجَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ.

                    حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ يَعْنِى الأَحْمَرَ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِىِّ بِهَذَا الإِسْنَادِ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ الْفَجْرَ لَيْسَ الَّذِى يَقُولُ هَكَذَا وَجَمَعَ أَصَابِعَهُ ثُمَّ نَكَسَهَا إِلَى الأَرْضِ وَلَكِنِ الَّذِى يَقُولُ هَكَذَا وَوَضَعَ الْمُسَبِّحَةَ عَلَى الْمُسَبِّحَةِ وَمَدَّ يَدَيْهِ.

                    وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ وَالْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ كِلاَهُمَا عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِىِّ بِهَذَا الإِسْنَادِ وَانْتَهَى حَدِيثُ الْمُعْتَمِرِ عِنْدَ قَوْلِهِ يُنَبِّهُ نَائِمَكُمْ وَيَرْجِعُ قَائِمَكُمْ وَقَالَ إِسْحَاقُ قَالَ جَرِيرٌ فِى حَدِيثِهِ وَلَيْسَ أَنْ يَقُولَ هَكَذَا وَلَكِنْ يَقُولُ هَكَذَا يَعْنِى الْفَجْرَ هُوَ الْمُعْتَرِضُ وَلَيْسَ بِالْمُسْتَطِيلِ.

                    حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَوَادَةَ الْقُشَيْرِىِّ حَدَّثَنِى وَالِدِى أَنَّهُ سَمِعَ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ يَقُولُ سَمِعْتُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لاَ يَغُرَّنَّ أَحَدَكُمْ نِدَاءُ بِلاَلٍ مِنَ السَّحُورِ وَلاَ هَذَا الْبَيَاضُ حَتَّى يَسْتَطِيرَ.

                    وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَوَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رضى الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ يَغُرَّنَّكُمْ أَذَانُ بِلاَلٍ وَلاَ هَذَا الْبَيَاضُ لِعَمُودِ الصُّبْحِ حَتَّى يَسْتَطِيرَ هَكَذَا.

                    وَحَدَّثَنِى أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِىُّ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ يَعْنِى ابْنَ زَيْدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَوَادَةَ الْقُشَيْرِىُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رضى الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ يَغُرَّنَّكُمْ مِنْ سَحُورِكُمْ أَذَانُ بِلاَلٍ وَلاَ بَيَاضُ الأُفُقِ الْمُسْتَطِيلُ هَكَذَا حَتَّى يَسْتَطِيرَ هَكَذَا وَحَكَاهُ حَمَّادٌ بِيَدَيْهِ قَالَ يَعْنِى مُعْتَرِضًا.

                    حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَوَادَةَ قَالَ سَمِعْتُ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدَبٍ رضى الله عنه وَهُوَ يَخْطُبُ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ لاَ يَغُرَّنَّكُمْ نِدَاءُ بِلاَلٍ وَلاَ هَذَا الْبَيَاضُ حَتَّى يَبْدُوَ الْفَجْرُ أَوْ قَالَ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ.


                    ---------------------------------------------

                    قوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا تَأْذِينَ بن أُمِّ مَكْتُومٍ)
                    فيه: جواز الأذان للصبح قبل طلوع الفجر.
                    وفيه: جواز الأكل والشرب والجماع وسائر الأشياء إلى طلوع الفجر.
                    وفيه: جواز أذان الأعمى، قال أصحابنا: هو جائز، فإن كان معه بصير كابن أم مكتوم مع بلال فلا كراهة فيه، وإن لم يكن معه بصير كره للخوف من غلطه.
                    وفيه: استحباب أذانين للصبح أحدهما قبل الفجر، والآخر بعد طلوعه أول الطلوع.
                    وفيه: اعتماد صوت المؤذن، واستدل به مالك، والمزني، وسائر من يقبل شهادة الأعمى، وأجاب الجمهور عن هذا بأن الشهادة يشترط فيها العلم، ولا يحصل علم بالصوت، لأن الأصوات تشتبه، وأما الأذان ووقت الصلاة فيكفي فيها الظن.
                    وفيه دليل لجواز الأكل بعد النية، ولا تفسد نية الصوم بالأكل بعدها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أباح الأكل إلى طلوع الفجر، ومعلوم أن النية لا تجوز بعد طلوع الفجر، فدل على أنها سابقة، وأن الأكل بعدها لا يضر، وهذا هو الصواب المشهور من مذهبنا ومذهب غيرنا.
                    وقال بعض أصحابنا: متى أكل بعد النية أو جامع فسدت، ووجب تجديدها، وإلا فلا يصح صومه، وهذا غلط صريح.
                    وفيه: استحباب السحور وتأخيره.
                    وفيه: اتخاذ مؤذنين للمسجد الكبير، قال أصحابنا: وإن دعت الحاجة جاز اتخاذ أكثر منهما، كما اتخذ عثمان أربعة، وإن احتاج إلى زيادة على أربعة، فالأصح اتخاذهم بحسب الحاجة والمصلحة.

                    قوله (وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلَّا أَنْ يَنْزِلَ هَذَا وَيَرْقَى هَذَا) قال العلماء: معناه: أن بلالا كان يؤذن قبل الفجر، ويتربص بعد أذانه للدعاء ونحوه، ثم يرقب الفجر فاذا قارب طلوعه نزل، فأخبر ابن أم مكتوم، فيتأهب ابن أم مكتوم بالطهارة وغيرها، ثم يرقى ويشرع في الأذان مع أول طلوع الفجر، والله أعلم.

                    قوله صلى الله عليه وسلم: (لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ أَوْ نِدَاءُ بِلَالٍ مِنْ سَحُورِهِ، فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ أَوْ قَالَ: يُنَادِي لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ وَيُوقِظَ نَائِمَكُمْ).
                    فلفظة (قَائِمَكُمْ) منصوبة مفعول (يَرْجِعَ)، قال الله تعالى: (فَإِنْ رَّجَعَكَ اللهُ) ومعناه: أنه إنما يؤذن بليل ليُعْلمكم بأن الفجر ليس ببعيد، فيرد القائم المتهجد إلى راحته لينام غفوة ليصبح نشيطا، أو يوتر إن لم يكن أوتر، أو يتأهب للصبح إن احتاج إلى طهارة أخرى، أو نحو ذلك من مصالحه المترتبة على علمه بقرب الصبح.
                    وقوله صلى الله عليه وسلم: (وَيُوقِظَ نَائِمَكُمْ) أي: ليتأهب للصبح أيضا فيفعل ما أراده من تهجد قليل، أو إيتار إن لم يكن أوتر، أو سحور إن أراد الصوم، أو اغتسال أو وضوء أو غير ذلك مما يحتاج إليه قبل الفجر.

