إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

دراسة كتاب الصيام من شرح الرسالة لابن أبي زيد القيرواني (386) للقاضي عبد الوهاب البغدادي (422)​

تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [شرح متن] دراسة كتاب الصيام من شرح الرسالة لابن أبي زيد القيرواني (386) للقاضي عبد الوهاب البغدادي (422)​

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .
    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم؛

    (يا أيّها الّذِين آمنوا اتّقوا اللّه حقّ تقاتِهِ ولا تموتنّ إِلّا وأنْتمْ مسْلِمون)[ آل عمران:102]

    (يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم الّذِي خلقكمْ مِنْ نفْسٍ واحِدةٍ وخلق مِنْها زوْجها وبثّ مِنْهما رِجالًا كثِيرًا ونِساءً واتّقوا اللّه الّذِي تساءلون بِهِ والْأرْحام إِنّ اللّه كان عليْكمْ رقِيبًا)[ النساء:1]

    (يا أيّها الّذِين آمنوا اتّقوا اللّه وقولوا قوْلًا سدِيدًا (70) يصْلِحْ لكمْ أعْمالكمْ ويغْفِرْ لكمْ ذنوبكمْ ومنْ يطِعِ اللّه ورسوله فقدْ فاز فوْزًا عظِيمً)[ الأحزاب:70 - 71]

    ألا وإن أصدق الحديث كلام الله تعالى ، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم؛ ، وشر الأمر محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة
    أما بعد:


    إن من توفيق الله جل وعلا للمسلم عموما وطالب العلم خصوصا؛ توفيقه للعلم النافع والعمل الصالح، ومن زيادة التوفيق له الاستعداد لبعض المواسم بالتفقه ومراجعة أحكام تقع في ذلك الموسم، ولا شك أن من أعظمها موسم الصيام والقيام وغيرها من العبادات الواقعة في شهر رمضان.

    لذلك وقع الإختيار على كتاب الصيام من شرح الرسالة لابن أبي زيد القيرواني (386) للقاضي عبد الوهاب البغدادي (422)​، ولا بأس بالبداية ببعض المقدمات والتعريفات والتراجم قبل الولوج في الكتاب.
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد المهيمن سمير البليدي; الساعة 22-Feb-2023, 10:44 PM.

  • #2
    تراجم وتعاريف:

    مما قيل قديما: "لولا الشيخان والمحمدان والقاضيان لذهب المذهب؛
    فـ "الشيخان": أبو محمد ابن أبي زيد وأبو بكر الأبهري.
    و"المحمدان": محمد بن سحنون ومحمد بن المواز.
    و"القاضيان": أبو محمد عبد الوهاب وأبو الحسن ابن القصار".¹

    وكتابنا هذا اجتمع فيه علم أحد الشيخين وأحد القاضيين،
    والشيخ هو: أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني (386).
    والقاضي هو: أبو محمد عبد الوهاب البغدادي (422).

    والكتاب هو:
    شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني
    شرحه القاضي عبد الوهاب البغدادي

    ويحسن بنا التعريف بـ:
    الشيخ ورسالته
    و
    القاضي وشرحه.

    ترجمة ابن أبي زيد القيرواني (مالك الصغير):
    هو أبو محمد عبد الله بن أبي زيد -واسم أبي زيد: عبد الرحمن-، النفزي نسبا، القيرواني سكنا، كان يعرف بـ "مالك الصغير" ويلقب بـ: "خليفة مالك".
    ولد سنة 310، على اختلاف في تحديد سنة ولادته، و"نشأ بالقيروان التي كانت في عهده وارثة لتراث زاخر، يلقي أقطاب من رجال المذهب المالكي بـ "جامع عقبة" بها وبغيره من مواطن العلم دروسا في مختلف الفنون.
    وكان ذا همه في طلب العلم، ومما ذكر في ترجمته أنه ألف "الرسالة" وعمره إذ ذاك 17 سنة.
    وكان رحمه الله ذا هدي وسمت وتواضع، مع انقياد للحق، وجود وبذل للفقراء والغرباء وطلبه العلم.
    وقد وصف بإمام المالكية في وقته وقدوتهم، وكذا الإمام المحقق المعظم والحبر الكامل المقدم.
    كان كما وصفه الدباغ: "متقنا في علوم كثيرة؛ منها علوم القراءات، وتفسير القرآن، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما، ومعرفة رجاله وأسانيده وغريبه، والفقه البارع، وآثار العلماء، وكتب الرقائق والمواعظ والآداب".
    من مؤلفاته: "النوادر والزيادات"، و"مختصر المدونة"، قال فيهما القاضي عياض: "على كتابيه هذين المعول بالمغرب في التفقه".
    وقد كان على عقيدة أهل السنة والجماعة، كما هو ظاهر في مقدمة كتابه الرسالة.
    توفي رحمه الله تعالى يوم الاثنين الموفي ثلاثين من شعبان سنة 386.


    التعريف بمتن "الرسالة":
    تعد "رسالة" أشهر متن فقهي مالكي، وأهميتها وقيمتها العلمية لا تخفى، وقد عدها الفقهاء المالكية في المرتبة الثالثة بعد الموطأ والمدونة، وفي الدراسة تأتي بعد متن الأخضري ثم ابن عاشر وبعدهما الرسالة فهي الثالثة في المنزلة والثالثة في التدرج.
    طبعا على خلاف بينهم ...

    أما عن سبب تأليفها فقد صرح المصنف في المقدمة فقال: "فإنك سألتني أن أكتب لك جملة مختصرة من واجب أمور الديانة، مما تنطق الألسنة وتعتقده القلوب وتعمله الجوارح، وما يتصل بالواجب من ذلك من السنن من مؤكدها ونوافلها ورغائبها وشيء من الآداب منها، وجمل من أصول الفقه وفنونه على مذهب مالك بن أنس وطريقته، مع ما سهل سبيل ما أشكل من ذلك من تفسير الراسخين وبيان المتفقهين ...".

    نهج المؤلف طريق التبسيط لمسائل التوحيد والعقيدة على طريقة مذهب السلف الصالح دون تعقيد أو خوض في مسائل علم الكلام الموسومة بالجدل المنطقي، كما بسط فيها أهم مسائل الفقه وبعض الآداب، وقدم ذلك كله بعبارة واضحة، وأسلوب سلس مبسط، وروعة البيان، مما جعلها محل قبول وإقبال للدارسين.

    حوى بين دفتيه أربعة آلاف مسألة، يجب على المكلف معرفتها ولا يسعه جهلها، موزعة على أربعة وأربعين بابا، تضمن مقدمة عقدية سلفية، تتعلق بما تنطق به الألسن وتعتقده الأفئدة، ومسائل فقهية من:
    طهارة، وصلاة، وصوم، وزكاة، وحج، وجهاد، ونكاح، وبيوع، ووصايا، .... وغيرها، بالإضافة إلى بعض الآداب الشرعية.

    وقد عدة القرافي كتاب "الرسالة" من جملة خمسة عكف عليها المالكية شرقا وغربا، قال في الذخيرة (18/1) ط الكتب العلمية: وقد آثرت أن أجمع بين الكتب الخمسة التي عكف عليها المالكيون شرقا وغربا، حتى لا يفوت أحدا من الناس مطلب، ولا يعوزه أرب.
    وهي: المدونة، والجواهر، والتلقين، والتفريع للجلاب والرسالة، ...

    وللكتاب تحقيقات كثيرة، أحسنها وأتقنها ولعله التحقيق العلمي الوحيد: وهي التي من مطبوعات الخزانة الجزائرية للتراث برقم (19)، طباعة: دار المحسن - دار ابن حزم، بتحقيق ودراسة ليامين بن قدور امكراز الجزائري، حيث استجد للمحقق نسخ عتيقة متقنة لم تعتمد من قبل، كما أبرز في هذه النشرة إختلاف الروايات بطريقة مبتكرة، وقد نبه المحقق وفقه الله أن أكثر المطبوع فيه زيادات وألفاظ لم تثبت في أصول المتن، وإنما هي تعليقات وطرر لشراح أدرجت فيه، كما أن المحقق جزاه الله خيرا فند لمن شكك في ثبوت بعض الألفاظ على رأسها: "بذاته" في قوله: "وأنه فوق عرشه المجيد بذاته".
    وقد انتقى نسخا من أكثر من مائة مخطوطةبعد فحص وتقييم، وقد رسا العمل على 16 نسخة.
    فمن خلال التتبع والاستقراء تبين أن أكثر النسخ مرجعها إلى روايتين أصليتين هما رواية أبي الثناء ابن ناهض (ث)، ورواية أبي محمد صالح (ص).كما انتقى من روايات أخرى، ذكر تفصيل ذلك المشرف في القسم الدراسي لشرح القاضي عبد الوهاب (109/1-194).

    وأكتفي بهذا التعريف المختصر، فليس القصد الاستيعاب، والله الموفق.​




    ترجمة القاضي عبد الوهاب:
    هو: أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر بن أحمد بن الحسين بن هارون بن مالك بن طوق التغلبي [صاحب الرحبة] البغدادي.
    ولد يوم الخميس السابع من شوال سنة 362، ببغداد.
    وقد عد الزبيدي المالكي القاضي عبد الوهاب من مجددي المائة الرابعة في المالكية كما في إتحاف السادة المتقين (27/1).
    ونقل القاضي عياض في ترتيب المدارك (246/7) عن الباقلاني أنه قال لأبير عمران: "لو اجتمعت في مدرستي أنت وعبد الوهاب بن نصر لاجتمع فيها علم مالك، أنت تحفظه، وهو ينصره، ولو رآكما مالك لسر بكما".
    وقال الخطيب في تاريخه (292/12): كان ثقة، ولم نلق من المالكيين أحد أفقه منه، وكان حسن النظر، جيد العبارة.
    ومن خلال دراسة المشرف لعقيدة القاضي عبد الوهاب تبين أنه على منهج أهل السنة والجماعة في الجملة، كما أن تأصيلاته تخالف منهج الأشاعرة بمفهومه المتأخر، فهو أبعد الناس عن التأويل، إلا أنه بحكم تتلمذه على الباقلاني، وركونه إلى الإستدلال العقلي، فقد كان له نزع إلى طريقة المتكلمين، يراجع المجلد الأول من الدراسة ابتداء من ص242 إلى 245.
    أكثر المؤرخين أنه توفي سنة 422 ثم اختلفوا في تحديد اليوم والشهر.

    التعريف بشرح الرسالة للقاضي عبد الوهاب:

    يعتبر شرح القاضي على الرسالة من أوائل شروح الرسالة وأحسنها وأهمها، وهو من الشروح المطولة، وذلك لمرتبة الشارح وطريقة شرحه، فإن شرحه تميز بوضوح العبارة واختصارها والتقيد -في الغالب-بالمتن دون استطراد، مع الحرص على التدليل من الكتاب والسنة وآثار السلف.
    حيث استدل بالآيات في أكثر من 1800 موضع، وبالأحاديث في 3700 حديث بالمكرر، وأخيرا الآثار فقد تعدت 800 أثر وخبر عن السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وهذا شيء لا يكاد يوجد في كتاب إلا قليلا، فهذه محسوبة على الرسالة قبل الشرح حيث عد العادون أربعة آلاف مسألة.
    ويكمن وجود هذا الكم من الأحاديث وجود كتب من أوسع كتب التدليل في الفقه المالكي، وعلى رأس هذه الكتب كتاب "مسلك الجلالة في مسند الرسالة" لشيخ القاضي أبي بكر الأبهري، وكتب شيخ شيخه أبي بكر ابن الجهم التي قال عنها الخطيب في تاريخه (113/2): "له مصنفات حسان، محشوة بالآثار، يحتج فيها لمالك وينصر مذهبه، ويرد على من خالفه"، وقد حفظ لنا طرقا وأسانيد وروايات بعضها لا يوجد فيما وصلنا من دواوين السنة.
    فكما ترى فالكتاب كتاب حديث وفقه، هذا مع ما فيه من كلام في العلل والتصحيح والتضعيف وكلام في الرواة جرحا وتعديلا، اختيارا ونقلا من كتب مفقودة.
    وتكمن قوة الشرح في سعة علم المؤلف كذلك، وقوة ضبطه لمسائل المذهب، وعلمه بمسائل الخلاف، وقد وصفه الخطيب في تاريخه (292/12): "لم نلق من المالكيين أفقه منه"، والناظر في الشرح يدرك قوة المؤلف في تطويع المسائل الكبار وتنزيلها على متن كتب للولدان والصغار، وقد جمع الشارح فيه بين التدليل للمسائل، وذكر الإجماعات، وسرده للخلاف داخل المذهب، وتجلية أدلة المخالف والرد عليها، هذا مع ما حواه من قواعد فقهية وأصولية بلغت 1500 قاعدة، تجد ذلك في الفهارس.
    عد هذا الشرح أحسن شرح للرسالة، بهذا أصبح عمدة جل الشراح حيث كان في مقدمة من شرح الرسالة، ولكثرة النقول الموجودة في شرح أبي حفص عمر الفاكهاني (734) "التحرير والتحبير" وشرح أبي محمد صالح الهسكوري (653)، جُعلا نسخا مساعدة لضبط الكتاب وإكمال النقص وتصويب الخطأ والتصحيف الوارد في الأصول الخطية، كما تم الاستعانة في ضبط النص بكتب المصنف الأخرى كالمعونة والإشراف.

    ومنهج المؤلف أن يقول: "مسألة"، ثم يسوق القطعة التي سيشرحها من المتن، مصدرا إياها بقوله: "قال ابن أبي زيد -رحمه الله-" مع اختلاف في العبارة.
    ثم يكتب: "قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر" مع اختلاف في العبارة أيضا، وهذه العبارة إما تكون من القاضي نفسه أو من الناسخ الأول للكتاب، حيث أن الكتاب منه ما هو إملاء ومنه ما هو تصنيف.
    فإذا طال الفصل بالشرح، وعاد للكلام على المتن يكتب: "فصل".
    وكذلك إذا تطرق إلى موضوع فرعي، أو أراد إفراد جزئية بالتفصيل بالكلام، كل هذا يكتب في طليعته "فصل".
    أما ترتيب الشرح وتركيبه:
    * فيبدأ بيان الحكم العام المستنبط من قول ابن أبي زيد، مصدرا إياه بقوله: "وهذا كما قال".
    * وربما ذكر كلاما عاما جامعا لمسائل الباب، يصدره بما يدل على ذلك.
    * فإذا كانت المسألة فرعا من أصل تقدم بيَّن ذلك وأحال عليه.
    * إذا كان في المسألة أمور تحتاج إلى تعريف أجملها قبل البدء في التفصيل.
    * وربما احتاج إلى التقديم بمدخل للمسألة.
    * إذا كانت المسألة مجمعا عليها نبه على ذلك، وإذا كان فيها اختلاف؛فيبدأ بذكر الخلاف داخل المذهب، ويستوفي البحث والوسع في جمع رويات المذهب واختلافها، ثم يذكر ما ترجح له، وربما ذكر ثمرة الخلاف وفائدته، ثم يعقبه بذكر الموافق من المذهبين الشافعي والحنفي، ثم يذكر من خالف منهما، ثم يفصل أدلة المخالف، ويناقشها ويردها، فإن لم يكن خلاف مع الشافعية والحنفية؛ ذكر من خالف من الحنابلة والظاهرية، وربما ذكر الشيعة ويقرن ذلك بتوهين مذهبهم، وربما ذكر من خالف من آحاد الصحابة أو التابعين أو من بعدهم.
    ولمزيد من التفصيل يراجع من الصفحة 294 إلى 303.
    وقد أطال النفس في القسم الدراسي مما يطول ذكره هما فليراجع وذلك إبتداءا من ص 303 إلى 426.

    وظهرة أهمية الشرح في احتفاء العلماء به قديما وحديثا، ونقلهم منه وعده مرجعا أصليا في ذكر مسائل المذهب تأصيلا وتفريعا.
    ومما زاد الكتاب جمالا وجلالا تمتع المؤلف من سلامة المعتقد وموافقة صاحب المتن في عقيدته، وقد أفرد المشرف وفقه الله بابا موسعا إبتداءا من ص219 إلى 262 في بيان عقيدة الشارح رحمه الله مجموعة مما تفرق من تأصيلات مبثوثة في ثنايا الشرح.
    كما أن المشرف عقد بابا يرد فيه وينقض إستدلالات أحمد محمد نور سيف في تحقيقه للجزء العقدي، حيث انتصر فيه لأشعرية القاضي.
    ومما تميز به هذا الشرح العظيم:
    نقله من كتب مفقودة، واشتماله على علوم جمة كبيان أصول التأليف وآدابه وآداب المناظرة، واحتوائه على مناظرات ومحاورات وردود بين علماء عصره وما قبله، وغير ذلك مما يطول نقله في هذا التعريف المختصر.

    وقد اعتمد مركز الخزانة الجزائرية للتراث لصاحبها الشيخ ليامين بن قدور امكراز الجزائري على عدة قطع من بلدان شتىى مصر وليبيا والمغرب وتونس.
    حيث تم تحقيقه على ست نسخ خطية ناقصة، بعضها وريقات، وبعضها مجلد، وأكبرها شملت المجلدات الثلاثة الأخيرة من نسخة مخمسة، مجموع النسخ يأتي على أكثر الكتاب فجاء شاملا لأكثر الأبواب، ينقصه جزء يقدر بسبعين لوحة، يشتمل على الأبواب الأخيرة من "كتاب الطهارة" والأولى من "كتاب الصلاة"، ونقص يسير في بداية البيوع تیسر استدراك أكثره من نقول المتأخرين.


    الأمر الذي دفع بالمركز وراء نشره، كون كل الطبعات التي سبقت لم تستوعب ما توفر لهم من مخطوطات الكتاب مع ضعف في تصحيح النص وكثرة الأخطاء والسقط والتصحيف، زاد على ذلك كثرة الملاحظات في الحواشي الغواشي، حيث تم نقد الطبعات ابتداء من ص435 إلى ص465.
    فنصف الكتاب يطبع لأول مرة والنصف الآخر يحتاج إلى إعادة تحقيق.

    كما تميزت هذه الطبعة بحسن الإخراج، وإبراز المسائل بالحمرة، وتوزيع النص بطريقة تعين على فهم الكتاب؛ خاصة وأنه في كثير من المواضع يصعب تتبع الاستدلال و تمییز کلام المخالف من الرد عليه، وتميزت بالحكم على جميع الأحاديث المرفوعة على كثرتها واختلاف روایاتها، مع تتبع اللفظ المراد بالحكم، ونقل أشمل وأظهر عبارة في الحكم عليه من كلام أئمة الشأن المتقدمين كالإمام الدارقطني والرازيين وأحمد والبخاري والترمذي والبيهقي وغيرهم من الأئمة، وكذا الاستعانة بمن عانی تخریج أحاديث الأحكام كالذهبي وابن الملقن وابن جماعة والزرکشي والزيلعي والعراقي وابن حجر، دون إغفال جهود المتأخرين كالشيخ الألباني وغيره من عاني تخريج الأحاديث، هذا مع الحرص على تقديم الفائدة خالصة دون حشو وإثقال للهوامش.
    کہا تميزت الطبعة بعزو الأقوال والمذاهب الفقهية إلى مصادرها الأصيلة، مع التركيز على الكتب التي سبقت عصر المصنف ويغلب على الظن اعتماده إياها والنقل منها كالإشراف لابن المنذر، والحاوي للماوردي، وشرح مختصر الطحاوي للجصاص، وغيرها.


    وإتماما للفائدة وتيسيرا وتقريبا لدرر الكتاب وفوائده فقد تم تذييل الكتاب بفهارس تقرب مضامینه؛ شملت 14 فهرسا؛ شملت القواعد الفقهية، والإجماعات، وأحكام المصنف على الأحاديث والرواة، وفهرسا لأصحاب المذاهب، دون إغفال الفهارس الأساسية المتضمنة للآيات والأحاديث المرفوعة والآثار الموقوفة والمقطوعة والأعلام والأشعار والكتب والبلدان والفرق.
    كما صدرت هذه الموسوعة بمقدمة دراسية أبرزت مزاياها، تناولت منهج المصنف في غالب الفنون مع انتقاء كل شاردة تفيد في صياغة ترجمة جديدة له.
    كما أُلحق بالمقدمة "متن الرسالة" محققا على أعتق الأصول المتوافرة، مبررا اختلاف روايات الكتاب، حتى يرجع إليه عند الحاجة.
    فجاء هذا الإخراج في هذه الحلة البهية.




    اضغط على الصورة لعرض أكبر.   الإسم:	images_1677116173521.jpg  مشاهدات:	750  الحجم:	58.3 كيلوبايت  الهوية:	251727

    طبعات الكتاب:
    يراجع الصفحة 105 إلى 108 من المقدمة الدراسية طبعة دار المحسن - دار ابن حزم. إلا أنه اطبلع فقط على ثلاث مجلدات من نشرة دار المالكية فقط وليس كتاب الصيام منه.

    وسيتم المقابلة على طبعة الدمياطي التي طبعت بدار ابن حزم في مجلدين وطبعة المالكية.


    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	شرح الرسالة للقاضي عبد الوهاب بن علي البغدادي.jpg 
مشاهدات:	33 
الحجم:	90.6 كيلوبايت 
الهوية:	254450
    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	GAizrdQXkAAmc0v.jpg 
مشاهدات:	33 
الحجم:	152.2 كيلوبايت 
الهوية:	254451
    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	شرح-الرسالة-الدار-المالكية.jpg 
مشاهدات:	33 
الحجم:	214.5 كيلوبايت 
الهوية:	254452

    والله الموفق.
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    1 - معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان (110/3)، لأبي زيد عبد الرحمن الدباغ (696) تكملة أبي القاسم بن عيسى بن ناجي التّنوخي (839)، المفيدة على الرسالة ص329، لأبي يعقوب يوسف الرجراجي (722).​
    الملفات المرفقة
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد المهيمن سمير البليدي; الساعة 12-Mar-2024, 05:54 PM.

