إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

إتحاف الكرام ببيان كيفية الهوي إلى السجود وكيفية القيام

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [بحث] إتحاف الكرام ببيان كيفية الهوي إلى السجود وكيفية القيام

    إتحاف الكرام
    ببيان كيفية الهوي إلى السجود وكيفية القيام

    تأليف

    علي بن أمِير المالكي


    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين, وعلى آله وصحبه أجمعين.
    أما بعد:
    فهذا بحثٌ حول كيفيةِ الهُويِّ([1]) إلى السجود وكيفية القيام منه, كنتُ قمتُ به لنفسي مِن أجل معرفةِ القولِ الراجحِ في المسألتين, وهأنا أَضَعُه بين أيديكم؛ رغبةً مني في الإفادة والاستفادة.
    وقد قمتُ بعرضِ هذا البحثِ في صورته الأولى([2]) على الشيخ أبي عبد الأعلى خالد بن محمد بن عثمان –وفقه الله-, فنظر فيه نظرةً عامّةً, وقال لي: «هو بحثٌ جيدٌ, ومبذولٌ فيه جُهْدٌ, وجَمْعٌ طيِّبٌ». وكنتُ أرغبُ في أن يُراجعَه ثم يكتبَ لي تقريظًا له, ولكنه أخبرني وَقْتَئِذٍ أنه مشغولٌ بكتابةِ بعضِ الرُّدُود وبالدورة العلمية التي كان بدأها. أعانه الله على كل خير, وبارك له في وقته وعمره.
    ثم أعدتُ النظر في البحث قبل عدة أيام, وأضفتُ إليه الكثير من الفوائد –والحمد لله-.
    وإني لأرجو مِن كلّ أخٍ ناصحٍ يجدُ خطأً أو نَقْصًا([3]) أن لا يبخل عليّ بالنصح والتوجيه, فإنّ المؤمن مرآة أخيه, وله مني الشكر والتقدير.

    ([1]) مَصْدَرُ (هَوَى) بمعنى سقط مِن فوقُ إلى أسفل.
    قال ابن فارس في «مقاييس اللغة» (6/ 15): «الْهَاءُ وَالْوَاوُ وَالْيَاءُ: أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى خُلُوٍّ وَسُقُوطٍ. وَيُقَالُ: هَوَى الشَّيْءُ يَهْوِي: سَقَطَ...».
    وقال ابن سيده في «المحكم» (4/ 451) وابنُ منظور في «لسان العرب» (15/ 371): «هَوَى يَهْوِي هَوِيًّا وهُوِيًّا وهَوَيَانًا؛ إذا سقط مِن فوقُ إلى أسفل».
    وقال الأزهري في «تهذيب اللغة» (6/ 48: «أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: هَوَيْتُ أَهْوِي هُوِيًّا إِذا سقطتَ من عُلْوٍ إِلَى أَسْفَل».
    وقال ابنُ الأثير في «النهاية» (5/ 284): «يُقَالُ: هَوَى يَهْوِي هَوِيًّا –بِالْفَتْحِ- إِذَا هَبَط. وهَوَى يَهْوِي هُوِيًّا –بِالضَّمِّ- إِذَا صَعِدَ. وَقِيلَ بالعَكْس...».
    وقال الفيومي في «المصباح المنير في غريب الشرح الكبير» (2/ 246): «هوى يَهْوِي... هُوِيًّا -بِضَمِّ الْهَاءِ وَفَتْحِهَا- (وَزَادَ ابْنُ الْقُوطِيَّةِ (هَوَاءً) -بِالْمَدِّ-): سَقَطَ مِنْ أَعْلَى إلَى أَسْفَلَ. قَالَهُ أَبُو زَيْدٍ وَغَيْرُهُ.
    ...وَهَوَى يَهْوِي –أَيْضًا- هُوِيًّا -بِالضَّمِّ لَا غَيْر- إذَا ارْتَفَعَ...».
    وقال ابن رجب في «فتح الباري» (7/ 211-212): «الهوي: هو السقوط والأنخفاض، وهو بتشديد الياء، وأما الهاء فمضمومة. وقيل بفتحها, ثم قيل: هما لغتان. وقيل: بل هو بالضم الصعود، وبالفتح النزول».

    ([2]) وذلك قبل ما يزيد على عامين.

    ([3]) وهو واجدٌ ذلك لا مَحَالة؛ فإن الله –سبحانه وتعالى- أبى أن يتم إلا كتابه .
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الرحمن علي المالكي; الساعة 27-Jul-2014, 06:35 PM.

  • #2
    رد: بحثٌ مفصَّلٌ حول صفة الهوي إلى السجود والقيام منه

    منهجي في البحث

    - قسمتُ البحثَ إلى أربعة أبواب؛
    فأوردتُ في الباب الأولِ الأدلةَ التي استَدَل بها مَن رجَّحَ تقديمَ الركبتين على اليدين عند الهوِيِّ والاعتمادَ على الركبتين عند القيام, ونقلتُ ما تيسّر لي مِن كلام العلماءِ عليها.
    وأوردتُ في الباب الثاني الأدلةَ التي استَدَل بها مَن رجَّحَ تقديمَ اليدين على الركبتين عند الهوِيِّ والاعتمادَ على اليدين عند القيام, ونقلتُ ما تيسّر لي مِن كلام العلماءِ عليها.
    وأوردتُ في الباب الثالث ما وقفتُ عليه مِن مذاهبِ العلماء في هذه المسألة.
    وأما الباب الرابع فقد اشتمل على بعض الأمور التي تتعلق بالبحث.
    ثم في النهاية ذَكَرتُ النتيجة التي خرجتُ بها من البحث.
    - لم أتعرض لمسألةِ جلسةِ الاستراحةِ؛ وذلك لأنّ البحثَ فيها يطول هي أيضًا, ولا أجِدُ الوقت الكافي لذلك الآن, وإنما اقتصرتُ فقط على كيفية الهوي وكيفية النهوض.
    - لم أتوسَّع في الكلام على الرُّواةِ إلا عند الحاجة؛ وذلك خشية الإطالة.
    - تجنبتُ تَكَرُّرَ الكلام بقدر الاستطاعة, وفي بعض المواضع لم يتيسر لي ذلك؛ لكون الحذفِ مُخِلًّا بالسياق.
    - إذا وضعتُ شيئًا بين معقوفتين [ ] فهو مِن كلامي, إلا فيما ندر؛ إذ إنه في بعض المواضع يكون هذا في الأصل الذي نقلتُ منه.
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الرحمن علي المالكي; الساعة 27-Jul-2014, 06:37 PM.

    تعليق


    • #3
      رد: بحثٌ مفصَّلٌ حول صفة الهوي إلى السجود والقيام منه

      الباب الأول
      الأدلة التي استَدَل بها مَن رجَّحَ تقديمَ الركبتين على اليدين عند الهوي والاعتمادَ على الركبتين عند القيام