                    قوله صلى الله عليه وسلم في صفة الفجر: (لَيْسَ أَنْ يَقُولَ هَكَذَا وَهَكَذَا، وَصَوَّبَ يَدَهُ وَرَفَعَهَا، حَتَّى يَقُولَ هَكَذَا، وَفَرَّجَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ).
                    وفي الرواية الأخرى: (إِنَّ الْفَجْرَ لَيْسَ الَّذِي يَقُولُ هَكَذَا، وَجَمَعَ أَصَابِعَهُ ثُمَّ نَكَّسَهَا إِلَى الْأَرْضِ، وَلَكِنَّ الَّذِي يَقُولُ هَكَذَا، وَوَضَعَ الْمُسَبِّحَةَ عَلَى الْمُسَبِّحَةِ وَمَدَّ يَدَهُ).
                    وفي الرواية الأخرى (هُوَ الْمُعْتَرِضُ وَلَيْسَ بِالْمُسْتَطِيلِ).
                    وفي الرواية الأخرى (لَا يَغُرَّنَّكُمْ مِنْ سَحُورِكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ، وَلَا بَيَاضُ الْأُفُقِ الْمُسْتَطِيلِ هَكَذَا، حَتَّى يَسْتَطِيرَ هَكَذَا، قَالَ الرَّاوِي: يَعْنِي: مُعْتَرِضََا).
                    في هذه الأحاديث: بيان الفجر الذي يتعلق به الأحكام، وهو الفجر الثاني الصادق، المستطير، بالراء، وقد سبق ترجمة الباب بيان الفجرين، وفيهما: الإيضاح في البيان، والإشارة لزيادة البيان في التعليم، والله أعلم.

                    قوله صلى الله عليه وسلم: (لَا يَغُرَّنَّ أَحَدَكُمْ نِدَاءُ بِلَالٍ مِنَ السَُّحُورِ) ضبطناه بفتح السين وضمها، فالمفتوح اسم للمأكول، والمضموم اسم للفعل، وكلاهما صحيح هنا.

                    تعليق


                    • #11
                      حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ ح
                      وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ رضى الله عنه ح
                      وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ رضى الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: تَسَحَّرُوا، فَإِنَّ فِى السُّحُورِ بَرَكَةً.
                      حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ مُوسَى بْنِ عُلَىٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ.
                      حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضى الله عنه قَالَ: تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قُمْنَا إِلَى الصَّلاَةِ، قُلْتُ: كَمْ كَانَ قَدْرُ مَا بَيْنَهُمَا؟ قَالَ خَمْسِينَ آيَةً.
                      حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِى حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضى الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لاَ يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ.
                      حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ قَالاَ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِى عَطِيَّةَ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَمَسْرُوقٌ عَلَى عَائِشَةَ، فَقُلْنَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، رَجُلاَنِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، أَحَدُهُمَا يُعَجِّلُ الإِفْطَارَ وَيُعَجِّلُ الصَّلاَةَ، وَالآخَرُ يُؤَخِّرُ الإِفْطَارَ وَيُؤَخِّرُ الصَّلاَةَ، قَالَتْ: أَيُّهُمَا الَّذِى يُعَجِّلُ الإِفْطَارَ وَيُعَجِّلُ الصَّلاَةَ؟ قَالَ: قُلْنَا: عَبْدُ اللَّهِ، يَعْنِى ابْنَ مَسْعُودٍ، قَالَتْ: كَذَلِكَ كَانَ يَصْنَعُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
                      زَادَ أَبُو كُرَيْبٍ وَالآخَرُ أَبُو مُوسَى.
                      وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِى زَائِدَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِى عَطِيَّةَ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَمَسْرُوقٌ عَلَى عَائِشَةَ رضى الله عنها، فَقَالَ لَهَا مَسْرُوقٌ: رَجُلاَنِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، كِلاَهُمَا لاَ يَأْلُو عَنِ الْخَيْرِ، أَحَدُهُمَا يُعَجِّلُ الْمَغْرِبَ وَالإِفْطَارَ، وَالآخَرُ يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ وَالإِفْطَارَ، فَقَالَتْ: مَنْ يُعَجِّلُ الْمَغْرِبَ وَالإِفْطَارَ؟ قَالَ: عَبْدُ اللَّ،هِ فَقَالَتْ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ.



                      ---------------------------------------------
                      باب فَضْلِ السُّحُورِ وَتَأْكِيدِ اسْتِحْبَابِهِ وَاسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِهِ وَتَعْجِيلِ الْفِطْرِ

                      قوله صلى الله عليه وسلم: (تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً) روي بفتح السين من (السَّحُورِ) وضمها، وسبق قريبا بيانهما.
                      فيه الحث على السحور، وأجمع العلماء1 على استحبابه، وأنه ليس بواجب، وأما البركة التي فيه فظاهرة، لأنه يقوي على الصيام، وينشط له، وتحصل بسببه الرغبة في الازدياد من الصيام، لخفة المشقة فيه على المتسحر، فهذا هو الصواب المعتمد في معناه، وقيل: لأنه يتضمن الاستيقاظ، والذكر، والدعاء في ذلك الوقت الشريف، وقت تنزل الرحمة، وقبول الدعاء والاستغفار، وربما توضأ صاحبه وصلى، أو أدام الاستيقاظ للذكر، والدعاء، والصلاة، أو التأهب لها حتى يطلع الفجر.