    تعليق


    • #3
      باب في الصيام
      وصوم شهر رمضان فريضة يُصام لرؤية الهلال ويُفطر لرؤيته كان ثلاثين يوما أو تسعة وعشرين يوما.
      فإن غُمّ الهلال فيَعُدُّ ثلاثين يوما من غُرّة الشهر الذي قبله، ثم يُصام.
      وكذلك في الفِطر.
      ويُبَيَّت الصيام في أوّله وليس عليه البيات في بقيّته.
      ويُتمُّ الصيام إلى الليل.
      ومن السنة تعجيل الفطر وتأخير السحور.
      وإن شك في الفجر فلا يأكل.
      ولا يصام يوم الشك ليُحتاط به من رمضان، ومن صامه كذلك لم يُجزه وإن وافقه من رمضان، ولمن شاء صومه تطوعا أن يفعل.
      ومن أصبح فلم يأكل ولم يشرب ثم تبين له أن ذلك اليوم من رمضان لم يجزه، وليمسك عن الأكل في بقيته ويقضيه.
      وإذا قدم المسافر مفطرا أو طهرت الحائض نهارا فلهما الأكل في بقية يومهما.
      ومن أفطر في تطوعه عامدا​ أو سافر فيه فأفطر لسفره فعليه القضاء، وإن أفطر ساهيا فلا قضاء عليه، بخلاف الفريضة.
      ولا بأس بالسواك للصائم في جميع نهاره.
      ولا تكره له الحجامة إلا خِيفة التَّغْرِيرِ.
      ومن ذرعه القيء في رمضان فلا قضاء عليه، وإن استقاء فقاء فعليه القضاء.
      وإذا خافت الحامل على ما في بطنها أفطرت ولم تطعم، وقد قيل: تطعم.
      وللمرضع إن خافت على ولدها ولم تجد من تستأجر له أو لم يَقبل غيرَها أن تفطر وتطعم.
      ويستحب للشيخ الكبير إذا أفطر أن يطعم.
      والإطعام في هذا كله مد عن كل يوم يقضيه.
      وكذلك يطعم من فرّط في قضاء رمضان حتى دخل عليه رمضان آخر.
      ولا صيام على الصبيان حتى يحتلم الغلام وتحيض الجارية، وبالبلوغ لزمتهم أعمال الأبدان فريضة قال الله سبحانه: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا}.
      ومن أصبح جُنبا ولم يتطهر أو امرأة حائض طهُرت قبل الفجر فلم تغتسل إلا بعد الفجر أجزأهما صوم ذلك اليوم.
      ولا يجوز صيام يوم الفطر ولا يوم النحر.
      ولا يصام اليومان اللذان بعد يوم النحر إلا للمتمتع الذي لا يجد هديا.
      واليوم الرابع لا يصومه متطوع، ويصومه من نذره أو من كان في صيام متتابع قبل ذلك.
      ومن أفطر في نهار رمضان ناسيا فعليه القضاء فقط.
      وكذلك من أفطر لضرورة من مرض.
      ومن سافر سفرا تُقْصَرُ فيه الصلاة فله أن يُفْطر وإن لم تنله ضرورة، وعليه القضاء، والصوم أحب إلينا.
      ومن سافر أقل من أربعة بُرُدِِ فظن أن الفطر مباح له فأفطر فلا كفارة عليه، وعليه القضاء.
      وكل من أفطر متأولا فلا كفارة عليه.
      وإنما الكفارة على من أفطر متعمدا بأكل أو شرب أو جماع مع القضاء.
      والكفارة في ذلك إطعام ستين مسكينا مُدَّا لكل مسكين بمد النبي عليه السلام، فذلك أحب إلينا، وله أن يكفر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين.
      وليس على من أفطر في قضاء رمضان متعمدا كفارة.
      ومن أغمي عليه ليلا فأفاق بعد طلوع الفجر فعليه قضاء الصوم.
      ولا يقضي من الصلوات إلا ما أفاق في وقته.
      وينبغي للصائم أن يحفظ لسانه وجوارحه، ويعظم من شهر رمضان ما عظم الله سبحانه.
      ولا يَقرُب الصائم النساء بوطء ولا مباشرة ولا قبلة لِلَذَّةِِ في نهار رمضان، ولا يحرم ذلك عليه في ليله.
      ولا بأس أن يصبح جنبا من الوطء.
      ومن الْتَذَّ في نهار رمضان بمباشرة أو قبلة فأمذى لذلك فعليه القضاء، وإن تعمد ذلك حتى أمنى فعليه الكفارة.
      ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه.
      وإن قمت فيه بما تيسر فذلك مرجوٌّ فضله وتكفير الذنوب به.
      والقيام فيه في مساجد الجماعات بإمام.
      ومن شاء قام في بيته، وهو أحسن لمن قويت نيته وحده.
      وكان السلف يقومون فيه في المساجد بعشرين ركعة، ثم يوترون بثلاث، ويَفصلون بين الشفع والوتر بسلام، ثم صلوا بعد ذلك ستا وثلاثين ركعة غير الشفع والوتر، وكل ذلك واسع، ويُسلِّم من كل ركعتين.
      وقالت عائشة رضي الله عنه: "ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ولا في غيره على اثنتي عشرة ركعة بعدها الوتر".





      وتم رفع كتاب الصيام من طبعة الخزانة، لمن أراد الإطلاع على الفروق.
      الملفات المرفقة

      تعليق


      • #4
        1
        كتاب الصيام
        باب في الصيام
        2

        قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي رحمه الله:
        الأصل في الصيام: الكتاب والسنة وإجماع الأمة.
        أما الكتاب:
        فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ}[البقرة:183]؛ يعني: فرض واجب عليكم الصيام3، كما وجب على من كان قبلكم، فهذه الآية تدل على وجوب الصيام في الجملة من غير تعيين، ثم فسر الصيام الواجب في الآية الأخرى بقوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} إلى قوله: {
        فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[البقرة:185]، فأمر بصيام شهر رمضان، وألزم من كان حاضرا صومه، ورخص للمسافر أن يفطره ويقضيه.
        وقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} إلى قوله: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}[البقرة:187]، وهذا أمر؛ فهو على وجوبه، هذا من الكتاب.

        وأما السنة:
        فقوله صلى الله عليه وسلم: "بُني الإسلام على خمس: شهادة أنْ لا إله إلا الله وأني رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت،​ وصيام شهر رمضان"4.
        وفي حديث الأعرابي الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام، وأنه صلى الله عليه وسلم قال له: "وصيام شهر رمضان". قال: هل علي غيرها؟ قال: "لا إلا أن تطوع"5.

        وأما الإجماع:
        فمعلوم ضرورة من دين الأمة وجوب الصيام، كما أنه معلوم ضرورة من دينها وجوب الصلاة.

        فصل:
        فأمّا معنى الصوم في اللغة: فهو الإمساك، يقال لمن أمسك6 عن الطعام والشراب: هو صائم7، ويقال لمن أمسك عن الكلام: هو صائم، ومنه قوله تعالى: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا}؛ أي: صمتا، ويقال: صام النهار: إذا وقفتْ فيه الشمس، وصامت الخيل: إذا وقفت عن السير والحركة، ومنه قول الشاعر:
        خيل صيامٌ وخيل غير صائمةِِ ... تحت العَجَاجِ وأخرى تَعْلُكُ اللُّجُمَا

        قال القاضي أبو محمد8 رحمه الله:
        وذكر أهل اللغة أن الصائم يسمى سائحا؛ لتركه9 الطعام والشراب، قالوا: وهو تأويل قوله تعالى: {السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ}
        [التوبة: 112]، يريد بقوله: (السَّائِحُونَ) أي: الصائمون، وقوله: {عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ} [التحريم:5]، يريد: صائمات.
        وقال أبو طالب:
        وبالسائحين لا يذوقون فطرة10 ... لربهم والرَّاتِكات11 العواملِ
        يريد: بالصائمين.
        قالوا: وأصل السائح هو الذاهبُ في الأرض الممتنعُ من الشهوات، فشُبِّه الصائم به؛ لامتناعه عن المطعم والمشرب والمنكح12.
        فإذا تقرر هذا؛ الصوم في عرف الشرع: هو الإمساك عن الطعام والشراب والجماع بنية، في زمن مخصوص، فإن لم تقارنه نيَّة فليس بصوم في الشرع.
        وهذه جملة كافية في هذا الفصل.​


        --------------------------------
        1 - زيادة "بسم الله الرحمن الرحيم" في طبعة المالكية.

        2 - زيادة "حكم الصيام وأدلته" في طبعة المالكية.

        3 - سقطت كلمة [الصيام] من طبعة المالكية وطبعة الدمياطي.

        4 - رواه البخاري ( ومسلم (19 [16]) من حديث ابن عمر رضي الله عنه.
        ولفظ القاضي مقارب لما رواه أحمد في مسنده من طريق جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه إلا أن في المسند لا يوجد "شهر".
        أما من طريق ابن عمر فأقربه ما رواه النسائي في مجتباه فجاء "...والحج وصيام رمضان"


        5 - رواه البخاري (46) ومسلم (8 [11]) من حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه.
        وهذا لفظ مسلم، وجاء عند البخاري: "وصيام رمضان".

        6 - سقطت [يقال لمن أمسك] من طبعة الدمياطي.


        7 - سقطت [هو صائم] من طبعة الدمياطي.

        8 - سقطت [أبو محمد] من طبعة المالكية وطبعة الدمياطي.​​

        9 - في طبعة المالكية [ولتركه].

        10 - تحرفت إلى [نظرة] في طبعة الدمياطي، وأثبت في طبعة المالكية [قطرة] وهي في النسخة الأخرى.

        11 - في طبعة المالكية: [والذاكرات] قال المحقق: في النسختين: والراتكات، والمثبت من القرطبي.
        قلت: اعتمد في ذلك على الطبعة القديمة لتفسير القرطبي وإلا ففي طبعة الرسالة: الراكدات، والذاكرات ليست في شيء من المخطوطات إلا في الطبعة القديمة.
        والراتكات هي في النسختين الخطيتين لشرح الرسالة والزاهر في معاني كلمات الناس لأبي بكر الأنباري (32 وأساس البلاغة للزمخشري (53 وفي بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز للفيروزآبادي (817).


        12 - سقطت [والمنكح] من طبعة الدمياطي وأثبتها محقق طبعة المالكية في الحاشية.​​​
        التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد المهيمن سمير البليدي; الساعة 15-Mar-2024, 05:07 PM.

        تعليق


        • #5
          [1] مسألة



          قال رحمه الله:
          وصوم شهر رمضان فريضة يُصام لرؤية الهلال ويُفطر لرؤيته كان ثلاثين يوما أو تسعة وعشرين يوما.
          فإن غُمّ الهلال فيَعُدُّ ثلاثين يوما من غُرّة الذي قبله، ثم يُصام.
          وكذلك في الفِطر.​

          قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر1 رحمه الله:
          أما قوله: (إن صيام شهر رمضان فريضة)، فلذلك لما ذكرناه من أدلة الكتاب والسنة وإجماع الأمة على وجوبه؛​ فأغنى عن رده.
          وقوله: (يصام لرؤية الهلال، وتكمل العدة إن غم الهلال)؛ فلقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}
          [البقرة:189].
          ولقوله صلى الله عليه وسلم: "صُوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإنْ غُمَّ2 عليكم، فأكملوا عدًّة شعبان ثلاثين"3.
          ولا خلاف في وجوب الصوم بهذين الأمرين؛ أعني: الرؤية وإكمال العدة، لا يجب الصوم بغيرهما عندنا، وعند مَن يُعتمد عليه مِن أهل العلم.
          وحُكي عن بعضهم أنه أوجب الصوم بقول أهل الحساب وعلم النجوم، إذا قالوا: إنّ غدا من الشهر وإن لم تتقدَّم رؤية، ولم تكمل عدة، وادعوا أنّ ذلك معنََي يجب به الصوم كالرؤية.
          وقد ذكرت لهم شبه في4 ذلك فمنها:
          أنهم تعلقوا بقوله تعالى: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}[النجم:16]، فأخبر أن الهداية تحصل لنا بالنجوم، ولم يخصَّ شيئا دون شيء؛ فكان ذلك عاما في كلِّ شيء، إلا ما قام عليه الدليل.
          قالوا: ولقوله5 صلى الله عليه وسلم: "فإن غم عليكم فاقدروا له"6.
          وذلك هو الاطلاع عليه في الحساب.
          والدلالة على ما قلنا:
          ما رواه أبو داود، قال: حدثنا محمد بن الصباح،​ قال: حدثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور بن المعتمر عن ربعي بن حراش عن حذيفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال، أو تكملوا العدة، ثم صوموا حتى تروا الهلال، أو تكملوا العدة"7.
          فنص على اعتبار الرؤية والعدد؛ فلم يجز اعتبار ما عداهما.
          وروى مالك عن ثور بن زيد الدِّيلي عن عبد الله بن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال: "لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين"8.
          فأمر بالصوم للرؤية، ومع عدمها بإكمال العدة، فسقط اعتبار ما عدا ذلك.
          وروى زائدة9 عن سماك بن حرب10 عن عكرمة عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَقدَّموا الشهر بصيام يوم ولا يومين، إلا أنْ يكون شيء يصومه أحدكم، لا تصوموا حتى تروه، ثم صوموا حتى تروه، فإنْ حال دونه غمام فأكملوا العدة ثلاثين، ثم أفطروا".​11
          فأما الآية فمعناها: أنّ النجوم يُستدل بها على جهات الطرق والقِبلة، فأمّا الصوم ومعرفة أوقاته؛ فلا مدخل لذلك فيه.
          ويقوي هذا قوله صلى الله عليه وسلم: "من صدّق كاهنا أو عرّافا أو منجِّما فقد كفر بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم12"13، وهذا ينفي الرجوع إليهم.
          وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "فاقدروا له" فمعناه: إكمال العدد؛ لأنه قد فسر في الخبر الآخر، وإذا كان كذلك بطل ما قالوه، والله أعلم.


          فصل
          فأمّا قوله: (كان ثلاثين يوما، أو تسعة وعشرين يوما)؛ فلأن الشهر يختلف عدده بالزيادة والنقصان، فيكون تارة ثلاثين، وتارة تسعة وعشرين، وقد وردت الرواية بذلك؛ فرَوى شعبة عن الأسود بن قيس عن سعيد بن عمرو عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّا أمة أمِّية، لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا"-يعني14: تسعا وعشرين يوما وثلاثين، وحبس15 الراوي أصبعه في الثالثة.16
          وروى مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر.17
          وأيوب عن نافع عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشهر تسع وعشرون"18.
          وروى عمرو بن الحارث بن أبي ضرار عن ابن مسعود قال: لما صمنا​ مع النبي صلى الله عليه وسلم تسعا وعشرين أكثر مما صمنا معه ثلاثين.19

          فصل
          وقوله: (إن غم الهلال عدوا ثلاثين يوما من غرة الذي قبله، ثم يصام)؛ فلما رواه عبد الله بن أبي قيس قال: سمعت عائشة تقول: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره، ثم يصوم لرؤية20 رمضان، فإن غم عليه عد ثلاثين يوما ثم صام"21.
          وروى سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصوموا حتى تروه،
          ثم صوموا حتى تروه22، فإن حال دونه غمامة فأتموا العدة ثلاثين، ثم أفطروا"23.
          وروى مالك عن ثور بن زيد عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال: "لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه،​ فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين"24.


          --------------------------------
          1 - سقطت [بن نصر] من طبعة المالكية وطبعة الدمياطي.

          2 - في البخاري "غُبِّيَ" ومسلم "غُمِّيَ" أما "غم" فجاءت عند الترمذي في جامعه والنسائي في مجتباه وأحمد في مسنده والدارمي في سننه.

          3 - رواه البخاري (1909) ومسلم (1881) من حديث أبي هريرة.

          4 - سقطت [في] من طبعة المالكية وطبعة
          الدمياطي.

          5 - في طبعة الدمياطي "بقوله".


          6 - رواه مالك في الموطأ (1001)، وطريقه البخاري (1906) ومسلم (1080) من حديث ابن عمر.

          7 - رواه أبو داود (2326) عن محمد بن صباح به، ورواه النسائي (2127) عن إسحاق بن إبراهيم عن جرير به، وقال الزيلعي في نصب الراية (439/2): الحديث صحيح، ورواته ثقات، محتج بهم في الصحيح.

          8 - رواه مالك في الموطأ (1003)، وفال بن عبد البر في التمهيد (26/2): "هكذا هذا الحديث في الموطا عند جماعة الرواة عن مالك: عن ثور ابن زيد عن ابن عباس، ليس فيه ذكر عكرمة، والحديث محفوظ لعكرمة عن ابن عباس، وإنما رواه ثور عن عكرمة"اهـ، ورواه جمع عن سماك عن عكرمة، وسيأتي بعده، وفيه قول الترمذي: "حسن صحيح".
          والحديث مروي في البخاري ومسلم من طريق مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر بمثله إلا أنه قال: "فاقدروا له" مكان "فأكملوا العدة ثلاثين".

          9 - في طبعة الدمياطي زيادة [بن حوالة].

          10 - سقطت [بن حرب] من طبعة الدمياطي.​


          11 - رواه أبو داود (2327) من طريق الحسين بن علي الجعفي عن زائدة به، ورواه الترمذي (688) من طريق أبي الأحوص عن سماك به، بمثله، وقال: "حسن صحيح ".
          في أبي داود "غمامة" مكان "غمام"، "فأتموا" مكان "فأكملوا"، وفي آخر الحديث زيادة "والشهر تسع وعشرون".

          12 - سقطت "صلى الله عليه وسلم" من طبعة المالكية.


          13 - رواه البيهقي في الكبرى (16496) من حديث أبي هريرة، وقال الذهبي في المهذب (12799): إسناده صحيح.
          والحديث عند أبي داود في سننه والترمذي في جامعه [وقال لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث حكيم الأثرم عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي هريرة، ثم قال: وضعف محمد [أي البخاري] هذا الحديث من قبل إسناده] وابن ماجه في سننه [ في الجامع وسنن ابن ماجه زيادة من أتى حائضا أو إمرأة في دبرها] وأحمد في مسنده [ومن طريقه الخلال ي السنة وابن بطة في الإبانة الكبرى] وابن الجارود في منتقاه وإسحاق في مسنده والبيهقي في الكبير كلهم من طرق عن حماد بن سلمة عن حكيم
          والحاكم في مستدركه هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا جَمِيعًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ سِيرِينَ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. [وهو ليس كذلك، يراجع تعليق محقق طبعة التأصيل (222/1) حاشية 4].
          وما أحببت الإطالة في الكلام على الحديث لعدم صلته المباشرة مع مسائل الصيام والله الموفق.


          14 - في طبعة المالكية وطبعة الدمياطي [تعني].

          15 - لفظ مسلم وأحمد، وجاء بألفاظ أخرى: [وَنَقَصَ - وَكَسَر - وَعَقَدَ - خَنَسَ] عند مسلم في الصحيح، [وخنس] أبي داود في السنن، [وَعَقَدَ- وَنَقَصَ] النسائي في المجتبى، [وَقَبَضَ - وَعَقَدَ - وَكَسَرَ - وَحَبَسَ].

          16 - رواه البخاري (1913) عن آدم هن شعبة به، بمثله، ورواه مسلم (1080 [9]) عن إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار به، بلفظه.

          17 - رواه مالك في الموطأ (1002)، ومن طريقه البخاري (1907)، ورواه مسلم (1080 [9]) عن إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار به، بلفظه.
          قال البخاري في صحيحه: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً فَلاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلاَثِينَ.

          18 - رواه مسلم (1080 [6]) وأحمد في مسنده من طريق إسماعيل [بن علية] عن أيوب به.
          ورواه البخاري من طريق مالك عن نافع به.

          19 - رواه أبو داود (2322) والترمذي (689) وأحمد في مسنده من طريق عيسى بن دينار عن أبيه عن عمرو بن الحارث به، بلفظه، وقال الذهبي في المهذب (711​​​: دينار لا يعرف، وله شاهد من حديث عائشة، ورواه الدارقطني في سننه (2351) وصححه بقوله هَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

          20 - في طبعة الدمياطي [لرؤيته].

          21 - رواه أبو داود (2325) وأحمد في مسنده والدراقطني في سننه (2149) من معاوية بن صالح عن عبد الله بن أبي قيس به، بمثله، وقال الدراقطني: "إسناد حسن صحيح".

          22 - سقطت [ثم صوموا حتى تروه] من طبعة الدمياطي.​

          23 - سبق قريبا [حاشية 11].

          24 - سبق قريبا [حاشية 8].
          التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد المهيمن سمير البليدي; الساعة 15-Mar-2024, 05:54 PM.

          تعليق


          • #6
            [2] مسألة
            قال رحمه الله: ‌
            ويُبَّيتُ ‌الصيام ‌في ‌أوله، ‌وليس ‌عليه التبييت في بقيته.
            قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي رحمه الله:
            اعلم أن هذه المسألة فرع على وجوب النية في شهر رمضان، فيجب تقديم الكلام في الأصل؛ لأنه إذا لم يثبت وجوب النية، فالقول في وقت وجوبها وتقديمها وتأخيرها أبعد عن الثبوت.
            وإذا صح هذا؛ فالنية عندنا واجبة في صوم شهر رمضان، وعند كافة الفقهاء، إلا زفر بن الهذَيل1 [وحده]2، فإنه كان يزعم أن النية غير واجبة فيه.
            وأرى أن عبد الملك بن الماجشون وصاحبه أحمد بن المعذل3 يذهبان إلى شبيه4 بهذا؛ لأنهما قالا فيمن أصبح في أول يوم مِن رمضان وعنده أنه مِن شعبان، ولم ينوِ الصوم، ثمَّ لم يأكل حتى بلغه الخبر أنَّ يومه مِن رمضان: إنه يمضي ويجزئه عن صومه، وهذا يدلُّ مِن قولهما على ما ذكرناه.
            وفرَّقا بين ذاك [و]بين أن ينوي صيام التطوع، ثم يعلم بالشهر بعد أن يصبح، فقالا: عليه قضاء ذلك اليوم إذا أصبح نوى به التطوع​.
            ويجوز أن يكون مرادهما أنَّ نية الإسلام كافية مِن التجديد ما لم تُنقل5، فإذا نوى التطوع فقد نقلها؛ فلذلك لزمه القضاء، وهذا أشبه بأنْ يكون هو المراد مِن قولهما لولا أنهما فرَّقا بين أن تُعلم الرؤية بالاستفاضة وما دونها.
            فالذي يدل على ما قلناه:
            قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[ البقرة: 185]، وهذا أمر بالصيام الشرعي، فهو يتضمن وجوب النية؛ لأن مجرد الإمساك لا يكون صوما شرعيا إلا بالنية.
            وأيضا: فإن الأمر بالفعل يقتضي الامتثال، والفعل لا يكون امتثالا إلَّا بالقصد؛ بدلالة أنه قد يَشْرَكه في صورته ما ليس بامتثال، وأنه لا يكون امتثالا إذا وقع ممَّن لا قصد له؛ كالصبي والمجنون وغيرهما.
            وإذا صح هذا؛ فقد تضمنت الآية وجوب النية.
            وأيضا قوله صلى الله عليه وسلم: "لا صيام لِمن لم يُبيِّت الصيام من الليل"، و"لا صيام لمن لم يُجمِع الصيام من الليل"6، ولم يَخُصَّ شهر رمضان مِن غيره.
            ولأنه صوم شرعي؛ فأشبَه ما عدا رمضان.
            ولأنها عبادة تجب النية في نفلها7؛ فكذلك في فرضها وجميع جنسها؛ اعتبارا بالصلاة والحج.
            ولأنه لـمَّا لم يجز قضاء رمضان بغير نية مع كونه فرعا له، وانخفاض رتبته​ عن رتبة أصله؛ كان رمضان بأنْ لا يجزئ إلا بنية أوْلى.
            واستُدلَّ عن زُفَر: بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185]، والصوم: الإمساك، فإذا أتى به فقد امتثل ما أُمر به.
            ولأنه زمان مستحق العين للصيام، فلا تلزم8 النية فيه، كالوديعة لما كانت مستحقة العين للرد لم تحتج إلى نية.
            ولأن النية إنما يحتاج إليها للتمييز بين ما يؤتى به فرضا ونفلا، وعين9 رمضان لا يصح إيقاع10 النفل فيها؛ لأنها لا تقع إلا فرضا، فلا معنى للنية.
            فالجواب: أن الظاهر لا تعلق فيه؛ لأنه دليلنا على ما بيَّناه.
            وردُّ الوديعة ليس مِن شرطها11 أن تقع قربة؛ لأنها مِن حقوق الآدميين، وحقوق الآدميين لا يحتاج فيها إلى النية؛ بدلالة وقوعها على الوجه الذي كانت [تقع]12 عليه قبل الشرع، وأنه يصح وقوعها ممَّن لا تصح منه النية.
            واعتباره في ذلك التمييزَ بين الفرض والنفل باطلٌ؛ لأنه يوجبها مع السفر والمرض مع وجود المعنى الـمُسقِط لوجوبها، على [أن]12 التمييز الذي ذكره أحَدُ ما تجب13 له النية، وليست لا تلزم إلا لهذا الوجه؛ لأنها تجب لكون الفعل قربة وطاعة، والله أعلم.

