إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

صلاة المأموم مع الإمام بين المتابعة والاستقلال ( الحلقة الثانية)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [مقال] صلاة المأموم مع الإمام بين المتابعة والاستقلال ( الحلقة الثانية)


  • #2
    رد: صلاة المأموم مع الإمام بين المتابعة والاستقلال ( الحلقة الثانية)

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له
    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
    يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون
    يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا
    يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما
    أما بعد:
    فقد تحدثنا في الحلقة الأولى عن مذاهب العلماء في حقيقة ارتباط المأموم مع الإمام وبيّنا الغاية من وجود الإمام وما يجب أن يكون عليه من التقوى والأخلاق الحميدة؛ هذا وقد جاءت نصوص تبيّن وجوب الارتباط بالإمام في وقت وحال وفي بعض النصوص عدم متابعته في حال أخرى وقد ذكرت في هذه الحلقة ( الثانية) بعض تلك الأدلة مع مناقشتها مستدلا بكلام الأئمة؛ فأرجو الله أن أكون قد وفقت للخير والصواب؛ فما كان صوابا فمن الله وما كان غير ذلك فأستغفر الله وأتوب إليه.

    ومما يدلل على وجوب متابعة الإمام

    ما جاء في صحيح البخاري1/149:" عن أَنَسِ بن مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَقَطَ عن فَرَسِهِ فَجُحِشَتْ سَاقُهُ أو كَتِفُهُ وَآلَى من نِسَائِهِ شَهْرًا فَجَلَسَ في مَشْرُبَةٍ له دَرَجَتُهَا من جُذُوعٍ فَأَتَاهُ أَصْحَابُهُ يَعُودُونَهُ فَصَلَّى بِهِمْ جَالِسًا وَهُمْ قِيَامٌ فلما سَلَّمَ قال إنما جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فإذا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وإذا رَكَعَ فَارْكَعُوا وإذا سَجَدَ فَاسْجُدُوا وَإِنْ صلى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا وَنَزَلَ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ فَقَالُوا يا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ آلَيْتَ شَهْرًا فقال إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ".
    وفي صحيح مسلم2/19:" عَنْ جَابِرٍ قَالَ اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُ النَّاسَ تَكْبِيرَهُ فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا فَرَآنَا قِيَامًا فَأَشَارَ إِلَيْنَا فَقَعَدْنَا فَصَلَّيْنَا بِصَلاَتِهِ قُعُودًا فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ « إِنْ كِدْتُمْ آنِفًِا لَتَفْعَلُونَ فِعْلَ فَارِسَ وَالرُّومِ يَقُومُونَ عَلَى مُلُوكِهِمْ وَهُمْ قُعُودٌ فَلاَ تَفْعَلُوا ائْتَمُّوا بِأَئِمَّتِكُمْ إِنْ صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا وَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا".

    قال الزيلعي في نصب الراية2/41:" رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى آخِرَ صَلَاتِهِ قَاعِدًا...
    ثم قال: الْأَظْهَرُ: أَنَّهُمَا كَانَا فِي وَقْتَيْنِ، وَإِنَّمَا أَقَرَّهُمْ عليه السلام فِي إحْدَى الْوَاقِعَتَيْنِ عَلَى قِيَامِهِمْ خَلْفَهُ، لأَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ كَانَتْ تَطَوُّعًا، والتطوعات يحتمل فيها مالا يُحْتَمَلُ فِي الْفَرَائِضِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ، كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ ... وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّطَوُّعَاتِ يُحْتَمَلُ فيها مالا يُحْتَمَلُ فِي الْفَرَائِضِ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ2 عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إيَّاكِ وَالِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ،فَإِنَّهُ هَلَكَةٌ، فَإِنْ كان لا بد، فَفِي التَّطَوُّعِ لَا فِي الْفَرِيضَةِ". وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَأَصْحَابُنَا يَجْعَلُونَ أَحَادِيثَ: " إذَا صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا"، مَنْسُوخَةً بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمَ: أَنَّهُ صَلَّى آخِرَ صَلَاتِهِ قَاعِدًا، وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامٌ".

    وقال العيني في عمدة القاري4/106:" قوله إن صلى قائما فصلوا قياما مفهومه إن صلى قاعدا يصلي المأموم أيضا قاعدا وهو غير جائز ولا يعمل به لأنه منسوخ لما ثبت أنه في آخر عمر صلى قاعدا وصلى القوم قائمين فإن قلت جاء في بعض الروايات فإن صلى قاعدا فصلوا قعودا قلت معناه فصلوا قعودا إذا كنتم عاجزين عن القيام مثل الإمام فهو من باب التخصيص وهو منسوخ كما ذكرنا".

    وقال الخطابي في معالم السنن1/153:" صلى قاعداً والناس من خلفه وهي آخر صلاة صلاها بالناس فدل أن حديث أنس وجابر منسوخ . ويزيد ما قلناه وضوحا ما رواه أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت لما ثقل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وذكر الحديث قالت فجاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى جلس على يسار أبى بكر وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصلي بالناس جالسا وأبو بكر قائماً يقتدي به والناس يقتدون بأبي بكر . حدثونا به عن يحيى بن محمد بن يحيى حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية . والقياس يشهد لهذا القول لأن الإمام لا يسقط عن القوم شيئا من أركان الصلاة مع القدرة عليه ألا ترى أنه لا يحيل الركوع والسجود إلى الإيماء فكذلك لا يحيل القيام إلى القعود . وإلى هذا ذهب سفيان الثوري وأصحاب الرأي والشافعي وأبو ثور . وقال مالك لا ينبغي لأحد أن يؤم بالناس قاعداً وذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ونفر من أهل الحديث إلى خبر أنس وأن الإمام إذا صلى قاعداً صلى من خلفه قعودا" .

    وقال البخاري في صحيحه2/98:" بَابٌ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ وَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ بِالنَّاسِ وَهُوَ جَالِسٌ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ إِذَا رَفَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ يَعُودُ فَيَمْكُثُ بِقَدْرِ مَا رَفَعَ ثُمَّ يَتْبَعُ الْإِمَامَ وَقَالَ الْحَسَنُ فِيمَنْ يَرْكَعُ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَتَيْنِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى السُّجُودِ يَسْجُدُ لِلرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَقْضِي الرَّكْعَةَ الْأُولَى بِسُجُودِهَا وَفِيمَنْ نَسِيَ سَجْدَةً حَتَّى قَامَ يَسْجُدُ".