                      قوله: (عَنْ مُوسَى بْنِ عُلَيٍّ) هو بضم العين على المشهور وقيل بفتحها.
                      قوله صلى الله عليه وسلم: (فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ) معناه: الفارق والمميز بين صيامنا وصيامهم السحور، فإنهم لا يتسحرون ونحن يستحب لنا السحور.
                      و"أَكْلَةُ السَّحَرِ" هي السَّحُورُ، وهي بفتح الهمزة، هكذا ضبطناه، وهكذا ضبطه الجمهور، وهو المشهور في روايات بلادنا، وهي عبارة عن المرة الواحدة من الأكل كالغدوة والعشوة، وإن كثر المأكول فيها.
                      وأما "الْأُكْلَةُ" بالضم فهي اللقمة الواحدة، وادعى القاضي عياض أن الرواية فيه بالضم، ولعله أراد رواية أهل بلادهم فيها بالضم، قال: والصواب الفتح لأنه المقصود هنا.

                      قوله: (تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قُمْنَا إِلَى الصَّلَاةِ قُلْتُ كَمْ بَيْنَهُمَا قَالَ خَمْسِينَ آيَةً) معناه: بينهما قدر قراءة خمسين آية، أو أن يقرأ خمسين.
                      وفيه: الحث على تأخير السحور إلى قبيل الفجر.

                      قوله صلى الله عليه وسلم: (لَايَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرِ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ)
                      فيه: الحث على تعجيله بعد تحقق غروب الشمس، ومعناه: لا يزال أمر الأمة منتظما وهم بخير، ما داموا محافظين على هذه السنة، وإذا أخروه كان ذلك علامة على فساد يقعون فيه.

                      قوله (لَا يَأْلُوا عَنِ الْخَيْرِ) أي لا يقصر عنه.


                      ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ
                      1 - نقل الإجماع أيضا: ابن منذر في الإجماع، وابن قدامة في المغني وغيرهما.

                      تعليق


                      • #12
                        حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو كُرَيْبٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ وَاتَّفَقُوا فِى اللَّفْظِ قَالَ يَحْيَى أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِى وَقَالَ أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ جَمِيعًا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ رضى الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ وَأَدْبَرَ النَّهَارُ وَغَابَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ لَمْ يَذْكُرِ ابْنُ نُمَيْرٍ فَقَدْ.

                        وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِىِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى أَوْفَى رضى الله عنه قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى سَفَرٍ فِى شَهْرِ رَمَضَانَ فَلَمَّا غَابَتِ الشَّمْسُ قَالَ يَا فُلاَنُ انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا قَالَ انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا قَالَ فَنَزَلَ فَجَدَحَ فَأَتَاهُ بِهِ فَشَرِبَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ مِنْ هَا هُنَا وَجَاءَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ.

                        حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ وَعَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنِ الشَّيْبَانِىِّ عَنِ ابْنِ أَبِى أَوْفَى رضى الله عنه قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى سَفَرٍ فَلَمَّا غَابَتِ الشَّمْسُ قَالَ لِرَجُلٍ انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمْسَيْتَ قَالَ انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا قَالَ إِنَّ عَلَيْنَا نَهَارًا فَنَزَلَ فَجَدَحَ لَهُ فَشَرِبَ ثُمَّ قَالَ إِذَا رَأَيْتُمُ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا وَأَشَارَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ.

                        وَحَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِىُّ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِى أَوْفَى رضى الله عنه يَقُولُ سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ صَائِمٌ فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَالَ يَا فُلاَنُ انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ مُسْهِرٍ وَعَبَّادِ بْنِ الْعَوَّامِ.

                        وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ كِلاَهُمَا عَنِ الشَّيْبَانِىِّ عَنِ ابْنِ أَبِى أَوْفَى ح
                        وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا أَبِى ح
                        وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالاَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الشَّيْبَانِىِّ عَنِ ابْنِ أَبِى أَوْفَى رضى الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم بِمَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ مُسْهِرٍ وَعَبَّادٍ وَعَبْدِ الْوَاحِدِ وَلَيْسَ فِى حَدِيثِ أَحَدٍ مِنْهُمْ فِى شَهْرِ رَمَضَانَ وَلاَ قَوْلُهُ وَجَاءَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا إِلاَّ فِى رِوَايَةِ هُشَيْمٍ وَحْدَهُ.


                        ---------------------------------------------
                        باب بَيَانِ وَقْتِ انْقِضَاءِ الصَّوْمِ وَخُرُوجِ النَّهَارِ
                        قوله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ وَأَدْبَرَ النَّهَارُ وَغَابَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ) معناه: انقضى صومه وتم، ولا يوصف الآن بأنه صائم، فإن بغروب الشمس خرج النهار ودخل الليل، والليل ليس محلا للصوم.
                        وقوله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ وَأَدْبَرَ النَّهَارُ وَغَابَتِ الشَّمْسُ) قال العلماء: كل واحد من هذه الثلاثة يتضمن الآخرين ويلازمهما، وإنما جمع بينها، لأنه قد يكون في واد ونحوه بحيث لا يشاهد غروب الشمس، فيعتمد إقبال الظلام وإدبار الضياء، والله أعلم.

                        قوله صلى الله عليه وسلم: (انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا، فَنَزَلَ فَجَدَحَ) هو بجيم ثم حاء مهملة، وهو خلط الشيء بغيره، والمراد هنا خلط السويق بالماء وتحريكه حتى يستوى، و"المِجْدَحُ" بكسر الميم عود مجنح الرأس تساط به الأشربة، وقد يكون له ثلاث شعب.