      أخرج أبو داود (838 ), والترمذي (268 ), والنسائي (1089 ), وابن ماجه (882 ), وابن خزيمة (1/ 318-319 برقم 626, 629 ), وابن حبان (الإحسان 5/ 237 برقم 1912 ), والحاكم (1/ 226 ), والدارمي (2/ 834 ), والطحاوي (1/ 150 ), والبيهقي (2/ 98 ), والدارقطني (2/ 150 ), والبزار (10/ 350 ), والطبراني (22/ 39 ), وابن المنذر في «الأوسط» (3/ 165 ), والبغوي في «شرح السنة» (3/ 131 )؛ كلهم من طريق يزيد بن هارون أخبرنا شَرِيكٌ عن عاصم بن كُليب عن أبيه عن وائل بن حُجْرٍ –رضي الله عنه- قال: «رأيتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه, وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه».
      وقد اختلف المحدّثون في هذا الحديث؛
      فصححه ابنُ خزيمة, وابن حبان, والحاكم –كما مَرّ-.
      وقال الحاكم عقِبَه: «احتج مسلم بشريك». ووافقه الذهبي.
      وصححه ابن المنذر.
      وقال ابن القيم في «زاد المعاد» (1/ 23 ): «وكان -صلى الله عليه وسلم- يَضَعُ رُكبتيه قبل يديه، ثمَّ يديه بعدهما، ثم جبهتَه وأنفَه، هذا هو الصحيح الذي رواه شريك عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حُجر [عنه –صلى الله عليه وسلم-], ولم يُرْوَ في فعله ما يُخَالِفُ ذلك». اهـ.
      وقال الخطابي في «معالم السنن» (1/ 208 ): «حديث وائل بن حجر أثبت من هذا» يعني: أثبت من حديث أبي هريرة الذي سيأتي في أول الباب الثاني.
      وقال الطحاوي في «شرح المعاني» (1/ 255 ): «فَلَمَّا اخْتُلِفَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا يبْدَأُ بِوَضْعِهِ فِي ذَلِكَ؛ نَظَرْنَا فِي ذَلِكَ؛ فَكَانَ سَبِيلُ تَصْحِيحِ مَعَانِي الْآثَارِ: أَنَّ وَائِلًا لَمْ يُخْتَلَفْ عَنْهُ, وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا رُوِيَ عَنْهُ لَمَّا تَكَافَأَتِ الرِّوَايَاتُ فِيهِ ارْتَفَعَ, وَثَبَتَ مَا رَوَى وَائِلٌ. فَهَذَا حُكْمُ تَصْحِيحِ مَعَانِي الْآثَارِ فِي ذَلِكَ». اهـ.
      وقال الترمذي عقِبَ روايتِه الحديثَ: «هذا حديث حسن غريب لا نعرف أحدًا رواه مثل هذا عن شريك, ... وروى هَمَّامٌ عن عاصمٍ هذا مُرسلًا ولم يَذكر فيه وائلَ بنَ حجر». اهـ.
      وعلَّق ابنُ عبد الهادي في «تنقيح التحقيق» (2/ 250 ) على الجملة الأخيرة من كلام الترمذي قائلًا: «وهذا لا يضر؛ لأن الراوي قد يَرفَع وقد يُرسِل». اهـ.
      وعلق عليها ابنُ الملقن في «البدر المنير» (3/ 657-658 ) قائلًا: «وَهَذَا لَا يَقْدَحُ فِيهِ أَيْضًا؛ لجلالةِ همامٍ وثِقَتِه، وَنِهَايَةُ مَا فِيهِ تعَارضُ الْوَصْلِ والإرسالِ، وَقد عُلِمَ مَا فِيهِ. وَيَلْزَمُ التِّرْمِذِيَّ تَصْحِيحُه؛ لِأَنَّهُ صحّح حَدِيثَ عَاصِم عَن أَبِيه عَن وَائِل [قال]: «لَأَنظُرَنَّ إِلَى صَلَاة النَّبِي -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم-. فَلَمَّا جلس –يعني: للتَّشَهُّد- ... » الحَدِيث.
      وَادَّعَى الْحَازِمِيُّ أَن الْمَحْفُوظَ رِوَايَةُ الْإِرْسَال؛ فَقَالَ فِي «ناسخه ومنسوخه» : «هَذَا حَدِيث حسن عَلَى شَرط د ت ق, أَخْرجُوهُ فِي كتبهمْ من حَدِيث يزِيد بن هَارُون عَن شريك. وَرَوَاهُ همام ابن يَحْيَى، عَن مُحَمَّد بن جُحَادة عَن عبد الْجَبَّار بن وَائِل عَن أَبِيه مَرْفُوعا. قَالَ همام: ونا شَقِيق -يَعْنِي أَبَا اللَّيْث- عَن عَاصِم بن كُلَيْب عَن أَبِيه عَن النَّبِي -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم- مُرْسلا. وَهُوَ الْمَحْفُوظ».
      ويقابَل كَلَامُه بِأَن جماعات من الْحفاظ صححوه متصلًا -كَمَا سلف-.
      ثمَّ ننبه بعد ذَلِك لأمور وَقعت فِي كَلَام التِّرْمِذِيّ - رحمنا الله وإياه-:
      أَوَّلُهَا- قَوْله: «لَا نَعْرِف أحدا رَوَاهُ غير شريك». وَقد عَلِمْتَ مِن حَال كَلَام الْحَازِمِي الْحَافِظِ أَن همام بن يَحْيَى رَوَاهُ من طَرِيقين، وَأخرج أَبُو دَاوُد الطَّرِيق الثَّانِي، وَقد قَالَ التِّرْمِذِيّ نَفسه بعد ذَلِك: «وَرَوَاهُ عَاصِم عن همام مرسلا».
      ثانيها- قوله: «رواه عاصم عن همام» غيرُ معروف, إنما رواه همام عن شقيق عن عاصم. وكذا ذكره أبو داود, وهو نَفْسُه في «علله».
      ثَالِثهَا- نقل مثل ذَلِك عَن يزِيد بن هَارُون أَن شَرِيكا لم يرو عَن عَاصِم بن كُلَيْب إِلَّا هَذَا الحَدِيث, وَأقرهُ عَلَيْهِ، وَهُوَ عَجِيبٌ مِنْهُمَا! فقد رَوَى شريك عَن عَاصِم بن كُلَيْب عدَّة أَحَادِيث:...». ثم أخذ يَسْرُدُها.
      وقال الشوكاني في «نيل الأوطار» (2/ 293 ): «قَالَ الْيَعْمُرِيُّ: مِنْ شَأْنِ التِّرْمِذِيِّ التَّصْحِيحُ بِمِثْلِ هَذَا الْإِسْنَادِ؛ فَقَدْ صَحَّحَ حَدِيثَ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ وَائِلٍ: «لَأَنظُرَنَّ إِلَى صَلَاة النَّبِي -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم-. فَلَمَّا جلس –يعني: للتَّشَهُّد- ... » الحَدِيث, وَإِنَّمَا الَّذِي قَصُرَ بِهَذَا عَنْ التَّصْحِيحِ عِنْدَهُ الْغَرَابَةُ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا؛ وَهِيَ تَفَرُّدُ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ شَرِيكٍ, وَهُوَ لَا يَحُطُّهُ عَنْ دَرَجَةِ الصَّحِيحِ؛ لِجَلَالَةِ يَزِيدَ وَحِفْظِهِ، وَأَمَّا تَفَرُّدُ شَرِيكٍ بِهِ عَنْ عَاصِمٍ وَبِهِ صَارَ حَسَنًا؛ فَإِنَّ شَرِيكًا لَا يُصَحَّحُ حَدِيثُهُ مُنْفَرِدًا. هَذَا مَعْنَى كَلَامِه». اهـ.
      وقال البيهقي في «سننه» (2/ 142 ): «هَذَا حَدِيثٌ يُعَدُّ فِي أَفْرَادِ شَرِيكٍ الْقَاضِي، وَإِنَّمَا تَابَعَهُ هَمَّامٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُرْسَلًا. هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْحُفَّاظِ الْمُتَقَدِّمِينَ -رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى-». اهـ.
      وقال الألباني في «ضعيف سنن أبي داود» (1/ 344 ) عن هذه المتابعة: «متابعةٌ قاصرةٌ».
      وقال الدارقطني في «سننه» (2/ 150 ): «تَفَرَّدَ بِهِ يَزِيدُ عَنْ شَرِيكٍ, وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ غَيْرُ شَرِيكٍ, وَشَرِيكٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ فِيمَا يَتَفَرَّدُ بِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ». اهـ.
      وقال المباركفوري في «تحفة الأحوذي» (2/ 118 ): «حديث ضعيف, تفرد به شريك, وهو صدوق يخطئ كثيرًا, تَغَيَّرَ حِفْظُهُ مُنْذُ وَلِيَ الْقَضَاءَ بِالْكُوفَةِ». اهـ باختصار, وتصرف يسير.
      وقد توسع صاحب «فتح الودود في كيفية الهوي إلى السجود» في الكلام على شريك وإثبات أنه ضعيفٌ سواء قبل توليه القضاء أو بعده, فراجعه إن شئت (ص13-15 ).
      وقال البزار: «وَهَذَا الْحَدِيثُ لا نَعْلَمُ رَوَاهُ إلاَّ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ شَرِيكٍ».
      وقال النسائي -عقب الحديث-: «لَمْ يَقُلْ هَذَا عَنْ شَرِيكٍ غَيْرُ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ. وَاللهُ –تَعَالَى- أَعْلَم». اهـ.
      قال ابن الملقِن في «البدر المنير» (3/ 657 ) -معلِّقًا- «وَهَذَا لَا يقْدَح فِي تَصْحِيحه؛ لجلالة يزِيد وَحفظه».
      وقال ابن العربي في «عارضة الأحوذي» (3/ 68-69 ): «حديث غريب».
      وقال ابن رجب في «فتح الباري» (7/ 218 ): «لا يَثْبُتُ».
      وضعفه الوادعي –كما نقله عنه صاحب «فتح الودود في كيفية الهوي إلى السجود» (ص11-12 )-.
      وقال الألباني –تعليقًا على كلامِ الدارقطنيِّ والبيهقيِّ-: «وهذا هو الحق الذي لا يَشُك فيه كلُّ من أنصف وأعطى البحثَ حقَّه من التحقيق العلمي؛ أن هذا الإسناد ضعيف, وله علتان:
      الأولى- تَفَرُّد شريك به.
      والأخرى- المخالَفة.
      وقد سمعتَ آنفًا الدارقطنيَّ يقول في شريك: «إنه ليس بالقوي فيما يتفرد به».
      وفي «التقريب»: «صدوق، يخطئ كثيرا، تغير حِفْظُه منذ ولي القضاء بالكوفة».
      [وقال النسائي: «ليس بالقوي», وضعفه يحيى بنُ سعيد جدا].
      قلت: فمثله لا يحتج به إذا تفرد, فكيف إذا خالف -كما يأتي بيانه-؟!
      وقولُ الحاكم والذهبي: «احتج به مسلم» [هو] من أوهامهما؛ فإنما أخرج له مسلم في المتابعات -كما صرح بذلك غيرُ واحدٍ من المحققين ومنهم الذهبي نفسُه في «الميزان» [(2/ 274 )]-.
      وأما المخالفة التي سبَقَت الإشارةُ إليها فهي من جهتين: المتن والسند.
      فأما [المخالفةُ في] المتن؛ فقد روى الحديثَ جماعةٌ من الثقات عن عاصم بن كليب به, فذكروا صفةَ صلاته -صلى الله عليه وسلم- بأتَمَّ مما ذكره شريكٌ عن عاصم، ومع ذلك؛ فلم يذكروا كيفية السجود والنهوض عنه إطلاقا -كما أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد وغيرهم عن زائدة بنِ قُدَامة وسفيان بن عيينة وشجاع بن الوليد كلهم عن عاصم به-, فدل ذلك على أن ذِكْرَ الكيفية في حديث عاصم منكرٌ؛ لِتَفرُّد شريك به دون الثقات.
      وأما المخالفة في السند؛ فهو أن هماما قال: حدثنا شقيقٌ أبو الليث قال: حدثني عاصم بن كليب عن أبيه: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا سجد وقعت ركبتاه إلى الأرض قبل أن تقع كفاه».
      أخرجه أبو داود, والبيهقي, وقال: «قال عفان: وهذا الحديث غريب».
      [وقال الحازمي في «الاعتبار» (ص78 ): «وَهُوَ الْمَحْفُوظُ»].
      قلت: فقد خالف شريكًا شقيقٌ فأرسله، ولكن شقيقا هذا ليس خيرا من شريك؛ فإنه مجهول لا يُعرف -كما قال الذهبي [والحافظ] وغيرهـ[ـما]-.
      ولهمام فيه إسناد آخر، ولكنه معلول -أيضا-, فقال: حدثنا محمد بن جُحادة عن عبد الجبار بن وائل بن حجر عن أبيه: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا دخل في الصلاة رفع يديه, ... فلما أراد أن يسجد وقعت ركبتاه على الأرض قبل أن تقع كفاه ... فإذا نهض نهض على ركبتيه واعتمد على فخذيه».
      أخرجه أبو داود والبيهقي, وعلته الانقطاع؛ فقد قال النووي في «المجموع» (3 / 446 ): «حديث ضعيف؛ لأن عبد الجبار بن وائل اتفق الحفاظ على أنه لم يسمع من أبيه شيئا، ولم يدركه».
      والحديث أخرجه البيهقي (2/98- 99 ) من طريق حنبل بن إسحاق: ثنا حجاج بن منهال ... به بتمامه.
      وخالفه سعيد بن عبد الجبار؛ فقال: عن عبد الجبار بن وائل عن أمه عن وائل ابن حُجْرٍ قال: «صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، ثُمَّ سَجَدَ, فكَانَ أَوَّلَ مَا وَصَلَ إِلَى الْأَرْضِ رُكْبَتَاهُ».
      أخرجه البيهقي من طريق محمد بن عمر عنه.
      وسعيد هذا والراوي عنه ضعيفان؛ [سعيد قال فيه ابن معين –كما في «تاريخ ابن معين (برواية ابن محرز )» (1/ 58 ): «لم يكن بثقة», وقال البخاري: «فيه نظر», وقال النسائي: «ليس بالقوي», وضعفه الحافظ في «التقريب». ومحمد بن حجر –وهو ابنُ أخِ سعيدٍ- قال البخاري: «فيه نظر», وقال ابن حبان في «المجروحون» (2/ 284 ): «يروي عن عمه سعيد بن عبد الجبار عن أبيه وائل بن حجر بنسخة منكرة، فيها أشياء لها أصول من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وليس من حديث وائل بن حجر، وفيها أشياء من حديث وائل ابن حجر مختصرة جاء بها على التقصي وأفرط فيها، ومنها أشياء موضوعة ليس يشبه كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. لا يجوز الاحتجاج به», وقال الذهبي: «له مناكير»]؛ فلا يلتفت إلى روايتهما ومخالفتهما.
      وأصل الحديث عن عبد الجبار صحيح؛ لكن ليس فيه سبق الركبتين الكفين.
      وفي الباب حديث آخر معلول -أيضا- رواه أبو العلاء بن إسماعيل العطار: ثنا حفص بن غِيَاث عن عاصم الأحول عن أنس قال: «رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- انحطَّ بالتكبير فسبقت ركبتاه يديه».
      أخرجه الدارقطني (132 ), والحاكم (1 / 226 ), وعنه البيهقي (2 / 99 ), والحازمي في «الاعتبار» (ص55 ), وابن حزم في «المحلى» (4 / 129 ), والضياء المقدسي في «الأحاديث المختارة».
      وقال الدارقطني والبيهقي: «تفرد به العلاء بن إسماعيل».
      قلت: وهو مجهول -كما قال ابن القيم في «الزاد» (1 / 81 ) ومِن قبلِه البيهقيُّ -كما في «التلخيص» لابن حجر (3/ 472 )--.
      وقال ابن أبي حاتم في «العلل» (1 / 188 ) عن أبيه: «هذا حديث منكر».
      [وقال المباركفوري في «تحفة الأحوذي» (1/ 230 ): «هذا الحديث لَا يَصْلُح أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا لِحَدِيثِ وَائِلٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَفَرَّدَ بِهِ الْعَلَاءُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْعَطَّارُ, وَهُوَ مَجْهُولٌ (قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ )»].
      قلت: وأما قول الحاكم والذهبي: «حديث صحيح على شرط الشيخين»؛ فغفلة كبيرة منهما عن حال العلاء هذا، مع كونه ليس من رجال الشيخين! وقولهما هذا لم يسبقهما ولم يتابعهما عليه أحد.
      وقال الحافظ في ترجمته من «اللسان»: «وقد خالفه عمر بن حفص بن غياث -وهذا مِن أثبت الناس في أبيه-؛ فرواه عن أبيه عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة وغيره عن عمر موقوفا عليه. وهذا هو المحفوظ».
      قلت: أخرجه الطحاوي (1 / 151 ) بالسند المذكور عن إبراهيم عن أصحاب عبد الله علقمة والأسود, فقالا: «حفظنا عن عمر في صلاته أنه خر -بعد ركوعه- على ركبتيه كما يخر البعير، وضع ركبتيه قبل يديه».
      وسنده صحيح. وقد صرح الأعمش عنده بالتحديث.
      ورواه عبد الرزاق (2955 ) نحوه.
      على أن حديث أنس -لو صح- ليس فيه التصريح أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يضع ركبتيه قبل يديه، وإنما فيه سَبْقُ الركبتين اليدين فقط، وقد يمكن أن يكون هذا السبق في حركتهما لا في وضعهما -كما قال ابن حزم –رحمه الله--.
      [ثم إن في أثرِ عُمَر] تنبيهٌ هام؛ وهو أن البعير يبرك على ركبتيه -يعني اللتين في مقدمتيه-، وإذا كان كذلك لزم أن لا يبرك المصلي على ركبتيه كما يبرك البعير؛ لِمَا ثبت في أحاديث كثيرة من النهي عن بروك كبروك الجمل، وجاء في بعضها توضيحُ ذلك من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: «إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه».
      رواه أبو داود بسند جيد.
      وفي رواية عن أبي هريرة بلفظ: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا سجد بدأ بوضع يديه قبل ركبتيه».
      أخرجه الطحاوي في «شرح المعاني» (1 / 149 ) هو والذي قبله بالسند المشار إليه آنفا، وروى له شاهدا من حديث ابن عمر مِن فِعْلِه وفِعْلِ النبي -صلى الله عليه وسلم-. وسنده صحيح، وصححه الحاكم والذهبي.
      وروى ابنُ خزيمة في «صحيحه» (1 / 317 – 318 ) -بسند صحيح- عن أبي حُمَيْد الساعدي في عشرة من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان ... يهوي إلى الأرض مجافيا يديه عن جنبيه ثم يسجد». وقالوا جميعا: صدقت. هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي.
      إذا عرفت هذا وتأملت معي معنى الهوي -الذي هو السقوط- مع مجافاة اليدين عن الجنبين؛ تَبَيَّنَ لك بوضوح لا غموض فيه أن ذلك لا يمكن عادةً إلا بتلقي الأرض باليدين وليس بالركبتين.
      فهذه الأحاديث الثابتة تدل على نكارة الأحاديث المتقدمة جميعها. ومما يدل على ضعف بعضها مِن جهةِ ما فيها من الزيادة في هيئة القيام إلى الركعة الثانية: حديثُ أبي قلابة قال: «كان مالك بن الحويرث يأتينا فيقول: ألا أحدثكم عن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فيصلى في غير وقت الصلاة، فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية في أول ركعة؛ استوى قاعدا، ثم قام فاعتمد على الأرض».
      أخرجه الإمام الشافعي في «الأم» (1/ 101 ) والنسائي (1/ 173 ) والبيهقي (2/ 124 - 135 ) بإسناد صحيح على شرط الشيخين.
      وقد أخرجه البخاري (2 / 241 ) من طريق أخرى عن أبي قلابة نحوه.
      وقد اتفق العلماء على صحة هذا الحديث, حتى الذين لم يأخذوا به فإنهم سلّموا بدلالته, لكنهم لم يعملوا به ظنا منهم أنه كان لسِنِّه وشيخوخته.
      [وفي هذا الحديث] دلالة صريحة على أن السنة في القيام إلى الركعة الثانية إنما هو الاعتماد -أي: باليد-؛ لأنه افتعال من العماد، والمراد به الاتكاء, وهو باليد -كما في «الفتح»؛ قال: «وروى عبد الرزاق عن ابن عمر أنه كان يقوم إذا رفع رأسه من السجدة معتمدا على يديه قبل أن يرفعهما». قلت: وفيه عنده (2964، 2969 ) العمريُّ, وهو ضعيف، لكن الاعتماد فيه شاهد قوي سأذكره بعد قليل.
      وأما من قال: «[إن] هذا الحديث غير صريح بالاعتماد على الأرض باليدين, فهو يُحمل لذلك وللاعتماد على الركبتين عند النهوض»؛ فهذا شيء لَم يأت به الأوائل! وإنما يقول هذا مِن عندِه توهينًا منه لدلالته وهو يعلم أن الأئمة جميعا فهموه على خلافِ زَعْمِه -مَن عَمِل به منهم ومن لم يعمل- كما تقدم--.
      فهذا هو الإمام الشافعي العربي القرشي يقول في كتابه: «الأم» (1 / 101 ) بعد أن ساق الحديث:
      «وبهذا نأخذ, فنأمر من قام من سجود أو جلوس في الصلاة أن يعتمد على الأرض بيديه معًا؛ اتباعًا للسنة, فإن ذلك أشبه للتواضع، وأعون للمصلي على الصلاة، وأحرى أن لا ينقلب، وأيُّ قيامٍ قامَه سوى هذا كرهتُه».
      قلت: ولا يخفى أن حديث ابن الحويرث أخص مما قاله الشافعي من العموم، فالظاهر أنه قال ذلك قياسًا على ما ذكر فيه من القيام، وهو ما يفيده صنيع البيهقي؛ حيث قال في «سننه»: «باب الاعتماد بيده على الأرض إذا نهض؛ قياسًا على ما روينا في النهوض في الركعة الأولى», ثم ساق حديث ابن الحويرث، وعقّبه بأثر ابن عمر.
      بل هذا هو الإمام أحمد -الذي يقول بالنهوض على صدور القدمين- لَمَّا ذكر حديث ابن الحويرث في «مسائل ابنه» (ص81/ 286 ) ذكره بلفظٍ يُبطِل به الاحتمالَ الثاني؛ وهو: «... جلس قبل أن يقوم ثم قام ولم ينهض على صدور قدميه».
      وهذا هو الذي لا يَفهم سواه كلُّ عربي أصيل لم تداخله لوثة العجمة!!
      وقال البيهقي: «وروينا عن ابن عمر أنه كان يعتمد على يديه إذا نهض. وكذلك كان يفعل الحسن وغير واحد من التابعين».
      قلت: وحديث ابن عمر رواه البيهقي موقوفًا بسنده عن حماد بن سلمة عن الأزرق بن قيس قال: «رأيت ابن عمر إذا قام من الركعتين اعتمد على الأرض بيديه, فقلت لولده وجلسائه: لعله يفعل هذا مِن الكِبَرِ؟ قالوا: «لا؛ ولكن هكذا يكون».
      وسنده جيد.
      فقولهم: «هكذا يكون» صريح في أن ابن عمر كان يفعل ذلك اتباعًا لسنة الصلاة، وليس لسن أو ضعف.
      وأخرج أبو إسحاق الحربي في «غريب الحديث» (5 / 98 / ... ): حدثنا عُبَيْد الله بن عمر: حدثنا يونس بن بكير عن الهيثم بن عطية عن قيس بن الأزرق بن قيس عن الأزرق بن قيس: رأيت ابن عمر يعجن في الصلاة؛ يعتمد على يديه في الصلاة إذا قام, فقلتُ له:؟, فقال: «رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعله».
      وهذا سندٌ صالحٌ.
      وهو حديث عزيز, لم يذكره أحد من المخرجين -المتقدمين منهم والمتأخرين-.
      انظر «الضعيفة» تحت الحديث (967 ), و«صفة الصلاة», [و «تمام المنة» (ص196-207 )]-.
      قلت: ولازم هذه السنة الصحيحة أن يرفع ركبتيه قبل يديه؛ إذ لا يمكن الاعتماد على الأرض عند القيام إلا على هذه الصفة, وهذا هو المناسب للأحاديث الناهية عن التشبه بالحيوانات في الصلاة, وبخاصة حديث أبي هريرة المتقدم في النهي عن البروك كبروك الجمل؛ فإنه ينهض معتمدا على ركبتيه -كما هو مشاهد-, فينبغي للمصلي أن ينهض معتمدا على يديه؛ مخالفةً له. فتأمل مُنْصِفًا.
      وأما حديث: «نهى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن يعتمد الرجل على يده إذا نهض في الصلاة»؛ فهو حديث منكر –كما بينتُه في «سلسلة الأحاديث الضعيفة» (967 )-. [وانظر «السنن الكبرى» للبيهقي (2/ 194-195 ), وتعليق الشيخ أحمد شاكر على «المسند» (5/ 518-522 )].
      ثم إن البعير إذا برك فإنما يبرك بقوة, حتى إن للأرض منه لَرَجّةً, وكذلك المصلي إذا سجد على ركبتيه كان لسجوده دَوِيٌّ, مما يتنافى مع هيئة الصلاة وخشوعها..., فهذا وجه المشابهة بين بروك الجمل وبروك المصلي على ركبتيه.
      وقد ثبت مما تقدم أن السنة الصحيحة إنما هي الاعتماد على اليدين في الهوي إلى السجود وفي القيام منه، خلافا لما دلت عليه هذه الأحاديث الضعيفة، فكان ذلك دليلا آخر على ضعفها». اهـ كلام الألباني. وهو مجموعٌ مِن «السلسلة الضعيفة» (2/ 329-332 ) و«صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- (الأصل )» (2/ 714-724 ) و«تمام المنة» (ص195-198 ) و«إرواء الغليل» (2/ 75-80 ), و«ضعيف سنن أبي داود (الأم )» (1/ 277-278 ).
      ونَقَل القاري في «مرقاة المفاتيح» (2/ 724 ) عن الحافظ أنه قال: «ضَعَّفَ النَّوَوِيُّ الشَّطْرَ الثَّانِيَ منه».
      التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الرحمن علي المالكي; الساعة 27-Jul-2014, 06:43 PM.