            فصل​​​
            ولا يجزئ صيام نفل ولا فرض إلا بنية قبل الفجر، ابتداء كان أو قضاء، أداء14 أو نذرا، وهو قول أهل الظاهر.
            وقال أبو حنيفة: كل صوم تعلق بالذمة ولم يتعلق وقت معين فلا​ يجزئ إلا بنية قبل الفجر؛ كالقضاء والنذر والكفارة، وكل صوم غير متعلق بالذمة وإنما يتعلق بوقت معين أو كان نفلا فإنه يجزئ بنية بعد الفجر؛ وذلك كصوم رمضان والنذر المعين وصوم النفل.
            وقال الشافعي: كل صوم واجب فلا يجزئ إلا بنية قبل الفجر من غير تفصيل، والنفل من الصوم يجزئ بنية بعد الفجر.
            واستدل أصحاب أبي حنيفة:
            بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ
            } [البقرة: 185]، ومن صامه بنية بعد الفجر سُمِّي صائما للشهر.
            ورُوي من حديث ابن عمر: أنه رأى هلال رمضان؛ فشهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصام وأمر الناس بالصيام.15
            ولو كان التبييت شرطا لأمرهم به.
            ورُوي في خبر العوالي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج فرأى قوما، فسأل عنهم، فقالوا: هم صيام ليوم كان يصومه موسى، فقال صلى الله عليه وسلم: "نحن أحق بصيامه، وأمَر الناس بالصيام، فقال: مَن أكل فليمسك ومن لم يأكل فليتم بقية صومه"16.
            فأمر مَن لم يأكل بالصوم؛ فدل هذا على أن التبييت ليس بشرط في كل صوم مستحق العين.
            ولقوله صلى الله عليه وسلم: "وإنما لامرئ ما نوى"17، ومن نوى بعد طلوع الفجر، فقد نوى صوم هذا اليوم، فوجب أن يكون له.
            ولأنه ناوِِ لصيامه؛ فأشبه إذا نوى قبل الفجر​.
            ولأنه صوم لم يتعلَّق بالذمة؛ فأشبه التطوع.
            ولأن النية قد حصلت أكثر نهاره؛ فأشبه مَن نوى من الليل.
            والذي يدل على ما قلناه:
            قوله صلى الله عليه وسلم: "لا صيام لمن [لا18 يُبيِّت الصيام من الليل، [ولا صيام لمن]12 لم ينو الصيام من الليل]19، ومَن لم يُجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له"20
            ؛ فعم ولم يخص فرضا من نفل.
            وأيضا: قوله صلى الله عليه وسلم: "الأعمال بالنيات"، [فربط الأعمال بالنيات]12؛ فيجب ألَّا يجزئ من العمل إلا ما قارنته النية، وبعض هذا اليوم قد مضى عَرِيَّا من النية، فوجب ألا يجزئ.
            وقوله صلى الله عليه وسلم: "وإنما لامرئ ما نوى"، والإمساك الذي مضى لم ينوه؛ فوجب أن لا يكون له.
            وأيضا: فلأنها نية ابتُدأت بعد مُضي جزء مِن النهار؛ فلم تجز، اعتبارا بالنية بعد الزوال.
            ولأنه صوم شرعي؛ فوجب ألَّا يجزئ إلا بنية من الليل، دليله: النذر والقضاء.
            ولأن النية شرط في الصوم الشرعي؛ فوجب ألَّا يجزئ الصوم متى مضى بعض اليوم عَريَّا منها، أصله: الإمساك​.
            ولأنها عبادة مِن شرط صحتها النية؛ فوجب أن تتقدمها النية؛ اعتبارا: بالصلاة والحج.
            ولأنها عبادة تؤدى وتقضى؛ فوجب أن يستوي وقت النية في الأداء والقضاء، اعتبارا بالصلاة.
            وأما الظاهر؛ فلا تعلق فيه، لأنَّا لا نُسلِّم أنَّ مَن أمسك في نهار رمضان بنية بعد الفجر فإنه صائم للشهر.
            فإن بيَّنوا ذلك، وإلا فوقف الاحتجاج.
            وما رووه مِن حديث ابن عمر لا حجَّة [فيه]12؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بالصيام الشرعي، وذلك يتضمن عندنا وجوب النية من الليل.
            وحديث عاشوراء لا تعلُّق فيه؛ لأنه إنما أمرهم بالإمساك، فيحصل لهم ثواب الكفِّ عن الأكل؛ [لا]12 لأنهم يكونون بإتمام إمساكهم صائمين؛ ألَا ترى أنه قد أمر مَن أكل أيضا بأنْ يُمسك، ولم يدل ذلك على أنه يصير بإمساكه صائما.
            وعلى أنه قد رُوي: "ومَن أكل فليصم"21 ولم يدلَّ ذلك على أنه أراد الصيام الشرعي؛ لتقدم الإخلاص بأحد شرطي الصوم، فكذلك هاهنا.
            وأيضا: فلو سُلِّم لهم هذا في صيام هذا اليوم؛ [لم يجب أن يقاس عليه رمضان، لأنَّ ذلك إنما جاز في هذا اليوم]12 لأنه صوم شُرِع22 بعد دخول اليوم، فاستحال أنْ تثبت له النية قبل العلم بشرعه23، وصار محل المأمورين به محلَّ أهل قُباء حين أخبرهم الـمُخبر بتحويل القبلة عن الشام إلى الكعبة وهم في الصلاة، فاستداروا إلى الكعبة، ولم يوجب ذلك أنَّ القصد​ [لها]24 عند الدخول فيها لا يلزم؛ كذلك هاهنا.
            وأيضا: فإن صوم عاشوراء لـمَّا نُسخ؛ لم يجز القياس عليه، لأنَّ رمضان وغيره يكون حينئذ فرعا له ومُعتَبرا به، فلا يجوز أنْ يبطل حكم الأصل، ويثبت حكم الفرع.
            وتعلقهم بقوله صلى الله عليه وسلم: "وإنما لامريء ما نوى"؛ لا يصح، لأنَّ النية إنما تكون في مستقبل الأفعال دون ماضيها، لأن الفعل إذا انقضى لم يصح أنْ يُنوى مِن بعد.
            واعتبارهم بالنية قبل الفجر بعلة أنه ناوِِ لصيامه؛ غير صحيح، لأنه إذا نوى في بعض اليوم فهذه النية لا تتناول ما مضى، فلم يكن ناويا لصيامه، وينتقض بالنذر والقضاء، وبالنية في أمس اليوم.
            وعلى أن المعنى في الأصل: تقدُّم النية على الفعل المنْوي.
            واعتبارهم بالتطوع؛ غير مسلَّم؛ لأنَّ الباب عندنا واحد في الموضعين.
            وقولهم: "لأن النية حصلت أكثر نهاره كما لو قدَّمها من الليل"، غير صحيح، لأنه إذا قدَّمها مِن الليل لم يُقل25: إنها حصلت أكثر نهاره؛ لأنها قد استوعبت النهار كلَّه، وإنما تغير هذه العبارة ما لم تستوعب26، على أنَّ المعنى في ذلك ما ذكرناه مِن تقدُّم النية على العمل المنوي، والله أعلم.

            فصل
            واستدل أصحاب الشافعي على جواز ذلك في التطوع:
            بقوله تعالى: {فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ} [البقرة: 184]، والنافلة فعلُ خير​.
            وما رَوى طلحة بن يحيى عن عمَّته عن عائشة، أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليَّ قال: "هل عندكم مِن طعام؟" فإذا قلنا: لا، قال: "إني صائم".27
            ورُوي: "إني إذََا صائم"28، و(إذََا) للاستقبال.
            ورُوي: "إني إذََا أصوم29"30.
            ورُوي: "إني [إذََا]12 أبتدئ فأصوم"31.
            وهذه كلها نصوص في موضع الخلاف.
            ورَوى عطاء عن ابن عباس: "أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصبح ولم يُجمع على الصوم، ثم يبدو له فيصوم"32.
            ولأنها نية لصيام تطوع قبل الزوال؛ فأشبهت النية قبل الفجر.
            ولأن النفل قد سومح فيه ما لم يسامح في الفرض؛ بدليل: سقوط الكفارة عن الفطر عامدا في صيام التطوع، ووجوبها في الفرض، وجواز صلاة النفل على الراحلة، ومنع ذلك في الفرض.
            ولأنها عبادة يجمع جِنسُها فرضا ونفلا، يصح الخروج منها بالفساد، فوجب أن يُفرَّق بين فرضها ونفلها بشيء مِن الشرائط والأفعال؛ كالصلاة، وذلك أنَّ الصلاة فُرِّق بين فرضها ونفلها في استقبال القبلة والصلاة في الجلوس​، ولا فرق بين تنفُّل33 الصوم وفرضه إلَّا ما ذكرناه في النية.
            والأصل في هذا: ما قدمناه مِن الظواهر والأقيسة34 في صوم الفرض.
            وأيضا: فلأنه صوم شرعي؛ فوجب ألَّا يجزئ إلا بنية من الليل، أصله: الفرض.
            ولأنها عبادة مِن شرط صحتها النية؛ فوجب أن يستوي حكم نفلها وفرضها في35 وقت النية، أصله: الصلاة والحج.
            ولأنها عبادة يفسد أولها بفساد آخرها؛ فوجب ألَّا تتأخر النية عن بعض فعلها، اعتبارا بالصلاة.
            فإن قيل: المعنى في الصلاة أنه يجوز التراخي في تقديم النية على فعلها، فلم يجز أنْ تتأخر عنها، وليس كذلك الصوم؛ لأنه يجوز أنْ يتراخى بين النية وبين وقت فعله، فجاز أنْ تتأخر عن ابتدائه.
            قيل له: إنَّ هذا إنما جاز في الصوم مِن أجل المشقة في مراعاة الفجر، والرُّخصُ التي تثبت للمشقة لا يجوز أن يُعتبر بها في أحكام تُخالفُ الأصول.
            ولأنها نية بعد الفجر؛ فأشبهت النية بعد الزوال.
            ولأنَّ النهار لو كان زمانا تصح36 فيه نية صيام النفل، لصحَّت فيه نية الفرض؛ اعتبارا بالليل لـمَّا صَحَّ أنْ يُنوى فيه صوم النفل، صّحَّ أنْ يُنوى فيه​ صوم الفرض، فلمَّا لم يصح ذلك في النهار؛ عُلم أنه ليس بوقت لنية الصيام.
            ولأنَّ النهار لو كان وقتا لنية الصيام لاستوى جميعه في جواز ذلك فيه كالليل، ولـمَّا لم يجز أنْ يُنوى في النهار بعد الزوال عُلم37 أنه ليس بوقت للنية.
            ولأنَّ الإمساك لـمَّا اختص بأحد جنسي الزمان -وهو النهار-؛ وجب أنْ تختص النية في صحة وقوعها بجنس منه، [بعلة أنهما]38 شرطان في الصوم الشرعي.
            فأما قوله تعالى: {فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ}
            [البقرة:184]؛ فلا دلالة فيه:
            لأن الخير39 إما أن يكون عبارة عما في فعله ثواب وهو قربة، فهذا غير موجود في مسألتنا؛ لأنه مكروه ولا ثواب فيه، وعلى أنه لو كان فيه ثواب لم يجب أنْ يكون صياما.
            أو40 أنْ12 يكون اسم الخير39 مجملا؛ فيجب أنْ يقف على البيان.
            وأما حديث طلحة بن يحيى؛ فإنه منكر عند أصحاب الحديث41.
            على أنه غير ممتنع أن يكون صلى الله عليه وسلم كان42 قد نوى مِن الليل، ثم سأل عن الطعام، فلمَّا لم يجد آثر استدامة ما كان عليه مِن الصيام، فقال: إني إذا صائم، أي43 مستديم لما كنت عليه من الصيام.
            فإن قيل: فهناك لفظ يمنع من هذا؛ وهو قوله: "إني إذا صائم"، فـ44 "إذا" للاستقبال.
            قيل له: إنَّ "إذََا" وإنْ كانت للاستقبال إذا وردت في المواضع التي ذكرها​ أهل العربية45، فإنها في هذا الموضع يراد بها الاستدامة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان قد نوى الصيام مِن الليل، ثم فكَّر في الإفطار إنْ وجَد طعاما، فلمَّا لم يجده، قال: فإني إذا صائم؛ يعني: مستديم لِـما كنت عليه، وهذا مثل مَن يريد سفرا وهو مقيم ببلده، فسأل عن الطريق فيُخبَر46 بفسادها، وأنَّ السفر شاق فيها، فيقول جوابا عن ذلك: فأنا إذََا مقيم.
            وقد علمنا أنَّ هذا قول صحيح ليس بلغو، وليس يُقصد به استئناف إقامة، فإنما يريد استصحاب الإقامة واستدامتها، وإبطال ما كان عزم عليه، أو حدّث به12 نفسه مِن قطعها، فكذلك سبيل قوله: "إني إذََا صائم".
            فإن قيل: قول هذا القائل: (إني إذََا مقيم)؛ معناه: إني مستأنف إقامةََ غير الأولى.
            قلنا: وهذه الإقامة التي يستأنفها هي انتقال إلى شيء غير ما كان عليه، فلابدَّ مِن: لا؛ لأنه مقيم في الأول والثاني، وإذا كان كذلك، فهذا معنى الاستدامة التي عنيناها؛ لأنَّا لم نُرد بقولنا: "إنها للاستدامة" أنه يفعل نفس ما كان يفعله، وإنما أردنا أنه على ما كان عليه غير ناقض له ولا منتقل إلى غيره، وعلى أنهم إنْ رضوا بذلك فنحن نقول: إنه مستأنِف صوما؛ لأنَّ الإمساك الذي يفعله مِن بعد هو غير الأول.
            فإن قيل: لا يصح هذا47؛ لأنه أخبر أنه مستأنِف صوما؛ وأنتم لا تقولون إنَّ12 الإمساك مِن وقت قوله: "فإني إذا صائم" يسمى صوما.
            قيل له: ليس الأمر على ما قلتَه؛ لأنَّ هذا الإمساك الذي يستأنفه يسمَّى صوما إذا [اقترن بما]48 قدَّمه، ولم يقل: إني إذا صائم صوما منفردا، لا ينضم إليه غيره​.
            وجواب آخر: وهو أنَّا متساوون في استعمال الخبر، وذلك أنَّا إذا راعينا الاحتمال جوَّزنا أن يكون صلى الله عليه وسلم نوى من الليل، وجوَّزنا أنْ يكون 49 نوى من النهار، وجوَّزنا أن تكون "إذََا" داخلة للاستقبال والاستئناف، وجوَّزنا أنْ تكون للاستدامة، وقد علمنا أنَّ الصيام بنيةِِ مِن الليل أفضل منه بنيةِِ50 من النهار، بل هو إذا نوى له في النهار مكروه، وإذا كان كذلك، فهم منعوا أنْ يكون نوى مِن الليل ليَسْلَم لهم أنَّ (إذََا) داخلة للاستئناف.
            ونحن نقول: إنه نوى مِن الليل، ونمنع أن يكون نوى من النهار؛ ليَسْلَم فعله مِن الوجه المكروه، ويُحمل على الوجه الأفضل، فيجب تساوينا في الخبر، بل يكون ما صرنا إليه أوْلى؛ لأنَّ حراسة فعله مِن أنْ يُحمل على الوجه المكروه أو على وجه ناقص الفضيلة أوْلى من حراسة نقل اللفظ مِن حقيقته إلى مجازه.
            فإن قيل: فقد ورد لفظ آخر51؛ وهو قوله: "إني إذََا أبتدئ فأصوم".
            قيل له: هذا لم يسمع إلى هذا الوقت، فإن ثبت نُظر فيه، على أنه لا يُمنع أن يكون أراد به الاستدامة أيضا، كما يقول المقيم الذي يريد السَّير52 ثم يبدو له بما يُخبَر عنه من فساد الطريق: فأنَا إذََا أبتدئ فأقيم؛ معناه: أعزم العزم الصحيح على استدامة الإقامة53 مِن غير تفرقة54 بين قطعها والثبوت عليها، فكذلك سبيل قوله: (إني إذََا أبتدئ فأصوم).
            على أنَّ حقيقة هذا تقتضي أن يكون مستأنِفا للصيام مِن ذلك الوقت، ويكون ما مضى ليس بصيام​، وهذا ليس بصحيح عندنا؛ لأنَّ الإنسان لا يكون صائما في بعض اليوم وغيرَ صائم في بعضه.
            فإن قيل: فإنَّ كل55 هذا الاستعمال غير سائغ على قولكم؛ لأنكم لا تجوِّزون للمتطوِّع بالصيام أنْ يقطع صومه لغير12 عذر.
            قيل له: وليس في الخبر ذِكرٌ للعذر ولا لعدمه، وغيرُ ممتنع أنْ يكون وجد عذرا جاز له معه قطع الصوم مِن شدة جوعِِ أو مرضِِ يبيح الفطر، فلمَّا لم يجد الطعام آثَر الحمل على نفسه، وإتمام الصيام.
            وما رووه عن ابن عباس: "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يصبح ولم يُجمع على الصوم، ثم يبدو له فيصوم"56 ليس12 فيه لفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم.
            ويحتمل أنْ يكون ابن عباس قال ذلك لمذهبِِ له في النية، كما حَكَي: "أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تزوَّج من ميمونة وهو محرم"57؛ لأنه كان يَرى أنَّ الإنسان يكون محرِما بتقليد الهدى، فحكاه على مذهبه، فلا يُترك بهذا ظواهر النصوص والأخبار، وصحيح المقاييس والاعتبار.
            ويحتمل أيضا58 أنْ يكون أراد أنه لم يكن يُجمع على الصيام حتى يقارب الإصباح؛ فعبَّر به عن مقاربته، كما قال: {إني أراني أَعْصِرُ خَمْراً} [يوسف: 36]؛ فعبَّر باسم الخمر عمَّا يؤل إليها، وكما قال تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [الطلاق: 2]، وقال: (فإذا فعلت هذا، فقد تمَّت صلاتك)59؛ معناه: قاربت الإتمام​، وتكون فائدة ذلك أنه ليس عليه أنْ ينوي مِن أول الليل، وأنه يجوز أنْ ينوي مع طلوع الفجر.
            وقولهم: "لأنها نية لصيام تطوع قبل الزوال، فأشبهت النية قبل الفجر" لا يصح، لأنَّ هذه العبارة لا تُستعمل في الأصل، وذلك أنَّ الفعل الواقع قبل دخول أصل الوقت لا يُقال فيه: إنه واقع قبل وسطه وآخره، وإنما يصلح هذا في أبعاض الوقت الواحد؛ ألَا ترى أنَّ الإنسان لو تنفل قبل الفجر، أو قرأ شيئا [من القرآن]60؛ لم يجز أنْ يعبِّر عنه لِمن سأله61: متى فعلت ذلك؟ بأنْ يقول: إني فعلته قبل الزوال، أو قبل العصر، أو قبل أنْ يضحى النهار؛ لأنَّ كل هذه العبارات تفيد أنه فعله بعد الفجر.
            وأيضا: فإنَّ هذا الوصف لا يؤثِّر في الأصل؛ لأنَّ النية إذا وقعت قبل الفجر صحَّت في الفرض والنفل، فلا معنى لتقيد صحتها بكونها واقعة لصيام نفل.
            وأيضا: فإنه ينتقض به إذا نوى لصيام تطوع مِن أمسه؛ لأنها نية قبل الزوال على ما قالوه.
            وأيضا: فالمعنى في الأصل أنه وقت لنية صوم الفرض، فكان وقتا لنية صوم النفل، وليس كذلك النهار.
            أو نقول: لأنها نية تقدَّمت على إمساك جميع اليوم، وليس كذلك إذا وقعت في بعض النهار.
            وقولهم: "إنَّ النفل قد سومح فيه ما لم يُسامح في الفرض"؛ كلام مجمل غير مُقرِّرِِ ولا مُحصِّلِِ، ولا يجوز إذا وقعت المسامحة في شيء أنْ تقع في غيره إلا بدليل، وعلى أنَّ شروط الصحة ثابتة في الموضعين​، وإنما تقع المسامحة في أحكام تجري مجرى الفروع، مثل: سقوط القضاء والكفارة، واختلاف حال الأداء في الصلاة، وما أشبه ذلك.
            ألَا ترى أنَّ هذا الذي قالوه لا يجوِّز سقوط أصل النية في التطوع، ولا يوجب ألَّا يفسده الوطء والأكل على وجه العمد، وغير ذلك من شروطه، فبان بهذا سقوط ما قالوه.
            وقياسهم على الصلاة بعلة أنها عبادة يجمع جنسها فرضا ونفلا يصح الخروج منها بالفساد، فوجب أنْ يُفرَّق بين فرضها ونفلها بشيء مِن الشرائط والأفعال؛ كالصلاة.
            فالجواب عنه: أنه تعليل بحكم مُجمل غير محصور ولا محصِّل، فلا يلزم الكلام عليه إلا بعد بيانه وتفسيره.
            وعلى أنَّ الصلاة الفرض ليس بينها وبين صلاة النفل فرق في الشرائط، وإنما تفترقان في الأداء وصفته، وهذا المعنى لا يمكن في الصوم؛ لأنه فعل واحد؛ وهو الإمساك، فلا يمكن أنْ يُخالف بين أدائه، والصلاة أفعال مختلفة يمكن الخلاف بين أدائها.
            وأيضا: فإنَّا نقول بموجَب ذلك؛ وهو أنَّ تعيين النية واجب في صوم الفرض، وإطلاقها يكفي62 في النفل على ما قاله بعض أصحابنا.
            وأيضا: فإنه ينتقض بالاعتكاف؛ لأنَّ أوصاف العلة موجودة فيه، ثم لا فرق بين فرضه ونفله في شيء ممَّا ذكروه، وفرضه هو النذر.
            وأيضا: فإنَّا نعكس هذه العلة ببعض أوصافها، فنقول: لأنها عبادة يجمع جنسُها فرضا ونفلا، فوجب أنْ يكون وقت النية في فرضها هو وقت النية​ في نفلها؛ أصله: الصلاة، وهذا أوْلى مما63 قالوه، والله أعلم.

            فصل
            فإذا ثبت ما ذكرناه عدنا إلى مسألة "الكتاب" فنقول: إنه إذا بيَّت مِن أول الشهر بجميعه أجزأه على شرائط قد ذكرها أصحابنا.
            وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يجزئه إلا أن يجدِّد النية في كل ليلة: لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا صيام لِمن لم يبيِّت الصيام مِن الليل"، والمراد بذلك الليل الذي يتعقبه64 الصيام؛ فكأنه قال: "لا صيام لمن لم يبيته مِن ليلته".
            ورُوي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "مَن لم يُجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له"، والألف واللام ها هنا للتعريف والعهد؛ فكأنه قال: "قبل فجره".
            ولأنه صوم يوم واجب، فوجب أنْ ينوي له مِن ليلته؛ أصله: اليوم الأول.
            ولأنَّ الليلة الثانية والثالثة ليلة مِن رمضان، فوجب أنْ ينوي فيها​ لغدِها؛ اعتبارا بالليلة الأولى.
            ولأنَّ الصوم عبادة تُؤدَّى وتُقضى، فوجب أنْ يكون عدد النية في الأداء كالعدد في القضاء، أصله: الصلاة.
            ولأنه صيامُ أيام فوجب أنْ ينوي لكل يوم منه مِن ليلته؛ أصله: ما عدا رمضان.
            ولأنَّ صوم كل يوم مِن رمضان عبادة بانفرادها؛ بدلالة أنَّ فساده لا يتعلق بفساد غيره، وأنَّ الصبي إذا بلغ في خلال اليوم لم يلزمه قضاء ما فاته من الشهر، وإذا كان كذلك وجب أنْ يفتقر إلى نية مجدَّدة، ولا يجوز أنْ يجعل الشهر كلَّه عبادة واحدة لما ذكرناه.
            ولأنه كان يجب ألَّا يجوز تفريق النية على أبعاضه، كما لم يجز ذلك في الصلاة الواحدة، وإذا صح أنه عبادات؛ افتقر إلى نيات بعدده كالصلوات.
            ولأنه لـمَّا لم يجز أنْ يُمسك بجميع الشهر [في اليوم]12 الأول، كذلك لم يجز تقديم النية له بعلة أنهما شرطان في الصوم الشرعي.
            والذي يدل على ما قلناه:
            قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات"، وهذا يفيد ثبوت حكمها، والاعتداء بها متى قارنتها النية​.

            وقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما لامرئ ما نوى"، وهذا نوى صوم جميع الشهر؛ فيجب أنْ يكون له ذلك.
            وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا صيام لِمن لا يبيِّت الصيام مِن الليل"، وهذا قد بيَّته من الليل، ولم يفرِّق بين صيام دون صيام، وظاهر الخبر يفيد أنَّ كل صيام بُيِّت له مِن الليل فإنه يجزئ.
            [فإنْ أوردوا]65 استدلالهم بالخبر، وقالوا: معنى ذلك الصيام الذي يتعقبه الليل؛ لأن الألف واللام للعهد.
            قيل لهم: إنَّ قوله: (لا صيام) نفي مطلق، وقوله: (مِن الليل) عام في جنس الليل، وليس بمقصور على ليل دون غيره، فالعموم مَعَنا66 في ذلك.
            وما ذكروه مِن العهد مُدَّعى لا دلالة فيه.
            وعلى أنَّ الليلة الأولى معهودة بجميع الشهر أيضا.
            ويدل على ما قلناه:
            أنَّ أيام رمضان لـمَّا كانت واجبة مستحَقة العين ابتداء، ولم يكن بينها زمان يصلح للصيام، جاز أنْ تتقدم النية لجميعها مِن أول الشهر، وجرت مجرى اليوم الأول في أنَّ النية الواحدة كافية لجميعه إذا تقدَّمت أوَّلَه؛ لِما ذكرناه مِن كونه واجبا مستحَق العين ابتداء لا يتخلَّل أجزاءَه وقت آخر يصلح لصيامِِ.
            وتحرير هذه النُّكتة أن يقال: لأنها نية لصوم قُدِّمت عليه بأوقات لا يصلح للعمل غيره مِن جنسه، أو لا يصلح لصوم غيره؛ فجاز تقديمها عليه في هذه الأوقات​؛ أصله: [إذا نوى]67 اليوم الأول من أول ليلة.
            وأيضا: فإنًّ صوم كل الشهر68 عبادة واحدة عندنا؛ بدلالة أنه لا يتخلله عمل مِن جنسه غيره، فجرى مجرى الصلاة الواحدة.
            وإذا ثبت هذا؛ فالأخبار قد أجبنا عنها.
            واعتبارهم باليوم الأول؛ باطل، لأنه إنما وجب أنْ يُنوي له مِن ليلته، لأنه لو نُويَ له في ليلة غير ليلته لكان قد تخلل النيةَ والعملَ المنوي زمانٌ يصلح لغيره، وليس69 كذلك حكم أيام رمضان.
            واعتبارهم بالليلة الأولى؛ يُجاب عنه12 بهذا أيضا.
            ولأنَّ الليلة التي قبلها ليست مِن رمضان؛ فلا يجوز أنْ يُنوي الشهرُ قبل دخوله.
            وقولهم: "يجب أنْ يكون عدد النية في الأداء كعددها في القضاء"؛ غير صحيح، لأنَّ اعتبار الأداء بالقضاء لا يصح؛ لِما ذكرناه مِن أنَّ الأداء يقع في زمان لا يتخلله عمل سواه مِن جنسه، ولا يصلح الزمان لغيره، والقضاء يقع في زمان يصلح لغيره مِن جنسه، وقد يجوز أنْ يتخلَّله ما ليس من جنسه أيضا وهو الفطر؛ لأنَّ قضاء رمضان ليس بواجب متابعته.
            وأيضا: فإنَّ هذه النية عندنا في حكم النيات المجددة70، على معنى أنها نية لأيام كثيرة.
            وقياسهم على ما عدا رمضان باطل بهذه النكتة أيضا، وهو أنه وقت يصلح لصيام12 غير المقصود، وليس بمستحق العين ابتداء.
            واستدلالهم على بطلان كون رمضان عبادة واجدة بأنَّ فساد بعض الأيام​ لا يؤدي إلى فساد غيره؛ غير صحيح، لأنَّا لم نقل: إنه عبادة واحدة على هذا التأويل، وإنما أردنا أنه عبادة واحدة في الوجه الذي ذكرنا؛ كالصلاة الواحدة. ويَبطُل ما قالوه بالوضوء؛ لأنه عبادة واحدة، وإذا فسدت طهارة الرِّجلين لخلع الخف لم تبطل طهارة سائر الأعضاء.
            وقولهم: كان يجب ألَّا يجوز تفريق النيات على أبعاضه؛ باطل بالوضوء أيضا.
            وقولهم: لـمَّا لم يجز أنْ يُمسَك لجميع الشهر في اليوم الأول، لم يجز أنْ يُنوي له مِن أوله؛ كلام محال؛ لأنَّ ما لا يصح وقوعه مِن المكلَّف لا يجوز أن يُقال له فيه: إنه يجوز له فعله أو لا يجوز، وقد علمنا أنَّ إمساك جزء اليوم لا يصح مع عدم اليوم، فلم يصح أنْ يُقال: لا يجوز تقديم الإمساك.
            وليس كذلك تقديم النية؛ لأنه لا يحتاج إلى مصادفة الزمان ووجوده؛ ألَا ترى أنها تجب قبل دخول الوقت المنوي،
            فبطل بذلك ما قالوه، والله أعلم​.

            --------------------------------
            1 - أبو الهذيل زُفَر بن الهذيل بن قيس بن سلم توفي سنة 158​.
            قال الذهبي في السير: هو من بحور الفقه، وأذكياء الوقت. تفقه بأبي حنيفة ، وهو أكبر تلامذته ، وكان ممن جمع بين العلم والعمل، وكان يدري الحديث ويتقنه.

            2 - سقطت [وحده] من طبعة المالكية وطبعة الدمياطي.​

            3 - وقعت في طبعة الحزانة وطبعة المالكية [المعذل] وهو ما رجحه محقق طبعة الخزانة وفي طبعة الدمياطي المعدل.​


            4 - وقعت في طبعة الدمياطي [شبه].

            5 - في طبعة المالكية [ينقل].


            6 - رواه أبو داود (2454) والترمذي (730) وأحمد في مسنده [إلا أنه وقع عنده مع الفجر] وابن خزيمة في صحيحه بلفظ: "من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له"، والنسائي في مجتباه (2332) وفي الكبرى بلفظ: "من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له"، والنسائي في مجتباه وفي الكبرى والدارمي في سننه بلفظ: من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له، من حديث حفصة مرفوعا، وقال الترمذي: حديث حفصة حديث لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه، وقد روي عن نافع عن ابن عمر قوله، وهو أصح، وهكذا أيضا روي هذا الحديث عن الزهري موقوفا، ولا نعلم أحدا رفع إل ايحيى بن أيوب، وقال البخاري كما في العلل الكبير للترمذي ص118: عن النبي صلة الله عليه وسلم خطأ، وهو حديث فيه اضطراب، والصحيح عن ابن عمر موقوف.

            7 - وقعت في طبعة الدمياطي [نقلها] بالقاف وهو خطأ ظاهر.​​​​

            8 - وقعت في طبعة الدمياطي [تكون].​​​​

            9 - وقعت في طبعة الدمياطي وفي نسخة [غير].​​​​​

            10 - تحرفت في طبعة الدمياطي إلى [إيقال].

            11 - في طبعة المالكية [شرطه].

            12 - سقطت من طبعة الدمياطي.

            13 - تحرفت في طبعة الدمياطي إلى [تجر].

            14 - سقطت [أداء] من طبعة المالكية.


            15 - رواه أبو داود (2342) والدارمي في سننه [ومن طريقه رواه أبو داود] والحاكم في المستدرك (423/1) -وصححه- وابن حبان في صحيحه والدارقطني في سننه والطبراني في الأوسط من طرق عن ابن وهب عن يحيى بن عبد الله بن سالم عن أبي بكر بن نافع عن أبيه عن ابن عمر، بمثله، وقال ابن حزم في المحلى (375/4): خبر صحيح.
            وقال الدارقطني تفرد به مروان بن محمد عن ابن وهب وهو ثقة، قال الحافظ ابن حجر: إن كان محفوظا فهو وارد على دعوى الدارقطني في تفرد مروان بن محمد، فيحرر.
            وقال الطبراني لم يرو هذا الحديث عن أبي بكر بن نافع إلا يحيى بن عبد الله بن سالم، ولا عن يحيى إلا ابن وهب، تفرد به: مروان الطاطاري، ولا يروى عن ابن عمر إلا بهذا الإسناد،
            وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، ورواية يحيى بن عبد الله بن سالم عن أبي بكر بن نافع لم ترد في الصحيحين.

            لفظ الحديث عند أبي داود تراءى الناس الهلال، وليس أن ابن عمر هو الذي رأى الهلال
            وعند الدارمي والحاكم والدارقطني والطبراني: تراءى الناس الهلال،
            فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته
            وفي طريق ابن حبان جاء عنده: تراءى الناس الهلال، فرأيته...

            16 - ينظر: صحيح البخاري (1960) (7265)، وصحيح مسلم (1135)(1136).

            17 - رواه البخاري (5070) ومسلم (1907).

            18 - في طبعة المالكية [لا].

            19 - سقطت من طبعة المالكية.


            20 - سبق تخريجه [الحاشية 12 ]، وفيه عن البخاري وغيره أن الصواب وقفه على ابن عمر.

            21 - سبق أصل الحديث قريبا [حاشية 13]، وهذه الرواية في مسند أحمد،
            [وفي البخاري البخاري ومسلم والنسائي والدارمي بألفاظ أخرى متقاربة].

            22 - تحرفت في طبعة المالكية وطبعة الدمياطي إلى [شرعي].​​

            23 - تحرفت في طبعة المالكية وطبعة الدمياطي وفي نسخة خطية إلى [بشروعه].

            24 - سقطت من طبعة الدمياطي، وفي طبعة المالكية وقعت [بها]
            ​​​.

            25 - تحرفت في طبعة الدمياطي إلى [نقل].

            26 - وقعت في طبعة المالكية [يستوعب]
            ​​​.

            27 - رواه مسلم (1154) وأبو داود (2455) والترمذي (734) والنسائي (2326) من طرق عن طلحة بن يحيى به، بمثله، وبعضهم بلفظه، وقال الترمذي: حديث حسن، وينظر تفصيل الروايات فيما يأتي من كلام القاضي.

            28 - هي رواية مسلم (1154[170]).

            29 - تحرفت في طبعة الدمياطي إلى [لصوم].​​​​

            30 - وهي رواية النسائي في سننه (2330).

            31 - سيأتي قول القاضي: هذا لم يُسمع إلى هذا الوقت. أي لا أصل له.

            32 - رواه ابن حزم في المحلى (173/6) من طريق يعقوب بن عطاء عن أبيه، به، وقال: يعقوب بن عطاء هالك، ومن دونه ظلمات بعضها فوق بعض، وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (166/3): إسناد ضعيف جدا.

            33 - وقعت في طبعة المالكية [نفل].

            34 - تحرفت في طبعة الدمياطي إلى [الأقية].​​​​​

            35 - وقعت في طبعة الدمياطي "من" مكان "في".

            36 - وقعت في طبعة المالكية [يصح].


            37 - تحرفت في طبعة الدمياطي ونسخة خطية إلى [على].

            38 - وقعت في طبعة المالكية [قبله؛ إذ هما] وهي في إحدى النسختين ومن العجيب أنه لم يشر إلى ذلك؟!.

            39 -
            تحرفت في طبعة المالكية إلى [الخبر].

            40 - تحرفت في طبعة المالكية إلى [و]
            ​​​​.

            41 - سيأتي كلام المصنف مفصلا نقلا عن موسى بن هارون، وجُلُّ أصحاب الحديث على تصحيحه؛ فقد أخرجه مسلم في صحيحه، وحسنه الترمذي وصححه الدارقطني في سنه (2236)، وابن حزم في المحلى (172/6)، وذكر له البيهقي شاهدا في السنن الكبرى (7916) (8343) من طريق سماك عن عكرمة عائشة، وقال: إسناد صحيح.
            وأما الذين ضعفوه فقلة، منهم موسى بن هارون كما سيأتي من كلام المصنف، ومنهم ابن عبد البر، فقال في التمهيد (79/12): طلحة بن يحيى انفرد بهذا الحديث وما انفرد به فليس بحجة عند جميعهم لضعفه، وقال (350/6): وفي ذلك أيضا دليل واضح على سقوط حديث طلحة بن يحيى .... وهذا حديث ساقط ضعيف مردود بما ذكرنا من الآثار والإجماع، وطلحة بن يحيى ضعيف لا يحتج به، وهذا الحديث مما انفرد به فلا يعرج عليه​.

            42 - سقطت من طبعة المالكية.

            43 - تحرفت في طبعة الدمياطي ونسخة خطية إلى [إني].
            ​​​​​​

            44 - تحرفت في طبعة المالكية إلى [و].

            45 - وقعت في طبعة الدمياطي وفي نسخة [العرب].

            46 - وقعت في طبعة الدمياطي وفي نسخة [فخبر].

            47 - سقطت من طبعة المالكية.

            48 - تحرفت في طبعة المالكية إلى [أفرد لما].

            49 - جاء زيادة كلمة "للاستدامة" في طبعة الدمياطي.


            50 - سقطت من طبعة المالكية.

            51 - تحرفت في طبعة المالكية إلى [وخبر].

            52 - وقعت في طبعة المالكية [السفر].

            53 - سقطت من طبعة المالكية.

            54 - وقعت في طبعة الدمياطي وفي نسخة [تروية​].

            55 - تحرفت في طبعة المالكية إلى [كان].


            56 - سبق تخريجه [حاشية 25]، وإسناده ضعيف جدا كما قال ابن القطان.

            57 - رواه البخاري (1837)، ومسلم (1410).

            58 - سقطت من طبعة المالكية وطبعة الدمياطي.

            59 - جزء من حديث المسيء صلاته، رواه الترمذي (302) وحسنه، وأصله في الصحيحين دون هذه الزيادة.

            60 - سقطت من طبعة المالكية وطبعة الدمياطي.

            61 - وقعت في طبعة الدمياطي وفي نسخة [سألته​].


            62 - وقعت في طبعة الدمياطي وفي نسخة [يلغى​].

            63 - وقعت في طبعة الدمياطي [عما​].​

            64 - وقعت في طبعة المالكية وطبعة الدمياطي [يعقبه​].​


            65 - في طبعة الدمياطي [فإذا ردوا].

            66 - في طبعة الدمياطي [معنى].


            67 - في طبعة الدمياطي [أداء].​​

            68 - وقعت في طبعة الدمياطي وفي نسخة [شهر].​​

            69 - في طبعة الدمياطي [ليست].​​​

            70 - تحرفت في طبعة المالكية وطبعة الدمياطي وفي نسخة [المجردة].​​​
            التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد المهيمن سمير البليدي; الساعة 16-Mar-2024, 03:08 PM.

            تعليق


            • #7
              [3] مسألة
              قال رحمه الله:
              ويُتَمُّ الصيام إلى الليل.
              وهذا كما قال؛ الصيام الشرعي: هو إمساك النهار كلِّه، وعليه أنْ يُمسك إلى دخول الليل.​
              والأصل في ذلك:
              قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} الآية. إلى قوله: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ}[البقرة: 187]1.
              وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أقبل الليل مِن ها هنا، فقد2 أفطر الصائم"3.
              ولا خلاف في ذلك​.


              --------------------------------

              1 - في طبعة المالكية وإحدى النسخ الخطية وردت الآية كاملة {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}.

              2 - ​ سقطت من طبعة الدمياطي


              3 - رواه البخاري (1954) ومسلم (1100) من حديث عمر بن الخطاب بأتم منه.
              ولفظ البخاري: إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ.
              التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد المهيمن سمير البليدي; الساعة 16-Mar-2024, 03:09 PM.

              تعليق


              • #8
                [4] مسألة
                قال رحمه الله:
                ومن السنة تعجيل الفطر، وتأخير السحور.
                قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب رحمه الله:
                وذلك لِـما رواه مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر"1.
                ورَوى مالك عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر، ولم يؤخِّروه تأخير أهل المشرق"2.
                ورَوى محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه​ قال: "لا يزال الدين ظاهرا ما عجَّل الناسُ الفطرَ؛ لأنَّ النصارى واليهود يؤخِّرون"3.
                وروى الأعمش عن عمارة بن عمير عن أبي عطية، قال: دخلت على عائشة رضي الله عنها أنا ومسروق، فقلنا: يا أمَّ المؤمنين، رجلان مِن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أحدهما يعجِّل الإفطار ويعجِّل الصلاة، والآخر يؤخِّر الإفطار ويؤخِّر الصلاة؟ قالت: أيهما يعجِّل الإفطار ويعجِّل الصلاة؟ قلنا: عبد الله بن مسعود، قالت: كذلك كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم.4
                وروى شعبة عن قتادة عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وزيد بن ثابت تسحَّرا، فلمَّا فرغا مِن سحورهما قام النبي صلى الله عليه وسلم إلى صلاة الغداة، قلنا لأنس: كم كان بين فراغه مِن سحوره ودخوله في الصلاة؟ قال: ما يقرأ رجل قدر خمسين آية.5
                قال مالك: سمعت عبد الكريم بن أبي6 الـمُخَارق يقول: مِن عمل النبوة تعجيل الإفطار، والاستيناء بالسحور.7
                والمعنى في ذلك: أن في تأخير السحور قوة على الصوم، وكذلك في​ تعجيل الفطر قوة على الصلاة، فكان أوْلى به.

                --------------------------------

                1 - رواه مالك في الموطأ (1011) ومن طريقه البخاري (1957)، ورواه مسلم (109​​ من طرق أخرى عن أبي حازم، به، بلفظه.

                2 - رواه مالك في الموطأ (733 - رواية أبي مصعب [611 ط التأصيل]) عن عبد الرحمن بن حرملة به، بمثله، وهو مرسل جيد، ويشهد لمعناه ما قبله.
                والحديث كذلك في رواية يحيى بنفس السند بلا زيادة الشطر الثاني "ولم يؤخروه تأخير أهل المشرق"،
                والحديث كذلك عند ابن أبي شيبة في مصنفه والفريابي في كتاب الصيام من طريق معن عن مالك به،
                والبيهقي في معرفة السنن والآثار من طريق الشافعي عن مالك به،
                والخطيب في الفصل للوصل المدرج من طريق عبد الله بن وهب عن مالك به،
                بلا الشطر الثاني.
                وللشطر الثاني شاهد:
                عند الخطيب في الفصل للوصل المدرج من طريق مطرف بن عبد الله بن مطرف عن مالك عن أبي حازم [سلمة بن دينار الأعرج] عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه مرفوعا للنبي صلى الله عليه وسلم،
                ثم قال الخطيب: قال علي بن عمر[الحافظ الإمام أبي الحسن الدارقطني]: قال لنا أبو بكر النيسابوري: "ولم يؤخروا تأخير أهل المشرق"، وهم عندي من مطرف، لأن هذا إنما هو في حديث ابن حرملة.
                ثم علق على قوله: والأمر على ما قال أبو بكر النيسابوري، وقد روى عن مالك عامة أصحابه حديث سهل بن سعد هذا، فلم يذكروا هذه الزيادة التي أوردها مطرف، ووافق مالكا على روايته:
                عبد العزيز بن أبي حازم [أخرج حديثه ابن ماجه في سننه وابن حبان وابن خزيمة في صحيحهما وأبي يعلى في مسنده والفريابي في كتاب الصيام]،
                وسفيان الثوري [أخرج حديثه مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده وابن أبي شيبة في المصنف والمسند وعبد الرزاق في مصنفه ووابن خزيمة في الصحيح والنسائي في الإغراب والفربابي في الصيام]،
                ويعقوب بن عبد الرحمن [أخرج حديثه النسائي في الكبرى والروياني في مسنده والفريابي في كتاب الصيام]،
                [وكذا وجدت الحسن البصري كذلك عند أحمد في مسنده]
                فرووه عن أبي حازم عن سهل بن سعد كذلك.
                ثم أسند طرقا ليس فيها الشطر الثاني.انتهى
                وذكر أحد الباحثين أن هذا الشطر مدرج، ومن خلال التخريج يتبين لك ذلك.
                وروى عبد الرزاق في مصنفه من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: كنت جالسا عند عمر إذ جاءه ركب من الشام فطفق عمر يستخبر عن حالهم، فقال: هل يعجل أهل الشام الفطر؟ قال: نعم قال: لن يزالوا بخير ما فعلوا ذلك، ولم ينتظروا النجوم انتظار أهل العراق. وعذا إسناد صحيح، ومن طريق الزهري كذلك روى الفريابي الأثر من طرق في كتاب الصيام ح46 وح47 وح48 بأسانيد صحيحة.
                ولم أجد في شراح الموطأ كلام على هذه الزيادة.


                ​3 - رواه أبو داود (2353) وابن ماجه (169 [والنسائي في الكبرى وأحمد في المسند والحاكم في المستدرك وابن أبي شيبة في المصنف وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما]​من طرق عن محمد بن عمرو به، بمثله، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (203​​: إسناد حسن، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم [قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. جاؤ قي حاشية ط التأصيل (469/2) حاشية 2: هذا الإسناد ليس على شرط مسلم، فلم يخرج مسلم لمسدد، وفيه محمد بن عمرو بن علقمة؛ أخرج له مسلم في المتابعات، وأخرج له البخاري مقرونا بغيره، وهو صدوق وله أوهام، وقال محققو الرسالى العالمية للمستدرك: صحيح لغيره دون قوله:"لأن اليهود والنصارى يؤخرون".] والذهبي والبوصري.

                4 - رواه مسلم (1099) [وأبو داود في سننه والترمذي في جامعه والنسائي في مجتباه وفي الكبرى ووأحمد في مسنده وغيرهم] من طرق عن الأعمش، به، بنحوه.
                [قال مسلم: زاد أبو كريب والآخر أبو موسى]

                5 - رواه البخاري (1134) ومسلم (1097) [والنسائي في مجتباه وفي الكبرى وأحمد في مسنده] من طرق عن قتادة، به.
                [إلا أن مسلما والنسائي في الكبرى روى الحديث من طريق قتادة عن أنس عن زيد بن ثابت رضي الله عنهما]

                6 -سقطت من طبعة الدمياطي.

                7 - الموطأ (545).
                [ولفظ الحديث: من كلام النبوة إذا لم تستحي فافعل ما شئت ووضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة يضع اليمنى على اليسرى وتعجيل الفطر والاستيناء بالسحور]
                والحديث مرسل ولم أجد من ذكر الشطر المستشهد به "وتعجيل الفطر والاستيناء بالسحور".

                التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد المهيمن سمير البليدي; الساعة 17-Mar-2024, 05:01 PM.