                        قوله: (كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَلَمَّا غَابَتِ الشَّمْسُ قَالَ لِرَجُلٍ انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمْسَيْتَ فَقَالَ انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا قَالَ إِنَّ عَلَيْنَا نَهَارًا فَنَزَلَ فَجَدَحَ فَشَرِبَ ثُمَّ قَالَ إِذَا رَأَيْتُمُ اللَّيْلَ) إلى آخره.
                        معنى الحديث:
                        أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا صياما، وكان ذلك في شهر رمضان، كما صرح به في رواية يحيى بن يحيى: فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَدْحِ لِيُفْطِرُوا، فرأى المخاطب آثار الضياء والحمرة التي بعد غروب الشمس، فظن أن الفطر لا يحل إلا بعد ذهاب ذلك.
                        واحتمل عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرها، فأراد تذكيره وإعلامه بذلك، ويؤيد هذا قوله: "إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا"، لتوهمه أن ذلك الضوء من النهار الذي يجب صومه، وهو معنى: "لَوْ أَمْسَيْتَ" أي: تأخرت حتى يدخل المساء، وتكريره المراجعة لغلبة اعتقاده على أن ذلك نهار يحرم فيه الأكل، مع تجويزه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينظر إلى ذلك الضوء نظرا تاما، فقصد زيادة الإعلام ببقاء الضوء.
                        وفي الحديث: جواز الصوم في السفر، وتفضيله على الفطر لمن لا تلحقه بالصوم مشقة ظاهرة.
                        وفيه: بيان انقضاء الصوم بمجرد غروب الشمس، واستحباب تعجيل الفطر، وتذكير العالم ما يخاف أن يكون نسيه، وأن الفطر على التمر ليس بواجب، وإنما هو مستحب لو تركه جاز، وأن الأفضل بعده الفطر على الماء، وقد جاء هذا الترتيب في الحديث الآخر في "سنن أبي داود" وغيره في الأمر بالفطر على تمر، فإن لم يجد فعلى الماء فإنه طهور.




                        تعليق


                        • #13
                          حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما: أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْوِصَالِ، قَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ، قَالَ: إِنِّى لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنِّى أُطْعَمُ وَأُسْقَى.

                          وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاصَلَ فِى رَمَضَانَ، فَوَاصَلَ النَّاسُ، فَنَهَاهُمْ، قِيلَ لَهُ: أَنْتَ تُوَاصِلُ؟ قَالَ: إِنِّى لَسْتُ مِثْلَكُمْ إِنِّى أُطْعَمُ وَأُسْقَى.

                          وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ جَدِّى عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ وَلَمْ يَقُلْ: فِى رَمَضَانَ.

                          حَدَّثَنِى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْوِصَالِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: فَإِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُوَاصِلُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:وَأَيُّكُمْ مِثْلِي؟ إِنِّى أَبِيتُ يُطْعِمُنِى رَبِّى وَيَسْقِينِى.
                          فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنِ الْوِصَالِ، وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا، ثُمَّ يَوْمًا، ثُمَّ رَأَوُا الْهِلاَلَ، فَقَالَ: لَوْ تَأَخَّرَ الْهِلاَلُ لَزِدْتُكُمْ، كَالْمُنَكِّلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا.

                          وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ قَالَ زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِى زُرْعَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ، قَالُوا: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: إِنَّكُمْ لَسْتُمْ فِى ذَلِكَ مِثْلِي، إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِى رَبِّى وَيَسْقِينِي، فَاكْلَفُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ.

                          حَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رضى الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّى فِى رَمَضَانَ، فَجِئْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، وَجَاءَ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَامَ أَيْضًا، حَتَّى كُنَّا رَهْطًا، فَلَمَّا حَسَّ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّا خَلْفَهُ جَعَلَ يَتَجَوَّزُ فِى الصَّلاَةِ، ثُمَّ دَخَلَ رَحْلَهُ، فَصَلَّى صَلاَةً لاَ يُصَلِّيهَا عِنْدَنَا، قَالَ: قُلْنَا لَهُ حِينَ أَصْبَحْنَا: أَفَطِنْتَ لَنَا اللَّيْلَةَ: قَالَ: فَقَالَ: نَعَمْ، ذَاكَ الَّذِى حَمَلَنِي عَلَى الَّذِى صَنَعْتُ، قَالَ: فَأَخَذَ يُوَاصِلُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَذَاكَ فِى آخِرِ الشَّهْرِ، فَأَخَذَ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يُوَاصِلُونَ، فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: مَا بَالُ رِجَالٍ يُواصِلُونَ، إِنَّكُمْ لَسْتُمْ مِثْلِي، أَمَا وَاللَّهِ لَوْ تَمَادَّ لِىَ الشَّهْرُ لَوَاصَلْتُ وِصَالاً يَدَعُ الْمُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ.

                          حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ النَّضْرِ التَّيْمِىُّ حَدَّثَنَا خَالِدٌ يَعْنِى ابْنَ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رضى الله عنه قَالَ: وَاصَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى أَوَّلِ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَوَاصَلَ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَبَلَغَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَوْ مُدَّ لَنَا الشَّهْرُ لَوَاصَلْنَا وِصَالاً يَدَعُ الْمُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ، إِنَّكُمْ لَسْتُمْ مِثْلِي، أَوْ قَالَ: إِنِّى لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إِنِّى أَظَلُّ يُطْعِمُنِى رَبِّى وَيَسْقِينِى.

                          وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ جَمِيعًا عَنْ عَبْدَةَ قَالَ إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: نَهَاهُمُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْوِصَالِ رَحْمَةً لَهُمْ، فَقَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ، قَالَ إِنِّى لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إِنِّى يُطْعِمُنِى رَبِّى وَيَسْقِينِى.


                          ---------------------------------------------
                          باب النَّهْىِ عَنِ الْوِصَالِ فِى الصَّوْمِ


                          اتفق أصحابنا على النهي عن الوصال، وهو صوم يومين فصاعدا من غير أكل أو شرب بينهما، ونص الشافعي وأصحابنا على كراهته، ولهم في هذه الكراهة وجهان، أصحهما: أنها كراهة تحريم، والثاني: كراهة تنزيه، وبالنهي عنه قال جمهور العلماء.
                          وقال القاضي عياض: اختلف العلماء في أحاديث الوصال، فقيل: النهي عنه رحمة وتخفيف، فمن قدر فلا حرج، وقد واصل جماعة من السلف الأيام. قال: وأجازه بن وهب، وأحمد وإسحاق إلى السحر، ثم حكى عن الأكثرين كراهته.
                          وقال الخطابي وغيره من أصحابنا: الوصال من الخصائص التي أبيحت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وحرمت على الأمة.