    قلت( أبو الحسين): ليس في هذا الحديث إلا بيان أنه صلى الله عليه وسلم صلى جالسا؛ ومذهب البخاري أن القعود منسوخ.

    وفي سنن أبي داود ج1/ص164:"عن جَابِرٍ قال رَكِبَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَسًا بِالْمَدِينَةِ فَصَرَعَهُ على جِذْمِ نَخْلَةٍ فَانْفَكَّتْ قَدَمُهُ فَأَتَيْنَاهُ نَعُودُهُ فَوَجَدْنَاهُ في مَشْرُبَةٍ لِعَائِشَةَ يُسَبِّحُ جَالِسًا قال فَقُمْنَا خَلْفَهُ فَسَكَتَ عَنَّا ثُمَّ أَتَيْنَاهُ مَرَّةً أُخْرَى نَعُودُهُ فَصَلَّى الْمَكْتُوبَةَ جَالِسًا فَقُمْنَا خَلْفَهُ فَأَشَارَ إِلَيْنَا فَقَعَدْنَا قال فلما قَضَى الصَّلَاةَ قال إذا صلى الْإِمَامُ جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا وإذا صلى الْإِمَامُ قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا ولا تَفْعَلُوا كما يَفْعَلُ أَهْلُ فَارِسَ بِعُظَمَائِهَا".
    وابن عبد البر ذهب في التمهيد6/140إلى أن القعود منسوخ بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لهم؛ لأن حديث صلاته وهو جالس والناس قيام كان في مرض موته فعلم أنه متأخر وهو ناسخ لما في سنن أبي داود هذا. والله أعلم. قال ابن عبد البر:" عن أبي هريرة قال إنما الإمام أمير فإذا صلى قائما فصلوا قياما وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا وروى الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد عن أبي الزبير أنهم شيعوا جابر بن عبدالله وهو مريض فصلى بهم قاعدا وصلوا معه قعودا وقال جمهور أهل العلم لا يجوز لأحد أن يصلي في شيء من الصلوات المكتوبات جالسا وهو صحيح قادر على القيام لا إماما ولا منفردا ولا خلف إمام ثم اختلفوا فمنهم من أجاز صلاة القائم خلف القاعد المريض لأن كلا يؤدي فرضه على قدر طاقته اقتداء وتأسيا برسول الله صلى الله عليه و سلم إذ صلى في مرضه الذي توفي فيه قاعدا وأبو بكر إلى جنبه قائما يصلي بصلاته والناس قيام خلفه يصلون بصلاته فلم يشر إلى أبي بكر ولا إليهم بالجلوس وأكمل صلاته بهم جالسا وهم خلفه قيام ومعلوم أن ذلك كان منه بعد سقوطه عن فرسه وصلاته حينئذ قاعدا وقوله فإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا فعلم أن الآخر من فعله ناسخ للأول ( فإنهم ما قاموا خلفه وهو جالس إلا لعلمهم بأنه قد نسخ ذلك بفعله صلى الله عليه وسلم والدليل على أن حديث هذا الباب منسوخ بما كان منه في مرضه صلى الله عليه و سلم إجماع العلماء على أن حكم القيام في الصلاة على الإيجاب لا على التخيير ولما أجمعوا على أن القيام في الصلاة لم يكن فرضه قط على التخيير وجب طلب الدليل على النسخ في ذلك وقد صح أن صلاة أبي بكر والناس خلفه قياما وهو قاعد في مرضه الذي توفي فيه متأخر عن صلاته في حين سقوطه عن فرسه فبان بذلك أنه ناسخ لذلك وممن ذهب هذا المذهب واحتج بنحو هذه الحجة الشافعي وداود بن علي وأصحابهما وقد روى الوليد بن مسلم عن مالك أنه أجاز للإمام المريض أن يصلي بالناس جالسا وهم قيام قال وأحب إلى أن يقوم إلى جنبه من يعلم الناس بصلاته".

    وقال بدر الدين العيني في عمدة القاري8/355:" يشير به إلى أن الترجمة التي هي قطعة من الحديث عام يقتضي متابعة المأموم الإمام مطلقا وقد لحقه دليل الخصوص وهو حديث عائشة فإن النبي صلى في مرضه الذي توفي فيه وهو جالس والناس خلفه قيام ولم يأمرهم بالجلوس فدل على دخول التخصيص في عموم قوله إنما جعل الإمام ليؤتم به.... وهذا التعليق وصله ابن أبي شيبة بسند صحيح عن هشيم (يعني قال ابن مسعود...) ".


    وقال العيني في شرح سنن أبي داود3/110:" الجواب عن الحديث من وجوه :
    الأول أنه منسوخ، وناسخه: صلاة النبي عليه السلام بالناس في مرض موته قاعداً وهم قيام، وأبو بكر قائم يُعلمهم بأفْعال صلاته، بناء على أن النبي عليه السلام كان الإمامَ، وأن أبا بكر كان مأموما في تلك الصلاة فإن قيل: كيف وجه هذا النَسْخ، وقد وقع في ذلك خلاف، وذلك أن هذا الحديث الناسخ وهو حديث عائشة فيه أنه كان عليه السلام إماما وأبو بكر مأموم، وقد ورد فيه العكس كما أخرجه الترمذي والنَسائي عن نُعيم بن أبي هند، عن أبي وائل، عن مَسْروق، عن عائشة قالت:" صلى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفي فيه خلف أبي بكر قاعدا ". وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وأخرج النسائي أيضاً عن حُميد، عن أنسٍ قال: آخر صلاة صلاها رسول الله مع القوم صلى في ثوب واحد متوشحا خلف أبي بكر؟ قلت: مثل هذا ما يُعارضُ مَا وقع في " الصحيح " مع أن العلماء جمعوا بيْنهما، فقال البيهقي في " المعرفة ": ولا تعارض بين الخبَريْن، فإن الصلاة التي كان فيها النبي عليه السلام إماما هي صلاة الظهر يوم السَّبْت أو الأحد، والتي كان فيها مأموما هي صلاة الصبح من يوم الاثنين، وهي آخر صلاة صلاها عليه السلام حتى خرج من الدنيا. قال: وهذا لا يُخالفُ ما ثبت عن الزهري عن أنس في صلاتهم يوم الاثنين، وكشفه- عليه السلام- الستر ثم إرخائه ، فإن ذلك إنما كان في الركعة الأولى، ثم إنه- عليه السلام- وجد في نفسه خفةً، فخرج فأدرك معه الركعة الثانية. وقال القاضي عياض: نسخْ إمامة القاعد محتملة بقوله- عليه السلام: " لا يؤمن اْحد بَعْدي جالسا " وبفعل الخلفاء بعده، وأنه لم يؤم اْحد منهم قاعدا، وإن كان النسخ لا يمكن بعد النبي- عليه السلام- فمثابرتهم على ذلك تشهد بصحة نهيه- عليه السلام- عن إمامة القاعد بعده.