      تعليق


      • #4
        رد: بحثٌ مفصَّلٌ حول صفة الهوي إلى السجود والقيام منه

        الباب الثاني
        الأدلة التي استَدَل بها مَن رجَّحَ تقديمَ اليدين على الركبتين عند الهوي والاعتمادَ على اليدين عند القيام

        أخرجه أبو داود (840, 841 ), والطحاوي (1/ 254 ), والبيهقي (2/ 143 ), وأحمد (14/ 517 ), والبخاري في «التاريخ الكبير» (1/ 139 ), وابن المنذر في «الأوسط» (3/ 165 )؛ كلهم من طريق عبد العزيز بن محمد الدَّرَاوَرْدي قال: ثنا محمد بن عبد الله بن الحسن عن أبي الزِّنَاد عن الأعرج عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا سجد أحدكم فلا يَبْرُكْ كما يَبْرُكُ البعيرُ، ولْيضع يديه قبل ركبتيه».
        وفي رواية: «يَعْمِدُ أحدُكم في صلاته فيبركُ كما يبرك الجمل؟!».
        وأخرجه النسائي (2/ 207 ), والدارقطني (1/ 345 ) بلفظ: «فلْيضع يديه قبل ركبتيه، ولا يبرك بروك البعير».
        وأخرج الترمذي (269 ) الرواية الثانية فقط.
        وقد اختلف المحدّثون في هذا الحديث؛
        فقال البخاري عقبه: «محمد بن عبد الله بن الحسن لا يُتابَع عليه, ولا أدري سَمِعَ من أَبِي الزناد أم لا».
        وقال الترمذي عقبه: «غريب لا نعرفه من حديث أبي الزناد إلا من هذا الوجه. وقد رُوي هذا الحديث عن عبد الله بن سعيد المَقبُري عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي –صلى الله عليه وسلم-. وعبدُ الله بن سعيد المقبري ضعّفه يحيى بن سعيد القطان وغيرُه». اهـ. وقال فيه أحمد –كما في «بحر الدم» (ص236 )-: «هو منكر الحديث, متروك الحديث», وقال يحيى بن معين –كما في «التهذيب»-: «ليس بشيء. لا يُكتَب حديثُه», وقال أبو زرعة: «هو ضعيف, لا يوقف منه على شيء», وقال ابن عديّ في «الكامل» (4/ 1481 ): «عامةُ ما يرويه الضعفُ عليه بينٌ», وقال الحافظ في «التقريب»: «متروك».
        وقال الدارقطني: «تفرد به عبد العزيز الدراوردي عن محمد بن عبد الله». وَقَالَ –كما في «أطراف الغرائب والأفراد» (3/ 472 ) وغيره-: «تفرد بِهِ أصبغ بن الْفرج عَن عبد الْعَزِيز الدَّرَاورْدِي عَن عبيد الله».
        قال أبو عبيدة الزاوي في «فتح الودود في كيفية الهوي إلى السجود» (ص29-36 ): «الذي يترجح في هذا الحديث هو الضعف؛ لإعلال الأئمة له –كالبخاري, والترمذي, والدارقطني-.
        والإعلالُ في هذا الحديث يُعتبَر مِن أبرز الأمثلة للعلة الخفية.
        ونقطة الإعلال هنا تدور على محمد بن الحسن, وهو وإن كان ثقة إلا أن الأئمة استنكروا حديثَه هذا لتفرده, وكذا قرائن أخرى سيأتي ذكرها.
        وهذه الصورة من الإعلال معروفة عند العلماء المتقدمين, وكذا أهل الحديث من المتأخرين. والأصل في مسألة الإعلال عند أهل الحديث على حسب القرائن التي تحتف بالراوي والمروي, وعليه يحكمون بقبول حديثه أو ردِّه, وهذه العلة تخرج عن كون الحديث إسناده صحيح وظاهره السلامة, بل هي أرفع من ذلك –كما سنبينه-.
        وذلك أن هذا العلم تميز بمعرفته حفاظٌ من السلف على غيرِهم؛ وذلك لأن حقيقتَه الكشفُ عن خفايا الأمور, وهو ما يُعرَف بـ(علم العلل ) الذي ميدانُه أحاديثُ الثقات الأثبات, ويَبرُز في إظهارِ ما يعتريهم من الوهم والخطإ, وهذا النوع من النقد أوسعُ من الجرح والتعديل؛ لأن منتهى الجرح والتعديل كلمةٌ تقال في الراوي أو سطر أو صفحة او مجموعة من الأقوال في الرجلِ موضعِ الجرح والتعديل, وأما هذا النقد فهو الذي يواكِبُ الثقةَ في حِلِّه, وترحالِه, وأحاديثه عن كل شيخ من شيوخه, ومتى ضَبَط, ومتى نسي, وكيف تَحَمَّل, وكيف أدّى, فكل ثقة بَشَرٌ يخطئ ويصيب, وطارئٌ على حديثه الضعفُ, وإن كان قليلا, ولكن كشف هذا القليل هو الفيصل في هذا الميدان.
        ومسألة الإعلال عند المتقدمين لا تقتصر على مخالفة الراوي لغيره أو الانقطاع أو الإرسال أو التدليس أو غير ذلك؛ بل مسألة التفرد من أهم المسائل التي أعطاها العلماءُ مِن الفحصِ والبحثِ والنظرِ والتدقيقِ الشيءَ الكثير, وإن كان هذا التفرد صَدَرَ مِن ثقة, ويَظهرُ هذا في تتبعِ أقوالِهم.
        وعند النظر في إعلال البخاري للحديث بسبب تفرد محمد بن عبد الله بن الحسن -وكذا غيرِه من الحفاظ- يظهر قدر هذا العلم, والدقة في فحص الأحاديث, ويُعلم لزاما أنه يجب الوقوف عند كل حديث أعله الحفاظ وتكلموا فيه.
        وقد نبه على هذا الحافظُ ابن حجر في «النكت على كتاب ابن الصلاح» (2/ 726 )؛ فقال -وهو يتكلم على الحديث المعل, وبعد أن ذكر بعض الإعلالات لأهل العلم-: «وبهذا التقرير يتبين عِظَمُ موقعِ كلامِ المتقدمين, وشدة فحصهم, وقوة بحثهم, وصحة نظرهم, وتقديمهم بما يوجب المصير إلى تقليدهم في ذلك والتسليم لهم فيه». انتهى.
        وهذا الإعلال الذي بين أيدينا هو من ذلك الضرب الذي أشار إليه الحافظ, ومَن دقَّقَ في هذا التفرد من محمد بن الحسن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة يجد عدة قرائن تحتف بالخبر تجعل التوقفَ في قبولِه علمًا ضروريًّا.
        فأبو الزناد (عبد الله بن ذكوان ) ثقة فقيه مدني من كبار فقهاء وعلماء ومحدثي المدينة, قال فيه ابن المديني: «لم يكن بالمدينة بعد كبار التابعين أعلم منه», وتلامذته أئمةُ الحديث وحفاظُه وعلماءُ الدنيا عليهم الحديثُ يدور -صحيحُه وسقيمُه-, كمالك, وهشام بن عروة, والثوري, وشعبة, والأعمش, وابن عيينة, وزائدة بن قدامة وغيرهم, وعلى أولئك الثقات كان حديث أبي الزناد يدور, وعليهم الاعتماد في صحة أحاديثه وقبولها, وكذلك أبو الزناد تَمَيَّزَ حديثُه بسلسلةٍ؛ وهي التي يرويها عن الأعرج عن أبي هريرة, وهي من السلاسل التي وجدت عناية خاصة من الحفاظ, وقد نقل الخزرجي عن البخاري أنه قال: «أصح الأسانيد إلى أبي هريرة: أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة», ولذلك أكثر البخاري من إخراج هذه السلسلة في «صحيحه» خاصة عن مشاهير تلاميذ أبي الزناد, ولذا كان الحفاظ حريصين جدًّا على سماع جميع السلسلة؛ فيُكثِرون ملازمةَ أبي الزناد طمعا أن ينالوا هذه السلسلة أولًا, وهذا عام في تلامذته -سواء أكانوا من المشاهير أو غير المشاهير-, ولهذا لا تكاد تجد حديثا من هذه السلسلة إلا ورواه عن أبي الزناد جمع من الحفاظ. فالذي يظهر أن التفرد في مثل هذه الحالة لا يُحْتَمَل, وأنه من مواضع البحث, وخاصةً من محمد بن الحسن الذي احتفت به بعض القرائن التي تجعل الريبة أكثر في قبول هذا التفرد.
        ذكر الحافظ في ترجمة محمد بن الحسن من «التهذيب» عن ابن سعد أنه «كان قليل الحديث, يلزم البادية, ويحب الخلوة».
        ثم قال الحافظ: «ولهذا لم يوجد له عن أبي الزناد إلا حديثًا واحدًا عند أصحاب السنن» وهو حديث الباب.
        وقد خرج بالمدينة عن المنصور؛ فبعث إليه عيسى بن موسى فقتله.
        وهنا وقفةٌ على بعض الدقائق التي ينبغي أن تكون بعين الاعتبار؛ وذلك مِن النظر في شهرة الشيخ, وكثرة تلامذته, وسعة علمه, وخفاء التلميذ محمد بن الحسن الذي لا يعرف إلا بالعزلة عن الناس, ولزوم الخلوة, وسكن البادية, ولا يعرف عنه طلب الحديث, مع شغله بالسيف, ومع هذا فلا يُعرف له لقاءٌ بالذي تفرد عنه؛ وهو صاحب الأعلام من التلاميذ –كالأعمش, والثوري, وابن عيينة, وغيرهم- الذين يحرصون على الرحلة لأجل حديث واحد, فكيف يخفى عليهم حديث شيخ أكثَروا ملازمته؟ بل ما فيه مزية خاصة من حديثه؛ وهو شهرة هذه السلسلة التي يحرص على أخذها غير التلاميذ بعلو ونزول؟
        ومن العادة في مثل هذه السلسلة أن تُحْصَر في عدد معين لذلك الشيخ والتلميذ, وحِرصُ الشيخ على تقديمها؛ فهي أبرز ما عنده, وحرصُ التلميذ على أخذها بكثرة الملازمة, فمن البعيد أن يَخُصَّ أبو الزناد محمدَ بنَ الحسن دون غيره من أولئك الحفاظ المتقدم ذكرهم.
        وقول البخاري: «محمد بن الحسن لا أدري أسمع من أبي الزناد أم لا»؛ فالذي يظهر أن البخاري ما قصد بهذا التشكيكَ في الرواية فقط لِمَا عليه شَرْطُه؛ بل قَصَدَ إعلالَ الحديث بمسألة التفرد كذلك, وهو الأصل؛ وذلك لأمور:
        أولا- لِمَا تقدم ذكرُه مِن حال أبي الزناد وكذا محمد بن الحسن.
        ثانيا- تقديمه في أول الإعلال بقوله: «محمد بن الحسن لا يتابَع عليه».
        وكذا جاء عن حمزة الكناني أنه أنكر أن يكون محمدٌ هذا الراوي عن أبي الزناد هو محمدَ بنَ الحسن؛ لبُعدِ الاحتمالِ في ذلك.
        ثم لو َقَصَدَ به البخاري ما اشترطه في الصحيح لأوقع الوهَنَ في الرواية مع وجود تلك القرائن, بل لو ثبت السماع وقيل به مع هذه القرائن التي ذكرت سابقا لكان التوقف في الحديث مقبولا لدى الحفاظ, فكيف بمن هذا حاله ولا يُدرى له سماعٌ ولا يُعرف له لقاءٌ غير المعاصرة؟!
        فهذا الذي يظهر هو السبب في الإعلال.
        وهذا النوع موجود في إعلال الأئمة قديمًا وحديثًا, عمليًّا ونظريًّا. ومن أقوالهم في هذا الموضوع:
        قال الخطيب في «الكفاية» (ص142 ): «أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بِشْرَانَ الْمُعَدِّلُ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمِصْرِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نَافِعٍ: ثنا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَذْكُرُ عَنْ شُعْبَةَ: قِيلَ لَهُ مَنِ الَّذِي يُتْرَكُ حَدِيثُهُ؟ قَالَ: «الَّذِي إِذَا رَوَى عَنِ الْمَعْرُوفِينَ مَا لَا يَعْرِفُهُ الْمَعْرُوفُونَ فَأَكْثَرَ؛ طُرِحَ حَدِيثُهُ»». اهـ.
        وقال مسلم في مقدمة «صحيحه» (1/ 7 ): «فَأَمَّا مَنْ تَرَاهُ يَعْمِدُ لِمِثْلِ الزُّهْرِيِّ فِي جَلَالَتِهِ وَكَثْرَةِ أَصْحَابِهِ الْحُفَّاظِ الْمُتْقِنِينَ لِحَدِيثِهِ وَحَدِيثِ غَيْرِهِ، أَوْ لِمِثْلِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ -وَحَدِيثُهُمَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَبْسُوطٌ مُشْتَرَكٌ، قَدْ نَقَلَ أَصْحَابُهُمَا عَنْهُمَا حَدِيثَهُمَا عَلَى الِاتِّفَاقِ مِنْهُمْ فِي أَكْثَرِهِ-؛ فَيَرْوِي عَنْهُمَا أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا الْعَدَدَ مِنَ الْحَدِيثِ مِمَّا لَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِمَا، وَلَيْسَ مِمَّنْ قَدْ شَارَكَهُمْ فِي الصَّحِيحِ مِمَّا عِنْدَهُمْ؛ فَغَيْرُ جَائِزٍ قَبُولُ حَدِيثِ هَذَا الضَّرْبِ مِنَ النَّاسِ». اهـ.
        وهذا الكلام عند غيرهم كثير من أهل العلم المتقدمين, والناحية العملية كثيرة جدا.
        وإعلالُ الأئمة لهذا الحديث من هو من ذاك الوجه. والله أعلم.
        وهذه القاعدة قررها محمد بن عبد الهادي في كتابه: «الصارم المنكي» (ص89 ) في كلامه على راوٍ تفرَّدَ برواية عن مالك عن نافع عن ابن عمر؛ فقال: «ولو كان من حديثه لبادر إلى روايته عنه بعض أصحابه الثقات المشهورين، بل لو تفرد بروايته عنه ثقة معروف من بين سائر أصحابه لأنكره الحفاظ عليه، ولَعَدُّوه من الأحاديث المنكرة الشاذة». اهـ.
        وهذه السلسلة التي بين أيدينا لا تقل قدرًا عن السلسلة التي قعدها ابن عبد الهادي من حيث حرص العلماء واجتهادهم في التحصل عليها, والحرص على أخذها بعلو أو نزول, ثم تكون من نصيب محمد بن الحسن الذي لم يكن معروفًا إلا بما قدمنا ذِكرَه, وهذا الذي يجعل كلام الأئمة معتبَرًا في رد هذا الحديث.
        وبمجموع ما تقدمَ وتبينَ من الأقوال يظهر لترجيح قولِ الأئمة وجهٌ من حيث الإعلال, وأن كلامَهم هو الفيصل في هذا الحديث, وخاصة لم يُعرَف لهم مخالِف من العلماء المتقدمين بأنْ صحَّحَ الحديثَ.
        وعلى هذا؛ فدرجة الحديث الضعف والنكارة, ولا حجة فيه لأصحاب هذا القول». اهـ كلامه ببعض التصرف.
        وقال (ص38-42 ): «إن لفظة البخاري ظاهرها التشكيك في السماع فقط, وقد يستعملها الأئمة في نفي السماع, وبهذه اللفظة تكلم أحمد في نفي سماع قتادة بن يحيى بن يعمر –كما ذكره ابن رجب في «شرح العلل»-, ومع هذا فلم يُثبِت أحد من الأئمة سماعَ محمد بن الحسن من أبي الزناد.
        وأما القول بأن محمد بن الحسن ثقة لا يضر تفرده؛ فهذا عند النظر في الظاهر فقط, ولكن عند الزيادة في البحث تظهر قرائن أخرى تحتف بالتفرد تسبب في الإعلال, وقد تقدم الإشارة إليها.
        ومَن يلاحظ صنيع البخاري في «صحيحه» يجد أنه يُخْرِج عدةَ أحاديثَ غرائبَ أفرادٍ, بل إنه ابتدأ كتابه بحديثٍ فَرْدٍ وقع فيه التفرد في عدة طبقات, وختمه بحديثٍ فردٍ أيضًا, وهذا يدل على أن إعلال البخاري لحديث الباب ليس لمجرد التفرد فحسب, بل هو لعدة قرائن معتبرة احتفت بهذا الحديث الذي وقع فيه التفرد.
        وأما حصر إعلال البخاري في شرطه فهذا غير مقبول؛ وذلك لأمور:
        الأول- أن البخاري لم يتفرد بهذا الإعلال؛ بل تابعه جمع من أهل العلم على إعلاله –كالترمذي, والدارقطني, والبيهقي, وغيرهم-.
        الثاني- أن الترمذي ذكر في كتابه «العلل» أن ما ذكره من الأقوال في إعلال أحاديث هو مما أخذه من محمد بن إسماعيل البخاري والدارمي, وأكثره أخذه عن محمد بن إسماعيل, وإعلال الترمذي للحديث بقوله: «هذا حديث غريب ...»؛ بيّن أن البخاري لم يقصد بالإعلال شرطَه فقط؛ بل التفرد هو المعتبر؛ لأن الترمذي قد أخذ هذا الإعلال من البخاري على الظاهر.