                          واحْتُجَّ لمن أباحه بقوله في بعض طرق مسلم: (نَهَاهُمْ عَنِ الْوِصَالِ رَحْمَةً لَهُمْ)، وفي بعضها: (لَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ رَأَوُا الْهِلَالَ فَقَالَ لَوْ تَأَخَّرَ الْهِلَالُ لَزِدْتُكُمْ)، وفي بعضها: (لَوْ مُدَّ لَنَا الشَّهْرُ لَوَاصَلْنَا وِصَالًا يَدَعُ الْمُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ).
                          واحتج الجمهور بعموم النهي، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لَا تُوَاصِلُوا) وأجابوا على قوله: (رَحْمَةً) بأنه لا يمنع ذلك كونه منهيا عنه للتحريم، وسبب تحريمه: الشفقة عليهم، لئلا يتكلفوا ما يشق عليهم.
                          وأما الوصال بهم يوما ثم يوما فاحتمل للمصلحة في تأكيد زجرهم، وبيان الحكمة في نهيهم، والمفسدة المترتبة على الوصال وهي الملل من العبادة، والتعرض للتقصير في بعض وظائف الدين، من إتمام الصلاة بخشوعها وأذكارها وآدابها، وملازمة الأذكار وسائر الوظائف المشروعة في نهاره وليله، والله أعلم.

                          قوله صلى الله عليه وسلم: (إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي) معناه: يجعل الله تعالى في قوة الطاعم الشارب، وقيل: هو على ظاهره، وأنه يُطْعَمُ من طعام الجنة كرامة له.
                          والصحيح الأول1، لأنه لو أكل حقيقة لم يكن مواصلا، ومما يوضح هذا التأويل ويقطع كل نزاع قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية التي بعد هذا: (إِنِّي أَظَلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي)، ولفظة (ظَلَّ) لا يكون إلا في النهار، كما سنوضحه قريبا إن شاء الله تعالى، ولا يجوز الأكل الحقيقي في النهار بلا شك، والله أعلم.

                          قوله صلى الله عليه وسلم: (فَاكْلَفُوا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ) هو بفتح اللام، ومعناه: خذوا وتحملوا.

                          قوله: (فَلَمَّا حَسَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّا خَلْفَهُ، جَعَلَ يَتَجَوَّزُ فِي الصَّلَاةِ، ثُمَّ دَخَلَ رَحْلَهُ) هكذا هو في جميع النسخ: (حَسَّ) بغير ألف، ويقع في طرق بعض النسخ نسخة: (أَحَسَّ) بالألف، وهذا هو الفصيح الذي جاء به القرآن، وأما (حَسَّ) بحذف الألف فلغة قليلة، وهذه الرواية تصح على هذه اللغة.
                          وقوله (يَتَجَوَّزُ)، أي: يخفف ويقتصر على الجائز المجزيء مع بعض المندوبات، والتجوز هنا للمصلحة.
                          وقوله (دَخَلَ رَحْلَهُ) أي: منزله، قال الأزهري: رحل الرجل عند العرب هو منزله، سواء كان من حجر، أو مدر، أو وبر، وشعر وغيرها.

                          قوله صلى الله عليه وسلم: (أَمَا وَاللَّهِ لَوْ تَمَادَّ لِيَ الشَّهْرُ) هكذا هو في معظم الأصول، وفي بعضها (تَمَادَى)، وكلاهما صحيح، وهو بمعنى (مُدَّ) في الرواية الأخرى.
                          قوله صلى الله عليه وسلم: (يَدَعُ الْمُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ) هم المشددون في الأمور، المجاوزون الحدود في قول أو فعل.

                          قوله في حديث عاصم بن النضر: (وَاصَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ شَهْرِ رَمَضَانَ) كذا هو في كل النسخ ببلادنا، وكذا نقله القاضي عن أكثر النسخ، قال: وهو وهم من الراوي، وصوابه: (آخِرِ شَهْرِ رَمَضَانَ)، وكذا رواه بعض رواة صحيح مسلم، وهو الموافق للحديث الذي قبله، ولباقي الأحاديث.

                          قوله صلى الله عليه وسلم: (إِنِّي أَظَلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي) قال أهل اللغة: يقال: ظل يفعل كذا، إذا عمله في النهار دون الليل، وبات يفعل كذا إذا عمله في الليل، ومنه قول عنترة:
                          ولقد أبيت على الطوى وأظله


                          أي: أظل عليه، فيستفاد من هذه الرواية دلالة للمذهب الصحيح الذي قدمناه في تأويل (أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي)، لأن (ظَلَّ) لا يكون إلا في النهار، ولا يجوز أن يكون أكلا حقيقيا في النهار، والله أعلم.

                          ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ
                          1 - قال الشيخ الأثيوبي رحمه الله تعالى بعدما عرض القولين وحججهم: قد تبيّن لي مما سبق من استعراض هذه الأقوال، وحججها أن أقربها، وأشبهها بالصواب القول بما دلّ عليه ظاهر النصّ، من أن الله تعالى يُطعم نبيّه -صلى الله عليه وسلم-، ويسقيه طعامًا، وشرابًا حقيقيين، وأن ذلك الطعام والشراب ليس مما يفسد الصوم، ولا ينافي الوصال؛ لأنه ليس من طعام الدنيا، ولا من شراب الدنيا، والتكليف إنما يتعلّق بهما، كما سبق الإشارة إليه في كلام ابن المنيّر رَحِمَهُ اللهُ وغيره.
                          والحاصل أن حمل الحديث على المعنى الحقيقيّ دون تعرّض إلى التأويلات المتكلّفة، هو الأرجح؛ لعدم ما يمنع منه، كما أشرت إليه آنفًا، فتأمله بالإنصاف، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
                          التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد المهيمن سمير البليدي; الساعة 17-Apr-2021, 11:00 PM.

                          تعليق


                          • #14
                            حَدَّثَنِى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ إِحْدَى نِسَائِهِ وَهُوَ صَائِمٌ، ثُمَّ تَضْحَكُ.

                            حَدَّثَنِى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِىُّ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ قَالاَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ أَسَمِعْتَ أَبَاكَ يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها: أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ، فَسَكَتَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ.