    قلت ( أبو الحسين): أخرج الدارقطني في السنن(ح6) عن الشعبي قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "لا يؤمن أحد بعدي جالسا لم يروه غير جابر الجعفي عن الشعبي وهو متروك والحديث مرسل لا تقوم به حجة"؛ وقد شنع ابن حبان على من قبل هذا الحديث في صحيحه5/471".

    ويتابع العيني قوله:" هذا الحديث أخرجه الدارقطني، ثم البيهقي في سننهما، عن جابر الجُعفي، عن الشعبي، وقال الدارقطني: لم يَرْوه عن الشعبي غير جابر الجُعْفي ، وهو متروك، والحديث مُرْسل لا تقوم به حجة. وقال عبد الحق في " أحكامه ": ورواه عن الجُعْفي: مجالد، وهو- أيضاً- ضعيف.
    الثاني: أنه كان مخصوصا بالنبي- عليه السلام- وفيه نظر، لأن الأصل عدم التخصيص حتى يدلّ علي دليل- كما عرف في الأصول.
    الثالث: يُحمل قوله: " فإذا صلى جالسا فصلّوا جلوسا " على أنه إذا كان الإمام في حالة الجلوس فاجْلسوا ولا تخالفوه بالقيام، وكذلك " إذا صلى قائما فصّلوا قياما " أي: إذا كان في حالة القيام فقوموا ولا تخالفوه بالقعود، وكذلك في قوله: " فإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا ". ولقائل أن يقول: لا يَقْوى الاحتجاج على أحمد بحديث عائشة المذكور أنه- عليه السلام- صلى جالسا والناس خلفه قيام، بل ولا يصلح لأنه يجوز صلاة القائم خلف من شرع في صلاته قائما ثم قعد لعُذر، ويجعلون هذا منه سيّما وقد ورد في بعض طرق الحديث أن النبي- عليه السلام- أخذ في القراءة من حيث انتهى إليه أبو بكر، رواه الدارقطني في" سننه " وأحمد في " مسنده " فإن قيل: قال ابن القطان في كتابه " الوهم والإيهام ": وهي رواية مُرْسلة ، فإنها ليست من رواية ابن عباس عن النبي- عليه السلام، وإنما رواها ابن عباس ، عن أبيه: العباس ، عن النبي- عليه السلام ،كذلك رواه البزار في " مسنده " بسند فيه قيس بن الربيع ، وهو ضعيف، ثم ذكر له مثالب في دينه قال: وكان ابن عباس كثيرا ما يُرْسل. قلت: رواه ابن ماجه من غير طريق قيس، فقال: حدَّثنا علي بن محمد: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الأرقم بن شرحبيل، عن ابن عباس قال: لما مرض رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فذكره إلى أن قال: قال ابن عباس: وأخذ رسول اللّه في القراءة من حيث كان بلغ أبو بكر- رضي اللّه عنه وقال الخطابي: وذكر أبو داود هذا الحديث من رواية جابر،وأبي هريرة، وعائشة، ولم يذكر صلاة رسول اللّه- عليه السلام- آخر ما صلاها بالناس وهو قاعد والناس خلفه قيام وهذا آخر الأمرين من فعله- عليه السلام-. ومن عادة أبي داود فيما أنشأه من أبواب هذا الكتاب: أن يذكر الحديث في بابه ويذكر الذي يُعارضُه في باب آخر على إثْره، ولم أجده في شيء من النُّسَخ، فلستُ ادْري كيف أغفلَ ذكر هذه القصّة وهي من أمهات السنن؟ وإليه ذهب كثر الفقهاء.
    قلت(العيني): إما تركها سَهْواً وغفلةً، أو كان رأيه في هذا الحكم مثل ما ذهب إليه الإمام أحمدُ ، فلذلك لم يذكر ما يَنْقضه، واللّه أعلم ".
    لكن ابن حجر يدفع دعوى النسخ فيقول في فتح الباري2/126:" إن تقريره لهم على القيام دل على أنه لا يلزمهم الجلوس في تلك الحالة لأن أبا بكر ابتدأ الصلاة بهم قائما وصلوا معه قياما بخلاف الحالة الأولى فإنه صلى الله عليه وسلم ابتدأ الصلاة جالسا فلما صلوا خلفه قياما أنكر عليهم ويقوى هذا الجمع أن الأصل عدم النسخ لا سيما وهو في هذه الحالة يستلزم دعوى النسخ مرتين لأن الأصل في حكم القادر على القيام أن لا يصلي قاعدا وقد نسخ إلى القعود في حق من صلى إمامه قاعدا فدعوى نسخ القعود بعد ذلك تقتضي وقوع النسخ مرتين وهو بعيد وأبعد منه ما تقدم عن نقل عياض فإنه يقتضى وقوع النسخ ثلاث مرات وقد قال بقول أحمد جماعة من محدثي الشافعية كابن خزيمة وابن المنذر وبن حبان وأجابوا عن حديث الباب بأجوبة أخرى منها قول بن خزيمة إن الأحاديث التي وردت بأمر المأموم أن يصلي قاعدا تبعا لإمامه لم يختلف في صحتها ولا في سياقها وأما صلاته صلى الله عليه و سلم قاعدا فاختلف فيها هل كان إماما أو مأموما قال وما لم يختلف فيه لا ينبغي تركه لمختلف فيه وأجيب بدفع الاختلاف والحمل على أنه كان إماما مرة ومأموما أخرى ومنها أن بعضهم جمع بين القصتين بأن الأمر بالجلوس كان للندب وتقريره قيامهم خلفه كان لبيان الجواز فعلى هذا الأمر من أم قاعدا لعذر تخير من صلى خلفه بين القعود والقيام والقعود أولى لثبوت الأمر بالائتمام والاتباع وكثرة الأحاديث الواردة في ذلك وأجاب بن خزيمة عن استبعاد من استبعد ذلك بان الأمر قد صدر من النبي صلى الله عليه وسلم بذلك واستمر عليه عمل الصحابة في حياته وبعده فروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن قيس بن قهد بفتح القاف وسكون الهاء الأنصاري أن إماما لهم اشتكى لهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فكان يؤمنا وهو جالس ونحن جلوس وروى بن المنذر بإسناد صحيح عن أسيد بن حضير أنه كان يؤم قومه فاشتكى فخرج إليهم بعد شكواه فأمروه أن يصلي بهم فقال إني لا أستطيع أن أصلى قائما فاقعدوا فصلى بهم قاعدا وهم قعود".
    لكن قول البخاري في صحيحه ج1/ص244 يرد عليه:" قال الْحُمَيْدِيُّ قَوْلُهُ إذا صلى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا هو في مَرَضِهِ الْقَدِيمِ ثُمَّ صلى بَعْدَ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم جَالِسًا وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامًا لم يَأْمُرْهُمْ بِالْقُعُودِ وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْآخِرِ فَالْآخِرِ من فِعْلِ النبي صلى الله عليه وسلم".
    وفي صحيح مسلم ج1/ص308:" عن الزُّهْرِيِّ قال سمعت أَنَسَ بن مَالِكٍ يقول سَقَطَ النبي صلى الله عليه وسلم عن فَرَسٍ فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ فَدَخَلْنَا عليه نَعُودُهُ فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى بِنَا قَاعِدًا فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا فلما قَضَى الصَّلَاةَ قال إنما جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فإذا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وإذا سَجَدَ فَاسْجُدُوا وإذا رَفَعَ فَارْفَعُوا وإذا قال سمع الله لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وإذا صلى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعُونَ".