        وشرط البخاري هل هو في مطلق الصحيح أم أنه اشترطه في كتابه «الصحيح» فقط؟
        على خلاف. وللحافظ كلام يوحي بأنه شرطٌ في كتابه فقط؛ فقال -رحمه الله- في «الهدي» -بعد الكلام على شرطه-: «وأظهر البخاري هذا المذهب في تاريخه, وجرى عليه في صحيحه». اهـ.
        [وقال الألباني في شريطٍ عُنوِن بـ(الحديث الحسن, والراوي المجهول ): «لعله من المستحسن أن أذكر شيئا قد يكون جديدا في الموضوع -وقد كتبت هذا في بعض كتاباتي-:
        البخاري في هذه المسألة له مذهبان:
        الأول- اشتراط التلاقي –وهو المشهور عنه-.
        الثاني : أنه يكتفي بالمعاصرة.
        لكن المذهب الأول هو شرطه في الحديث الصحيح, والمذهب الثاني لا يلتزمه في الحديث دون الصحيح -وهو الحديث الحسن-؛ لأني وجدت الترمذي في «سننه» يحسنُ حديثًا ويَنْقُلُ عن إمامه البخاري بأنه حسن, وفيه التصريح بالمعاصرة, فكأني وجدت استراحة لمثل هذا النص الجديد لتقريب شـُقّـةِ الخلافِ بين الجمهور الذين مع الإمام مسلم وبين الإمام البخاري الذي نـُصب الخلاف بينه وبين الجمهور في اشتراط التلاقي وعدم اشتراطه, وجدت حينئذ أن اشتراط التلاقي هو من شروط البخاري في «صحيحه», وليس من شروطه في خارج الصحيح, وفي الأحاديث التي ينقل إما تحسينها وإما تارة تصحيحها عنه تلميذه في «سننه».
        [فالتفصيل هو كالآتي]: أن شرط التلاقي هو في أعلى درجات الصحيح عند البخاري, ولكن ليس عكسه ضعيفًا عنده إذا وجدت شروط الصحة الأخرى المتفق عليها أو التي رضيه هو مذهبًا لنفسه, وإذا لم يتحقق مع تلك الشروط التلاقي فهذا لا يعني أن الحديث عند البخاري نزل من مرتبة الصحة إلى الضعف؛ إنما وسط بينهما. هذا هو الذي فهمته من بعض الروايات التي رأيتها في «سنن الترمذي» ينقل تحسينها عن الإمام البخاري». اهـ بتصرف].
        وعلى هذا فلا حجة في قولهم: إن البخاري قصد شرطه.
        ثم لو سلَّمنا بصحة هذا الحديث تبقى بعض الإيرادات عليه؛ وهي أن الدراوردي تفرد عن محمد بن الحسن بزيادة: «وليضع يديه قبل ركبتيه», وخالفه عبدَ الله بنَ نافع – وهو ثقة, صحيح الكتاب, في حِفْظه لِينٌ-؛ فلم يَذْكُر هذه الزيادة. وعبدُ الله بنُ نافع أرجح وأفضل حالا من الدراوردي؛ قال الحافظ: «عبد العزيز الدراوردي صدوق, يُحدِّث مِن كتبِ غيرِه فيخطئ», وعليه؛ تكون هذه الزيادة شاذة, والمحفوظ من الحديث بدونها, وهو قوله: «لا يبرك أحدكم بروك البعير». اهـ كلامه ببعض التصرف.
        وضعفه ابن القيم في «زاد المعاد» (1/ 23- 26 ). ومما قال: «الحديث -والله أعلم- قد وقع فيه وهم من بعض الرواة؛ فإن أوَّله يُخالف آخره؛ فإنه إذا وَضَع يديه قبل ركبتيه فقد بَرَكَ كما يبرك البعير...؛ فإن البعير إنما يضع يديه أولًا وتبقى رجلاه قائمتين، فإذا نهض فإنه ينهض برجليه أولاً وتبقى يداه على الأرض، وهذا هو الذي نهى عنه –صلى الله عليه وسلم- وفَعَل خلافَه.
        ولَمّا علِمَ أصحابُ هذا القول ذلك قالوا: ركبتا البعير في يديه، لا في رجليه؛ فهو إذا برك وضع ركبتيه أولًا، فهذا هو المنهي عنه.
        وهذا كلامٌ لا يُعقل، ولا يعرفه أهل اللغة, وإنما الركبة في الرجلين، وإن أُطلِق على اللتين في يديه اسمَ الركبة فعلى سبيل التغليب.
        وكان يقع لي أن حديث أبي هريرة -كما ذكرنا- ممّا انقلب على بعض الرواة متنُه وأصلُه، ولعله: «وليضع ركبتيه قبل يديه».
        حتى رأيتُ أبا بكر بن أبي شيبة قد رواه كذلك، فقال ابن أبي شيبة: حدثنا محمد بن فُضَيْل عن عبد الله بن سعيد عن جدِّه عن أبي هريرة عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِرُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيهِ، وَلاَ يَبْرُكْ كَبُرُوكِ الفَحْلِ».
        ورواه الأثرم في «سننه» أيضًا عن أبي بكر كذلك.
        وقد روي عن أبي هريرة عن النبى –صلى الله عليه وسلم- ما يُصدِّق ذلك ويُوافقُ حديثَ وائل بن حُجر؛ قال ابن أبي داود: حدثنا يُوسُف بن عدي حدثنا ابن فضيل -هو محمد- عن عبد الله بن سعيد عن جدِّه عن أبي هريرة: «أن النبي rكان إذا سجد بدأ بركبتيه قبل يديه».
        [فهو مضطربُ المتنِ –إذَن-].
        وحديث وائل بن حُجر أولى لوجوه:
        أحدها- أنه أثبَت من حديث أبي هريرة (قاله الخطابي وغيره ).
        الثاني- أن حديث أبي هريرة مضطرب المتن -كما تقدم-؛ فمنهم من يقول فيه: «وليضع يديه قبل ركبتيه»، ومنهم من يقول بالعكس، ومنهم من يقول: «وليضع يديه على ركبتيه»، ومنهم من يحذف هذه الجملة رأسًا.
        ...السادس- أنه الموافق للمنقول عن الصحابة -كعمر بن الخطاب، وابنه، وعبد الله بن مسعود-، ولم يُنقل عن أحد منهم ما يُوافق حديثَ أبي هريرة إلا عن عمر رضي الله عنه -على اختلاف عنه-.
        السابع- أن له شواهد من حديث ابن عمر وأنس -كما تقدم-، وليس لحديث أبي هريرة شاهد، فلو تقاوما لَقُدِّم حديثُ وائل بن حُجر من أجل شواهده، فكيف وحديثُ وائل أقوى -كما تقدم-؟.
        الثامن- أن أكثر الناس عليه، والقول الآخر إنما يُحفظ عن الأوزاعي ومالك، وأمّا قول ابن أبي داود: «إنه قول أهل الحديث»؛ فإنما أراد به بعضهم، وإلا فأحمد والشافعي وإسحاق على خلافه.
        التاسع- أنه حديث فيه قصةٌ مَحكيةٌ سِيقتْ لحكايةِ فعلِه –صلى الله عليه وسلم-، فهو أولى أن يكون محفوظًا؛ لأن الحديث إذا كان فيه قصة محكيةٌ دلَّ على أنه حُفِظ.
        العاشر- أن الأفعال المحكية فيه كلها ثابتة صحيحة من رواية غيره، فهي أفعال معروفة صحيحة، وهذا واحد منها، فله حكمها، ومعارضُه ليس مقاومًا له، فيتعين ترجيحه، والله أعلم». اهـ بتصرف واختصار.
        وقال الصنعاني في «التنوير شرح الجامع الصغير» (2/ 89 ): «هذا الحديث انقلب على راويه -كما قاله ابن القيم في «الهَدْيِ» وغيره-؛ فإنّ وَضْعَ اليدين قبل الركبتين هو هيئة البعير عند أن يبرك, فقد خالف آخر الحديث أوله». اهـ.
        وقال في «سبل السلام» (1/ 281 ): «وَقَوْلُ [الحافظ]: «إنَّ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ شَاهِدًا يَقْوَى بِهِ» مُعَارَضٌ بِأَنَّ لِحَدِيثِ وَائِلٍ أَيْضًا شَاهِدًا قَدْ قَدَّمْنَاهُ, وَقَالَ الْحَاكِمُ: «إنَّهُ عَلَى شَرْطِهِمَا», وَغَايَتُهُ -وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ كَلَامُ الْحَاكِمِ- [أنه] مِثْلُ شَاهِدِ [حديثِ] أَبِي هُرَيْرَةَ الذي تفرد به شريكٌ، فَقَدْ اتَّفَقَ حَدِيثُ وَائِلٍ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْقُوَّةِ. وَعَلَى تَحْقِيقِ ابْنِ الْقَيِّمِ فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَائِدٌ إلَى حَدِيثِ وَائِلٍ، وَإِنَّمَا وَقَعَ فِيهِ قَلْبٌ. وَلَا يُنْكَرُ ذَلِكَ؛ فَقَدْ وَقَعَ الْقَلْبُ فِي أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ». اهـ.
        ويُفهم من كلام المناوي في «فيض القدير» (1/ 373 ) أنه يضعف حديثَ أبي هريرة.
        وقال ابن رجب في «فتح الباري» (7/ 218 ): «لا يثبت».
        هذا خلاصةُ ما وقفتُ عليه مِن أقوالِ مَن عَلَّلُوه.
        وإليكَ أقوال مَن قَوَّوْهُ –وفيه إجاباتٌ على أقوال مَن عللوه-:
        أما تفرّد الدراوردي وأصبغ ومحمد بن الحسن؛ فقد قال الشوكاني في «نيل الأوطار» (4/ 281 ): «لَا ضَيْرَ فِي تَفَرُّدِ الدَّرَاوَرْدِيِّ؛ فَإِنَّهُ قَدْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي «صَحِيحِهِ» وَاحْتَجَّ بِهِ, وَأَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ مَقْرُونًا بِعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، وَكَذَلِكَ تَفَرُّدُ أَصْبَغَ؛ فَإِنَّهُ قَدْ حَدَّثَ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ فِي «صَحِيحِهِ» مُحْتَجًّا بِه». اهـ.
        وقال المباركفوري في «تحفة الأحوذي»: «ثُمَّ تَفَرُّدُ الدَّرَاوَرْدِيِّ لَيْسَ مُوَرِّثًا لِلضَّعْفِ؛ لِأَنَّهُ قَدِ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ, وَوَثَّقَهُ إِمَامُ هَذَا الشَّأْنِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ, وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ, وَغَيْرُهُمَا». اهـ.
        وقال الألباني في «أصل صفة الصلاة» (2/ 721 ): «هذه العلة ليست بشيء, ولا تؤثر في صحة الحديث البتة؛ لأن الدراوردي وشيخَه محمدًا هذا ثقتان -كما تقدم-؛ فلا يضر تفردهما بهذا الحديث, وليس مِن شرطِ الحديثِ الصحيحِ أن لا ينفرد بعضُ رواته به، وإلا لَمَا سَلِمَ لنا كثيرٌ من الأحاديث الصحيحة -حتى التي في «صحيح البخاري» نفسِه؛ كحديث: «إنما الأعمال بالنيات»-». اهـ.
        وقال المنذري –كما في نيل الأوطار (4/ 281 )-: «قول الدارقطنيِّ: «تَفَرَّدَ بِهِ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ» فيه نَظَرٌ؛ فَقَدْ رَوَى نَحْوَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِهِ». اهـ.
        قال الألباني: تابعه في الجملة, فقد أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي أيضًا (2/57 - 58 ) من طريق عبد الله بن نافع عن محمد بن عبد الله بن حسن به مختصرًا بلفظ: «يعمِد أحدكم فيبرك في صلاته بَرْك الجمل؟!».
        فهذه متابعة قوية؛ [فـ]ـعبد الله بن نافع ثقة أيضًا من رجال مسلم -كالدراوردي-». اهـ.
        وقال المباركفوري في «تحفة الأحوذي»: «وَأَمَّا قَوْلُ الْبُخَارِيِّ: «مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَسَنِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ»؛ فَلَيْسَ بِمُضِرٍّ؛ فَإِنَّهُ ثِقَةٌ, وَلِحَدِيثِهِ شاهدٌ من حديث ابن عمر, وصححه ابن خزيمة». اهـ.
        وقال ابن التركماني في «الجوهر النقي» (2/ 100 ): «[محمد بن عبد الله بن الحسن] وثقة النسائي, وقول البخاري: «لا يتابع على حديثه» ليس بصريح في الجرح, فلا يعارِض توثيقَ النسائي». اهـ.
        وقال الصنعاني في «التنوير شرح الجامع الصغير» (2/ 89 ): «[إعلال الحديث بالنفس الزكية] عليلٌ؛ فورعه وتقواه وعلمه لا يحتاج إلى بينة». اهـ.
        وقال أحمد شاكر في تعليقه على «المحلى» (4/ 128-130 ): «وهذا إسناد صحيح؛ محمد بن عبد الله بن الحسن هو النفس الزكية, وهو ثقة, وقد أعل البخاري الحديثَ بأنه لا يدري أسمع محمد من أبي الزناد أم لا, وهذه ليست علة, وشرطُ البخاري معروف, وأبو الزناد مات سنة 130 بالمدينة, ومحمد مدني -أيضًا-؛ غلب على المدينة ثم قتل سنة 145 وعمره 53 سنة, فقد أدرك أبا الزناد طويلًا». اهـ.
        وأما قول البخاري: «لا أدري أسمع محمد بن عبد الله بن حسن من أبي الزناد أم لا»؛ فقال الألباني في «أصل صفة الصلاة» (2/ 720-722 ): «[وهذه العلة –أيضًا- ليست بشيء, ولا تؤثر في صحة الحديث البتة], وهي علةٌ عند البخاري؛ على أصله -وهو اشتراط معرفة اللقاء-, ولكن الجمهور من أئمة الحديث لا يشترطون ذلك، بل يكتفون بمجرد إمكان اللقاء؛ بأن يكونا في زمنٍ واحدٍ مع أمْن التدليس, وهذا كله متحقق هنا؛ فإن محمد بن عبد الله هذا لم يُعرف بتدليس، وهو مدني مات سنة 145 وله من العمر 53 سنة, وشيخُه أبو الزناد مات سنة 130 بالمدينة, وعليه فقد أدركه زمنًا طويلاً, فالحديث صحيح لا ريب فيه.
        على أن الدراوردي لم يتفرد به؛ بل توبع عليه في الجملة [–كما تقدم-].
        ومحمد بن عبد الله هو المعروف بـ:(النَّفْس الزَّكِيَّة ) العلَوي, ينتهي نسبه إلى علي بن أبي طالب –رضي الله عنه-, وثقه النسائي وغيرُه, وتَبِعهم الحافظ في «التقريب»». اهـ بتصرف يسير.
        وقال في «سلسلة الأحاديث الصحيحة» (6/ 1195 ): «لقد صحح هذا الحديث جمع من الحفاظ...، وهم يعلمون أن اللقاء بين النفس الزكية وأبي الزناد غير معروف، كما أشار إلى ذلك الإمام البخاري بقوله في ترجمة (النفس الزكية ) من «التاريخ الكبير»: (1 /1 / 139 ): «لا أدري سمع من أبي الزناد أم لا».
        قلت: وهكذا يجد الباحث في كتب تخريج الأحاديث عشرات بل مئات الأحاديث قد صححها الحفاظ والعلماء مكتفين في ذلك بالمعاصرة، غير ملتزمين فيها شرطَ اللقاء، وما ذاك إلا عن قناعة منهم بأن هذا الشرط إنما هو شرط كمال، وليس شرط صحة، فإن تحقق فبها ونعمت، وإلا ففي المعاصرة بركة وكفاية، على هذا جرى السلف -كما شرح ذلك الإمام مسلم في «مقدمته»-، وتبعهم على ذلك الخلفُ من الحفاظ الذين سمينا بعضَهم، واشتد إنكار مسلم على مخالفيهم؛ غيرةً منه على السنة المطهرة، وخوفا منه أن يهدر منها شيء، وما قدمنا من الأمثلة يؤيد ما ذهب إليه -رحمه الله-». اهـ.
        وأما نفي ابنِ القيم وجودَ حديثٍ يعارض حديثَ وائل؛ فقال الألباني في «تمام المنة» (ص193 ): «هذا النفيُ مِن أوهامِه -رحمه الله-؛ فقد ذكر هو نفسُه بعد نحو صفحتين حديثَ ابنِ عمر: «أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان إذا سجد يضع يديه قبل ركبتيه», وقال: «رواه الحاكم في «المستدرك» وقال: «على شرط مسلم»», وسكت عنه, وهذا معناه أنه سلَّم بصحته, فالعجب منه كيف ينفي وروده؟!». اهـ.
        التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الرحمن علي المالكي; الساعة 27-Jul-2014, 06:53 PM.