                            حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُنِى وَهُوَ صَائِمٌ، وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ، كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْلِكُ إِرْبَهُ؟

                            حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَ يَحْيَى أَخْبَرَنَا وَقَالَ الآخَرَانِ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ وَعَلْقَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها ح
                            وَحَدَّثَنَا شُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِى زَائِدَةَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَلَكِنَّهُ أَمْلَكُكُمْ لإِرْبِهِ.

                            حَدَّثَنِى عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالاَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لإِرْبِهِ.

                            وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالاَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ.

                            وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَوْنٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَمَسْرُوقٌ إِلَى عَائِشَةَ رضى الله عنها، فَقُلْنَا لَهَا: أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ وَلَكِنَّهُ كَانَ أَمْلَكَكُمْ لإِرْبِهِ، أَوْ مِنْ أَمْلَكِكُمْ لإِرْبِهِ، شَكَّ أَبُو عَاصِمٍ.

                            حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رضى الله عنها أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ.

                            حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ قَالَ يَحْيَى أَخْبَرَنَا وَقَالَ الآخَرَانِ حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ فِى شَهْرِ الصَّوْمِ.

                            وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّهْشَلِىُّ حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عِلاَقَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ فِى رَمَضَانَ، وَهُوَ صَائِمٌ.

                            وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ عَنْ عَلِىِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها: أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ.

                            وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَ يَحْيَى أَخْبَرَنَا وَقَالَ الآخَرَانِ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ شُتَيْرِ بْنِ شَكَلٍ عَنْ حَفْصَةَ رضى الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ.

                            حَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِى عَمْرٌو وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ الْحِمْيَرِىِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِى سَلَمَةَ: أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُقَبِّلُ الصَّائِمُ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: سَلْ هَذِهِ، لأُمِّ سَلَمَةَ، فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَمَا وَاللَّهِ إِنِّى لأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَخْشَاكُمْ لَهُ.


                            ---------------------------------------------
                            باب بَيَانِ أَنَّ الْقُبْلَةَ فِى الصَّوْمِ لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً عَلَى مَنْ لَمْ تُحَرِّكْ شَهْوَتَهُ
                            قال الشافعي والأصحاب: القُبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته، لكن الأولى له تركها، ولا يقال: إنها مكروهة له.
                            وإنما قالوا: إنها خلاف الأولى في حقه، مع ثبوت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعلها، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يُؤْمَنُ في حقه مجاوزة القُبلة، ويُخاف على غيره مجاوزتها، كما قالت عائشة: (كَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ)، وأما من حركت شهوته فهي حرام في حقه على الأصح عند أصحابنا، وقيل مكروهة كراهة تنزيه.
                            قال القاضي: قد قال بإباحتها للصائم مطلقا جماعة من الصحابة والتابعين، وأحمد وإسحاق وداود وكرهها على الإطلاق مالك وقال بن عباس وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي والشافعي: تكره للشاب دون الشيخ الكبير، وهي رواية عن مالك وروى بن وهب عن مالك رحمه الله إباحتها في صوم النفل دون الفرض.
                            ولا خلاف أنها لا تبطل الصوم، إلا أن ينزل المني بالقبلة، واحتجوا له بالحديث المشهور في السنن، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ" ومعنى الحديث: أن المضمضة مقدمة للشرب، وقد علمتم أنها لا تفطر، وكذا القبلة مقدمة للجماع فلا تفطر.
                            وحكى الخطابي وغيره عن بن مسعود، وسعيد بن المسيب: أن من قبل قضى يوما مكان يوم القبلة.

                            قوله: (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ إِحْدَى نِسَائِهِ وَهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ تَضْحَكُ).
                            قال القاضي: قيل: يحتمل ضحكها التعجب ممن خالف في هذا، وقيل: التعجب من نفسها حيث بمثل هذا الحديث الذي يستحى من ذكره، لا سيما حديث المرأة به عن نفسها للرجال، لكنها اضطرت إلى ذكره لتبليغ الحديث والعلم، فتتعجب من ضرورة الحال المضطرة لها إلى ذلك.
                            وقيل: ضحكت سرورا بتذكر مكانها من النبي صلى الله عليه وسلم، وحالها معه وملاطفته لها.
                            قال القاضي: ويحتمل أنها ضحكت تنبيها على أنها صاحبة القصة، ليكون أبلغ في الثقة بحديثها.

                            قوله: (فَسَكَتَ سَاعَةً) أي: ليتذكر.

                            قولها: (وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْلِكُ إِرْبَهُ) هذه اللفظة رووها على وجهين:
                            أشهرهما رواية الأكثرين: (إِرْبَهُ) بكسر الهمزة وإسكان الراء، وكذا نقله الخطابي والقاضي عن رواية الأكثرين.
                            والثاني: بفتح الهمزة والراء، ومعناه بالكسر الوطر والحاجة، وكذا بالفتح ولكنه يطلق المفتوح أيضا على العضو.
                            قال الخطابي في معالم السنن: هذه اللفظة تُرْوَى على وجهين الفتح والكسر، قال: ومعناهما واحد، وهو حاجة النفس ووطرها، يقال: لفلان على فلان إِرْبٌ وَأَرَبٌ وَإِرْبَةٌ وَمَأْرَبَةٌ أي: حاجةٌ، قال: والإِرْبُ أيضا العضو.
                            قال العلماء: معنى كلام عائشة رضي الله عنها: أنه ينبغي لكم الاحتراز عن القبلة، ولا تتوهموا من أنفسكم أنكم مثل النبي صلى الله عليه وسلم في استباحتها، لأنه يملك نفسه، ويأمن الوقوع في قبلة يتولد منها إنزال، أو شهوة أو هيجان نفس ونحو ذلك، وأنتم لا تأمنون ذلك، فطريقكم الانكفاف عنها.
                            وفيه: جواز الإخبار عن مثل هذا مما يجري بين الزوجين على الجملة للضرورة، وأما في غير حال الضرورة فمنهي عنه.