                تعليق


                • #9
                  [5] مسألة
                  قال رحمه الله:
                  "وإن شك في الفجر فلا يأكل".
                  قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي رحمه الله:
                  وهذا لأنَّ إباحة الأكل متعلِّقة بيقين بقاء الليل، فإذا شك في الفجر لم يجز له الأكل، لأنه لا يأمن أنْ يكون قد أكل في الفجر، فيكون قد غررَّ بصيامه.
                  فإنْ أكل ولم يتبيَّن له أنه أكل قبل الفجر أو بعده:
                  قال ابن القاسم: عليه القضاء، وذلك لِـما قلناه من أنه ليس على ثقة في إمساك جميع اليوم؛ لجواز أنْ يكون أكل بعد الفجر.
                  وخالفَنا أهل العراق والشافعي، فقالوا: إذا أكل وهو شاك في طلوع الفجر فلا قضاء عليه، وإذا أكل وهو شاك في غروب الشمس فعليه القضاء.
                  قالوا: لأنه إذا شك في طلوع الفجر فالأصل هو بقاء1 الليل ،
                  فبنينا الأمر على اليقين، وإذا شك في غروب الشمس فالأصل بقاء النهار، فوجب اعتبار الأصل.
                  قالوا: ولقوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187]؛ فأباح الأكل إلى أنْ يتبيَّن الفجر، وهذا أكل ولم​ يتبيَّنه؛ فوجب أن يكون قد1 فعل ما له أنْ يفعل.
                  قالوا: ولأنَّ اليقين لا يسقط بالشك، وإذا صح ذلك وكان الليل ثابتا بيقين؛ لم يجز أنْ يوجب عليه القضاء بشك، ولا أنْ يكون شكه في طلوع الفجر يُسقِط اليقين الذي هو بقاء الليل.
                  والذي يدل على ما قلناه:
                  أنَّا قد اتفقنا على أنه إذا أكل وهو يشك أنَّ الشمس قد غربت أنَّ عليه القضاء، فكذلك إذا أكل وهو يشك في طلوع الفجر، والمعنى في ذلك: أنه أكل في وقت يجوز أنْ يكون مِن النهار.
                  فإن قيل: إذََا لزمه القضاء في الأصل؛ لأنه شكٌّ طرأ على يقين، فاعتبرنا حكم اليقين، فيجب أنْ يكون كذلك في هذا الموضع.
                  قيل له: إن الأصول مختلفة في اعتبار حكم اليقين؛ فمنها ما يعتبر فيه حكم اليقين ولا يُزال بالشك، وذلك مثل أنْ يتيقن الزوجية ويشك في الطلاق، ومثل أنْ يشك هل صلى ثلاثا أم أربعا، فهذا كله يُبنى فيه على اليقين.
                  ومنها ما يخالف هذا، وهو أنْ يشك في الحدث بعد اليقين بالطهارة على ما بيناه؛ فإنَّ هذا تلزمه الطهارة عندنا إذا لم يكن في الصلاة، وكذلك إذا شك هل طلَّق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا، فإنها تكون ثلاث عندنا ولا يعتبر اليقين.
                  وإذا كانت الأصول مختلفة لم يجز رد هذا الفرع إلى بعضها إلا بدليل.
                  وعلى أنَّ اعتبار اليقين معنا مِن الوجه الذي نذكره، وذلك أنه إذا كان الأصل أنه لم يصم هذا اليوم، ثم اختلفنا إذا أكل وهو يشك في​ طلوع الفجر: فقلنا: إنه لا يُحكم له بأنه قد صام اليوم، وقالوا: إنه1 يحكم بأنه صائم2، وإذا اعتبرنا حكم اليقين في هذا الموضع كان القول ما قلناه مِن أنه لم يصم.
                  فإن قيل: فإذا اختلفنا في هذا الأكل، هل هو بعد الفجر أو قبله؟ وكان الأصل هو الليل؛ وجب ألَّا يُلتفت إلى هذا الشك.
                  قيل له: وإذا اختلفنا في هذا الإمساك، هل هو صيام أم لا؟ وكان الأصل أنه ليس بصيام؛ وجب أنْ يُرجع في هذا إلى الأصل.
                  طريقة أخرى: يُقال لهم: أتسلِّمون أنه يحرم عليه الأكل بشكه بطلوع الفجر؟
                  فإن قالوا: نعم، صحَّ ما قلناه؛ لأنه إذا لم يجب البناء على اليقين الذي هو جواز الأكل في الليل هاهنا؛ وجبَ إذا أكل فيه أنْ يلزمه القضاء.
                  وإن قالوا: لا نسلم ذلك.
                  قيل لهم: الذي يدل على ما قلناه: أنَّ إباحة الأكل متعلِّقة بالعلم ببقاء الليل، أو غلبة الظن القائم مقام العلم، يدلُّ على ذلك أنَّ الإباحة لو لم تكن مشروطة بهذا المعنى؛ لم يلزم الإنسان أنْ يتوقف لينظر هل طلع الفجر أم لا.
                  وإذا صحَّ ما قلناه؛ ثبت أنه ممنوع مِن الأكل.
                  ويبيِّن ذلك: أنَّا قد اتفقنا على أنَّ عليه أنْ يمسك جميع أجزاء اليوم، وإذا صحَّ ذلك وجب ألا يجوز له الأكل مع الشك في الفجر؛ لئلا يكون قد أكل في وقت أُخذ عليه الإمساك فيه، فصح بذلك ما قلناه.
                  فأمَّا اعتبارهم بالأصل، فقد أجبنا عنه.
                  وأما الظاهر فإنه دليلنا؛ لأنه قال: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ}
                  [البقرة:187]، وهذا يفيد أنَّ إباحة الأكل متعلقة بالعلم بحصول الليل؛ لأنه شَرَط معه بأن يتبيَّن الفجر منه، وهذا المعنى لا يصح إلا مع العلم به، فأمَّا مع الشك فلا؛ لأنه لا يتبيَّن معه زوال الليل وطلوع الفجر.
                  وإذا صحَّ هذا؛ ثبت أنَّ إباحة الأكل مرتفعة مع الشك.
                  وقولهم: "إنَّ الشك لا يُسقط اليقين" يلزمهم عليه ما قلناه مِن3 الحكم لهذا الإمساك بأنه صوم، والله أعلم.

                  --------------------------------

                  1 - سقطت من طبعة الدمياطي.

                  2 - وقعت في طبعة الدمياطي [صام​].

                  ​3 - وقعت في طبعة المالكية وطبعة الدمياطي [في​].
                  التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد المهيمن سمير البليدي; الساعة 17-Mar-2024, 05:19 PM.

                  تعليق


                  • #10
                    [6] مسألة

                    قال رحمه الله:
                    "ولا يُصام يومُ الشك ليُحتاط به مِن رمضان، ومَن صامه لذلك لم يُجزِه وإنْ وافقه مِن1 رمضان، ولِـمن شاء أنْ يصومه تطوعا أنْ يفعل".
                    قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي رحمه الله:
                    في هذه المسألة أربعة فصول
                    :
                    أحدها: أنَّ صيام يوم الشك يصح على بعض الوجوه، خلافا لأصحاب داود، حيث قالوا: لا يصح صومه أصلا.
                    والثاني: المنع مِن صومه على أنه مِن رمضان.
                    والثالث: أنه لا يجزئه إنْ صامه على ذلك ثم ثبت أنه مِن رمضان.
                    والرابع: أنَّ صومه متطوعا ابتداء لا على نية استقبال رمضان جائزٌ.

                    فأما الكلام في الفصل الأول1، فهو أن نقول:
                    لأنه يوم مِن شعبان فصح​ صومُه، أصله: ما قبل ذلك مِن الشهر.
                    ورُوي: "أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم شهرا قط تامََّا إلا شعبان، فإنه كان يصومه ويصله برمضان"2.
                    وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يتقدَّمن أحدكم صوم شهر رمضان بيوم ولا يومين، إلا أنْ يكون صوم يصومه رجل فليصم ذلك اليوم"3.
                    فبطل بهذا كلِّه قولهم: "أنه لا يصح صومه أصلا".

                    فصل
                    وأمَّا المنع مِن صومه على أنه مِن رمضان، والمنع مِن إجزائه إنْ ثبتْ ذلك، فالخلاف فيه مع أبي حنيفة؛ لأنه يجوِّزه، ويبنيه على أصله في أنَّ نية رمضان يجوز أنْ يُؤتى بها بعد الفجر، وأنَّ تعيين النية لا يلزم في الصوم.
                    والدلالة على صحة قومنا:
                    ما رواه سِمَاك عن عكرمة عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصوموا حتى تروه، ثمَّ صوموا حتى4 ترونه، فإنْ حال دونه غمام فأتموا العدة ثلاثين"5.
                    ورَوى جرير عن منصور عن رِبعي بن حِراش عن حذيفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصوموا حتى تروا الهلال، أو6 تكملوا العدة"​7.
                    ووجه الاستدلال من هذين الخبرين: أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن صومه إلا بأحد هذين الشرطين، فمتى ما لم يوجدا أو أحدهما فيجب ألا يجزئه؛ لأنه أوقعه على خلاف الوجه المأمور به.
                    وأيضا: فإنه لو شك في طلوع الفجر؛ فصلى ركعتين ينوي بهما صلاة الفجر إنْ كان الفجر قد طلع، أو التطوع إنْ لم يكن قد طلع، ثم بانَ له أنَّ الفجر كان قد طلع؛ لم يجزئه، فكذلك إذا صام يوم الشك على أنه إنْ كان مِن رمضان فقد أدَّى فرضه، وإنْ لم يكن مِن رمضان فهو تطوع، يجب ألَّا يجزئه [كما لم يجزه]8 في الصلاة.
                    وما ذكروه مِن سقوط تعيين النية وتراخيها عن الفجر لا يصح على أصلنا.

                    فصل
                    وأمَّا الكلام على أنَّ صومه على وجه التطوع جائز، خلافا لمحمد بن مَسلمة والشافعي حيث قالا: يكره صومه إلا أنْ يوافق صوما كان يصومه، ونكرهه ابتداء.
                    فالدلالة على ما قلناه:
                    أنه يوم محكوم له بأنه مِن شعبان، فصح أنْ يُصام تطوعا على كل وجه سِواء الاستقبال؛ أصله: ما قبل ذلك مِن الشهر.
                    أو نقول: كل يوم صح أنْ يُتطوع به على وجه صح أنِ يُتطوع به على كل وجه؛ أصله: ما ذكرناه​.
                    ولأنه يوم يصح أنْ يُصام عن قضاء رمضان؛ فصح أنْ يُصام نفلا كسائر الأيام.
                    ولأنَّ الفرض آكد من النفل، فإذا جاز أنْ يُصام فيه الفرض كان النفل بالجواز أوْلى.
                    ولا تعلق لهم بما رُوي: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يوم الشك"9؛ لأنَّ معناه أنْ يصومه على وجه الشك، فأمَّا إذا صامه لا على هذا الوجه بل على وجه التطوع، فإنَّ ذلك جائز؛ بدلالة جواز صومه إذا وافق صوما كان يصومه.
                    ولا يصح احتجاجهم بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تَقَدَّموا الشهر بيوم ولا يومين"؛ لأنَّ هذا لا يتناول موضع الخلاف، لأنَّا نمنع أنْ يصومه بنية تقديم الشهر، واستقباله على وجه التعظيم، وإنما خلافنا إذا صامه تطوعا ابتداءََ لا على هذا الوجه.
                    ولا معنى لقولهم: "إن صوم رمضان فرض، وصوم يوم شعبان نفلٌ، وإنه يجب أنْ يحافظ على الفرض بأنْ يترك صوم هذا اليوم ليقوى على أداء الفرض"؛ لأن هذا يسقط به إذا وافق صوما كان يصومه.
                    ولأنَّ في صومه معنى آخر؛ وهو أن يخف عليه صوم الفرض ويسهل عليه ويعتاده، فلم يكن منعه بما قالوه بأولى مِن جوازه بما قلناه.
                    ولا يصح تعلُّقهم بما رُوي: "أنَّ عمارا أُتِيَ بشاة مَصْليَّة، فقال: كلوا، فامتنع القوم، فقال عمار: "مَن صام هذا اليوم فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم"10​؛ لأن ذلك ليس بأكثر مِن صريح نهيه صلى الله عليه وسلم عن صومه، وقد بيَّنا أنَّ معناه: أنْ يُصام على وجه الشك.
                    ولأنَّ هذا يلزم في الموضع الذي يجيزه مخالفنا، وهو إذا وافق صوما كان يصومه.
                    ولأنَّ أكثر ما في هذا أنْ يكون عمَّار اعتقد أنَّ صومه على كل وجه لا يجوز، فأضاف ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم لاعتقاده.
                    وفي المسألة خلاف وبإزاد عمار غيره من الصحابة وإذا صح هذا سقط ما تعلقوا به​.


                    --------------------------------

                    1 - سقطت من طبعة الدمياطي.

                    2 - رواه أبو داود (2336) (2431) والترمذي (736) والنسائي (2353) وابن ماجه (1649) من طرق عن عائشة وأم سلمة، بمعناه، وحسنه الترمذي.
                    [ أما طريق أم سلمة فقد رواه أبو داود والنسائي في المجتبى والكبرى وأحمد وإسحاق بن رهويه في مسندهما والفريابي في الصيام والطبراني في الكبير كلهم من طريق شعبة عن توبة العنزي عن محمد بن إبراهيم القرشي عن أبي سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها بألفاظ مختلفة وأقرب الألفاظ لفظ أبو داود والنسائي في المجتبى والكبرى ولفظ أبو داود: لم يكن يصوم من السنة شهرا تاما إلا شعبان يصله برمضان
                    ورواه الترمذي في جامعه وفي الشمائل والنسائي في المجتبى والكبرى وابن ماجه في السنن وأحمد والدارمي وإسحاق بن راهويه وعلي بن الجعد والطيالسي وعبد بن حميد وأبي يعلى في مسانيدهم وابن أبي شيبة في مصنفه والطوسي في مستخرجه والفريابي في الصيام والبيهقي في لاالسنن الكبير وشعب الإيمان كلهم من طريق منصور السلمي عن سالم الأشجعي عن أبي سلمة به
                    أما طريق عائشة رضي الله عنها فقد رواه الترمذي في الجامع وجاء في رواية الطبراني الجمع بين عائشة رضي الله عنها وأم سلمة رضي الله عنها لكن بسند ضعيف
                    ].

                    ​3 - رواه البخاري (1914) ومسلم (1082) [وأبو داود في سننه والترمذي في جامعه والنسائي في المجتبى والكبرى وأحمد في المسند والدارمي في السنن والدراقطني في السنن وأبي عوانة في المستخرج من طرق عن يحيى بن كثير ومحمد بن عمرو بن علقمة والحسين بن ذكوان ويحى بن سعيد الأنصاري أربعتهم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن]​ من حديث أبي هريرة.

                    4 - في (ز) و (م) وطبعة الدمياطي [حين]، والمثبت من مصادر التخريج.

                    5 - سبق [المسألة 1 الحاشية 11]، وفيه تصحيح الترمذي.

                    6 - في (ز) و (م) وطبعة الدمياطي [و]، والمثبت من (م).

                    7 - سبق [المسألة 1 الحاشية 7]، وفيه تصحيح الترمذي.
                    ​​
                    8 - سقطت من طبعة الدمياطي.

                    9 - رواه الدارقطني في سننه (2151) من حديث أبي هريرة، وفيه: "نهى رسول الله صلة الله عليه وسلم عن صوم ستة: اليوم الذي يشك فيه من رمضان، ويوم الفطر، ويوم الأضحى، وأيام التشريق"، وله طرق كلها ضعيفة، ينظر البدر المنير لابن الملقن (5/ 694-695).
                    [روي الحديث من طريقين:
                    أما الأول من طريق كيسان عن أبي هريرة رضي الله عنه:
                    وعن كيسان رواه اثنان:
                    - حفيده عبد الله بن سعيد المقبري وهو آفة الحديث فهو متروك وحديثه رواه:
                    البزار في مسنده.
                    - محمد بن عبد الله الزهري وداود بن خالد بن دينار وحديثهما رواه:
                    الدراقطني في السنن رواه عنهما الواقدي [وحاله معروف].
                    والطريق الثاني من طريق سعيد المقبري [ابن كيسان السابق] عن أبي هريرة رضي الله عنه:
                    وعن سعيد المقبري رواه إثنان:
                    - ابنه عبد الله بن سعيد المقبري وهو آفة الحديث كما مر وحديثه رواه:
                    عبد الرزاق في المصنف والخطيب في الموضح والسهروردي في عوارف المعارف
                    - محمد بن مسلم بن جماز [مجهول] وعنه الواقدي وهما آفتاه رواه:

                    الدارقطني في السنن.
                    وللحديث شواهد لا يفرح بها من حديث أبي سعيد وأنس رضي الله عنهما.
                    ]

                    10 - رواه أبو داود (2334) والترمذي (686) والنسائي (2188) وابن ماجه (1645) والدراقطني في سننه (2150) [ووالنسائي في الكبرى والدارمي في سننه والحاكم في المستدرك وأبي يعلى في مسنده وابن خزيمة وابن حبان في الصحيح والكوسي في المستخرج والبزار في مسنده] كلهم من طريق أبي خالد الأحمر [وهو صدوق] عن عمرو بن قيس عن أبي إسحاق عن صلة بن زفر عن عمار، وعلقه البخاري (1906) عن صلة عن عمار، وقال الترمذي: حسن صحيح، وقال الدارقطني: إسناد حسن صحيح، رجاله [ورواته كلهم ثقات] ثقات. [وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، قال محقق طبعة التأصيل: لم ترد في الصحيحين رواية لأبي خالد الأحمر عن عمرو بن قيس الملائي ولا لعمرو بن قيس الملائي عن أبي إسخاق ولا لصلة بن زفر وعن عمار بن ياسر].
                    التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد المهيمن سمير البليدي; الساعة 18-Mar-2024, 06:24 PM.

                    تعليق


                    • #11
                      [7] مسألة

                      قال [ابن أبي زيد]1 رحمه الله:
                      "ومَن أصبح ولم يأكل ولم يشرب، ثم تبيَّن له أنَّ ذلك اليوم مِن رمضان، لم يُجزِه، وليمسك عن الأكل في بقيَّته، ويقضه".

                      قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب [بن نصر]1 رحمه الله:
                      إنما لم يُجزِه؛ لأنه أصبح مفطرا بترك النية وإن لم يكن أكل؛ لأنه يفطر بترك النية، كما يفطر بترك الإمساك، والنية عندنا لا تصح بعد طلوع الفجر، فلذلك لم يُجزِئه، وإذا لم يُجزِئه وجب أنْ يقضيه، كما لو أكل لكان عليه أنْ يقضيه؛ لأنه​ مفطر في الموضعين.
                      وإنَّما أمرناه بالكف في بقية اليوم سواء أكل أو لم يأكل؛ لأنه إذا ثبت أنَّ اليوم مِن رمضان، ولم تكن هناك رخصة في إفطار اليوم مع العلم بكونه أنه مِن رمضان، كان ذلك يقتضي الكف في بقية اليوم، يُبيِّن ذلك: أنه لو علم قبل الفجر بأنَّ اليوم مِن رمضان، لم يكن لهم أنْ يُفطروه مع العلم.
                      فإنْ أكل هذا الذي2 أمرناه بكفِّ بقية اليوم على وجه التأويل فلا كفارة عليه، وأمَّا إنْ أكل على وجه العمد والهتك لحرمة الشهر والعلم بما على الأكل في نهار رمضان مِن غير عذر؛ فإنَّ ابن القاسم قال: "عليه الكفارة"، ورواه عن مالك.
                      وهذا يجب أنْ يكون استحسانا، وليس بقياس، وأمَّا القياس فإنه لا كفارة عليه، لأنَّ الكفارة تتعلَّق بالأكل الذي به يفسد الصوم، لا بالأكل الذي يُقصد به الهَتْك مطلقا، يُبيِّن ذلك: أنه لو أفسد صومه بالأكل مِن غير عذر لوجبت عليه الكفارة، فلو أكل ثانية على الوجه الذي أكل عليه أوَّلََا مِن قصد هتك حرمة الشهر لم تلزمه كفارة أخرى لهذا المعنى الذي ذكرناه، وهو أنَّ هذا الأكل لم يتعلَّق به إفساده الصوم فلم تجب به كفارة، فبان بذلك أنَّ الأمر على ما ذكرناه.
                      وإنما قلنا: إنَّ عليه أنْ يقضيه، سواء كان نوى التطوع مِن الليل أو لم ينو أصلا؛ لأنه إنْ كان لم ينو فقد أصبح مُفطِرا بترك النية، وإنْ كان قد نوى تطوعا لم يَنُبْ له عن نية الفرض؛ لأن تعيين النية واجب عندنا​.
                      وفرَّق عبد الملك بن الماجِشون وصاحبه أحمد بن المعذل بين أنْ يصبح وقد نوى التطوع، وبين أنْ يصبح ولم ينو شيئا، فقالا: "إنْ أصبح ولم ينو صوما أتم بقية اليوم وأجزأه، وإن كان قد نوى تطوعا لم يُجزِه، وعليه القضاء"، وهذا ليس بصحيح على قول مالك؛ لوجوب النية في الأصل، ووجوب تعينها على ما ذكرناه.