        تعليق


        • #5
          رد: بحثٌ مفصَّلٌ حول صفة الهوي إلى السجود والقيام منه

          وأما قول ابن القيم -ومَن يقول بقولِه-: «فالحديث -والله أعلم- قد وقع فيه وهم من بعض الرواة؛ فإن أوَّله يُخالف آخره» إلى قوله: «وإن أُطلِق على اللتين في يديه اسمَ الركبة فعلى سبيل التغليب»؛ فقال الألباني في «أصل صفة الصلاة» (2/ 722-723 ): «وهو مما يتعجب منه أيضاً! كيف خفي عليه ذلك -مع أن نصوص العلماء كثيرة في إثبات ما نفاه-؟! على أنه قد سُبِق إلى ذلك؛ فقد عقد الطحاوي -رحمه الله- في «المشكل» بابًا خاصًّا من أجل ذلك، ساق فيه [حديث أبي هريرة]، ثم قال: «فقال قائل: «هذا كلام مستحيل؛ لأنه نهاه إذا سجد أن يبرك كما يبرك البعير والبعير إنما ينزل يديه, ثم أتبع ذلك بأن قال: «ولكن ليضع يديه قبل ركبتيه», فكان ما في هذا الحديث مما نهاه عنه في أوله قد أمره به في آخره». فتأملنا ما قال؛ فوجدناه مُحالًا، ووجدنا الحديث مستقيمًا لا إحالة فيه؛ وذلك أن البعير ركبتاه في يديه، وكذلك كل ذي أربع من الحيوان، وبنو آدم بخلاف ذلك؛ لأن ركبهم في أرجلهم لا في أيديهم، فنهى رسولُ الله –صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث [المصليَ] أن يخر على ركبتيه اللتين في يديه، ولكن يخر [لسجوده] على خلاف ذلك؛ فيخر على يديه اللتين ليس فيهما ركبتاه، بخلاف ما يخر البعير على يديه اللتين فيهما ركبتاه. فبان -بحمد الله ونعمته- أن ما في هذا الحديث عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كلام صحيح لا تضاد فيه ولا استحالة». اهـ كلام الطحاوي. وقد ذكر نحوه في «شرح المعاني»». اهـ.
          وقال في موضع آخر: «إن البعير ركبتاه في يديه, وكذلك سائر البهائم, وبنو آدم ليسوا كذلك. فقال: لا يبرك على ركبتيه اللتين في رجليه كما يبرك البعير على ركبتيه اللتين في يديه, ولكن يبدأ فيضع أولًا يديه اللتين ليس فيهما ركبتاه, ثم يضع ركبتيه, فيكون ما يفعل في ذلك بخلاف ما يفعل البعير». اهـ.
          وقال الألباني في «إرواء الغليل» (2/ 79-80 ): «الجمل إذا برك فأولُ ما يقع منه على الأرض ركبتاه اللتان في يديه, فالنهي عن بروكٍ كبروكِه يقتضي أن لا يخر على ركبتيه, وأن يتلقى الأرض بكفيه, وبذلك يتفق شطرُ الحديثِ الأولُ مع شطره الثاني, خلافًا لمن ظن أن فيه انقلابًا». اهـ.
          وقال في «تمام المنة» (ص195 ): «سبب هذا كلِّه أنه خفي عليه ما ذكره علماء اللغة... أن ركبتي البعير في يديه الأماميتين». اهـ.
          وإليك بعضَ النقول عن أهل اللغة تؤكد ما قاله الألباني:
          روى البخاري (3906 ) بسنده عن سُراقة بن مالكٍ حكايتَه قصةَ ملاحقتِه الرسولَ –صلى الله عليه وسلم- يومَ خرج مهاجرا من مكة إلى المدينة على فرسه, وفيها أنه قال: «ساخَت يَدَا فرسي حتى بلغتا الركبتين».
          فهذا نَصٌّ صريحٌ بسندٍ صحيحٍ عن أحدِ أهل اللسان في أن ركبتي الفرس في يديه. والبعيرُ مثلُه –كما أتى وسيأتي-. انظر «الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة» (ص211 ).
          وقال البخاري في «صحيحه» (1/ 30 ):
          «بَاب مَنْ بَرَكَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ عِنْدَ الإِمَامِ أَوِ المُحَدِّثِ.
          حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ، فَقَامَ عَبْدُ اللهِ بْنُ حُذَافَةَ فَقَالَ: «مَنْ أَبِي؟», فَقَالَ: «أَبُوكَ حُذَافَةُ», ثُمَّ أَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ: «سَلُونِي», فَبَرَكَ عُمَرُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ: «رَضِينَا بِاللهِ رَبًّا, وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا, وَبِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَبِيًّا»؛ فَسَكَتَ». اهـ.
          علّق الألباني في «مختصر صحيح البخاري» (4/ 317 ) على قول أنس: «فبرك عمر على ركبتيه» قائلًا: «تعبيرٌ عربيٌّ نَسِيَهُ كثيرٌ من العرب أنفسِهم؛ وهو أن البروك إنما يكون على الركبتين؛ فتأوَّلَ الكثيرُ منهم قولَه -صلى الله عليه وسلم-: «فلا يبرك كما يبرك البعير» بأن البعير يبرك على يديه، مع مخالفة هذا التأويل لتمام الحديث («وليضع يديه قبل ركبتيه» )، فادعى بعضهم أنه مقلوب! ظلمات بعضها فوق بعض! كما نَسُوا ما ذكره ابنُ القيم أن عمر كان إذا سجد برك على ركبتيه كما يبرك البعير!». اهـ.
          وقد تقدم قولُ علقمة والأسود: «حفظنا عن عمر في صلاته أنه خر -بعد ركوعه- على ركبتيه كما يخر البعير، وضع ركبتيه قبل يديه».
          قال الشيخ محمد بازمول في «الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة» (ص211 ): «فهذان تابعيان أثبتا أن خرور البعير هو بتقديم الركبتين قبل اليدين. ويكفي في ثبوته في اللغة أنه جاء في كلام علقمة والأسود –وهما مِن أهل اللسان-». اهـ بتصرف يسير.
          وقال الألباني في «أصل صفة الصلاة» (2/ 724 ): «فقد وصفا خروره -رضي الله عنه- على ركبتيه بخرور الجمل. وهذا وصف خاطئ بزعم ابن القيم؛ لأن الجمل لا يخر على ركبتيه عنده!
          ثم إن الواقع أن البعير إذا برك؛ فإنما يبرك بقوة حتى إن للأرض منه لرَجَّةً، وكذلك المصلي إذا سجد على ركبتيه كان لسجوده دويٌّ، لا سيما إذا كان يصلي في مسجد قد بسطت عليه (الدفوف ) الخشبية، وكان المصلون جمعاً كثيراً؛ فهناك تسمع لهم لَجَّةً شديدة، مما يتنافى مع هيئة الصلاة وخشوعها؛ فنهى –صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، وأمر بأن يقدم يديه أولًا؛ ليلقى بهما الأرض؛ فيتفادى بذلك الاصطدام بها بركبتيه كما يفعل الجمل، فهذا وجه المشابهة بين بروك الجمل وبروك المصلي على ركبتيه.
          وقد أشار إلى هذا المعنى -والله أعلم- الإمام مالك حين قال -كما في «الفتح»-: «هذه الصفة أحسن في خشوع الصلاة». ونَصُّ المناسبة التي أبداها ابن المنير لتقديم اليدين وهي: أن يلقى الأرض عن جبهته، ويعتصم بتقديمها عن إيلام ركبتيه إذا جثا عليهما. والله أعلم». اهـ.
          وقال الخليل في «العين» (5/ 362-363 ), والأزهري في «تهذيب اللغة» (10/ 123 ), وابن منظور في «لسان العرب» (1/ 433 ), والزبيدي في «تاج العروس» (2/ 527-528 ): «ورُكْبةُ البَعيرِ في يده. وقد يقال لذوات الأربع كلِّها من الدَّوابِّ: رُكَبٌ. ورُكْبتَا يدَيِ البعير: المفْصلانِ الَّلذانِ يليَانِ البَطْنَ إذا برَك. وأمَّا المفْصلان الناتِئَانِ من خلْف فهما العُرْقوبان». وزاد الزبيدي وابن منظور: «وكُلُّ ذِي أَرْبَعٍ رُكْبَتَاهُ فِي يَدَيْهِ وعُرْقُوبَاهُ فِي رِجْلَيُهِ. والعُرْقُوبُ: مَوْصِلُ الوظِيفِ. وقيل: الرُّكْبَةُ: مرْفقُ الذِّرَاعِ من كُلِّ شَيْءٍ. وَحكي اللِّحْيَانيّ: «بَعِيرٌ مُسْتَوْقِحُ الرُّكَبِ»؛ كَأَنَّهُ جَعَلَ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهَا رُكْبَةً ثمَ جَمَعَ عَلَى هذَا». اهـ.
          وقال الجوهري في «تاج اللغة وصحاح العربية» (1/ 180 ): «وعُرْقوبُ الدابة في رِجلها بمنزلة الرُكبة في يدها. قال الأصمعي: «كلُّ ذي أربعٍ عُرقوباه في رجليه وركبتاه في يديه»». اهـ.
          وقال ابن سيده في «المخصص» (1/ 172 ): «وكل ذِي أَرْبَع رُكْبَتاه فِي يَدَيه وعُرْقُوبَاه فِي رجلَيْهِ. وَقيل: الرُّكْبة مِرفق الذِّرَاع من كل شَيْء». اهـ
          وقال الشيخ محمد بازمول في «الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة» (ص212 ): «وهذا الجاحظ –وهو من أهل الأدب- صنف كتابًا في الحيوان قال فيه (2/ 355 ): «وكل شيء من ذوات الأربع فركبتاه في يديه, وركبتا الإنسان في رجليه»». اهـ.
          وقال الألباني –كما في «أصل صفة الصلاة» (2/ 723 ), في الحاشية-: «روى الإمام القاسم السرقسطي -رحمه الله- في «الدلائل في غريب الحديث» (2/ 70/ 1 - 2 ) بسند صحيح عن أبي هريرة أنه قال: «لا يبركن أحد بروك البعير الشارد». قال الإمام: «هذا في السجود. يقول: لا يرم بنفسه معًا -كما يفعل البعير الشارد غيرُ المطمئن الْمُواتِر-؛ ولكن ينحط مطمئنًّا؛ يضع يديه ثم ركبتيه. وقد روي في هذا حديث مرفوع مفسر». ثم ذكر [حديث أبي هريرة]». اهـ كلام الألباني بتصرف يسير.
          وقال العظيم آبادي في «عون المعبود» (1/ 311 ) -شارحًا لحديث أبي هريرة-:
          «(إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَبْرُكْ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ ) أَيْ: لَا يَضَع رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ. شَبَّهَ ذَلِكَ بِبُرُوكِ الْبَعِيرِ -مَعَ أنه يضع يديه قبل رجليه- لِأَنَّ رُكْبَةَ الْإِنْسَانِ فِي الرِّجْلِ وَرُكْبَةَ الدَّوَابِّ فِي الْيَدِ, وَإِذَا وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ أَوَّلًا فَقَدْ شَابَهَ الْإِبِلَ فِي الْبُرُوكِ.
          (وَلْيَضَعْ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ ) قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: «كَيْفَ نَهَى عَنْ بُرُوكِ الْبَعِيرِ ثُمَّ أَمَرَ بِوَضْعِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الرُّكْبَتَيْنِ -وَالْبَعِيرُ يَضَعُ الْيَدَيْنِ قَبْلٌ الرِّجْلَيْنِ-؟
          وَالْجَوَابُ: أَنَّ الرُّكْبَةَ مِنَ الْإِنْسَانِ فِي الرِّجْلَيْنِ, وَمِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ فِي الْيَدَيْنِ. يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ قَوْلُ سُرَاقَةَ: «سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الْأَرْضِ حَتَّى بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ» -فِي حَدِيثِ هِجْرَةِ النبي –صلى الله عليه وسلم-...-, ومِن ههنا ظَهَرَ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الرُّكْبَةَ فِي ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ فِي الْيَدَيْنِ لَيْسَ كَلَامًا لَا يُعْقَلُ وَلَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ كَمَا قَالَ الْعَلَّامَةُ ابن الْقَيِّم...». انتهى». اهـ.
          وأما ما سبق مِن إعلال ابن القيم له بالاضطراب وأنه انقلب على راويه؛ فقال الألباني في «أصل صفة الصلاة» (2/ 722 ): «وأما ما أخرجه الطحاوي (1/ 150 )، والبيهقي (2/ 100 )، وأبو بكر بن أبي شيبة في «المصنف» (1/ 102/ 2 )، وعنه الأثرم في «سننه» -كما في «الزاد» (1/ 80 )- كلهم من طريق ابن فُضَيل عن عبد الله بن سعيد عن جده عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: «إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه، ولا يبرك بروك الفحل»؛ فقال الحافظ (2/231 ) -تبعًا للبيهقي-: «إسناده ضعيف». وأقول: بل هو ضعيف جدًّا، وعِلَّتُه عبدُ الله بن سعيد هذا -وهو المقبري-, قال الحازمي (ص54 ): «هو ضعيفُ الحديثِ عن أئمة النقل», وقال الحافظ في «التقريب»: «متروك», ومِن ضَعْفِه أنه اضطرب في روايته لهذا الحديث؛ فتارة يرويه مِن فعله –صلى الله عليه وسلم- وتارةً مِن قولِه آمِرًا بذلك, [وتارةً يرويه عن جده عن أبي هريرة, وتارة عن أبيه عن أبي هريرة]. بل إن [يحيى القطان] اتهمه بالكذب, ولعله تَعَمَّد فقلب هذا الحديث فغير بذلك المعنى, [قال ابن حبان في «المجروحون» (2/ 9 ): «كَانَ مِمَّن يقلب الْأَخْبَار ويَهِمُ فِي الْآثَار؛ حَتَّى يَسْبِق إِلَى قلبِ مَن يَسْمعهَا أَنه كَانَ الْمُتَعَمد لَهَا»].
          وليس العجب من هذا المتهم، وإنما العجب أن يعتمد على حديثه هذا ابنُ القيم في «الزاد» فيزعم أن حديثَ أبي هريرة الأولَ الصحيحَ [هو] مما انقلب على بعض الرواة متنُه، وأنّ أصله: «وليضع ركبتيه قبل يديه» -كما رواه المقبري هذا-! وهو إنما ذهب ذلك المذهب؛ لأن الحديث غير معقول عنده؛ لأن أوله يخالف آخره - كما زعم- إلا على قول من يقول: إن ركبتي البعير في يديه. ولكنه ينكر ذلك؛ فيقول: «إنه كلام لا يعقل، ولا يعرفه أهل اللغة، وإنما الركبة في الرجلين»». اهـ بتصرف يسير.
          قال أحمد شاكر في تعليقه على «سنن الترمذي» (2/ 59 ): «وحديث أبي هريرة نَصٌّ صريح, ومع هذا فإن بعض العلماء –ومنهم ابن القيم- حاول أن يعلله بعلة غريبة؛ فزعم أن متنه انقلب على راويه, وأن صحةَ لفظِه لعلها: «وليضع ركبتيه قبل يديه», ثم ذهب ينصر قولَه ببعض الروايات الضعيفة, وبأن البعير إذا برك وضع يديه قبل ركبتيه؛ فمقتضى النهي عن التشبه به هو أن يضع الساجد ركبتيه قبل يديه. وهو رأي غير سائغ؛ لأن النهي هو أن يسجد فينحط على الأرض بقوة, وهذا يكون إذا نزل بركبتيه أولًا, والبعير يفعل هذا أيضا, ولكن ركبتاه في يديه لا في رجليه, وهو منصوص عليه في «لسان العرب», لا كما زعم ابن القيم». اهـ.
          وقال المباركفوري في «تحفة الأحوذي» (1/ 230 ): «لَا اضْطِرَابَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ فَإِنَّ مِنْ شَرْطِ الِاضْطِرَابِ اسْتِوَاءَ وُجُوهِ الِاخْتِلَافِ, وَلَا تُعَلُّ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ بِالرِّوَايَةِ الضَّعِيفَةِ الْوَاهِيَةِ -كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَقَرِّهِ-». اهـ.
          وقال عليٌّ القاري في «مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» (2/ 725 ) –ردًّا على قول مَن قال: «إن هذا الحديث انقلب آخِرُهُ عَلَى بَعْضِ الرُّوَاةِ، وَأَنَّهُ كَانَ: «وَلْيَضَعْ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ»؛ لِأَنَّ أَوَّلَهُ يُخَالِفُ آخِرَهُ، فَإِنَّهُ إِذَا وَضَعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ فَقَدْ بَرَكَ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ؛ فَإِنَّ الْبَعِيرَ يَضَعُ يَدَيْهِ أَوَّلًا» - قال: «وَفِيهِ نَظَرٌ؛ إِذَا لَوْ فُتِحَ هَذَا الْبَابُ لَمْ يَبْقَ اعْتِمَادٌ عَلَى رِوَايَةِ رَاوٍ مَعَ كَوْنِهَا صَحِيحَةً». اهـ.
          وعبارةُ العظيم آبادي في «عون المعبود» (ص312 ): «قِيلَ: كَلَّا؛ إِذْ لَوْ فُتِحَ هَذَا الْبَابُ لَمْ يبْقَ اعْتِمَادٌ عَلَى رِوَايَةِ رَاوٍ مَعَ كَوْنِهَا صَحِيحَة». اهـ.
          وإن قال قائلٌ: «إن البعير أول ما يبرك يضع يديه أوّلًا» ويعني باليدين اليدَ بكاملها لا الركبة فقط؛ فيُرَد عليه بما قاله الألباني في بعض أشرطته: «الذي يقول هذا القول كأنه ما رأى جمَلًا! الفصيلُ أولَ ما يسقط من بطن أمه يسقط على أربع, فإذن؛ يداه موضوعتان أبدًا؛ مِن يوم يولد وهما موضوعتان على الأرض مثل رجليه, فكيف يقال: إنه أول ما يبرك يضع يديه؟». اهـ.
          وأما قول ابن القيم: «وليس لحديث أبي هريرة شاهد», وقوله: «...ولم يُنقل عن أحد من [الصحابة] ما يُوافق حديثَ أبي هريرة»؛ فقد عرفتَ –مما سبق- أنه كلامٌ غيرُ صحيح.