                            قولها: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ) معنى المباشرة هنا: اللمس باليد، وهو من التقاء البشرتين.

                            قوله: (دَخَلَا عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِيَسْأَلَانِهَا) كذا هو في كثير من الأصول: (لِيَسْأَلَانِهَا) باللام والنون، وهي لغة قليلة، وفي كثير من الأصول: يَسْأَلَانِهَا بحذف اللام وهذا واضح، وهو الجاري على المشهور في العربية.

                            قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبَرَتْهُ).
                            هذا الإسناد فيه أربعة تابعيون بعضهم عن بعض وهم يحيى وأبو سلمة وعمر وعروة رضي الله عنهم .

                            قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بِشْرٍ الْحَرِيرِيُّ) هو بفتح الحاء المهملة.

                            قوله: (عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ) هو بكسر العين المهملة وبالقاف.
                            قولها: (يُقَبِّلُ فِي شَهْرِ الصَّوْمِ) يعني: في حال الصيام.

                            قوله: (عَنْ شُتَيْرِ بْنِ شَكَلٌ) أما (شُتَيْرِ) فبشين معجمة مضمومة، ثم تاء مثناة من فوق مفتوحة، وأما (شَكَلٌ) فبشين معجمة ثم كاف مفتوحتين، ومنهم من سكّن الكاف، والمشهور فتحها.

                            قوله: (يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَشَدُّكُمْ خَشْيَةً لَهُ) .
                            سبب قول هذا القائل: (قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ)، أنه ظن أن جواز التقبيل للصائم من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه لا حرج عليه فيما يفعل، لأنه مغفور له، فأنكر عليه صلى الله عليه وسلم هذا، وقال: أنا أتقاكم لله تعالى، وأشدكم خشية، فكيف تظنون بي أو تجوزون علي ارتكاب منهي عنه ونحوه.
                            وقد جاء في هذا الحديث في غير مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم غضب حين قال القائل هذا القول، وجاء في الموطأ فيه: "يُحِلُّ الله لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ، والله أعلم.

                            تعليق


                            • #15
                              حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَاللَّفْظُ لَهُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِى بَكْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضى الله عنه يَقُصُّ، يَقُولُ فِى قَصَصِهِ: مَنْ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ جُنُبًا فَلاَ يَصُمْ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، لأَبِيهِ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ، فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ رضى الله عنهما، فَسَأَلَهُمَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ ذَلِكَ، قَالَ: فَكِلْتَاهُمَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ، ثُمَّ يَصُومُ، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى مَرْوَانَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ مَرْوَانُ: عَزَمْتُ عَلَيْكَ إِلاَّ مَا ذَهَبْتَ إِلَى أَبِى هُرَيْرَةَ، فَرَدَدْتَ عَلَيْهِ مَا يَقُولُ، قَالَ: فَجِئْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ حَاضِرُ ذَلِكَ كُلِّهِ، قَالَ: فَذَكَرَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَهُمَا قَالَتَاهُ لَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: هُمَا أَعْلَمُ.
                              ثُمَّ رَدَّ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا كَانَ يَقُولُ فِى ذَلِكَ إِلَى الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنَ الْفَضْلِ، وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم.
                              قَالَ: فَرَجَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَمَّا كَانَ يَقُولُ فِى ذَلِكَ.
                              قُلْتُ لِعَبْدِ الْمَلِكِ: أَقَالَتَا فِى رَمَضَانَ؟ قَالَ: كَذَلِكَ كَانَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ، ثُمَّ يَصُومُ.

                              وَحَدَّثَنِى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ فِى رَمَضَانَ وَهُوَ جُنُبٌ، مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ، فَيَغْتَسِلُ وَيَصُومُ.

                              حَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِى عَمْرٌو وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ الْحِمْيَرِىِّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَدَّثَهُ، أَنَّ مَرْوَانَ أَرْسَلَهُ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ رضى الله عنها يَسْأَلُ عَنِ الرَّجُلِ يُصْبِحُ جُنُبًا، أَيَصُومُ؟ فَقَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ، لاَ مِنْ حُلُمٍ، ثُمَّ لاَ يُفْطِرُ، وَلاَ يَقْضِى.

                              حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجَىِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُمَا قَالَتَا: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ، غَيْرِ احْتِلاَمٍ فِى رَمَضَانَ، ثُمَّ يَصُومُ.

                              حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ قَالَ ابْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ ابْنُ مَعْمَرِ بْنِ حَزْمٍ الأَنْصَارِىُّ أَبُو طُوَالَةَ أَنَّ أَبَا يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها: أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَفْتِيهِ، وَهِىَ تَسْمَعُ مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُدْرِكُنِى الصَّلاَةُ وَأَنَا جُنُبٌ، أَفَأَصُومُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَأَنَا تُدْرِكُنِى الصَّلاَةُ وَأَنَا جُنُبٌ فَأَصُومُ، فَقَالَ: لَسْتَ مِثْلَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنِّى لأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقِى.

                              حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِىُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِى مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ سَأَلَ أُمَّ سَلَمَةَ رضى الله عنها عَنِ الرَّجُلِ يُصْبِحُ جُنُبًا أَيَصُومُ؟ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ احْتِلاَمٍ، ثُمَّ يَصُومُ.


                              ---------------------------------------------
                              باب صِحَّةِ صَوْمِ مَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ
                              قوله : (أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ فِي قَصَصِهِ مَنْ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ جُنُبًا فَلَا يَصُمْ قَالَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ لِأَبِيهِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَانْطَلَقْتُ مَعَهُ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ فَسَأَلَهُمَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ) إلى آخره.
                              هكذا هو في جميع النسخ: (
                              فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ لِأَبِيهِ)، وهو صحيح مليح، ومعناه: ذَكَرَهُ أبو بكر لأبيه عبد الرحمن، فقوله لِأَبِيهِ بدل من عَبْدِ الرَّحْمَنِ بإعادة حرف الجر.
                              قال القاضي: ووقع في رواية بن ماهان: فَذَكَرَ ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِأَبِيهِ، وهذا غلط فاحش، لأنه تصريح بأن الحارث والد عبد الرحمن هو المخاطب بذلك وهو باطل، لأن هذه القصة كانت في ولاية مروان على المدينة في خلافة معاوية، والحارث توفي في طاعون عمواس في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، سنة ثمان عشرة، والله أعلم.