    وفي صحيح مسلم2/20 أيضا" باب اسْتِخْلاَفِ الإِمَامِ إِذَا عَرَضَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ مَرَضٍ وَسَفَرٍ وَغَيْرِهِمَا مَنْ يُصَلِّى بِالنَّاسِ وَأَنَّ مَنْ صَلَّى خَلْفَ إِمَامٍ جَالِسٍ لِعَجْزِهِ عَنِ الْقِيَامِ لَزِمَهُ الْقِيَامُ إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَنَسْخِ الْقُعُودِ خَلْفَ الْقَاعِدِ في حَقِّ مَنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ ". ثم أخرج الإمام مسلم الحديث وفيه " وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّى وَهُوَ قَائِمٌ بِصَلاَةِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَةِ أَبِى بَكْرٍ وَالنَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم قَاعِدٌ؛ قال عُبَيْدُ اللَّهِ فَدَخَلْتُ على عبد اللَّهِ بن عَبَّاسٍ فقلت له ألا أَعْرِضُ عَلَيْكَ ما حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ عن مَرَضِ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال هَاتِ فَعَرَضْتُ حَدِيثَهَا عليه فما أَنْكَرَ منه شيئا ".

    وبوب البخاري في صحيحه2/124:" بَاب الرَّجُلُ يَأْتَمُّ بِالْإِمَامِ وَيَأْتَمُّ النَّاسُ بِالْمَأْمُومِ وَيُذْكَرُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ائْتَمُّوا بِي وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ ".وأخرج الحديث وفيه :" مُرُوا أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فَلَمَّا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفْسِهِ خِفَّةً فَقَامَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَرِجْلَاهُ يَخُطَّانِ فِي الْأَرْضِ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلَمَّا سَمِعَ أَبُو بَكْرٍ حِسَّهُ ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ يَتَأَخَّرُ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي قَائِمًا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي قَاعِدًا يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ مُقْتَدُونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ".

    وفي صحيح مسلم2/19 يشير إلى إن الإمام كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أبو بكر :" عَنْ جَابِرٍ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ خَلْفَهُ فَإِذَا كَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم كَبَّرَ أَبُو بَكْرٍ لِيُسْمِعَنَا".

    قلت ( أبو الحسين): يتبين من تبويب البخاري وذكر خبر الحميدي أن الإمام في تلك الصلاة هو النبي صلى الله عليه وسلم وأن أبا بكر كان مؤتما به صلى الله عليه وسلم قائما والناس مأتمون بأبي بكر قيام؛ ومن هنا ترجح للبخاري وللنووي وربما أشار مسلم إلى القول بنسخ القعود خلف الإمام القاعد لعذر [ لأن النووي هو الذي وضع الأبواب لصحيح مسلم وليس مسلما] وهذا النص أراه الفيصل في النزاع في القيام أو القعود على من فرق بين المكتوبة والنافلة كما جاء في بعض الروايات أو أن النافلة يصح فيها ما لا يصح في المكتوبة فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي النافلة على الراحلة؛ وينبي على هذا القول إن الإمام إذا كان معذورا من مرض أو غيره ويصلي وهو جالس فليس للمأتمين متابعته بل ينبغي لهم الاستقلال بأداء الأركان تامة كما أمر الله لعدم عذرهم وهو معذور؛ وقد فهم الراوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان هو الإمام من جلوسه صلى الله عليه وسلم عن يسار أبي بكر وهذا محل الإمام في حال صلاة الاثنين جماعة كما في أحاديث أخر؛ والله أعلم.