                      فصل

                      وتعيين النية في صيام رمضان واجب عندنا، وعند الشافعي.
                      وقال أبو حنيفة: "لا يجب ذلك، ولو نوى التطوع أو أطلق لأجزأه عن رمضان، سواء كان حاضرا أو مسافرا، وإنْ نوى النذر أو الكفارة أجزأه عن رمضان إن كان حاضرا، وعن نذر إن كان مسافرا".
                      والذي يدل على ما قلناه:
                      قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}
                      [البقرة:185]، وهذا أمر يقتضي الامتثال، وقد بيَّنَّا أن الفعل لا يكون امتثالا إلا بالقصد إلى ذلك، وإذا صح هذا؛ وجب إذا3 أطلق النية ولم يعيِّن أو نوى التطوع ألَّا يكون ممتثلا؛ لأنه لم يقصد الوجه الذي أُمر به، لأنَّ الأمر إذا كان بأنْ يصومه على الوجوب، فوجب أنْ يقصد بالفعل إيقاعه على الوجه​ الذي أُمر أنْ يصومه عليه.
                      فإن قيل: هذا دليلنا4؛ لأنه يوجب أنْ يُصام صومََا شرعيََّا، والصوم الشرعي يقع تارة مع تعيين النية وتارة بغير تعيين، فيجب أنْ يجزئه على أي وجه أوقعه، [لأنه أوقعه]1 على وجه يجوز في الشرع.
                      قيل له: ليس الأمر على ذلك؛ لأنه لم يُؤمر أنْ يصومه على وجه يجوز في الشرع أنْ يصام عليه، وإنما أُمر أنْ يصومه على الوجه الذي أُمر به، على ما بيَّناه.
                      فإن قيل: إنَّ الأمر هو بفعل الصوم دون الوقت، لأن الوقت لا يتعلق به التكليف، فإذا قال: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}
                      [البقرة:185]، فكأنه قال: فليفعل الصوم، فيه، وهذا لا يفيد نية الوقت كما لو قال: (صم يوم السبت) لم يتضمن ذلك إيجاب نية يوم السبت في الصوم.
                      قيل له: إذا أوجب علينا أن نصوم شهر رمضان، واحتجنا إلى الامتثال؛ لزِمَنا أنْ نقصد بالفعل الوجهَ الذي أمرنا أنْ نصومه عليه، وهذا ظاهر.
                      فأما قولهم: "إنَّ الوقت لا يتعلق به التكليف"، فليس هذا ممَّا نحن فيه، وإنما وجه تعلُّقنا أنْ يكون قَصْدُ الامتثال مطابقا للوجه الذي يتناوله الأمر، ومعلوم أنه إذا أُمر بصومه على وجه الفرض، فصامه يعتقد التطوع، فإنه لم يأت به على الوجه المأمور به.
                      ويدلُّ على ما قلناه أيضا:
                      قوله صلى الله عليه وسلم: "وإنما لامرئ ما نوى"​، وهذه الإضافة تدخل لأمرين:
                      أحدهما: إيجاد5 الفعل وإيقاعه.
                      والآخر: الاحتساب والاعتداد به.
                      وقد علمنا أنَّ المراد به في هذا الوضع أنَّ الاعتداد بالفعل يقع بالنية، وإذا صحَّ هذا؛ وجب متى لم ينوِ لصوم رمضان أنه عن الواجب عليه، وأنه تطوع، ألا ينوب له عن فرضه، لأنه لم ينوه به.
                      فإنْ قيل: إنَّ هذا دليلنا؛ لأنه يوجب أنْ يكون له ما نواه، وهذا قد نوى الصوم، فيجب أنْ يُعتد له1 به.
                      قيل له: هذا لا يصح مِن جهة النطق، ولا مِن جهة الدليل، وذلك أنَّ مَن نوى بصوم رمضان التطوع، فعندهم أنه يكون له عن رمضان، ولا يكون تطوعا، فقد بطل أنْ يكون له ما نواه بنصِّ الخبر.
                      ودليله يوجب أنه إذا لم يصمه بنية الفرض أن لا يكون له عن الفرض؛ لأنه لم ينوه.
                      ويدل على ما قلناه:
                      أنَّ صوم رمضان عبادة يلزم تعيين النية في قضائها، فوجب أنْ يلزم في أدائها؛ اعتبارا بالصلاة.
                      وأيضا: فلأنه صوم واجب، فوجب أنْ يفتقر إلى تعيين النية، أو فوجب ألَّا يجزئ بنية النفل؛ أصله: النذر والقضاء.
                      واحتَّج مَن خالفنا:
                      بقوله صلى الله عليه وسلم: "مَن صام رمضان إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدَّم مِن ذنبه"6، ولم يفرِّق بين صيامه بنية النفل أو الفرض​.
                      فالجواب: أنَّا نقول بموجَب هذا الخبر، ولكنَّا نمنع أنْ يكون مَن أمسك رمضان بنية التطوع صائما لرمضان، فبطل الاحتجاج.
                      ولأنَّ في ضمن هذا القول أنْ يصومه على الوجه الذي أُمر به، فيجب أنْ يثبتوه في مسألتنا.
                      واستدلوا: "بأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى أهل العوالي يأمرهم بصيام عاشوراء"7، ولم يأمرهم بتعيين النية.
                      فالجواب: أنه لا دلالة في هذا على سقوط تعيين النية؛ مِن حيث لم تكن فيه دلالة على سقوط [أصل]8 النية، على أنَّ أمره لهم إنما كان بالصوم الشرعي، وذلك يتضمن عندنا تعين9
                      النية.
                      واستدلوا: بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا صيام لِمن لم يبيِّت الصيام مِن الليل"10، وهذا قد8 يبيت الصيام.
                      فالجواب: أنَّ هذا دليل لنا؛ لأنه لا يخلو أنْ يكون أراد: أنه لا صيام لِمن يُبيِّت الصيام على الوجه المأمور به، أو على غير الوجه المأمور به.
                      فإنْ كان أراد على الوجه المأمور به؛ وجب بذلك أنَّ مَن بيَّت نية1 التطوع لصيام رمضان ألَّا صوم له، وهذا ما نقوله.
                      وإنْ كان أراد لا صيام لِمَن لم يُبيِّته على خلاف الوجه المأمور به؛ وجب ألَّا يجزئ مَن بيَّت صيامه على الوجه المأمور به، وهذا خلاف قول الأُمَّة.
                      فإن قيل: بين هذين منزلة، وهي أنْ يُبيِّته مطلقا.
                      قيل له: هذا أيضا يوجب أنَّ مَن بيَّته معيِّنا لم يكن له صوم، وهذا باطل عند كل أحد.
                      واعتلُّوا: بأنه مستحق العين، فأشبه ردَّ الوديعة، وهذا باطل؛ لأنَّ ردَّ8 الوديعة لا يحتاج إلى نية أصلا، فضلا مِن تعيُّنها​ فكيف يعلَّل لسقوط تعيُّن النية بما لا تحتاج إلى أصل النية.
                      قالوا: ولأنَّ النية إنما يُحتاج إليها لتُميز إمساك العبادة مِن إمساك العادة، فإذا مُيِّزت بالنية لم يُحتج إلى تَعينِِ، وهذا ينتقض بالمسافر وبالنذر والقضاء.
                      وعلى أنه إذا احتيج إلى النية لتُميِّز إمساك العبادة مِن إمساك العادة، احتيج أيضا إلى تعيُّنها لتُميِّز كلَّ إمساك عبادةِِ مِن إمساك غيرها.
                      قالوا: ولأنَّ تعيين الله تعالى آكد من تعيين المكلَّف؛ لأنَّ ما عيَّنه الله لا يمكن تغيره، وهذا يؤدي إلى سقوط أصل النية بهذا الاعتبار، فإذا كان ما ذكروه لا يؤثِّر في ذلك، فكذلك في التعيين.​


                      --------------------------------

                      1 - سقطت من طبعة المالكية وطبعة الدمياطي.

                      2 - وقعت في طبعة المالكية [الذي].

                      3 - تحرفت في طبعة الدمياطي إلى [إلا].


                      4 - تحرفت في طبعة الدمياطي إلى [وليلنا].

                      5 - وقعت في طبعة الدمياطي وفي نسخة [اتحاد​].

                      6 - رواه البخاري (3 ومسلم (760) من حديث أبي هريرة.

                      7- ينظر: صحيح البخاري(1960)(7265)، وصحيح مسلم (1135)(1136).
                      ​​
                      8 - سقطت من طبعة الدمياطي.​​

                      9 - وقعت في طبعة الدمياطي [تعيين​].

                      10 - سبق تخريجه (المسألة 2 الحاشية 5)، وفيه عن البخاري وغيره أن الصواب وقفه على ابن عمر.​
                      التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد المهيمن سمير البليدي; الساعة 19-Mar-2024, 06:32 PM.

                      تعليق


                      • #12
                        [8] مسألة
                        قال رحمه الله:
                        "وإذا قَدِم المسافر مفطرا، أو طهرت الحائض نهارا؛ فلهما الأكل في بقية يومهما".

                        قال القاضي أبو محمد بن عبد الوهاب بن علي [بن نصر]1 رحمه الله:

                        هذا قولنا، وقول الشافعي.
                        وقال أبو حنيفة: عليهما أن يمسكا بقية اليوم.

                        قالوا: لِما رُوي: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى أهل العوالي يوم عاشوراء يأمر مَن لم يكن أكل أنْ يصوم، ومن أكل أنْ يتم بقية يومه"2 فأوجب عليهم إمساك بقية يومهم​.


                        قالوا: ولأنَّ كل معنى إذا صادف أول اليوم3 لزم معه صوم اليوم، فإذا وجد في تضاعيف اليوم لزم به إمساك ما بقى منه؛ أصل ذلك: إذا أصبح وعنده أنَّ اليوم مِن شعبان، ثم تبيَّن أنه مِن رمضان.
                        وبيان هذا: أنَّ الإقامة والصحة لو صادفا أول1 اليوم لزم معهما الصوم، كما أنَّ العلم بكون اليوم مِن رمضان لو صادف أول اليوم لزم معه الصوم، فإذا وجد ذلك في بعض اليوم لزم معه الإمساك، كما يلزم في الموضع الآخر.
                        قالوا: ولأنه صحيح مقيم في نهار رمضان، فوجب عليه الإمساك؛ أصله: إذا دخل من الليل، أو نسي النية.
                        قالوا: ولأنَّ كل معنى أوجب الصوم في المستقبل أوجب إمساك بقية اليوم؛ اعتبارا ببلوغ الصبي أو إسلام الكافر.

                        والدلالة على ما قلنا: أنَّ كل مَن له أنْ يفطر أول اليوم في الظاهر والباطن، فله أنْ يأكل بقية نهاره، ولا يلزمه الإمساك ما بقي مِن يومه؛ أصله: إذا أصبح مسافرا، أو استدام سفره إلى الليل، وكذلك المريض، عكسه: إذا أصبح وعنده أنَّ اليوم مِن شعبان، ثم ثبت أنه مِن رمضان، فإنه يمسك بقية يومه؛ لأنه وإنْ كان له في الظاهر أنْ يأكل في أول النهار، فليس له ذلك في الباطن.

                        فإنْ قيل: ينتقض بالصبي إذا بلغ في بعض اليوم؛ لأنه ممَّن كان له أنْ يفطر في أول اليوم، ثمَّ مع ذلك يلزمه الكف.

                        قيل له: لا يلزم ذلك؛ لأنَّا لا1 نقول: إنه يجب عليه الكف، بل يُستحب​ له.

                        وعلى أنًّا قلنا: "إنْ1 أفطر"، و"له أنْ يفطر"، وهذا يفيد أنَّ الإفطار مباح له، والصبي لا يدخل في هذا؛ لأنه ممَّن لا يلزمه حكم العبادات، ولا يُقال: إنه أبيح له أو حُظر عليه.
                        فأمَّا حديث عاشوراء؛ فلا حجة فيه، لأنَّ الأمر بالإمساك عندنا فيه كان على الندب دون الوجوب.
                        وقياسهم على مَن أكل وعنده أنَّ اليوم مِن شعبان، ثم تبيَّن أنه مِن رمضان؛ باطل، لأنه أفطر وفي الباطن أنَّ الفطر غير مباح له، فلذلك لزمه الإمساك، وليس كذلك مسألتنا.
                        وكذلك اعتبارهم بَمن نسي النية، واعتبارهم ببلوغ الصبي؛ لا نسلِّمه على ما بيناه​.

                        --------------------------------


                        1 - سقطت من طبعة المالكية وطبعة الدمياطي.

                        2 - ينظر: صحيح البخاري(1960)(7265)، وصحيح مسلم (1135)(1136).

                        3 - وقعت في طبعة المالكية وطبعة الدمياطي [الصوم].​
                        التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد المهيمن سمير البليدي; الساعة 18-Mar-2024, 06:47 PM.

                        تعليق


                        • #13
                          [9]مسألة
                          قال [ابن أبي زيد]1 رحمه الله:
                          (ومَن أفطر في تطوعه عامدا، أو سافر فيه فأفطر في سفره فعليه القضاء، وإنْ أفطر ساهيا فلا قضاء عليه، بخلاف الفريضة).
                          قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي رحمه الله:
                          اعلم أنَّ هذا الفصل يشتمل على عدة مسائل:

                          أولها: أنَّ1 مَن دخل في صوم التطوع فليس له الخروج منه مِن غير عذر.
                          والثانية: أنه إنْ أفطر مِن غير عذر لزمه القضاء​.
                          والثالثة: أنه إنْ أفطر لعذر فلا قضاء عليه.
                          والرابعة: بيان الأعذار التي تبيح الخروج منه.
                          ونحن نُبيِّن ذلك، ونستوفي الكلام عليه إن شاء الله.

                          فصل
                          فأمَّا وجوب إتمام الصوم المتطَّوع به على الداخل فيه، وإيجاب القضاء على مَن أفطره بغير عذر، فهو قولنا وقول أبي حنيفة.
                          إلا أنَّ أبا حنيفة يزيد علينا، فيقول: إنَّ عليه القضاء إذا أفطر بعذر وغير عذر، ونحن نسقط القضاء مع العذر، على اختلاف بين أصحابنا في صفة العذر سنذكره.
                          وذهب الشافعي إلى أنَّ الصائم المتطوِّع بالخيار بين إتمامه وبين قطعه، ولا قضاء عليه، سواء أفطر لعذر أو لغير عذر.
                          فنبدأ بالكلام على الشافعي، لأن أصل الخلاف2 معه، والكلام في الفصلين يتقارب.
                          والذي يدلُّ على أن على الداخل في صيام التطوع إتمامَه، وإنه ليس له الخروج منه مِن غير عذر:
                          قوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}[المائدة: 1]، فأمر كل عاقد على نفسه عقدا أنْ يفي به، والأمر على الوجوب.
                          ويدلُّ عليه قوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}[محمد: 33]، فنهى عن إبطال العمل، وفي تركه إتمامَ الصيام إبطال له، فوجب أنْ يكون ممنوعا منه​.
                          فإنْ قيل: ليس في إفطاره إبطال لِما مضى مِن الإمساك؛ لأن ثوابه قد حصل له.
                          قيل له: ليس الأمر كذلك؛ لأنه إذا اختار قطعه سقط ثوابه عليه، وصار كأنه لم يفعل شيئا، وإنما حصول الثواب له مشروط بتمام العمل.
                          ويدل على ما قلناه أيضا:
                          قوله تعالى: {ورَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إلّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها}[الحديد:27]، فذَّمَ مَن ألزم نفسه طاعة الله عزَّ وجلَّ ابتداء، ثم تركها ولم يَرْعَهَا، وألحق الوعيد به، فكان في ذلك أقوى التنبيه على وجوبه.
                          ويدل على ذلك قوله تعالى: {وكُلُوا واشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ ثُمَّ أتِمُّوا الصِّيامَ إلى اللَّيْلِ}[البقرة:187].
                          فالتعلق في عموم هذا الظاهر في كل صائم3 وكلِّ صوم: في وجوب إتمامه إلى الليل فرضا كان أو نفلا.
                          ويدل على ذلك أيضا:
                          قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الأعرابي حيث سأله عن الإسلام، فذكر له الصلاة والصيام، فقال: هل عليَّ غيرهن؟ قالا: "لا، إلا أن تطوع"4، وهذا يدل على أنَّ ما5 تطوَّع به، فقد صار عليه، وإذا صار عليه لزمه إتمامه، ولم يجز له تركه إلا بدليل.
                          فإنْ قيل: إنَّ هذا دليلنا؛ لأنَّ الأعرابي لـمَّا سأل عمَّا فرض الله عليه، لم يقل له النبي صلى الله عليه وسلم في جواب ذلك: وصيام التطوع إذا دخلت فيه.
                          فالجواب: أنَّ هذا لا يلزم مِن وجهين​:
                          أحدهما: أنَّ الأعرابي إنما سأل عمَّا أوجبه الله عليه ابتداء بأصل الشرع لا عن غيره، ولم يسَل عمَّا يصير واجبا بغير ذلك، ألَا ترى أنه قال: (والله لا زدت عليهنَّ، ولا نقصت منهنًّ)، فلذلك اقتصر به على القدر الذي ذكره.
                          ويُبين ذلك: أنه لا خلاف في لزوم النذر وإنْ لم يذكره له1 في الواجبات؛ للمعنى الذي قلناه مِن أنه اقتصر به على ما أوجبه الله تعالى ابتداء.

                          والوجه الآخر: هو أنه قد ذكر ذلك في سياق الخبر، فكان بمنزلة قوله: وما دخلت فيه مِن التطوع.
                          فإنْ قيل: فقد قال الأعرابي: "والله لا زدت عليهنَّ، ولا نقصت منهن" فقال: "أفلح إن صدق"، وهذا ينفي وجوب ما عدا ذلك.​

                          قيل له: هذا لا تعلق فيه؛ لأنه إنما ينفي وجوب ابتداء ما عدا الصلوات الخمس، وابتداء ما سوى صوم رمضان، فأمَّا إتمام ما دخل فيه مِن التطوع فواجب بقوله: "إلَّا أنْ تطوع".
                          ويدل على ذلك:
                          ما رواه شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزِّناد عن الأعرج عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصمِ المرأة يوما مِن غير شهر رمضان وزوجُها شاهد؛ إلا بإذنه"6.
                          ورواه عبد الرازق عن مَعْمر عن همَّام بن منبِّه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصومنَّ المرأة وبَعْلُها شاهد إلا بإذنه غير رمضان، ولا تأذن في بيته وهو شاهد إلا بإذنه"​7.
                          والمعنى في ذلك أنها تمنع زوجها مِن وطئها، وهذا يدل على أنَّ عليها إتمام التطوع إذا دخلت فيه؛ لأنه لو لم يكن ذلك عليها لكان للزوج أنْ يفرطها للحق الذي له في وطئها، ولَما كان يضره أنْ تصوم مِن غير إذنه، لأنه لا حرج عليه في قطع ذلك عليها.
                          وقد رُوي هذا الذي قلناه في بعض طرق الحديث:
                          فرَوى الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد، قال: "جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده، فقالت: يا رسول الله، إن زوجي صفوان بن المعطل يضربني إذا صليت، ويُفطِّرني إذا صمت، ولا يصلي صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، قال: وصفوان عنده، فسأله عمَّا قالت: فقال: يا رسول الله، أمَّا قولها: يضربني إذا صليت فإنها تقرأ سورتين وقد نهيتها، فقال صلى الله عليه وسلم: "لو كانت سورة واحدة لكفت الناس"، قال: وأمَّا قولها: يفطِّرني إذا صمت، فإنها تنطلق فتصوم، وأنا رجل شاب فلا أصبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: "لا تصومنَّ امرأة إلا بإذن زوجها""8، وذكر ما في الحديث.
                          فإن قيل: ليس في هذا دلالة على وجوب إتمام ما دخلت فيه عليها؛ لأنه يحتمل أنْ يكون نهيه عن ذلك؛ لأنَّ زوجها يكره أن يُقدم على قَطعها عن إتمام الصوم، وإن كان محتاجا إليها.
                          قيل له: قد أجبنا عن هذا في نفس الاستدلال، حيث قلنا: إنه لو كان له أنْ يفطِّرها، أو لو كان لها الإفطار وترك الإتمام؛ لم يكن لإيقاف الصوم على​ إذنه معنى، لأنه كان يصل9 إلى حاجته، ولم يكن دخولها في الصوم مانعا لها من ذلك، وليس يجوز أنْ يكون الأمر واجبا مِن أجل ما ليس بواجب.
                          وإذا صح هذا؛ بطل ما قالوه.
                          ويدل أيضا10 على ذلك:
                          ما رواه ابن وهب عن الحارث بن نَبْهان عن عبد الواحد بن زيد عن عُبَادة بن نُسَي، قال: دخلت على شدَّاد وهو يبكي، قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت في وجهه شيئا، فقلت: يا رسول الله، ما هذا الذي أرى في وجهك؟ فقال: "أمران أتخوفهما على أمتي مِن بعدي؛ الشرك، والشهوة الخفية، أمَا إنهم لا يعبدوه شمسا ولا قمرا ولا حَجَرا ولا وثنا، ولكنهم يراؤون بأعمالهم"، قلت: يا رسول الله، أشِركٌ هذا؟ قال: "نعم"، قلت: وما الشهوة الخفية؟ قال: "يصبح أحدهم صائما فتَعرِض له شهوة مِن شهواته فيواقعها، ويدع صومه"11
                          .
                          ووجه الاستدلال من هذا الخبر: هو أنه حذَّر مِن ترك الصوم اختيارا، وأخبر عن شدة خوفه منه12 على مَن يفعله، وهذا أقوى دليل في المنع منه؛ لأنه لو كان مخيَّرا بين إتمامه وقطعه لم يكن يحذِّر منه، كما لا يحذِّر من ترك سائر المباحات أو المندوبات، وإنما يشتد الخوف بترك الواجبات​.
                          وإذا صح هذا؛ ثبت ما قلناه.
                          ومن جهة القياس: لأنها عبادة مقصودة لنفسها، فوجب إذا دخل في نفلها13 أنْ يلزمه إتمامها؛ اعتبارا بالحج والعمرة.
                          فإن قيل: المعنى في ذلك14 أنَّ نفله كفرضه في تعلق الكفارة به، فلذلك ساواه في لزومه بالدخول فيه، وليس كذلك الصوم؛ لأنَّ نفله ليس كفرضه في تعلق الكفارة به، فلم يلزمه إتمام نفله.
                          فعن هذا أجوبة:
                          أحدها: أن وجوب الكفارة بإفساد العبادة لا يؤثِّر في لزوم إتمامها، كما لا يؤثِّر في ابتداء إيجابها، ألَا ترى أنه لا يجوز أن يُقال: إنَّ الحَجَّة الثانية لـمَّا ساوت الأولى في وجوب الكفارة بإفسادهما؛ وجب لذلك أنْ تكون واجبة ابتداء، فكذلك لا يجب إذا ساوتها في ذلك؛ أنْ يكون إتمامها واجبا.
                          والثاني: هو أنَّ الحج إنما استوى نفله وفرضه في تعلق الكفارة به لمعنى يرجع إلى تأخير، وليس كذلك الصوم؛ لأنَّ الكفارة تجب فيه لمعنى يرجع إلى عين زمانِِ له حرمة، لا إلى حال الصوم مِن وجوبِِ أو غيره، وعلى أنَّ هذه العلة موجودة في القضاء؛ لأنَّ قضاء الحج مساوِِ لأصله في ذلك، ولا يجب بهذا ألَا يكون قضاء الصوم واجبا؛ فكذلك وجوب إتمامه.
                          واستدل أصحاب الشافعي رحمه الله:
                          بما رواه طلحة بن يحيى عن عمَّته عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات​ يوم، فقرَّبتُ إليه قَعْبََا15فيه حيس16خبَّأناه له، فأكل، وقال لها: "أمَا إنِّي كنت صائما""17.
                          ورُوي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على نسائه، فيقول: "هل عندكم من طعام؟" فإذا قلنا: لا، قال: "إني صائم"18.
                          والظاهر مِن حال مَن يطلب الطعام أنه إنما يطلبه للأكل، ويؤكِّد ذلك قوله أنه لـمَّا أُخبر بأنه ليس عندهم طعام: "إني صائم"؛ فمفهوم هذا أنه لو وجد لأكل.
                          ورُوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الصائم المتطوع أمير نفسه؛ إنْ شاء صام، وإنْ شاء أفطر"19؛ وهذا نص في موضع النزاع.
                          ورَوى أبو أمامة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصائم بالخيار فيما بينه وبين نصف النهار"20.
                          وروى أبو الزبير عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دُعي أحدكم إلى الطعام وهو صائم فليُجب؛ فإنْ شاء طَعِم وإنْ شاء ترك"21.
                          وهذا ينفي لزوم الإتمام.
                          ولأنها عبادة يخرج بالفساد منها، فوجب ألًّا يلزم بالدخول فيها​؛ أصله: إذا اعتقد أنَّ عليه صلاة وصوما فدخل فيه، ثم بان أنه ليس عليه.
                          فالجواب عن ذلك:
                          أن حديث طلحة بن يحيى غير صحيح عند أهل النقل، قال موسى بن هارون: "هذا حديث منكر، وطلحة بن يحيى هذا يروي أحاديث منكرة، فمنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم دعي إلى جنازة طفل مِن الأنصار، قالت عائشة: فقلت: عصفور من عصافير الجنة، فقال: "وما عِلمُك، إنَّ الله خلق للجنة أهلا وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلا وهم في أصلاب آبائهم"22، فأدخل الشك في أطفال المسلمين هل هم في الجنة أم في النار؟ ولا خلاف بين المسلمين في أن أطفالهم في الجنة؛ مع أنَّ النص قد1 ورد بذلك؛ في قوله تعالى: {ووَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور:21]، وإنما اختُلف في أطفال المشركين، فأمَّا أطفال المسلمين فلا خلاف23 أنهم في الجنة.
                          فكانت روايته لهذا الحديث مِن أقوى ما ضُعِّف به عند أهل النقل24.
                          وعلى أنَّا لو سلَّمنا صحته؛ لم تكن فيه دلالة على موضع الخلاف، لأنه​ يجوز أنْ يكون [أفطر لعذر]25 إباحة الإفطار، أو أفطر ناسيا، أو ظن أنَّ عليه صوما ولم يكن عليه.
                          وحملُ الخبر على هذا أيضا أَوْلى؛ لأنه يزول معه حمل فعله على الوجه المكروه؛ لأنه لا خلاف أنَّ قطع الصوم اختيارا مع القدرة على إتمامه مكروه، وأنَّ إتمامه إما واجب على ما نقوله، أو مندوب على ما يقوله من خالفنا، فأمَّا أنْ يكون فعلُه كتركه فليس بقولِِ لأحد.
                          وما رووه مِن أنه صلى الله عليه وسلم كان يدخل على نسائه فيطلب الطعام، فإذا قيل له: لا، فقال: "إني صائم"؛ فلا حجة فيه؛ لأنَّ طلب الطعام ينقسم إلى وجوه: منها: الأكل، ومنها: طلب العلم بحصوله أو عدمه؛ لتسكن نفسه إلى ذلك، فليس لهم حمله على أحد الأمرين، إلا ولنا حمله على الآخر.
                          فإنْ قالوا: الظاهر مِن أَمْرِ مَن يطلب الطعام أنه إنما يطلبه للأكل.
                          قلنا: ليس هذا ظاهر الطلب، لأنَّ ما ذكرناه أيضا في الاحتمال والإمكان مثله، مِن غير ترجيح ولا مزية لأحدهما على الآخر، على أنَّا لو سلَّمنا هذا لكان في الحديث ما يمنع حمله عليه، وهو قوله لـمَّا أُخبر بأنْ ليس طعام: "إني صائم"، أو: "إني كنت صائما"، تنبيه10 على أنه لم يطلبه للأكل؛ لأنَّ الصائم إنما يطلب الطعام لغرضِِ غير الأكل، وهذا أوْلى مـمَّا ذكروه.
                          وما رووه مِن قوله صلى الله عليه وسلم: "الصائم المتطوع أمير نفسه، إنْ شاء صام وإنْ شاء أفطر" فاستدلالهم به لا يتم إلا بحمله على ضربِِ من المجاز، فنحن أيضا نقابلهم بمثله، وذلك أنَّ حقيقة اسم الصائم لِمَن هو في الحال صائم، وحقيقة قوله: "إنْ شاء صام" لِمَن هو في الحال مفطر؛ لأنه لا يُقال لِمَن هو​ صائم: "إنْ شئتَ أنْ1
                          تصوم صمتَ"، كما لا يُقال للقائم: "إنْ شئت أنْ تقوم قمتَ"؛ لأنَّ هذا يفيد أمرا مستقبلا.
                          وإذا صح هذا؛ فمخالفنا يحمل قوله "الصائم المتطوع" على حقيقته؛ وهو الداخل في الصوم، ويحمل قوله: "إنْ شاء صام" على المجاز، بمعنى: إنْ شاء تـمَّم صومه.
                          ونحن نحمل قوله: "الصائم" على العازم على الصوم والناوي له ولم يدخل فيه، ونحمل قوله: "إنْ شاء صام" على الحقيقة، فقد تساوينا في الخبر.
                          فإنْ قيل: نحن إذا حملنا الخبر على ما قلناه، فقد حملناه على مجاز واحد، وأنتم تحملونه على مجازين:
                          أحدهما: أنكم تحملون قوله: "الصائم" على العازم على الصيام، وهذا مجاز.
                          وتحملون قوله: "إنْ شاء أفطر" على المجاز أيضا بالطريقة التي بها أريتمونا أنَّا حملنا قوله: "إنْ شاء صام" على المجاز، وهو أنه أمرٌ له بأنْ يفعل ما هو في الحال فاعل له.
                          فالجواب: أنَّ هذا غير صحيح؛ لأنَّ قوله: "وإنْ شاء أفطر"، معناه: في المستقبل؛ وهو الزمان الذي إنْ شاء أن يصومه صامه، وليس بتخيير له أنْ يفطر في حالِِ هو فيها مفطر، ولا يضر أنْ يكون في الحال على أحد الحالين؛ لأنَّ الخطاب غير متوجه إلى هذه الحال، ألَا ترى أنه يقبح أنْ يقول للقائم: إنْ شئت في هذه الحال أنْ تقوم إلا مجازا، ويحسن أنْ تقول: إنْ شئت مِن غد إنْ تقوم وإن شئت تقعد، ويكون حقيقة؛ لأن مستقبل.
                          وإذا صح هذا؛ سقط ما قالوه​.
                          وما رووه مِن قوله: "الصائم المتطوع بالخيار، ما بينه وبين نصف النهار"، فالخبر أيضا متردِّد بيننا وبينهم؛ لأنه قد خيَّره في بعضه، ومنعه التخيير في باقيه، فلم يكن لهم التعلق بالتخيير، إلا ولنا التعلق يضده.
                          وما رووه مِن قوله: "إذا دعي أحدكم إلى طعام وهو صائم فليُجب، فإنْ شاء طَعِم وإن شاء ترك"، عنه جوابان:
                          أحدهما: إنه ليس فيه أنَّ الصائم مخيَّر بين إتمام الصوم وقطعه، وإنما فيه أنَّ له أنْ يُفطر إذا دُعي، ولو صار صائر إلى أنَّ هذه الحال عذر يبيحه الفطر، وأنها كالسَّفر؛ لم يبق لهم مِن الخبر شيء.
                          والجواب الآخر: أنه معارض بما رواه جابر26 أيضا؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دُعي أحدكم إلى وليمة، فليقل: إني صائم"27؛ فقصَره على هذا القول، وهذا ينفي التخيير.
                          وبما رُوي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دُعي أحدكم إلى طعام فليُجب، فإنْ كان مفطرا فليأكل، وإنْ كان صائما فليُصلِّ"28؛ ففرَّق بين حكم المفطر والصائم، فبطل بذلك ما قالوه.
                          وقولهم: "يخرج بالفساد منها" غير صحيح؛ لأنَّ الصوم يمضي في فاسده عندنا.
                          وأمَّا إذا دخل في الصوم على أنه عليه، ثم بانَ له أن ليس عليه، فالمعنى فيه: أنه لم يُلزِم نفسه شيئا؛ لأنه إنما دخل بشرط أنَّ عليه شيئا، فلمَّا بان له أنه لا شيء عليه كان على الأصل، والله أعلم​.