                              قوله: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ جُنُبًا فَلَا يَصُمْ) ثم ذكر أنه حين بلغه قول عائشة وأم سلمة: أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يُصْبِحُ جُنُبًا وَيُتِمُّ صَوْمَهُ، رجع أبو هريرة عن قوله، مع أنه كان رواه عن الفضل عن النبي صلى الله عليه وسلم.
                              فلعل سبب رجوعه أنه تعارض عنده الحديثان فجمع بينهما، وتأول أحدهما وهو قوله: (مَنْ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ جُنُبًا فَلَا يَصُمْ) وفي رواية مالك: (أَفْطَرَ) فتأوله على ما سنذكره من الأوجه في تأويله إن شاء الله تعالى، فلما ثبت عنده أن حديث عائشة وأم سلمة على ظاهره وهذا متأول، رجع عنه.
                              وكان حديث عائشة وأم سلمة أولى بالاعتماد، لأنهما أعلم بمثل هذا من غيرهما، ولأنه موافق للقرآن، فإن الله تعالى أباح الأكل والمباشرة إلى طلوع الفجر، قال الله تعالى: (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ).
                              والمراد بالمباشرة: الجماع، ولهذا قال الله تعالى: (وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ) ومعلوم أنه إذا جاز الجماع إلى طلوع الفجر، لزم منه أن يصبح جنبا، ويصح صومه، لقوله تعالى: (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ).
                              وإذا دل القرآن وفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على جواز الصوم لمن أصبح جنبا، وجب الجواب عن حديث أبي هريرة عن الفضل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وجوابه من ثلاثة أوجه:
                              أحدها: أنه إرشاد إلى الأفضل، فالأفضل أن يغتسل قبل الفجر، فلو خالف جاز، وهذا مذهب أصحابنا، وجوابهم عن الحديث.
                              فإن قيل: كيف تقولون: الاغتسال قبل الفجر أفضل، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه؟ فالجواب: أنه صلى الله عليه وسلم فعله لبيان الجواز، ويكون في حقه حينئذ أفضل، لأنه يتضمن البيان للناس، وهو مأمور بالبيان.
                              وهذا كما توضأ مرة مرة في بعض الأوقات بيانا للجواز، ومعلوم أن الثلاث أفضل، وهو الذي واظب عليه، وتظاهرت به الأحاديث، وطاف على البعير لبيان الجواز، ومعلوم أن الطواف ماشيا أفضل، وهو الذي تكرر منه صلى الله عليه وسلم، ونظائره كثيرة.
                              والجواب الثاني: لعله محمول على من أدركه الفجر مجامعا، فاستدام بعد طلوع الفجر عالما، فإنه يفطر ولا صوم له.
                              والثالث: جواب بن المنذر فيما رواه عن البيهقي أن حديث أبي هريرة منسوخ، وأنه كان في أول الأمر حين كان الجماع محرما في الليل بعد النوم، كما كان الطعام والشراب محرما ثم نسخ ذلك، ولم يعلمه أبو هريرة، فكان يفتي بما علمه حتى بلغه الناسخ فرجع إليه، قال بن المنذر: هذا أحسن ما سمعت فيه، والله أعلم.
                              قولها: (يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ) هو بضم الحاء، وبضم اللام وإسكانها،
                              وفيه: دليل لمن يقول بجواز الاحتلام على الأنبياء، وفيه خلاف قدمناه، الأشهر امتناعه، قالوا: لأنه من تلاعب الشيطان، وهم منزهون عنه، ويتأولون هذا الحديث على أن المراد يصبح جنبا من جماع، ولا يجنب من احتلام، لامتناعه منه، ويكون قريبا من معنى قول الله تعالى: (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ) ومعلوم أن قتلهم لا يكون بحق.
                              قوله: (عَزَمْتُ عَلَيْكَ إِلَّا مَا ذَهَبْتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ) أي: أمرتك أمرا جازما عزيمة مُحَتَّمَةََ، وأمر ولاة الأمور تجب طاعته في غير معصية.
                              قوله: (فَرَدَّ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ إِلَى الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنَ الْفَضْلِ)، وفي رواية النسائي قال أبو هريرة: أَخْبَرَنِيهِ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وفي رواية أَخْبَرَنِيهِ فُلَانٌ وَفُلَانٌ، فيحمل على أنه سمعه من الفضل، وأسامة.

                              أما حكم المسألة: فقد أجمع أهل هذه الأعصار على صحة صوم الجنب، سواء كان من احتلام أو جماع، وبه قال جماهير الصحابة والتابعين، وحكي عن الحسن بن صالح إبطاله، وكان عليه أبو هريرة، والصحيح أنه رجع عنه كما صرح به هنا في رواية مسلم، وقيل: لم يرجع عنه، وليس بشيء.
                              وحكى عن طاوس وعروة والنخعي: أن علم بجنابته لم يصح، والا فيصح، وحكى مثله عن أبي هريرة، وحكي أيضا عن الحسن البصري والنخعي: أنه يجزيه في صوم التطوع دون الفرض، وحكي عن سالم بن عبد الله، والحسن البصري، والحسن بن صالح: يصومه ويقضيه.
                              ثم ارتفع هذا الخلاف وأجمع العلماء بعد هؤلاء على صحته كما قدمناه، وفي صحة الإجماع بعد الخلاف خلاف مشهور لأهل الأصول، وحديث عائشة وأم سلمة حجة على كل مخالف، والله أعلم.
                              وإذا انقطع دم الحائض والنفساء في الليل، ثم طلع الفجر قبل اغتسالهما صح صومهما، ووجب عليهما إتمامه، سواء تركت الغسل عمدا أو سهوا بعذر أم بغيره، كالجنب. هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة، إلا ما حكي عن بعض السلف مما لا نعلم صح عنه أم لا؟
                              قوله: (أَبُو طُوَالَةَ) هو بضم الطاء المهملة.

                              تعليق

                              يعمل...
                              X