    أما ما روي عن عائشة أن أبا بكر صلى بالناس والنبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر قاعدا فقد أعله الإمام أحمد في العلل3/304:" سألت أبي عن حديث عبد الرحمن بن مهدي عن زائدة عن موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله قال دخلت على عائشة فقلت أخبريني بمرض رسول الله صلى الله عليه و سلم فوصفت له حتى بلغت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم وجد خفة فخرج يهادي بين رجلين وأبو بكر يصلي بالناس فصلى النبي صلى الله عليه و سلم خلف أبي بكر قاعدا وأبو بكر يصلي بالناس وهو قائم يصلي فقال أبي أخطأ عبد الرحمن في هذا الموضع أو يكون زائدة أخطأ. ولعبد الرحمن حدثني أبي قال حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ومعاوية بن عمرو وخالفا عبد الرحمن وهو الصواب ما قال عبد الصمد ومعاوية".

    لكن قال ابن حبان في صحيحه5/487:" خَالَفَ نُعَيْمُ بْنُ أَبِي هِنْدَ عَاصِمَ بْنَ أَبِي النَّجُودِ فِي مَتْنِ هَذَا الْخَبَرِ فَجَعَلَ عَاصِمٌ أَبَا بَكْرٍ مَأْمُومًا وَجَعَلَ نُعَيْمُ بْنُ أَبِي هِنْدَ أَبَا بَكْرٍ إِمَامًا وَهُمَا ثِقَتَانِ حَافِظَانِ مُتْقِنَانِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ خَبَرُ أَحَدِهِمَا نَاسِخًا مُتَقَدِّمٍ وَقَدْ عَارَضَهُ فِي الظَّاهِرِ مِثْلُهُ وَنَحْنُ نَقُولُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ إِنَّ هَذِهِ الأَخْبَارَ كُلَّهَا صِحَاحٌ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا يُعَارِضُ الآخَرَ وَلَكِنَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِي عِلَّتِهِ صَلاتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً لا صَلاةً وَاحِدَةً فِي إِحْدَاهُمَا كَانَ مَأْمُومًا وَفِي الأُخْرَى كَانَ إِمَامًا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُمَا كَانَا صَلاتَيْنِ لا صَلاةً وَاحِدَةً أَنَّ فِي خَبَرِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ يُرِيدُ أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسَ وَالآخَرَ عَلِيًّا وَفِي خَبَرِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ بَيْنَ بَرِيرَةَ وَنُوبَةَ فَهَذَا يَدُلَّكُ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ صَلاتَيْنِ لا صَلاةً وَاحِدَةً".

    قلت ( أبو الحسين): لا مانع من أنه صلى الله عليه وسلم صلى صلاتين إحداهما إماما والأخرى مأتما؛ غير أن صلاته إماما جالسا هي آخر ما كان من صلاته صلى الله عليه وسلم؛ وأما من تأول أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إماما لأبي بكر وأبو بكر إماما للناس؛ قلنا لا يتغير الحكم بذلك فكان ينبغي على القول بوجوب جلوس المأتم أن يجلس أبو بكر وحينها يجب جلوس المأتمين؛ والله أعلم.

    والبيهقي يؤيد النسخ أيضا
    قال في معرفة السنن والآثار2/256 :" قال أحمد : هذا الحديث الثابت يدلك على أن أبا بكر صلى بالناس أياما ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج لصلاة الظهر، فأتم به أبو بكر فيها وهو قائم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد. وفي حديث الأسود، عن عائشة ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس عن يسار أبي بكر، وفي ذلك إثبات كونه إماما ، لوقوفه موقف الأئمة مع قولها : يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فأما قول ربيعة : إن أبا بكر صلى برسول الله صلى الله عليه وسلم فهو منقطع كما قال الشافعي، وقد روي موصولا عن نعيم بن أبي هند ، عن أبي وائل، عن مسروق، عن عائشة مع اختلاف في لفظ الحديث. وكان شعبة يرويه، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة ونشك في أيهما كان المقدم، والذي نعرفه بالاستدلال بسائر الأخبار أن الصلاة التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر هي صلاة الصبح من يوم الاثنين، وهي آخر صلاة صلاها حتى مضى لسبيله، وهي غير الصلاة التي صلاها أبو بكر خلفه كما قال الشافعي رحمه الله....ثم قال " قال أحمد : فالصلاة التي صلاها أبو بكر وهو مأموم هي صلاة الظهر وهي التي خرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين العباس، وعلي ، والصلاة التي صلاها أبو بكر وهو إمام هي صلاة الصبح وهي التي خرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الفضل بن العباس وغلام له . وفي ذلك جمع بين الأخبار التي وردت في هذا الباب".