                          فصل
                          وأمَّا الدلالة على وجوب القضاء إذا أفطر عامدا مِن غير عذر في صيام التطوع:
                          فلِما29 رواه ابن وهب، قال: حدثني جرير بن حازم عن يحيى بن سعيد عن عَمْرة بني عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها قالت: أصبحتُ أنا وحفصة صائمتين، وأُهديت لنا هدية، فأكلنا، فدخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت حفصة ذلك له، فقال: "صُومَا يومََا مكانه""30.
                          ورواه عبد الله بن عمر عن الزهري عن عُروة عن عائشة وحفصة، أنهما قالتا: "أصبحنا صائمتين، وأهدي لنا31 طعام، فأكلناه، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: "اقضِيَا يوما مكانه"32.
                          ورواه مالك في الموطأ عن ابن شهاب: "أنَّ عائشة وحفصة أصبحتا صائمتين متطوعتين … " مرسلا، وذكر الحديث33.
                          ورواه عبد الله بن عبد الحكم، قال: حدثنا عاطف بن خالد عن زيد بن أسلم عن عائشة وحفصة: "أنهما أصبحتا صائمتين متطوعتين …"34، وذكر الحديث بعينه، وقال فيه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اقضِيا يوما مكانه، ولا تعودا".
                          وهذا يؤكِّد الأمر بوجوب القضاء، وفيه دلالة على سقوط التخيير​ ووجوب الإتمام؛ لأنه نهاهما عن العود لمثل ما فعلاه.
                          فإنْ قيل: فقد رُوي في هذا الحديث زيادة؛ وهو قوله: "إنْ شئتما"؛ وهذا يفيد تخيُّرهما في القضاء.
                          قيل له: هذه الزيادة لا تعرف في حديث صحيح، على أنها مُعارَضة بقوله: "ولا تعودا"، وهذا ينفي التخيير، وإذا تعارضا سقطا، ورجعنا إلى مجرَّد الأمر، على أنه قد رُوي: "فأمرهما أنْ يقضيا يوما مكانه".
                          وأيضا35: فلأنها عبادة مقصودة1 في نفسها، فجاز أنْ يجب القضاء على مفسد نفلها؛ اعتبارا بالحج والعمرة.
                          واستدلَّ مَن خالفنا:
                          بما رواه جرير بن عبد الحميد عن يزيد36 بن أبي زياد37 عن عبد الله بن الحارث عن أمِّ هانئ قالت: "لـمَّا كان يوم الفتح -فتح مكة- جاءت فاطمة فجلست عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم هانئ عن يمينه، قال: فجاءت الوليدة بإناء فيه شراب فناولته، فشرب منه، ثمَّ ناوله أمَّ هانئ، فشربت منه، فقالت: يا رسول الله لقد أفطرتُ وكنتُ صائمةََ؟. فقال لها: "أكنتِ تقضين شيئا؟ قالت: لا، قال: "فلا يضرك إنْ كان تطوعا""38.
                          ولأنها عبادة يخرج بالفساد منها؛ فلم يلزم قضاء تطوُّعها؛ اعتبارا​ بالوضوء والاعتكاف.
                          ولأنه مفطر في صيام تطوع؛ فأشبه الناسي39.
                          والجواب: أنَّ حديث أمِّ هانئ لا دلالة فيه مِن وجهين:
                          أحدهما: أنه ليس في الخبر أنها أفطرت ذاكرةََ الصومَ، إنما فيه: أنها شربت، ثمَّ قالت: "لقد كنت صائمة"، ويحتمل أنْ تكون أفطرت ناسية، بل هذا هو الظاهر، ونحن لا نُوجِب القضاء على المفطر ناسيا في التطوع.
                          والجواب الآخر: إنه يحتمل أنْ تكون أفطرت وهي ذاكرة غير مختارة لإفساد الصوم، ولكن اعتقدت أنَّ أمر النبي صلى الله عليه وسلم على الوجوب، وأنَّ ردَّه وإيثار الصوم40 على شرب ما قد أمرها بشربه ودفعه إليها معصية، وهذا عذر يجوز أنْ يُذهَب إليه.
                          وإنما خلافنا فيمن آثر قطع الصوم لغير عذر، فسقط التعلق بالخبر.
                          والمعنى في الوضوء؛ أنه غير مقصود لنفسه، وليس كذلك الصوم.
                          وأمَّا الاعتكاف؛ فيلزم القضاء فيه عندنا.
                          واعتبارهم بالناسي41؛ باطل، لأنه مفطر بعذر، وليس كذلك العامد.
                          والله أعلم.

                          فصل
                          وأمَّا الدلالة على أنه إذا أفطر42 بعذر فلا قضاء عليه:
                          فما رويناه من قوله صلى الله عليه وسلم [لأم هانئ]10: "إن كان تطوعا فلا قضاء عليك​"، وقد اتفقنا على أنَّ هذا لا يجوز أنْ يكون مع عدم العذر، فثبت أنَّ المراد به مع العذر.
                          ولأنه لابد أنْ يكون للفرض مزية على النفل في الإيجاب، ولو قلنا: إنَّ المتطوِّع يلزمه القضاء بنفس الإفطار مِن عذر وغير عذر لألحقناه بالواجب، ولم يكن بينهما فرق.
                          فصل
                          فأمَّا العذر الذي يسقط معه القضاء: فهو النسيان، والمرض، وشدة الحَرِّ والجوع والعطش الذي يُخاف مِن مثله المرض أو التلف.
                          وأمَّا السَّفر ففيه روايتان:

                          إحداهما: أنه عذر يسقط معه القضاء؛ وهي رواية ابن عبد الحكم43.
                          والأخرى: أنه ليس بعذر يبيح الفطر، وأنه متى أفطر فيه لزمه القضاء؛ وهي رواية ابن القاسم، وكذلك إنْ أنشأ صوم التطوع في السَّفر ثم أفطر فيه مِن غير عذر؛ ففيه روايتان على ما ذكرناه.
                          فإذا قلنا: أنه عذر يسقط معه القضاء؛ فوجهه أنْ نقول: لأنَّ كل معنى جاز فيه الإفطار في رمضان سقط به القضاء في التطوع؛ أصله: المرض.
                          أو نقول: لأنه معنى تسقط به الكفارة الكبرى عن القاصد للأكل فيه​ في رمضان، فوجب أنْ يسقط به القضاء عن المتطوع؛ أصله: النسيان.
                          وأيضا: فلأنَّ للفرض مزية على التطوع، فكل موضع وجبت الكفارة فيه بالفرض سقطت في التطوع، ووجب القضاء فقط، فيجب أنْ يكون الموضع الذي يوجب القضاء في الفرض ويسقط الكفارة مسقطا للقضاء في التطوع.
                          وإذا قلنا: إنه ليس بعذر يُسقِط القضاء.
                          قلنا: لأنه أفطر مختارا مع إمكان إتمام الصيام؛ فأشبه الحاضر.
                          والقول الأوَّل أوْلى.


                          --------------------------------

                          1 - سقطت من طبعة المالكية وطبعة الدمياطي.

                          2 - وقعت في طبعة الدمياطي وفي نسخة [الكلام​].

                          3 - وقعت في طبعة المالكية وطبعة الدمياطي ونسخة [صيام].

                          4 - رواه البخاري (46) ومسلم (8[11]) من حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه.

                          5 - في طبعة المالكية وفي نسخة [من] ولم ينبه على ذلك.​

                          6 - رواه البخاري (5195) عن أبي اليمان عن شعيب به، بنحوه مختصرا.

                          7- رواه مسلم (1026)، عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق، به، ورواه البخاري (5192) من طريق ابن المبارك عن معمر به، بأخصر منه.
                          ​​
                          8 - رواه أبو داود في سننه (2459) وابن ماجه (1762) [وأحمد في المسند وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وأبي يعلى في مسنده وغيرهم] من طرق عن الأعمش، به، بمثله، ورواية ابن ماجه مختصرة، وقال ابن حجر في الإصابة (153/5): "إسناد صحيح [وقال البوصيري: إسناده صحيح على شرط البخاري وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، جاء في حاشية ط التأصيل: هذا الإسناد موافق لمسلم]، ولكن يشكل عليه أن عائشة قالت في حديث الإفك: إن صفوان قال: "والله ما كشفت كنف أنثى قط"، وقد أورد هذا الإشكال قديما البخاري، ومال إلى تضعيف حديث أبي سعيد بذلك [وكذا البزار (بحثت عليه في المسند ولم أجده) فيما نقله الحافظ في الفتح(402/10) ط طيبة قال: قال البزار: هذا الحديث كلامه منكر، ولعل الأعمش أخذه من غير ثقة فدلسه فصار ظاهر سنده الصحة، وليس للحديث عندى أصل. انتهى. ثم تعقبه الحافظ بقوله: وما أعله ليس بقادح، لأن ابن سعد صرح في روايته بالتحديث بين الأعمش وأبي صالح، ... يكما في مضانه فكلامه مهم. ]، ويمكن أن يجاب بأنه تزوج بعد ذلك".

                          9 - تحرفت في طبعة الدمياطي إلى [يصلي].​

                          10 - سقطت من طبعة الدمياطي.


                          11 - رواه الطبراني في الأوسط [وفي الكبير] (4213) من طريق الربيع بن سليمان عن ابن وهب، به، بلفظهن وقال: "وتفسير "الشهوة الخفية" مما لا يرضي الله عز وجل". وهذا طريق ضعيف جدا من أجل الحارث بن مهران متروك الحديث، وعبد الواحد بن زيد البصري ضعيف الحديث من علماء الجرح والتعديل من أغلظ فيه القول كابن معين والبخاري وأحمد والنسائي.
                          الذي يهمني في هذا التخريج الشاهد وهو "فتعرض له شهوة من شهواته فيواقعها، ويدع صومه"، أقول هذا لأن لبعض الحديث شواهد صحيحة:
                          وقد روى الطبراني من طريق يزيد بن خالد الهمداني عن ابن وهب بمثل الطريق السابق.
                          وتابع الالحارث بن مهران أربعة من الرواة:
                          زيد بن حباب [صدوق] رواه عنه أحمد في مسنده.
                          مكي بن إبراهيم الحنظلي [ثقة ثبت] أخرج حديثه الحاكم في المستدرك.
                          مسلم بن إبراهيم الفراهيدي [ثقة] أخرج حديثه الطبراني في المعجم الكبير وعنه أبو نعيم في الحلية.
                          قرة بن حبيب التستري [ثقة] رواه الطبراني في مسند الشاميين.
                          لكن يبقى مدار الحديث على عبد الواحد البصري، وقد تفرد بالشاهد فهو لا يصح على كل حال.


                          12 - وقعت في طبعة الدمياطي ونسخة [عنه].​

                          13 - وقعت في طبعة المالكية وطبعة الدمياطي ونسخة [فعلها].​

                          14 - في نسخة [الحج].


                          15 - القعب: القدح الضخم. [تاج العروس (63/4)].

                          16 - الحَيْسُ: تمر يُخلط بسمن وأقط [لبن مجفف يابسش مستحجر يطبخ به] قيعجن. [تاج العروس (568/15)].

                          17 - ينظر ما سبق (المسألة 2 الحاشية 20 والحاشية 29)، وما سيأتي (الحاشية 19 من هذه المسألة).

                          18 - ينظر ما قبله.

                          19 - رواه أحمد (26893) والترمذي (732) [ورواه الطيالسي وإسحاق في مسندهما والدراقطني في السنن] من طرق عن جعدة عن أم هانئ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الترمذي: "في إسناده مقال" [ولعل المقال في عدم سماع جعدة المخزومي من أم هانئ] والعمل عليه عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن الصائم المتطوع إذا أفطر فلا قضاء عليه إلا أن يحب أن يقضيه وهو قول سفيان الثوري وأحمد وإسحاق والشافعي، وقال البخاري في التاريخ الكبير (239/2): "لا يعرف إلا بحديث فيه نظر".
                          قال الحاكم في المستدرك بعد رواية حديث عن أم هانئ: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وتلك الأخبار المعارضة لهذا لم يصح. وفي الإسناد يحيى بن أبي الحجاج الخقاني لين الحديث.
                          وقال الدارقطني في السنن: اختلف عن سماك فيه: وإنما سمعه سماك من ابن أم هانئ عن أبي صالح [باذام الكوفي] عن أم هانئ، وقال كذلك في الأفراد هذا حديث غريب من حديث شعبة، عن سماك بن حرب، عن ابن أم هانئ. ، تفرد به أبو داود الطيالسي عنه.
                          وللحديث طرق كثيرة [روى الكثير منها أحمد في مسنده والدارقطني في سننه وكذا النسائي في الكبرى والدارمي في سننه الحاكم في مستدركه وابن أبي شيبة في مصنفه والطبراني في المعجم الكبير وابن أبي عاصم في الأحاد والمثاني وغيرهم] تعبت في تتبعها وما سلم لي طريق من علة.


                          20 - رواه البيهقي في الكبرى (8357) من طريق عون بن عمارة عن جعفر بن الزبير [متروك الحديث ونسبه شعبة وغيره للكذب والوضع] عن القاسم عن أبي أمامة به، بلفظه، وقال: "تفرد به عون بن عمارة العنزي وهو ضعيف [وفي الحديث كذلك أبو الفضل العباس بن محمد النيسابوري مجهول الحال]"، وأورده موقوفا عن ابن عمر (8355)، وقال: "ورُوي هذا من أوجه أخر مرفوعا، ولا يصح رفعه".
                          ورواه الطبراني في الكبير من طريق علي بن غراب الفزاري عن جعفر بن الزبير به، بلفظ "الصائم المتطوع بالخيار إلى نصف النهار".
                          وروى البيهقي في السنن الكبير حديثا عن أنس رضي الله عنه، وفيه عون بن عمارة كذلك.


                          21 - رواه مسلم (1430) [وأبو داود والنسائي في الكبرى في وابن ماجه وأحمد في مسنده ].

                          22 - لم ينفرد به طلحة بن يحيى، فقد تابعه فضيل بن عمرو كما عند مسلم في صحيحه (2662) [وكذلك تابعه يحيى بن إسحاق الأنصاري كما عند الطيالسي في مسند وفيه قيس بن الربيع الأسدي صدوق تغير لما كبر]، وأنكره أحمد أيضا -كما في ضعفاء العقيلي (160/3)- ورأى أن فضيل بن عمرو سمعه من طلحة، فرجع الحديث إليه، والحديث محل تنازع بين المحدثين.
                          أما حديث الباب فقد صححه مسلم وجمع من الحفاظ كما سبق (المسألة 2 الحاشية 20 والحاشية 29​).

                          23 - تحرفت في طبعة الدمياطي إلى [خوف].​

                          24 - قال النووي في شرح مسلم (16/ 318-319): "أجمع من يعتد به من علماء المسلمين على أنَّ مَن مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة لأنه ليس مكلفا".
                          وتوقف فيع بعض مَن لا يعتد به لحديث عائشة هذا.
                          وأجاب العلماء:
                          بأنه لعلَّه نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير أن يكون عندها دليل قاطع، كما أنكر على سعد بن أبي وقاص في قوله: "أعطه إني لأراه مؤمنا، قال: أو مسلما" الحديث.
                          ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم قال هذا قبل أن يعلم أن أطفال المسلمين في الجنة، فلما علم ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يموت له من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم" وغير ذلك من الأحاديث، والله أعلم.

                          25 - وقعت في طبعة الدمياطي ونسخة [فعلها].​

                          26 - لعله سبق قلم من المؤلف رحمه الله، فالحديث المذكور من رواية أبي هريرة، وأما حديث جابر فرواه مسلم (1430) وغيره، وفيه: "إذا دعي أحدكم إلى طعام، فليجب، فإن شاء طعم، وإن شاء ترك".

                          27 - رواه مسلم في صحيحه (1150) من حديث أبي هريرة، وفيه: "إلى طعام وهو صائم" بدلا: "إلى وليمة".

                          28 - رواه مسلم في صحيحه (1431) من حديث أبي هريرة.

                          29 - وقعت في طبعة الدمياطي ونسخة [فما].​

                          30 - في طبعة المالكية [إلينا].


                          31 - أخرجه النسائي في الكبرى (3282) عن أحمد بن عيسى عن ابن وهب به، بمثله، قال البيهقي في الكبرى (465/4): "وجرير بن حازم وإن كان من الثقات فهو واهم فيه، وقد خطَّأه في ذلك أحمد بن حنبل وعلي بن المديني، والمحفوظ عن يحيى بن سعيد عن الزهري عن عائشة مرسلا"، وقال في الخلافيات (100/5): "تتابعت الأخبار بهدُ عن الحفاظ بإرسال الزهري الحديث... وقيل: عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها، وهو وهم"، وساق الدارقطني في العلل (43/15) طرق الحديث بتوسع، وختمها بقوله: "ليس فيها كلِّها شيء ثابت".
                          قال الترمذي في جامعه: ورواه مالك بن أنس [في موطئه] ومعمر [النسائي في الكبرى وابن راهويه في مسنده] وعبيد الله بن عمر وزياد بن سعد وغير واحد من الحفاظ [وزاد البيهقي في السنن الكبير: يونس بن يزيد [البيهقي في الكبير] وابن جريج [في جزءه والطوسي في مستخرجه وابن رهويه في مسنده] ويحيى بن سعيد وسفيان بن عيينة [ابن رهويه في مسنده ويعقوب الفسوي في المعرفة والتاريخ] ومحمد بن الوليد الزبيدى وبكر بن وائل]عن الزهري عن عائشة مرسلا ولم يذكروا فيه عروة وهذا أصح لأنه روي عن ابن جريج قال: سألت الزهري، قلت له: أحدثك عروة، عن عائشة، قال: لم أسمع من عروة في هذا شيء، ولكني سمعت في خلافة سليمان بن عبد الملك من ناس، عن بعض من سأل عائشة عن هذا الحديث.
                          وقال الترمذي سألت محمد إسماعيل البخاري عن هذا الحديث، فقال: لا يصح حديث الزهري عن عروة عن عائشة، وكذلك قال محمد الذهلي...