          وأما ما ذكره ابنُ خزيمة وغيرُه مِن أن حديثَ أبي هريرة منسوخ؛ فليس بصحيح.
          وإليكَ نَصَّ قولِ الإمامِ ابن خزيمة:
          قال في «صحيحه» (1/ 319 ): «بابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِوَضْعِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الرُّكْبَتَيْنِ عِنْدَ السُّجُودِ مَنْسُوخٌ، وَأَنَّ وَضْعَ الرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ نَاسِخٌ، إِذْ كَانَ الْأَمْرُ بِوَضْعِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الرُّكْبَتَيْنِ مُقَدَّمًا، وَالْأَمْرُ بِوَضْعِ الرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ مُؤَخَّرًا، فَالْمُقَدَّمُ مَنْسُوخٌ، وَالْمُؤَخَّرُ نَاسِخٌ.
          نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَلَمَةَ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعْدٍ قَالَ: «كُنَّا نَضَعُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الرُّكْبَتَيْنِ، فَأُمِرْنَا بِالرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ»». اهـ.
          قال الألباني في «أصل صفة الصلاة» (2/ 718 ): «وهذا سندٌ ضعيفٌ جدا؛ مسلسل بالضعفاء. فأعله ابن القيم بيحيى بن سلمة, وقال: «وليس ممن يُحتج به», ثم نقل أقوال الأئمة فيه. وقال الحافظ في «التقريب»: «متروك», وأعله في «الفتح» بإبراهيم وأبيه إسماعيل؛ قال: «وهما ضعيفان». وقال الحازمي: «ولو كان محفوظًا لدل على النسخ, غير أن المحفوظ عن مصعب عن أبيه نسخ حديث التطبيق». وقد ذكر نحو هذا [البيهقيُّ في «السنن الكبرى» (2/ 144 ), والطحاوي في «معرفة السنن والآثار» (2/ 19 )], والحافظ [في«الفتح» (2/ 291 )] وابن القيم في «الزاد», [وغيرهم]». اهـ.
          وقد قوّى حديثَ أبي هريرة جمعٌ مِن المحدّثين ممن لَم أذكُرهم آنفًا, قال الألباني في «أصل صفة الصلاة» (2/ 720-721 ): «قال النووي في «المجموع» [(3/ 421 ) و«خلاصة الأحكام» (1/ 403 )، والزُّرْقاني في «شرح المواهب» (7/ 320 ): «إسناده جيد», ونَقَل ذلك المُناويُّ عن بعضهم، وصححه السيوطي في «الجامع الصغير», وصححه عبد الحق في «الأحكام الكبرى» (1/ 54 ) . وقال (1/ 56 ): «إنه أحسن إسنادًا من [حديث وائل]»». اهـ.
          وقال أحمد شاكر في تحقيقه لـ«سنن الترمذي» (2/ 58 ): «سنده صحيح», وقال (2/ 58-59 ): «والظاهر من أقوال العلماء في تعليل الحديثين أن حديث أبي هريرة حديثٌ صحيح, وهو أصح من حديث وائل, و[أيضًا] هو حديثٌ قوليّ يرجح على الحديث الفعلي –على ما هو الأرجح عند الأصوليين-». اهـ.
          قال أبو عبيدة (ص47 ) معلِّقًا: «لا يسلَّمُ بأن حديثَ وائلٍ فعليٌّ فقط؛ فإنه قد اقترنت به قرائن جَعَلَتْهُ في مقام الحديث القولي؛ وهو حديث: «صلوا كما رأيتموني أصلي»؛ فأفعال الصلاة في حكم المأمور بها بالقول. وقد نص على هذا بعضُ الأئمةِ –كأحمد, وإسحاق, وغيرهما-.
          وهذا نقوله على فرضِ صحةِ حديث وائل, وهو لَـمْ يَصِحّ». اهـ بتصرف يسير.
          وقال الْحَافِظُ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ –كما في «نيل الأوطار»- (4/ 278 ): «أَحَادِيثُ وَضْعِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الرُّكْبَتَيْنِ أَرْجَحُ،...وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ دَاخِلًا فِي الحسنِ عَلَى رَسْمِ التِّرْمِذِيِّ؛ لِسَلَامَةِ رُوَاتِهِ مِنْ الْجَرْحِ». اهـ.
          وقال المباركفوري في «تحفة الأحوذي» (1/ 229 ): «فِي كَوْنِ حَدِيثِ وَائِلٍ أَثْبَتَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ نَظَرًا؛ فَإِنَّ حَدِيثَ وَائِلٍ ضَعِيفٌ -كَمَا عَرَفْتَ-, وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ حَسَنٌ -كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ- فَلَا يَكُونُ هُوَ حَسَنًا لِذَاتِهِ, بَلْ لِغَيْرِهِ؛ لِتَعَدُّدِ طُرُقِهِ الضِّعَافِ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَهُوَ صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ لِذَاتِهِ, وَمَعَ هذا فله شاهد من حديث بن عمر صححه بن خزيمة. وقد عرفت قولَ الحافظ بن حجر وابنِ سيد الناس وابنِ التُّرْكُمَانِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ فِي تَرْجِيحِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ. فَالْقَوْلُ الرَّاجِحُ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ أَثْبَتُ وَأَقْوَى مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ.
          ...وَرَجَّحَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي «عَارِضَةِ الْأَحْوَذِيِّ» حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى حَدِيثِ وَائِلٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ؛ فَقَالَ: «الْهَيْئَةُ الَّتِي رَأَى مَالِكٌ -وَهِيَ الْهَيْئَةُ الَّتِي هِيَ مَرْوِيَّةٌ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ- مَنْقُولَةٌ فِي صَلَاةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ؛ فَتَرَجَّحَتْ بِذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ»». اهـ.
          وقال (1/ 230 ): «اعْلَمْ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَالشَّافِعِيَّةَ وَغَيْرَهُمُ الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى اسْتِحْبَابِ وَضْعِ الرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ أَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ بِوُجُوهٍ عَدِيدَةٍ كُلُّهَا مَخْدُوشَةٌ». اهـ.
          وقال العظيم آبادي في «عون المعبود» (1/ 312 ): «وَقَدْ ذَكَرُوا وُجُوهًا فِي تَرْجِيحِ حَدِيثِ وَائِلٍ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ, لَكِنَّهَا كُلَّهَا مَخْدُوشَةٌ». اهـ.
          وقال ابن حجر في «بلوغ المرام» (ص91 ): «هُوَ أَقْوَى مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ؛ فَإِنْ لِلْأَوَّلِ شَاهِدًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ –رضي الله عنهما-, صَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ, وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ مُعَلَّقًا مَوْقُوفًا». اهـ.
          ونقل الشوكاني عبارتَه هذه في «النيل» (4/ 276 ) وأقرَّه.
          وقال (4/ 278 ) معلّقًا على ترجيح الخطابي حديثَ وائلٍ: «يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَقَالَ الَّذِي ... عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَزِيدُ عَلَى الْمَقَالِ الَّذِي ... فِي حَدِيثِ وَائِلٍ. عَلَى أَنَّهُ قَدْ رَجَّحَهُ الْحَافِظُ -كَمَا عَرَفْت-». اهـ.
          والشاهد الذي ذكره ابنُ حجر آنفًا رواه ابن خزيمة (1/ 318-319 ) برقم (627 ), والدارقطني (1/ 344 مع التعليق المغني ), والحاكم (1/ 226 ), والبيهقي (2/ 100 ), كلهم مِن طريق عبد العزيز الدراوردي عن عبيد الله بن عمر عن نافع مولى ابن عمر أنه قال: «كان ابن عمر يضع يديه قبل ركبتيه, وقال: كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يفعل ذلك».
          وعلقَ البخاريُّ في «صحيحه» (1/ 159 ) الموقوفَ منه بصيغة الجزم. وانظر «تغليق التعليق» (2/ 326-328 ).
          قال الحافظ في «فتح الباري» (2/ 291 ): «وَاسْتُشْكِلَ إِيرَادُ هَذَا الْأَثَرِ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ. وَأَجَابَ الزَّيْنُ بن الْمُنيرِ بِمَا حَاصِلُهُ: أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ صِفَةَ الْهُوِيِّ إِلَى السُّجُودِ الْقَوْلِيَّةَ أَرْدَفَهَا بِصِفَتِهِ الْفِعْلِيَّةِ.
          وَقَالَ أَخُوهُ: «أَرَادَ بِالتَّرْجَمَةِ وَصْفَ حَالِ الْهُوِيِّ مِنْ فِعَالٍ وَمَقَالٍ».
          وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ أثر ابن عُمَرَ مِنْ جُمْلَةِ التَّرْجَمَةِ, فَهُوَ مُتَرْجَمٌ بِهِ لَا مُتَرْجَمٌ لَهُ. وَالتَّرْجَمَةُ قَدْ تَكُونُ مُفَسِّرَةً لِمُجْمَلِ الْحَدِيثِ, وَهَذَا مِنْهَا». اهـ.
          وقال العيني في «عمدة القاري» (6/ 78 ): «مُطَابقَةُ هَذَا الْأَثر للتَّرْجَمَةِ من حَيْثُ اشتمالُها عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا فِي الهوى بِالتَّكْبِيرِ إِلَى السُّجُود، فالهوي فعل، وَالتَّكْبِير قَول، فَكَمَا أَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَذْكُور فِي هَذَا الْبَاب يدل على القَوْل؛ يدل أثرُ ابْنِ عمر على الْفِعْل؛ لِأَن للهوي إِلَى السُّجُود صفتين: صفة قولية, وَصفَة فعلية، فأثر ابْن عمر إِشَارَةٌ إِلَى الصّفة الفعلية، وَأثر أبي هُرَيْرَة إِلَى الفعلية والقولية جَمِيعًا. فَهَذَا هُوَ السِّرّ فِي هَذَا الْموضع.
          وَقَولُ بَعضهم: «إِن أثر ابْن عمر من جملَة التَّرْجَمَة, فَهُوَ مترجم بِهِ لَا مترجم لَهُ» غيرُ مُوَجَّهٍ، بل وَلَا يَصح ذَلِك؛ لِأَنَّهُ إِذا كَانَ مِن جملَةِ التَّرْجَمَةِ يحْتَاج إِلَى شَيْء يذكرهُ يكون مطابقا لَهَا، وَلَيْسَ ذَلِك بموجود». اهـ.
          وقد اختُلف في ثبوت هذا الشاهد؛ فصحح إسناده الألباني, وصححه الحاكم على شرط مسلم, ووافقه الذهبي.
          وصوب الدارقطنيُّ وقفَه.
          وقال الحازمي عقب روايته: «هذا حديث يُعَدُّ في مفاريد عبد العزيز عن عبيد الله».
          قال الحافظ في «تغليق التعليق» (1/ 328 ) -معلقا على كلامه-: «وهذا أشبه بالصواب».
          وقال البيهقي: «كذا قال عبد العزيز, ولا أراه إلا وهمًا» يعني رفْعَه. وقال: «والمشهور في ذلك الموقوف الذي قدمناه».
          وأوردَ الحديثَ الحافظ المزيُّ في «تحفة الأشراف» (6/ 156-157 ), ثم قال بعده: «قال أبو داود: «روى عبد العزيز عن عبيد الله أحاديث مناكير»».
          وقال ابن أبي حاتم في ترجمة الدراوردي في «الجرح والتعديل» (5/ 395-396 ): «نا عبد الرحمن: نا علي بن الحسن الهسِنْجاني قال: «سمعت أحمد بن حنبل ذكر الدراوردي فقال: «ما حدث عن عبيد الله بن عمر فهو عن عبد الله بن عمر».
          نا عبد الرحمن: نا محمد بن حمُّوَيْهِ بن الحسن قال: سمعت أبا طالب قال: سئل أحمد بن حنبل عن عبد العزيز الدراوردي فقال: «كان معروفا بالطلب، وإذا حدث من كتابه فهو صحيح، وإذا حدث مِن كتب الناس وَهِمَ، كان يقرأ من كتبهم فيخطئ، وربما قلب حديث عبد الله العمري يرويه عن عبيد الله بن عمر»». اهـ.
          وقال في «العلل» (6/ 44-45 ): «وسألتُ أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ العُمَريُّ عبدُ الله عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عن النبيِّ –صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا ...» الحديثَ.
          قال أبي: «الصَّوابُ مارواه عبدُ العزيز الدَّراوَرْديُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صفيَّة بنتِ أَبِي عُبَيد؛ قَالَتْ: سمعتُ عُمَرَ بْنَ الخطَّاب، يَقُولُ سمعتُ النبيَّ –صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: ... .
          وَكَانَ أحمدُ بْنُ حَنْبَلٍ يقول: «تُشْبِهُ أحاديثُ الدَّراوَرْدي عن عُبَيد الله أحاديثَ عبد الله بْنِ عُمَرَ».
          وقد بان مِصْداقُ ما قال أَحْمَدُ فِي هَذَا الْحَدِيث؛ لأنَّ الدَّرَاوَرْديَّ روى عَنْ أَبِي بَكْر بْن نَافِع كما وَصَفْنا، ثم أردَفَ عن عُبَيد الله عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مثلَهُ, وليس يُشْبِهُ هَذَا حَدِيثَ عُبَيد الله؛ إذ كَانَ غلطا، والناسُ يَرْوون عن عبد الله العُمَري كما وَصَفْنا»». اهـ.
          وقال النسائي –كما في «التهذيب» (6/ 354 )-: «حديثه عن عبيد الله بن عمر منكر».
          قال أبو عبيدة (ص50 ): «[اعلم] أن حذاقَ الحُفَّاظِ وكبارَ النقادِ -لكثرةِ ممارستهم وقوةِ معرفتهم بالرجالِ وأحاديثِ كلِّ راوٍ منهم تَتَبُّعًا لها سندًا ومتنًا– كان لهم فَهْمٌ خاصٌّ يعرفون به أن هذا الحديث يشبه حديثَ فلان, ولا يشبه حديث فلان, وهذا الحديث أصلُه كذا, وانقلب مِن قِبَلِ فلان..., فيعللون الأحاديث بذلك, وهذا مما لا يُعَبَّرُ عنه بعبارةٍ مختصرةٍ؛ وإنما يَرجِعُ فيه أهلُه إلى مجردِ الفهمِ والمعرفةِ التي خُصُّوا بها على سائر أهل العلم.
          والكلام في هذا الحديث صادر عن أولئك الحذاق والنقاد وأصحاب هذه الصفة؛ فقولهم معتبر, وينبغي ألا يهمَل, وأن يؤخذ بعين الاعتبار.
          وكلامهم في رواية فلان عن فلان بأنها ضعيفة هي كقولهم في الراوي إنه ثقة أو ضعيف؛ فهذه الأقوال تصدر عن معرفةٍ ودراسةٍ وسَبْرٍ مِن ناقدٍ عَرَفَ أسبابَ النقدِ ومداخِلَ الإعلال, فلزم قبولُ كلامهم وعدمُ العدول عنه». اهـ.
          وأرى مِن المناسب هنا أن أنقل كلامَ الشيخِ مُقْبِلٍ الوادعيِّ في كتابه: «المقترح» (ص38 ) عن الحُفّاظ المتقدمين؛ حيث قال: «...الإمام البخاري، وأحمد بن حنبل، وابن معين، وعلي بن المديني، ومن جرى مجراهم؛ يعرفون الراوي وما روى عن ذلك الشيخ، وإذا روى حديثًا ليس من حديثه يقولون: هذا ليس من حديث فلان. يدلُّ هذا على أنّهم يحفظون حديثَ كلِّ محدثٍ.
          وربما يروون له عن أناس مخصوصين.
          فهم قد اطلعوا على ما لم نطلع عليه، ونحن ما بلغْنا منْزلتَهم، والصحيح أنّ مثلنا مثل الذي يعشي -وأنا أتحدث عن نفسي أولًا-؛ فالذي يعشي يمشي في الليل وعنده نور قليل, فهو يتخبط، فنحن نفتش الورق ونقرأ ونبحث.
          فينبغي أن يُعلم أنّهم حفاظٌ، ونحن لسنا بحفاظٍ، وربما نغترّ بظاهر السند [ويكون] كالشمس في نظرنا، وهو معلّ عندهم، وربما يكون في السند ابنُ لهيعة، وهم يعلمون أنّ هذا الحديث من صحيحِ حديثِ ابنِ لهيعة، فإذا صححه الحافظُ الكبيرُ ولم يقدح فيه حافظٌ معتبَرٌ مثلٌه فهو مقبول؛ لأنّهم قد نَخَلُوا سنةَ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- نَخْلًا، ولو كان ضعيفًا لصاحوا به». اهـ.
          وكلامَ الحافظ ابنُ كثير في «اختصار علوم الحديث» في كلامه عن المعلّلِ مِن الحديث؛ حيثُ قال: «وهو فن خَفِيَ على كثير من علماء الحديث، حتى قال بعضُ حُفَّاظِهم: معرفتُنا بهذا كهَانَةٌ عند الجاهل.
          وإنما يهتدي إلى تحقيق هذا الفن الجهابذةُ النقادُ منهم؛ يميزون بين صحيح الحديث وسقيمه، ومُعوجه ومستقيمه، كما يميز الصَيْرَفِيُّ البصيرُ بصناعته بين الجياد والزيوف، والدنانير والفلوس. فكما لا يتمارى هذا؛ كذلك يَقْطَع ذاك بما ذكرناه، ومنهم من يظن ومنهم من يقف -بحسب مراتبِ علومهم وحذقهم واطلاعهم على طرق الحديث وذوقِهم حلاوةَ عبارةِ الرسول -صلى الله عليه وسلم- التي لا يشبهها غيرُها مِن ألفاظ الناس-.