    والزركشي لا يؤيد النسخ وأن الجمع أولى جاء في شرحه على مختصر الخرقي ج1/ص245:" قال الخرقي: إذا صلى إمام الحي جالساً صلى من وراءه جلوساً فإن ابتدأ بهم الصلاة قائماً ثم اعتل فجلس أتموا خلفه قياماً؛ قال الزركشي: أما إذا ابتدأ إمام الحي الصلاة جالساً يعني لمرض به فإن من وراءه يصلون جلوساً لما روت عائشة رضي الله عنها قالت صلى رسول الله في بيته وهو شاك فصلى جالساً وصلى وراءه قوم قياماً فأشار إليهم أن اجلسوا فلما انصرف قال إنما جعل الإِمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً. متفق عليه.
    وروى نحو ذلك جابر وأنس وأبو هريرة رضي الله عنهم وأحاديثهم في الصحيح وصورة المسألة أن يكون الإِمام إمام الحي كما ذكر الخرقي وأن يكون المرض مرجو الزوال لأن النبي كان هو إمام الحي وكان مرضه مرجو الزوال أما لو لم يكن كذلك فإنه لا تصح إمامته عندنا بالقادر على القيام على المذهب كما لو كان عاجزاً عن الركوع والسجود فإنه لا تصح إمامته بقادر عليه وعن أحمد أن إمامته تصح وإن لم يكن إمام حي أو كان آيساً من زوال مرضه لكن والحال هذه يصلون وراءه قياماً .
    وظاهر كلام الخرقي أن جلوس المأمومين والحال ما تقدم على سبيل الوجوب فلو صلوا قياماً لم تصح صلاتهم وهو إحدى الروايتين عن أحمد قال ابن الزاغوني واختارها أكثر المشايخ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالجلوس فإذا قام فقد خالف الأمر بل وارتكب النهي .
    فإن في مسلم وغيره عن جابر رضي الله عنه قال اشتكى رسول الله فصلينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر يسمع الناس تكبيره فالتفت إلينا فرآنا قياماً فأشار إلينا فقعدنا فصلينا بصلاته قعوداً فلما سلم قال إن كدتم آنفاً تفعلون فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهو قعود فلا تفعلوا ائتموا بأئمتكم إن صلى قائماً فصلوا قياماً وإن صلى قاعداً فصلوا قعوداً .
    والرواية الثانية: أن الجلوس على سبيل الرخصة فلو أتوا بالعزيمة وصلوا قياماً صحت صلاتهم اختارها عمر بن بدر المغازلي وهو الذي أورده أبو الخطاب مذهباً وصححه أبو البركات وجزم به القاضي في التعليق فيما أظن لأن النبي لم يأمر من صلى خلفه وهو قائم بالاستئناف ففي البخاري عن أنس رضي الله عنه أن النبي صرع من فرسه فجحش شقه أو كتفه فأتاه أصحابه يعودونه فصلى بهم جالساً وهم قيام فلما سلم قال إنما جعل الإِمام ليؤتم به فإن صلى قائماً فصلوا قياماً وإن صلى قاعداً فصلوا قعوداً ولأن سقوط القيام عن إمامهم رخصة له فليكن عنهم مثله وحكى أبو محمد احتمالًا بالصحة مع الجهل دون العلم وأما إذا ابتدأ بهم الصلاة قائماً ثم اعتل فإنهم يصلون وراءه قياماً لما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت لما ثقل رسول الله قال مروا أبا بكر أن يصلي بالناس فلما دخل في الصلاة وجد النبي في نفسه خفة فقام يهادى بين رجلين فلما سمع أبو بكر حسه ذهب يتأخر فأومأ إليه فجاء فجلس عن يسار أبي بكر فكان أبو بكر يصلي قائماً ورسول الله يصلي جالساً يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله والناس بصلاة أبي بكر فلما ابتدؤا الصلاة قياماً وراء إمام قائم أتموا قياماً بخلاف ما تقدم فإن النبي ابتدأ بهم الصلاة جالساً فلذلك أمرهم بالجلوس فالنصان وردا على حالين مختلفين فيستعملان على ما وردا عليه.
    ونظير ذلك لو افتتح مسافر الصلاة خلف مسافر فإنه يقصر ولو افتتحها خلف مقيم ثم استخلف المقيم مسافراً لم يدخل معه فدخل في الصلاة بنية القصر فإنه لا يجوز للمأموم القصر وإن جاز لإِمامه حيث افتتحها خلف مقيم وهذا أولى من دعوى النسخ لأنه خلاف الأصل ويعضد ذلك ويعينه أن الصحابة فعلت ما قلناه من صلاتهم جلوساً خلف إمام جالس حيث ابتدأ بهم الصلاة كذلك .
    قال أحمد وإسحاق فعل ذلك أربعة من الصحابة والأربعة أبو هريرة وجابر وأسيد بن حضير وقيس بن فهد وفعلهم ذلك يدل على ثبوت الحكم لا سيما وفيهم اثنان من رواة الحديث.
    فائدة: قال أبو البركات لا تختلف الرواية عن أحمد أن النبي لما خرج من مرض موته بعد دخول أبي بكر في الصلاة أنه صار إماماً لأبي بكر وأبو بكر بقي على إمامته لجماعة المسلمين والله أعلم".

    قال البيهقي في معرفة السنن والآثار2/357:" قال الشافعي في رواية أبي سعيد لم يأمرهم بجلوس ولم يجلسوا ولولا انه منسوخ صاروا إلى الجلوس بمتقدم أمره إياهم بالجلوس".

    قلت ( أبو الحسين): قول الخرقي " إذا صلى إمام الحي جالساً صلى من وراءه جلوساً فإن ابتدأ بهم الصلاة قائماً ثم اعتل فجلس أتموا خلفه قياماً" يصح لو كان الإمام نفسه كيف والإمام الأول (أبو بكر) غير الثاني ( رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ وقد أقرهم صلى الله عليه وسلم.

    وابن رجب يرد دعوى النسخ أيضا
    قال في فتح الباري4/155:" وأما دعوى النسخ فِي هَذَا فَقَدْ بينا أَنَّهُ لا يجوز دعوى بطلان الحكم مَعَ إمكان العمل بِهِ ولو بوجه ، وسنبين وجه العمل بِهِ ، والجمع بَيْن مَا أدعى عَلِيهِ التعارض - إن شاء الله تعالى .
    ويدل عَلَى أن الأمر بالقعود خلف الإمام القاعد غير منسوخ: أن النَّبِيّ ( علله بعلل لَمْ تنسخ ولم تبطل منذ شرعت .

    ومنها: أَنَّهُ علله بأن الإمام إنما جعل إماماً ليؤتم بِهِ ويقتدى بِهِ فِي أفعاله، وَقَالَ: إذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قَالَ: سَمِعَ الله لمن حمده ، فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون؛ وما قَبْلَ الصلاة جلوساً لَمْ ينسخ مِنْهُ شيء، فكذلك القعود؛ لأن الجميع مرتب عَلَى أن الإمام يؤتم بِهِ ويقتدى بِهِ .

    وفي صحيح مُسْلِم عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: إنما الإمام جنة، فإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً، وإذا قَالَ: سَمِعَ الله لمن حمده ، فقولوا : اللهم ربنا لَكَ الحمد، فإذا وافق قول أهل الأرض قَوْلِ أهل السماء غفر لَهُ مَا تقدم من ذنبه ) .
    ومعنى كونه جنة أَنَّهُ يتقى بِهِ ويستتر، ولهذا إذا سلمت سترته لَمْ يضر مَا مر بَيْن يديه، كما سبق تقريره .