                          32 - علل الدارقطني (44/15)، والصواب فيه: عن الزهري عن عائشة. كما سبق. حاشية 27.

                          33 - الموطأ (1084).

                          34 - علل الدارقطني (44/15)، وساق طرق الحديث وختمها بقوله: "وليس فيها كلها شيء ثابت".

                          35 - سقطت من طبعة المالكية.

                          36 - حرفها محقق طبعة المالكية ولم يعلل حتى سبب تغيره مع أنه أقر أن [يزيد] في النسختين.​​

                          37 - وقعت في طبعة المالكية وطبعة الدمياطي ونسخة [زيادة].​​

                          38 - رواه أبو داود (2456) عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير به، بلفظه، روي من طرق كثيرة واختلف في سنده ومتنه، وسبقمنه حديث: "الصائم المتطوع أمير نفسه"، وقال الذهبي في المهذب (720: لا أراه يصح، فإن يوم الفتح كان صومها فرضا لأنه رمضان، وقال ابن التركماني في الجوهر النقي (278/4): هذا الحديث اضطرب متنا وسندا؛ أما اضطراب متنه فظاهر، وقد ذُكر فيه أنه كان يوم الفتح، وهي أسلمت عام الفتح، وكان الفتح في رمضان؛ فكيف يلزمها قضاؤه.

                          39 - تحرفت في طبعة الدمياطي إلى [الناس].

                          40- تحرفت في طبعة الدمياطي وفي إحدى النسخ إلى [الشرب].

                          41 - وقعت في طبعة ابن حزم [فطر].
                          وتواصلت مع المشرف على العمل بارك الله فيه فقال:
                          نعم واضح أنه خطأ، بارك الله فيك، جل من لا يسهو.
                          وأمدني بالموضع في المخطوط جزاه الله خيرا.
                          https://shortest.link/nNHQ


                          42 - في النوادر والزيادات (21/2) قال ابن عبد الحكم: "يجب قضاؤه".
                          التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد المهيمن سمير البليدي; الساعة 20-Mar-2024, 11:48 PM.

                          تعليق


                          • #14
                            [10]مسألة1


                            قال رحمه الله:
                            "ولا بأس بالسِّواك للصائم في جميع نهاره".
                            قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي [بن نصر]2 رحمه الله:

                            لا خلاف في إباحة ذلك في أول النهار، وإنما الخلاف في آخره.
                            فعندنا وعند أبي حنيفة: أنه مباح في أول النهار وآخره.
                            وعند الشافعي: أنه مكروه في آخر النهار.
                            والدلالة على صحة قولنا:
                            ما رواه الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير خِصال الصائم السِّواك"​3؛ وهذا يفيد أنه مندوب إليه ما كان صائما.
                            ورَوى أبو هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لولا أنْ أشق على أُمَّتي لأمرتهم بالسِّواك عند كل صلاة"4. ولم يخص صائما مِن مفطر.
                            ورَوى نافع عن ابن عمر: "أنه كان يستاك لكل صلاة وهو صائم"5.
                            ولأنَّ كل معنى لم يُكره أوَّلَ النهار لم يًكره آخرَه؛ أصله: المضمضة.
                            ولأنَّ أوقات الصوم متساوية فيما هو مِن شرط الصحة؛ فوجب أنْ يتساويا في شرط الندب.
                            واستدل مِن خالفنا:
                            بقوله صلى الله عليه وسلم: "لخُلوف فمِ الصائم أطيب عند الله مِن ريح المسك"6 والسواك يُذهب بالخُلوف، فوجب أن يكره.
                            ولأنها رائحة مُكتسَبة عن عبادة، فالاختيار أن لا تُزال؛ كالشَّعَث للحاج حال حَجِّه.
                            فالجواب عن الخبر: أنَّ الخُلوف ليس يُذهبه السِّواك؛ لأنه حادث عن الجوع، قيل: إنه بخار يصعد مِن المعدة، والسواك ليس له عمل إلَّا في تنقية الفم فقط، فلم يكن في الخبر دلالة على موضع الخلاف.
                            وعلى أنَّ معنى الخبر: حصول الثواب عليه، والسِّواك لا يُسقط ذلك.
                            والمعنى فيما ذكروه كراهيته في أول الحج، وليس كذلك السواك في​ الصوم؛ لأنه غير مكروه في أول النهار، فكذلك في آخره، والله أعلم.

                            فصل

                            فأما الرَّطب مِن المساويك فإنه يُكره استعماله، لا لمعنى يرجع إلى السواك، لكن لأنه قد يتطعَّمه فيؤدِّي ذلك إلى إفطاره، فكُرِه [له]7 ذلك لما ذكرناه، فإن سَلِم؛ فلا شيء عليه​.

                            ​--------------------------------

                            1 - في طبعة الدمياطي [فصل] مكان [مسألة].

                            2 - زيادة تفردت بها طبعة الحزانة ولم يشيروا أنها زيادة من نسخة.​


                            3 - رواه ابن ماجه (1677) والدراقطني في السنن (2371) [والطبراني في الأوسط والأزجي في الفوائد المنتقاة] من طريق مجالد عن الشعبي، به، بلفظه، وقال الدراقطني: مجالدٌ غيره أثبت منه، وضعفه ابن حجر في التلخيص الحبير [والمطالب العلية] (170/1) [ وقال البزار: تكلم فيه بعض أهل العلم، ذكره العقيلي في الضعفاء وقال أبو حاتم: لا يحتج بحديثه، وليس بقوى الحديث وغيرهم].

                            4 - رواه البخاري (887) ومسلم (252).

                            5 - ينظر: مصنف ابن أبي شيبة (9241)(9249)(9264).

                            6 - رواه البخاري (1904) ومسلم (1151) من طريق أبي هريرة.

                            7 - زيادة من طبعة المالكية وهي في نسخة.
                            التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد المهيمن سمير البليدي; الساعة 21-Mar-2024, 01:24 AM.

                            تعليق


                            • #15
                              [11] مسألة



                              قال رحمه الله:
                              "ولا تُكرَه له الحِجامة إلا خيفَة التغرير".
                              قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي [بن نصر]1 رحمه الله:
                              هذا قول جميع أصحابنا، وهو مروي عن المشيخة السبعة، وهو قول أبي حنيفة والشافعي وسائر الفقهاء.
                              وقال أحمد بن حنبل: الحجامة تفطر الصائم، وعليه إعادة يومِِ مكانه، ولا كفارة عليه.
                              وحُكي عن عطاء أنه كان يقول: عليه الكفارة.
                              والدلالة على صحة قولنا:
                              ما رواه أيوب عن عكرمة عن ابن عباس: "أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم"2.
                              وروى شعبة عن3 يزيد4 بن أبي زياد عن مِقْسم عن ابن عباس: "أنه احتجم وهو صائم محرما"5.
                              وروى حُميد عن أبي المتوكل عن أبي سعيد: "أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رخَّص​ في الحجامة والقبلة للصائم"6.
                              ورَوى زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ثلاثة لا يُفطِّرن الصائم: الحِجامة، والقيء، والاحتلام"​7.
                              ورَوى أبو داود قال: حدثنا محمد بن كثير، قال: حدثنا سفيان عن زيد بن أسلم عن رجل مِن أصحابه عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يُفطِر مَن قاء، ولا مَن احتلم، ولا مَن احتجم"8.
                              ولأنَّ الحجامة في معنى الجراح، فإذا كانت الجراحة لا تفطِّر؛ كذلك الحجامة.
                              واحتج من خالفنا:
                              بما رواه أبو أسماء الرَّحبي عن ثوبان، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول "أفطر الحاجم والمحجوم"9.
                              وروى أبو قِلَابة عن أبي الأشعث عن شداد بن أوس أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على10 رجل11 بالبقيع وهو يحتجم، وهو آخذ بيدي لثمان عشرة خلت12 مِن رمضان فقال: "أفطر الحاجم والمحجوم"13.
                              ولأنه دم يخرج مِن البدن معتادا، فجاز أنْ يفطِّر؛ أصله: الحيض​.
                              ولأنَّ الفطر يقع بالخارج من البدن، كما يقع بالداخل فيه؛ أصله: ما ذكرناه.
                              والجواب: عن الخبر من وجهين:
                              أحدهما: أنه مجاز، وعلى تأويل أنَّ أمرهما يؤول إلى الفطر، فسماهما بما يؤول إليه أمرهما، وهذا وجهٌ مِن المجاز، وقد ورد به الاستعمال؛ قال الله تعالى: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف:36]، أي: ما سيصير خمرا.
                              وقد أجاب بعض أصحابنا عنه بأنْ قال: إنه قد ذُكر أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم مرَّ بهما وهما يغتابان رجلا، فقال: "أفطر الحاجم والمحجوم"، وهذا لا معنى له؛ لأنَّ هذا نقل حال، كما رُوي أنه مرَّ بهما في اليوم الثامن عشر مِن رمضان أنَّ هذا نقل حال، لا أنَّ لهذا اليوم اختصاصا بذلك.
                              والجواب الآخر: إنه منسوخ بما ذكرناه وما سنذكر.
                              فرَوى عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا خالد بن مخلد عن عبد الله بن المثنى عن ثابتِِ عن أنس، قال: كان14 [بدء ما ذُكرت]15 الحِجامة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مَّر على جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وهو يحتجم بالبقيع لثمان عشرة خلت من رمضان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفطر هذان"، ثمَّ رخَّص النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في الحِجامة للصائم.​16
                              ورُوي عن أنس: "أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم احتجم في رمضان، بعدما قال: "أفطر الحاجم والمحجوم"17.
                              واعتبارهم بدم الحيض؛ ينقض بالفصاد18 والرُّعاف.
                              ثمَّ المعنى في دم الحيض أنه دم يوجب الغسل؛ فلذلك جاز أنْ يفطر، وليس كذلك الحِجامة؛ لأنَّ خروج الدم فيها لا يوجب الغسل، فلم يقع به الفطر.
                              وقولهم: "إنَّ الفطر قد يقع بالخارج من البدن"، فنحن لم ننكر هذا، ولكن ليس كل خارج مِن البدن يُفطِّر.

                              فصل
                              فأما وجه كراهيتها: فلِما ذُكر من التغرير بالصيام، وذلك أنَّ الغالب مِن حال مَن يحتجم أنه يلحقه ضعفٌ يمنعه الصوم إلَّا على شدة، فكُرهت لذلك.
                              وقد رُوي هذا المعنى عن الصحابة:
                              فرَوى سعيد بن المسيب عن علي رضي الله عنه أنه قال: "إنما كُرهت الحجامة للصائم مخافة الضعف"19.
                              ورُوي مثله عن ابن عباس20، وأبي سعيد الخدري21، وأنس بن مالك22.
                              ورَوى عبد الرحمن بن عابس23 عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، [ثمَّ عليهم]24 قالوا: "إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحِجامة للصائم إبقاءََ25 على أصحابه"26.
                              وقد رُوي أيضا عن جماعة مِن التابعين​27.


                              ​--------------------------------

                              1 - زيادة تفردت بها طبعة الحزانة ولم يشيروا أنها زيادة من نسخة..​

                              2 - رواه البخاري (193 من طريق وهيب عن أيوب به، وزاد في أوله: "احتجم وهو محرم".

                              3 - في طبعة المالكية وطبعة الدمياطي ونسخة [بن] وهو تحريف.

                              4 - أثبت محقق طبعة المالكية زيد وهو تحريف وأشار للصحيح في الحاشية بلا تنبيه.


                              5 - رواه أبو داود (2373) والنسائي في السنن الكبرى (3213) [وأحمد في المسند] من طرق عن شعبة عن يزيد بن أبي زیاد [الجمهور على تضعيفه كما أشار إلى ذلك ابن حجر في هدي الساري]، به، بمثله، [ورواه ابن ماجه أحمد في مسنده والطوسي في المستخرج وابن أبي شيبة وعبد الرزاق في مصنفيهما والدراقطني في السنن والفريابي في كتاب الصيام والطحاوي في شرح معاني الآثار وأبو نعيم في أخبار أصبهان من طرق عن يزيد بن أبي يزيد به] وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (1411/3): "وله طرق عند النسائي غير هذه، وهَّاها وأعلَّها، واستشكل كونه صلى الله عليه وسلم جمع بين الصيام والإحرام ..."، قال ابن حجر: "ثم ظهر لي أنَّ بعض الرواة جمع بين الأمرين في الذِّكر [قال النسائي في السنن الكبرى جمع بين الحديثين محمد بن جعفر]، فأوهم أنهما وقعا معا، والأصوب رواية البخاري: احتجم وهو صائم، واحتجم وهو محرم"، فيحمل على أن كل واحد منهما وقع في حالة مستقلة..."، ثم ساق كلاما ينظر في موضعه.

                              [ورواه النسائي في الكبرى وغيره من طريق ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم بحلي جمل وهو صائم محرم وكذا من نفس الطريق بالجمع بين الصيام والإحرام والحديث كذلك عند النسائي في الكبرى كذلك]

                              [وروي من طريق مقسم بلفظ وهو صائم فقط رواه شعبة عن الحكم بن عتيبة الكندي عن مقسم، عند النسائي في الكبرى وأحمد والطيالسي في مسنديهما وابن الجارود في السنن وابن أبي شيبة في المصنف وابن الجعد في مسنده]

                              [وروي من طريق مقسم بلفظ وهو محرم فقط وهو عند النسائي في الكبرى ومن طريق يزيد بن أبي زياد في مسند أبي يعلى والحميدي والمنتقى لابن الجارود ]

                              قال البزار وهذا الحديث قد روي عن ابن عباس من وجوه كثيرة بألفاظ مختلفة، وروي من غير ابن عباس.

                              6 - رواه الدراقطني في سننه (226​​​ [النسائي في الكبرى (وقال: وقفه بشر وإسماعيل وابن أبي عدي) وابن خزيمة في الصحيح والطبراني في الأوسط ] من طرق عن المعتمر بن سليمان عن حميد، به، بمثله، وقال: (كلهم ثقات، وغير المعتمر يرويه موقوفا)، وقال الترمذي في العلل الكبير (125): "حديث أبي المتوكل عن أبي سعيد موقوفا أصح".
                              [وروى النسائي في الكبرى والدراقطني في السنن والطبراني في الأوسط الحديث من طريق الثوري عن خالد الحذاء عن أبي المتوكل بلفظ: رخص في الحجامة للصائم.]
                              وقد فصل ابن خزيمة أن الموقوف هو الترخيص في الحجامة فقط حيث قال: والدليل على أنه ليس في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الحجامة ثم أسند أثرا عن أبي سعيد الخدري قال: رخص للصائم في الحجامة والقبلة. ثم قال ابن خزيمة: فهذا الخبر رخّص للصائم في الحجامة والقبلة، دالّ على أنه ليس فيه ذكر النّبي صلى الله عليه وسلم.
                              ثم أسند أثرا عن أبي سعيد قال: إنما كرهت الحجامة للصائم مخافة الضعْف.


                              7 -​ رواه الترمذي (719) من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه، به، بمثله، وقال: "حديث أبي سعيد الخدري حديث غير محفوظ، وقد روى عبد الله بن زيد بن أسلم وعبد العزيز بن محمد وغير واحد هذا الحديث عن زيد بن أسلم مرسلا [روى الحديث المرسل ابن خزيمة في صحيحه وابن أبي شيبة في مصنفع وابن القاسم في المدونة ]"[وقال البيهقي في السنن الكبير بعدما روى الحديث هذا من طريق عبد الرحمن بن زيد: كذا رواه عبد الرحمن بن زيد وليس بالقوى. والصحيح رواية سفيان الثورى [قال ابن خزيمة: فلو كان هذا الخبر عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، لباح الثوري بذكرهما، ولم يسكت عن اسمهما] وغيره عن زيد بن أسلم عن رجل من أصحابه عن رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "لا يفطر من قاء، ولا من احتجم، ولا من احتلم. ثم أسنده، أخبرناه على بن أحمد بن عبدان، حدثنا أبو القاسم سليمان بن أحمد، حدثنا إسحاق الدبرى، عن عبد الرزاق، عن الثورى. فذكره والحديث أخرجه أبو داود في سننه وابن خزيمة في صحيحه وعبد الرزاق في مصنفه].

                              8 - رواه أبو داود (2376) عن محمد بن كثير [ورواه عبد الرزاق عن معمر وابن خزيمة عن الذهلي عن الفريابي والضحاك]، به، بلفظه، وفي سنده رجل مبهم، وقال ابن حجر في التلخيص (1419/3): "ورجحه أبو حاتم وأبو زرعة، وقالا: إنه أصح، وأشبه بالصواب، وتبعهما البيهقي".

                              9 - رواه أبو داود (2367) وابن ماجه (1680)، قال ابن حجر في التلخيص الحبير (1414/3): "فيه: عن ثوبان، وشداد بن أوس، ورافع بن خديج، وأبي موسى، ومعقل بن يسار، وأسامة بن زید، وبلال ، وعلي، وعائشة، وأبي هريرة، وأنس، وجابر، وابن عمر، وسعد بن أبي وقاص، وأبي يزيد الأنصاري، وابن مسعود".
                              وحديث ثوبان هذا قال ابن حجر: "قال علي بن سعيد النسوي: سمعت أحمد يقول: "هو أصح ما روي فيه"[وصححه الأئمة: أحمد، وابن المديني، وابن راهويه، والبخاري، والعُقيلي، وابن خزيمة، والحاكم، وغيرهم ومن مصادر مراجعة تخريج الحديث ومعرفة اختلافه ومن صححه يراجع: تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي، السنن الكبرى فقد أبدع في عرض الطرق، وجزء حديثس نفيس للبزار صاحب البحر الزخار(حديث الحجامة للصائم تحقيق محمد بن عبد الله السريع طباعة مركز إحسان)، تهذيب السنن لابن قيم الجوزية، فتح الباري تحت باب الحجامة والقيء للصائم)، والحديث منسوخ [وذلك بفعله فقد احتجم وهو صائم وكذا قول أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه رُخص وهي من ألفاظ النسخ وبحديث ثلاث لا يفطرن الصائم وهو ضعيف، ورجح ابن عبد البر أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم في حجة الوداع، وضعف الحديث يحي بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني ] وهو منقول عن جمع من الصحابة وهو قول الجمهور.]، وكذا قال الترمذي عن البخاري"، وبوَّب البيهقي في سننه الكبرى (4/ 444): "باب في ذكر بعض ما بلغنا عن حفاظ الحديث في تصحيح هذا الحديث".​
                              [والجمهور [الحنفية والمالكية والشافعية] على أن الحجامة غير مفطرة خلافا للحنابلة وهي من مفرداتهم]

                              10 - سقطت من طبعة الدمياطي.

                              11 - مع سقوط [على] وقعت [رجلا].


                              12 - في طبعة الدمياطي ونسخة [خلتن].

                              13 - رواه أبو داود (2369)، وابن ماجه (1681)، وينظر ما قبله [الحاشة 8].

                              14 - سقطت من طبعة المالكية وطبعة الدمياطي.

                              15 - في طبعة المالكية وطبعة الدمياطي ومصادر التخريج [أول ما كرهت].

                              16 - رواه الدارقطني في سننه (2260) ، عن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي عن عثمان بن أبي شيبة [وتابع عبد الله البغوي محمد بن عثمان بن أبي شيبة وروى حديثه ابن بشران في أماليه عن محمد بن أحمد الصواف]​، به، بمثله، وقال: "كلهم ثقات، ولا أعلم له علة"، وتعقبه ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق بقوله (276/3): "هذا الحديث حديث منكر، لا يصلح الاحتجاج به، لأنه شاذ الإسناد والمتن، ولم يخرجه أحد من أئمة الكتب السنة، ولا رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ولا الشافعي ولا أحد من أصحاب المسانيد المعروفة ....
                              وكيف يكون هذا الحديث صحيحا سالما من الشذوذ والعلة ولم يخرجه أحد من أئمة الكتب السنة ولا المسانيد المشهورة، وهم محتاجون إليه أشد حاجة ؟!
                              والدارقطني إنما جمع في كتابه السنن غرائب الأحاديث، والأحاديثُ المعللة والضعيفة فيه أكثر من الأحاديث الصحيحة السالمة من التعليل.
                              وقوله في رواة هذا الحديث: "كلهم ثقات، ولا أعلم له علة" فيه نظر من وجوه
                              أحدها: أن الدارقطني نفسه تكلم في رواية عبد الله بن المثنى، وقال: ليس هو بالقوي، في حديث رواه البخاري في صحيحه.
                              الثاني: أن خالد بن مخلد القطواني وعبد الله بن المثنى قد تكلم فيهما غير واحد من الحفاظ -وإن كانا من رجال الصحيح-، .....
                              وأصحاب الصحيح إذا رووا لمن قد تكلم فيه فإنهم ينتقون من حديثه ما لم ينفرد به، بل وافق فيه الثقات، وقامت شواهد صدقه.
                              الثالث: أن عبد الله بن المثنى قد خالفه في روايته عن ثابت هذا الحديث أمير المؤمنين في الحديث؛ شعبة بن الحجاج فرواه بخلافه، كما ذكر ذلك البخاري في صحيحه.
                              ثم لو سُلِّم صحة حديث أنس لم يكن فيه حجة؛ لأن جعفر بن أبي طالب قتل في غزوة مؤتة، وكانت مؤتة قبل الفتح، وقوله : "أفطر الحاجم والمحجوم" كان عام الفتح بعد قتل جعفر بن أبي طالب."
                              وقال الذهبي في المهذب (7177): "في خالد وعبد الله مقال، وإذا انفرد خالد بشيء عد منكرا".

                              17 - رواه الدارقطني في سنته (2264-2267) [من] طريق ياسين الزبات [متروك]عن أيوب العجلي [منكر الحديث] ويزيد الرقاشي [ضعيف] والربيع بن أنس [صدوق] ورجل عن أنس، وقال: اختلف عن ياسين، وهو ضعيف [بل متروك كما مر].

                              18 - في طبعة الدمياطي ونسخة [الفساد] وهو تحريف.

                              19 - ورد هذا القول بمعناه عن أنس وأبي سعيد وأبي عبد الرحمن السلمي وابن أبي ليلى عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وغيرهم ينظر مصنف ابن أبي شيبة (213/6) (من رخص للصائم أن يحتجم).

                              20 - شرح معاني الآثار (3433).

                              21 - مصنف ابن أبي شيبة (9415)، شرح معاني الآثار (3424).

                              22 - شرح معاني الآثار (3430).

                              23 - في طبعة المالكية وطبعة الدمياطي ونسخة [عياش] وهو تحريف، والموافق لمصادر التخريج [عابس].

                              24 - وقعت في طبعة المالكية وطبعة الدمياطي [أنهم قالوا].

                              25 - في النسخ الخطية وطبعة المالكية وطبعة الدمياطي [اتقاء] وما أثبت محقق الخزانة من مصادر التخريج.


                              26 - سنن أبي داود (2374)، [وأحمد في مسنده وقد رواه أبو داود من طريقه] مصنف عبد الرزاق [ورواه أحمد من طريقه ومن طريق بن مهدي ووكيع] (7535)، مصنف ابن أبي شيبة [وفي مسنده] (9420). كلهم من طريق الثوري به.

                              27 - ينظر: مصنف ابن أبي شيبة (6/ 217-220)، شرح معاني الآثار (100/2).
                              التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد المهيمن سمير البليدي; الساعة 25-Mar-2024, 06:12 PM.

                              تعليق

                              يعمل...
                              X