          فمن الأحاديث المروية ما عليه أنوارُ النبوة، ومنها ما وقع فيه تغيير لفظ أو زيادة باطلة أو مجازفة أو نحو ذلك، يدركها البصير من أهل هذه الصناعة.
          وقد يكون التعليل مستفادًا من الإسناد.
          وبَسْطُ أمثلةِ ذلك يطول جدًّا، وإنما يَظْهَرُ بالعمل». اهـ.
          أعود إلى موضوعنا:
          قال الحافظ في «الفتح» (2/ 291 ): ولقائل أن يقول: هذا الموقوف غَيْرُ المرفوع؛ فإن الأول في تقديم وضع اليدين على الركبتين, والثاني في إثبات وضع اليدين في الجملة».
          علَّق الألباني في «الإرواء» (2/ 77-78 ) على كلام البيهقي والحافظ قائلًا: «عبد العزيز ثقة, ولا يجوز توهيمه بمجرد مخالفة أيوب له؛ فإنه قد زاد الرفع, وهى زيادة مقبولة منه, ومما يدل على أنه قد حفظ: أنه روى الموقوف والمرفوع معًا. وقد خالفه فى الموقوف ابنُ أبى ليلى عن نافع به بلفظ: «كان يضع ركبتيه إذا سجد قبل يديه, ويرفع يديه إذا رفع قبل ركبتيه».
          أخرجه ابن أبى شيبة (1/102/2 ).
          قلت: وهذا منكر؛ لأن ابن أبى ليلى -واسمه محمد بن عبد الرحمن- سيئُ الحفظ, وقد خالف فى مسنده الدراوردى وأيوب السختيانى -كما رأيت-». اهـ.
          وتعقب ابنُ التركماني البيهقيَّ في «الجوهر النقي» (2/ 100 ) قائلًا: «قلت: حديث ابن عمر المذكور؛ أولًا- أخرجه ابن خزيمة في صحيحه, وما علله به البيهقى من حديثه المذكور ثانيًا- فيه نظر؛ لأن كلا منهما معناه منفصل عن الآخر. وحديث أبي هريرة المذكور؛ أولا- دلالته قولية, وقد تأيد بحديث ابن عمر, فيمكن ترجيحه على حديث وائل؛ لأن دلالته فعلية -على ما هو الأرجح عند الأصوليين-. ولهذا قال النووي في «شرح المهذب»: لا يظهر لي الآن ترجيح أحد المذهبين من حيث السنة»». اهـ.
          وقال إبراهيم المديهش في بحثه الْمُعَنْونِ بـ«تخريج أحاديث وآثار حياة الحيوان للدميري (من التاء إلى الجيم )» (ص828-830 ): «والصحيح أنه ليس على شرط مسلم؛ لأن مسلمًا لم يخرج حديث الدراوردي عن عبيد الله.
          وقد سبق في ترجمة الدراوردي أن حديثه عن عبيد الله بن عمر مناكير -قاله الإمام أحمد، [وأبو حاتم], والنسائي، وأبو داود-.
          وفي روايةٍ لأحمد: «عامةُ أحاديثِ الدراوردي عن عبيد الله أحاديثَ عبد الله بن عمر مقلوبةٌ».
          ومع ترجيح الوقف، وفيه الدراوردي عن عبيد الله بن نافع -وقد تُكلم في روايته عنه-؛ فقد خولف؛ [حيثُ] أخرج الإمام أحمد في «مسنده» (8/ 92 ) (4501 ), وعنه: أبو داود (892 ), والنسائي (1092 )، وابن خزيمة (1/ 319 ) (630 )، والحاكم (1/ 349 ) (823 ) من طريق إسماعيل بن إبراهيم, وابن الجارود في «المنتقى» (1/ 187 ) (201 ) من طريق وهيب, وابن خزيمة (1/ 319 ) (630 ) من طريق مؤمل, ثلاثتهم (إسماعيل بن إبراهيم، ووهيب، ومؤمل ) قالوا: أخبرنا أيوب عن نافع عن ابن عمر رفَعَهُ: «إن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه، فإذا وضع أحدكم وجهه فليضع يديه، وإذا رفعه فليرفعهما».
          وهذا إسناد صحيح.
          قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه». وسكت عنه في «التلخيص».
          وأخرجه مالك في «الموطأ» (ص 105 ) (728 ) عن نافع: «أن عبد الله بن عمر كان إذا سجد وضع كفيه على الذي يضع عليه جبهته».
          قال نافع: «ولقد رأيته في يوم شديد البرد، وإنه ليُخرج كفيه من تحت بُرْنس له حتى يضعهما على الحصباء».
          وهذا موقوف على ابن عمر.
          وهذان الحديثان (المرفوع، والموقوف ) ليس فيهما ذكر تقديم اليدين على الركبتين عند الهوي إلى السجود.
          قال البيهقي في «الكبرى» (2/ 101 ) عقب الحديث: «والمقصود من وضع اليدين في السجود، لا التقديم فيهما»». اهـ.
          وقال الحاكم في «المستدرك»: «القلبُ [إلى حديثِ ابنِ عمر] أَمْيَلُ؛ لرواياتٍ كثيرةٍ في ذلك عن الصحابة والتابعين».
          وقد شَرَحَ عُبَيْدُ الله المباركفوري حديثَ أبي هريرة وحديثَ وائلٍ في كتابه: «مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح», ثم ذَكَرَ (3/ 217-221 ) خلاصةَ ما جاء في شرحِه فقال:
          «قال النيموي -بعد ذكر [طُرُقَ حديثِ وائلٍ]-: «فـ[حديثُ وائلٍ] لا ينحط عن درجة الحسن؛ لكثرة طرقه».
          قلت: قد ظهر بما ذكرنا أن لحديث وائل بن حجر هذا ثلاث طرق:
          الأولى- طريق شريك عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل. وقد عرفتَ أنها ضعيفة؛ لشريك القاضي؛ فإنه متفرد به، وهو ليس بالقوي فيما يتفرد به -كما صرح به الدارقطني [وغيره]-.
          والثانية- طريق همام عن محمد بن جحادة عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه. وهي -أيضًا- ضعيفة؛ لأنها منقطعة؛ فإن عبد الجبار لم يسمع من أبيه.
          والثالثة- طريق همام عن شقيق عن عاصم بن كليب عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. وهي –أيضًا- ضعيفة؛ لإرسالها، ولأن فيها شقيقًا أبا الليث؛ وهو مجهول -كما صرح به الحافظ في «التقريب»، والذهبي في «الميزان»، والطحاوي في «شرح معاني الآثار».
          فهذه الطرق الثلاث كلها ضعيفة. ثم هي مختلفة في الوصل والإرسال، والمحفوظة منها -على ما قال الحازمي في كتاب: «الاعتبار»- هي طريق همام المرسلة التي فيها شقيق المجهول. ففي ارتقاء حديث وائل إلى درجة الحسن كلام. ولو سلم أن حديث وائل بن حجر حسن؛ فحديث أبي هريرة الآتي أثبت وأقوى منه -كما ستعرف-.
          فالقول الراجح أن حديث أبي هريرة أثبت وأقوى من حديث وائل.
          فإن قيل: إن كان لحديث أبي هريرة شاهد فلحديث وائل ثلاثة شواهد؛
          أحدها- ما رواه ابن أبي شيبة والطحاوي في «شرح معاني الآثار» من طريق عبد الله بن سعيد المقبري، عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: «إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه، ولا يبرك كبروك الفحل».
          وثانيها- ما رواه الدارقطني والحاكم والبيهقي وابن حزم عن عاصم الأحول عن أنس قال: «رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- انحط بالتكبير فسبقت ركبتاه يديه».
          قال الحاكم: «هو على شرطهما، ولا أعلم له علة».
          وثالثها: ما رواه ابن خزيمة في «صحيحه» عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: «كنا نضع اليدين قبل الركبتين, فأمرنا أن نضع الركبتين قبل اليدين».
          أجيب بأن هذه الأحاديث كلها ضعيفة جدًّا، لا تصلح أن تكون شاهدة لحديث وائل.
          أما حديث أبي هريرة؛ فلأن مداره على عبد الله بن سعيد المقبري, وهو متروك، قال ابن معين: «ليس بشيء». وقال الفلاس: «منكر الحديث، متروك». وقال يحيى بن سعيد: «استبان كذبه في مجلس». وقال الدارقطني: «متروك ذاهب». وقال أحمد مرة: «ليس بذلك»، ومرة قال: «متروك». وقال فيه البخاري: «تركوه». كذا في «الميزان».
          وأما حديث أنس؛ فلأن في سنده العلاء بن إسماعيل, وقد تفرد به، وهو مجهول, قاله البيهقي. وقد أخطأ الحاكم في تصحيحه. ونقل الحافظ في «لسان الميزان» عن أبي حاتم أنه أنكر هذا الحديث, وحكى عن الدارقطني أنه أخرجه وقال: «إن العلاء تفرد به, وهو مجهول», ثم قال الحافظ: «وخالفه عمر بن حفص بن غياث -وهو من أثبت الناس في أبيه- فرواه عن أبيه عن أعمش عن إبراهيم عن علقمة وغيره عن عمر موقوفًا عليه، وهذا هو المحفوظ».
          وأما حديث سعد بن أبي وقاص؛ فلأن في سنده إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل، وهو يرويه عن أبيه, وقد تفرد به، وهما ضعيفان؛ إبراهيم بن إسماعيل اتهمه أبوزرعة، وأبوه إسماعيل متروك. وقال الحازمي: «في سنده مقال, والمحفوظ عن مصعب عن أبيه حديث نسخ التطبيق».
          وقد ظهر بهذا التفصيل أن هذه الأحاديث ضعيفة جدًّا؛ فلا تصلح أن تكون شاهدة لحديث وائل؛ فإنها لضعفها وسقوطها صارت كأن لم تكن.
          وفي معالم السنن: «وزعم بعض العلماء أن هذا [-أي: حديث أبي هريرة-] منسوخ [-أي: بما رواه ابن خزيمة عن مصعب بن سعد عن أبيه. وقد ذكرنا لفظه-]».
          وفيه أن دعوى النسخ بحديث سعد بن أبي وقاص باطلة؛ فإن هذا الحديث ضعيف -كما عرفت-. وقد عكس ابن حزم في المحلي (ج4 ص130 ) فجعل حديث أبي هريرة ناسخًا لما خالفه. وقيل: إن حديث أبي هريرة ضعيف معلول أعله البخاري بأن محمد بن عبد الله بن الحسن لا يتابع عليه، وأنه لا يدري أسمع محمد من أبي الزناد أم لا.
          وفيه: أن قوله «لا يتابع عليه» ليس مضر؛ لأن محمد بن عبد الله ثقة، ولحديثه هذا شاهد من حديث ابن عمر، وصححه ابن خزيمة، والحاكم، ووافقه الذهبي، قال ابن التركماني في «الجوهر النقي»: «محمد بن عبد الله وثقه النسائي، وقول البخاري: «لا يتابع على حديثه» ليس بصريح في الجرح, فلا يعارض توثيق النسائي». اهـ.
          وأما قوله: «لا أدري أسمع... الخ»؛ ففيه أنها –أيضًا- ليست بعلة، وشرط البخاري معروف، خالفه فيه جمهور المحدثين، ومحمد بن عبد الله ليس بمدلس، وسماعه من أبي الزناد ممكن؛ فإن أبا الزناد مات سنة ثلاثين ومائة بالمدينة، ومحمد مدني أيضًا؛ غلب على المدينة، ثم قتل في سنة خمس وأربعين ومائة وعمره ثلاث وخمسون سنة. قاله الزبير بن بكار. وقال ابنُ سعد وغيرُ واحدٍ: «قتل وهو ابن خمس وأربعين»، وقد أدرك أبا الزناد طويلًا، فتحمل عنعنته على السماع عند جمهور المحدثين.
          وقيل: إن حديث أبي هريرة مضطرب؛ فإنه قال بعضهم: «إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه». أخرجه بهذا اللفظ ابن أبي شيبة والطحاوي -كما تقدم-, وهذه الرواية تخالف الرواية التي رواها أبو داود والنسائي وغيرهما بحيث لا يمكن الجمع بينهما، والاضطراب مورث للضعف.
          وفيه: أن رواية ابن أبي شيبة والطحاوي هذه ضعيفة جدًّا -كما عرفت-، فلا اضطراب في حديث أبي هريرة؛ فإن من شرط الاضطراب استواء وجوه الاختلاف، ولا تعل الرواية الصحيحة بالرواية الضعيفة الواهية -كما تقرر في موضعه-.
          وقيل: إن في حديث أبي هريرة قلبًا من الراوي؛ حيث قال: «وليضع يديه قبل ركبتيه»، وكان أصله: «وليضع ركبتيه قبل يديه»، ويدل عليه أول الحديث؛ وهو قوله: «فلا يبرك كما يبرك البعير»؛ فإن المعروف من بروك البعير هو تقديم اليدين على الرجلين. ذكره ابن القيم في زاد المعاد, وقال: «ولما علم أصحاب هذا القول ذلك قالوا: «ركبتا البعير في يديه لا في رجليه؛ فهو إذا برك وضع ركبتيه أولًا، فهذا هو المنهى عنه». قال: «وهو فاسد من وجوه...» حاصل هذه الوجوه: أن البعير إذا برك يضع يديه ورجلاه قائمتان، وهذا هو المنهي عنه، وأن القول بأن ركبتي البعير في يديه لا يعرفه أهل اللغة, وأنه لو كان الأمر كما قالوا لقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «فليبرك كما يبرك البعير»؛ لأن أول ما يمس الأرض من البعير يداه». وفيه: أن في قوله: «في حديث أبي هريرة قلب من الراوي» نظرًا؛ إذ لو فتح هذا الباب لم يبق اعتماد على رواية راو مع كونها صحيحة. قاله القاري.
          وأما قوله: «كون ركبتي البعير في يديه لا يعرفه أهل اللغة»؛ ففيه: أنه مبني على عدم اطلاعه على ما قاله علماء اللغة في هذا؛ لأنه منصوص عليه في لسان العرب (ج1: ص417 ). وقال صاحب القاموس: «الركبة -بالضم-: موصل ما بين أسافل أطراف الفخذ وأعالي الساق، أو مرفق الذراع من كل شيء». ووقع في حديث هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- قولُ سراقة: «ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين» (رواه البخاري في «صحيحه» )، فهذا نص صريح وبرهان قاطع على أن ركبتي البعير في يديه.
          وأما قوله: «إنه لو كان كما قالوا؛ لقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «فليبرك كما يبرك البعير» ...الخ»؛ ففيه: أنه لما ثبت أن ركبتي البعير تكونان في يديه -ومعلوم أن ركبتي الإنسان تكونان في رجليه- وقد قال -صلى الله عليه وسلم- في آخر هذا الحديث: «وليضع يديه قبل ركبتيه»؛ فكيف يقول في أوله: «فليبرك كما يبرك البعير»؟ -أي: فليضع ركبتيه قبل يديه-؟ (ذكره شيخنا في شرح الترمذي (ج1: ص230 ) وفي أبكار المنن (ص223 ) )». اهـ كلامه مع تصرف يسير.
          وقال الشوكاني في «نيل الأوطار» (4/ 279 ): «وَمِنْ الْمُرَجِّحَاتِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ قَوْلٌ، وَحَدِيثُ وَائِلٍ حِكَايَةُ فِعْلٍ, وَالْقَوْلُ أَرْجَحُ, مَعَ أَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ فِعْلَهُ –صلى الله عليه وسلم- لَا يُعَارِضُ قَوْلَهُ الْخَاصَّ بِالْأُمَّةِ، وَمَحَلُّ النِّزَاعِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ.
          وَأَيْضًا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مُشْتَمِلٌ عَلَى النَّهْيِ الْمُقْتَضِي لِلْحَظْرِ, وَهُوَ مُرَجِّحٌ مُسْتَقِلٌّ». اهـ.
          ومما يرجحه -أيضًا-: ما رواه البخاري (690 ) ومسلم (474 ) (198 ) من حديث البراء ابن عازب –رضي الله عنه-: «أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان إذا قال: «سمع الله لمن حمده» لَم يَحنِ أحدٌ منا ظهره حتى يقع النبي –صلى الله عليه وسلم- ساجدا, ثم نقعُ سجودا بعده».
          قال أبو عبيدة (ص55-56 ): «والانحناء في الظهر يكون ظاهرًا عند النزول على اليدين قبل الركبتين..., وهذا بعكس السجود بتقديم الركبتين؛ فإنه يكون عن قيامٍ ولا يَحدث انحناءٌ.
          ولو سُلِّمَ أن هناك انحناء عند النزول على الركبتين لَكَانَ هذا الانحناء لا يعلّق عليه حكم من البراء –رضي الله عنه- ويجعل ذلك علامة على التأني في متابعة الإمام؛ لأنه انحناء خفيف جدًّا لا يكاد يظهَر, ولا شك أن تقييد الأفعال يكون على الظاهرة منها لا على غيرها في الإشارات الخفية.
          وعندما لم أجِدْ مِن أهل العلم مِن سبقني إلى هذا الفهم توقفتُ عن الاستدلال به حتى أطْلَعتُ شيخَنا مقبلًا الوادعيَّ على ذلك فوافقني على هذا الفهم. فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات». اهـ بتصرف.
          وكذلك ما رواه المروزي في «مسائله» بسنده عن الأوزاعي قال: «أدركتُ الناسَ يضعون أيديَهم قبل رُكَبِهم».
          قال الألباني في «صفة الصلاة» (ص122 ): «سنده صحيح عنه».
          وأما قول مَن قال: «إن الصفة التي في حديث وائل أرفق بالمصلي»؛ فقال الشيخ سليمان الرحيلي: «نقول: لا، الأرفق أن يضع يديه قبل ركبتَيه؛ بدليل أنّ الرجل إذا ضَعُفَ وعَجَزَ كان الأسهل عليه أن يضع يديه. حتى الجمهور قالوا: «إذا كان في حال عجز أو ضعف فإنه يضع يديه قبل ركبتيه»، إذن؛ الأرفق أن يضع يديه قبل ركبتَيه». اهـ.
          التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الرحمن علي المالكي; الساعة 27-Jul-2014, 07:05 PM.