    ومنها: أَنَّهُ جعل القعود خلفه من طاعة الأمراء، وطاعة الأمراء من طاعة الرسول وطاعته من طاعة الله، ومعلوم: أَنَّهُ لَمْ ينسخ من هذه شيء، بل كلها باقية محكمة إلى يوم القيامة.
    فخرج الإمام أحمد وابن حبان فِي ( صحيحه ) من حَدِيْث ابن عُمَر، أن النَّبِيّ ( كَانَ فِي نفر من أصحابه، فَقَالَ: ( ألستم تعلمون أني رَسُول الله إليكم). قالوا: بلى ، نشهد أنه رَسُول الله ، قَالَ: ( ألستم تعلمون أَنَّهُ من أطاعني أطاع الله ، ومن طاعة الله طاعتي ) . قالوا: بلى ، نشهد أَنَّهُ من أطاعك فَقَدْ أطاع الله ، ومن طاعة الله طاعتك قَالَ:( فإن من طاعة الله أن تطيعوني ، ومن طاعتي أن تطيعوا أمراءكم ، وإن صلوا قعوداً فصلوا قعوداً ). وفي رِوَايَة لهما - أَيْضاً ( ومن طاعتي أن تطيعوا أئمتكم ) .

    قلت ( أبو الحسين): العلل التي ادعاها ابن رجب على عدم نسخ القعود مسلم بها لكن القعود نسخ بإقراره مع بقاء غيرها كمتابعته في التكبير والتسليم والتسميع والتأمين.

    قال ابن رجب: وهذا يصلح أن يكون متمسكاً للإمام أحمد فِي تخصيصه ذَلِكَ بإمام الحي؛ فإن أئمة الحي إنما ينصبهم الأئمة غالباً، وخصه - فِي رِوَايَة عَنْهُ - بالإمام الأعظم الَّذِي تجب طاعته .
    ومنها: أَنَّهُ جعل القيام خلف الإمام الجالس من جنس فعل فارس والروم بعظمائها، حيث يقومون وملوكهم جلوس، وشريعتنا جاءت بخلاف ذَلِكَ، كما قَالَ ( من أحب أن يتمثل لَهُ الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار) .

    وَقَالَ عُمَر بن عَبْد العزيز للناس: أيها النَّاس، إن تقوموا نقم، وإن تجلسوا نجلس، فإنما يقوم النَّاس لرب العالمين . وهذا حكم مستقر فِي الشريعة ، لَمْ ينسخ ولم يبدل .
    قلت(أبو الحسين): لا حاجة في ما ذكره ابن رجب لأن هذا القيام في الصلاة وغيرها فنسخ الذي في الصلاة وبقي الذي خارج الصلاة على حرمته؛ ثم في الصلاة القيام لله لا لغيره؛ والله أعلم.
    قال ابن رجب: وقد دل عَلَى مَا ذكرناه : مَا خرجه مُسْلِم من حَدِيْث أَبِي الزُّبَيْر ، عَن جابر ، قَالَ : اشتكى رَسُول الله فصلينا وراءه وَهُوَ قاعد، وأبو بَكْر يسمع النَّاس تكبيره، فالتفت إلينا، فرآنا قياماً، فأشار إلينا، فقعدنا فصلينا بصلاته قعوداً، فلما سلم قَالَ: إن كدتم - آنفاً - تفعلون فعل فارس والروم، يقومون عَلَى ملوكهم وهم قعود، فلا تفعلوا، ائتموا بأئمتكم، إن صلوا قياماً فصلوا قياماً ، وإن صلوا قعوداً فصلوا قعوداً ) .
    وخرج الإمام أحمد وأبو داود وابن حبان فِي ( صحيحه ) من حَدِيْث الأعمش ، عَن أَبِي سُفْيَان، عَن جابر - فِي هذه القصة - أن النَّبِيّ قَالَ لهم: إنما جعل الإمام ليؤتم بِهِ، فإن صلى قائماً فصلوا قياماً، وإن صلى جالساً فصلوا جلوساً، ولا تقوموا وَهُوَ جالس كما يفعل أهل فارس بعظامها) .

    وأما الكلام عَلَى دعوى النسخ، عَلَى قَوْلِ من قَالَ: إن أَبَا بَكْر كَانَ مأموماً، فأما عَلَى قَوْلِ من قَالَ: إنه كَانَ إماماً، وكان النَّبِيّ يأتم بِهِ، كما تقدم عَن مَالِك وغيره، فلا دلالة فِي الحَدِيْث حينئذ عَلَى أن الائتمام بالقاعد بالكلية.

    وأما من قَالَ: إن الإمام كَانَ هُوَ النَّبِيّ كما قاله الشَّافِعِيّ والإمام أحمد والبخاري والأكثرون، فالجمع بَيْن هَذَا الحَدِيْث وبين الأحاديث المتقدمة الَّتِيْ فيها الأمر بالجلوس فِي الصلاة من وجهين :
    أحدهما - وَهُوَ الَّذِي ذكره الإمام أحمد: أن المؤتمين بأبي بَكْر ائتموا بإمام ابتدأ بهم الصلاة وَهُوَ قائم، ثُمَّ لما انتقلت مِنْهُ الإمامة إلى النَّبِيّ انتقلوا إلى الائتمام بقاعد ، فأتموا خلفه قياماً لابتدائهم الصلاة خلف إمام قائم. فعلى هَذَا التقرير نقول: إن ابتدأ بهم الإمام الصلاة جالساً صلوا وراءه جلوساً ، وإن ابتدأ بهم قائماً ثُمَّ اعتل فجلس أتموا خلفه قياماً.
    هكذا قرره الإمام أحمد وأصحابه. ومنهم من قَالَ: إنه تصح هنا صلاة المأمومين خلفه قياماً إذا جلس فِي أثناء صلاته لعلة، وسواء كَانَ إمام حي أو لَمْ يكن، بخلاف ابتداء صلاة القائم خلف الجالس، فإنها عِنْدَ الإمام أحمد إلا إذا كَانَ إمام الحي، وجلس لمرض يرجى برؤه خاصة ، فإنه يغتفر فِي الاستدامة مَا لا يغتفر فِي الابتداء . وممن قَالَ ذَلِكَ من أصحابنا : أبو الفتح الحلواني .

    قلت( أبو الحسين): لم يأت ابن رجب رحمه الله بدليل على ما يقول غير تأويلات الأئمة واستنباطاتهم القابلة للأخذ والرد.

    قال ابن رجب: والثاني: أن تحمل أحاديث الأمر بالقعود عَلَى الاستحباب، وحديث صلاته فِي مرضه من غير أمر لهم بالجلوس عَلَى جواز أن يأتموا بالقاعد قياماً ، فيكون المأمومون مخيرين بَيْن الأمرين ، وإن كَانَ الجلوس أفضل .
    وهذا يتخرج عَلَى قَوْلِ من قَالَ : إنهم إذا ائتموا بالجلوس قياماً صحت صلاتهم ، وقد اختلف أصحابنا فِي ذَلِكَ عَلَى وجهين .

    قلت (أبو الحسين): الأصل في الأمر للوجوب خصوصا وقد اقترن بفعل فارس والروم والواجب مخالفتهم؛ فلا ينبغي والحالة هذه القول بالاستحباب لولا النسخ.

    قال ابن رجب: وظهر لِي وجه ثالث فِي الجمع بَيْن هذه الأحاديث، وَهُوَ متجه عَلَى قَوْلِ الإمام أحمد: أن النَّبِيّ كَانَ إماماً لأبي بَكْر، وكان أبو بَكْر إماماً للناس، فكانت تلك الصلاة بإمامين. وحينئذ فيقال: لما اجتمع فِي هذه الصلاة إمامان، أحدهما جالس والآخر قائم صلى المأمومون خلفهما قياماً إتباعا لإمامهم القائم؛ فإن الأصل القيام، وقد اجتمع موجب للقيام عليهم، وموجب للقعود أو مبيح لَهُ، فغلب جانب القيام؛ لأنه الأصل، كما إذا اجتمع فِي حل الصيد أو الأكل مبيح وحاظر، فإنه يغلب الحاظر .
    وأما أبو بَكْر فإنه إنما صلى قائماً؛ لأنه وإن ائتم بقاعد إلا أَنَّهُ أم قادرين عَلَى القيام، وَهُوَ قادر عَلِيهِ، فاجتمع فِي حقه - أَيْضاً - سببان: موجب للقيام، ومسقط لَهُ ، فغلب إيجاب القيام. والله أعلم .

    قلت( أبو الحسين): أما الصلاة بإمامين فلا يصلح له دليل وإنما هو التأويل هروبا من القول بالنسخ؛ ثم إذا صح قيام الناس اقتداءا بأبي بكر فكيف يصح قيام أبي بكر اقتداءا بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ وأيضا فإن النهي ورد لأجل مخالفة فارس والروم فلا يمكننا أن نتأول ذلك إلا بالقول بالنسخ والله أعلم.

    وقال ابن حبان في صحيحه5/471:" في هذا الخبر بيان واضح أن صلاة المأمومين قعودا إذا صلى إمامهم قاعدا من طاعة الله جل وعلا التي أمر عباده وهو عندي ضرب من الإجماع الذي أجمعوا على إجازته لأن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أربعة أفتوا به : جابر بن عبد الله و أبو هريرة و أسيد بن حضير و قيس بن قهد والإجماع عندنا إجماع الصحابة الذين شهدوا هبوط الوحي والتنزيل وأعيذوا من التحريف والتبديل حتى حفظ الله بهم الدين على المسلمين وصانه عن ثلم القادحين ولم يروا عن أحد من الصحابة خلاف لهؤلاء الأربعة لا بإسناده متصل ولا منقطع فكأن الصحابة أجمعوا على أن الإمام إذا صلى قاعدا كان من المأمومين أن يصلوا قعودا وقد أفتى به من التابعين : جابر بن زيد أبو الشعثاء ولم يرو عن أحد من التابعين أصلا بخلافه لا بإسناد صحيح ولا واه فكأن التابعين أجمعوا على إجازته".

    قلت( أبو الحسين): وكيف نفعل بصلاة أبي بكر خلفه صلى الله عليه وسلم وصلاة المأتمين وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لهم. وأين الإجماع وقد خالفه مثل البخاري والشافعي والحميدي (وهم هم) والنووي بما فهم من مسلم؛ بل عائشة وأبو هريرة.

    قال الشافعي في اختلاف الحديث ج1/ص497:" باب صلاة الإمام جالسا ومن خلفه قياما" وهذا ثابت عن رسول الله منسوخ بسنته وذلك أن أنسا روى أن النبي صلى جالسا من سقطة من فرس في مرضه وعائشة تروي ذلك وأبو هريرة يوافق روايتهما وأمر من خلفه في هذه العلة بالجلوس إذا صلى جالسا ثم تروي عائشة أن النبي صلى في مرضه الذي مات فيه جالسا والناس خلفه قياما قال وهي آخر صلاة صلاها بالناس حتى لقي الله تعالى وهذا لا يكون إلا ناسخا أخبرنا الثقة يحيى بن حسان أخبرنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله كان وجعا فأمر أبا بكر أن يصلي بالناس فوجد النبي خفة فجاء فقعد إلى جنب أبي بكر فأم رسول الله أبا بكر وهو قاعد وأم أبو بكر الناس وهو قائم".

    وقال التبريزي في مشكاة المصابيح1/252:" قال الحميدي : قوله : " إذا صلى جالسا فصلوا جلوسا" هو في مرضه القديم ثم صلى بعد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم جالسا والناس خلفه قيام لم يأمرهم بالقعود وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم. هذا لفظ البخاري".

    قلت (أبو الحسين): ومن هذا يتبيّن أن متابعة الإمام وهو يصلى جالسا منسوخة بما ترجح لنا مما مضى وهنا يستقل المأتم عن الإمام بأداء أركان الصلاة جميعا لأن الإمام معذور وهم ليسوا كذلك. والأمر الأول منسوخ بإقراره صلى الله عليه وسلم. وأما وقوف فارس والروم لعظمائهم فيعني أن الناس وقوفا لهم وهم جلوس وأما المسلمون فهم وقوفا كما أمرهم الله؛ وأما المنهي عنه فهو القيام للعظماء خارج الصلاة وقد كان صلى الله عليه وسلم يكرهه؛ والاحتجاج بصلاة النافلة أنهم صلوا وهم جلوس فنقول : يباح في النافلة ما لا يباح في الفريضة؛ وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم النافلة على الدابة ولم يصل الفريضة كذلك وخذ صلاة الخوف مثالا لذلك؛ الله أعلم.

    تعليق

    يعمل...
    X