          تعليق


          • #6
            رد: بحثٌ مفصَّلٌ حول صفة الهوي إلى السجود والقيام منه

            الباب الثالث
            مذاهب أهل العلم في هذه المسألة


            في هذا الباب سأذكُرُ ما وقفتُ عليه مِن مذاهب العلماء في هذه المسألة. وقد جعلتُهم على ثلاث طبقات: طبقة الصحابة, وطبقة التابعين, وطبقة مَن بعد التابعين.
            أولًا- مذاهب الصحابة –رضي الله عنهم أجمعين-:
            1- أمير المؤمنين عمر بن الخطاب:
            قال ابنُ أبي شيبة في «مصنفه» (2/ 490 ) (2719 ): حدثنا يعلى عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود: «أن عمر كان يقع على ركبتيه».
            وهذا سند صحيح.
            والأعمش وإن كان قد عنعن عن إبراهيم –وهو ابن يزيد النخعي- إلا أن روايتَه عنه بالعنعنة هنا تُحمل على الاتصال؛ قال الذهبي في «الميزان» (2 / 224 ) –في ترجمة الأعمش-: «هو يدلس، وربما دلّس عن ضعيف ولا يدري به. فمتى قال: (حدثنا )؛ فلا كلام. ومتى قال: (عن )؛ تطرّق إليه احتمال التدليس، إلا في شيوخ له أكثر عنهم؛ كإبراهيم، وأبي وائل، وأبي صالح السمّان؛ فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال». اهـ.
            وقال الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (1/ 256 ): «حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: ثنا أَبِي قَالَ: ثنا الْأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ قَالَا: «حفظنا عن عمر في صلاته أنه خر -بعد ركوعه- على ركبتيه كما يخر البعير، وضع ركبتيه قبل يديه»». اهـ.
            وقد مرّ ذِكرُ هذه الرواية في الباب الأول. وقولِ الألباني: «وسندهـ[ـا] صحيح». اهـ.
            وروى عبد الرزاق في «مصنفه» (2/ 176 ) عَنِ الثَّوْرِيِّ وَمَعْمَرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ: «أَنَّ عُمَرَ –رضي الله عنه- كَانَ إِذَا رَكَعَ يَقَعُ كَمَا يَقَعُ الْبَعِيرُ؛ رُكْبَتَاهُ قَبْلَ يَدَيْهِ».
            ولكن هذه الرواية سندها منقطع؛ لأن إبراهيم –وهو النخعي- لَم يُدرِك عُمَر –كما في «التهذيب» (1/ 177-178 ) وغيرِه-.
            2- أمير المؤمنين علي بن أبي طالب:
            أخرج ابن أبي شيبة (1/ 347 ) والبيهقي في «السنن الكبرى» (2/ 195 ) من طريق أبي معاوية عَنْ أَبِي شَيْبَةَ عبد الرحمن بن إسحاق عَنْ زِيَادِ بْنِ زَيْدٍ السُّوَائيّ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «إِنَّ مِنَ السُّنَّةِ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ إِذَا نَهَضَ الرَّجُلُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ أَنْ لَا يَعْتَمِدَ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ».
            قال البيهقي: «أَبُو شَيْبَةَ هَذَا هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ الْوَاسِطِيُّ الْقُرَشِيُّ. جَرَحَه أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُمَا. يرويه تَارَةً هَكَذَا وَتَارَةً عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَلِيٍّ؛ أَخْبَرَنَاهُ أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ: أنبأ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ: أنبأ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانُ: ثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «مِنَ السُّنَّةِ أَنْ لَا تَعْتَمِدَ عَلَى يَدَيْكَ حِينَ تُرِيدُ أَنْ تَقُومَ بَعْدَ الْقُعُودِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ»». اهـ.
            قال الألباني في «الضعيفة» (2/ 393 ) و(12/ 797-798 ): «عبد الرحمن بن إسحاق قال الذهبي: «ضعفوه», وقال الحافظ في «التقريب»: «ضعيف», وقال النووي: «ضعيف اتفاقًا».
            وروى الإسناد الأول عن زياد بن زياد, وهو مجهول -كما قال الحافظ تبعا لابن أبي حاتم-.
            إضافةً إلى أنه اضطرب في إسناده». اهـ بتصرف.
            3- عبد الله بن مسعود:
            أخرج الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (1/ 256 ) من طريق حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطاة قال: قال إبراهيم النخعي: «حُفظ عن عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- أنه كانت ركبتاه تقعان إلى الأرض قبل يديه».
            وهذا سند ضعيف؛ فيه حجاج بن أرطأة.
            قال فيه الحافظ في «التقريب»: «صدوق كثير الخطإ والتدليس». وقال في «طبقات المدلسين» (ص49 ): «حجاج بن أرطاة الفقيه الكوفي المشهور. أخرج له مسلم مقرونا. وصَفه النسائيُّ وغيرُه بالتدليس عن الضعفاء. وممن أطلق عليه التدليس: ابن المبارك, ويحيى بن القطان, ويحيى بن معين, وأحمد, [وأبو زرعة, وأبو حاتم, والبزار, والعجلي, وابن حبان. وقال الدارقطني: «مشهورٌ بالتدليس، وبأنه يحدث عمن لم يلقه، ومن لم يسمع منه...»]. وقال أبو حاتم: «إذا قال: حدثنا؛ فهو صالح وليس بالقوي»». اهـ.
            وقد ذكره الحافظ في المرتبة الرابعة من مراتب المدلسين؛ وهم –كما ذَكَر في المقدمة- من اتفق على أنه لا يحتج بشيء من حديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع؛ لكثرة تدليسهم عن الضعفاء والمجاهيل.
            وهو هنا لم يصرح بالسماع –كما ترى-.
            وقد ذكر بعضهم علة أخرى؛ وهي أن إبراهيم النخعي لم يُدرِك ابنَ مسعود.
            قلتُ: صحيحٌ أنه لم يلق ابنَ مسعود, وقد كان يُرسِلُ عنه كثيرا؛ قال الحافظ في «طبقات المدلسين» (ص28 ): «قال أبو حاتم: «...كان يرسل كثيرا -ولا سيما عن ابن مسعود-...»»؛ ولكن قال الدارقطني في «سننه» (4/ 226 ) –بعد ذِكْرِ روايةٍ أرسلَها إبراهيمُ عن ابن مسعود-: «فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ وَإِنْ كَانَ فِيهَا إِرْسَالٌ فَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ هُوَ أَعْلَمُ النَّاسِ بِعَبْدِ اللهِ وَبِرَأْيِهِ وَبِفُتْيَاهُ, قَدْ أَخَذَ ذَلِكَ عَنْ أَخْوَالِهِ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنَيْ يَزِيدَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ كُبَرَاءِ أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ, وَهُوَ الْقَائِلُ: «إِذَا قُلْتُ لَكُمْ: «قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ»؛ فَهُوَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَنْهُ, وَإِذَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ سَمَّيْتُهُ لَكُمْ»». اهـ.
            وقال ابنُ أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (2/ 145 ): «حدثنا عبد الرحمن: نا محمد بن أحمد بن البراء قال: قال علي بن المديني: «كان إبراهيم عندي من أعلم الناس بأصحاب عبد الله وأبطنهم به»». اهـ.
            وقال العلائي في «جامع التحصيل» (ص141 ): «...وهو أيضا مكثر من الإرسال, وجماعةٌ من الأئمة صححوا مراسيلَه -كما تقدم-, وخَص البيهقيُّ ذلك بما أرسله عن ابن مسعود». اهـ.
            ولكن تبقى العلةُ الأولى, وبناءً عليها؛ فلَا نستطيعُ أن نُثبِتَ بهذا السند أن ابنَ مسعود ممن يرى هذا الرأي.
            وقال الطبراني في «الكبير» (9/ 266 ): «حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدَةَ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: «رَمَقْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ فِي الصَّلَاةِ فَرَأَيْتُهُ يَنْهَضُ وَلَا يَجْلِسُ» قَالَ: «يَنْهَضُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَالثَّالثةِ».
            وأخرجه البيهقي (2/125 - 126 ) بسنده إلى سفيان عن عبدة عن عبد الرحمن.
            قال الألباني في «أصل صفة الصلاة» (3/ 950 ): «وهذا إسناد صحيح. وقد رواه البيهقي من طرق أخرى عن ابن يزيد». اهـ.
            وقال البيهقي عقب رواية الأثر: «هُوَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ صَحِيحٌ. وَمُتَابَعَةُ السُّنَّةِ أَوْلَى».
            وصحح الوقفَ الدارقطنيُّ في «علله».
            وقال ابن القيم في «الصلاة وحكم تاركها» (ص160 ): «صح [هذا] عن ابن مسعود».
            4- عبد الله بن عُمَر بن الخطاب:
            تقدم الكلامُ على ما ورد عن ابنِ عمر بما يُغني عن إعادتِه هنا.
            ولكن أنبّه هنا على روايةٍ عنه جاءَت في «المصنف» لابن أبي شيبة (1/ 236 ) قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّهُ كَانَ يَضَعُ رُكْبَتَيْهِ –إِذَا سَجَدَ- قَبْلَ يَدَيْهِ، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ –إِذَا رَفَعَ- قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ».
            هذه الروايةُ لا تصح؛ فإنّ ابنَ أبي ليلى –وهو محمد بن عبد الرحمن- قال فيه الحافظ في «التقريب»: «صدوقٌ سيء الحفظ جدًّا», وقال فيه الذهبي في «الميزان»: «صدوق, إمام، سيئ الحفظ. وقد وثَّق».
            قلتُ: ولا يخفى أن توثيقَ مَن وثَّقَ قد تعارضَ مع جرحٍ مفسَّرٍ؛ فيُرجّح الجرح المفسَّر. ومِن هذا –زيادة على ما ذُكِر-:
            قال أحمد: «مضطرب الحديث». وقال شعبة: «ما رأيت أسوأ من حفظه». وقال يحيى القطان: «سيئ الحفظ جدا». وقال يحيى بن معين: «ليس بذاك». وقال النسائي: «ليس بالقوى». وقال الدارقطني: «رديء الحفظ كثير الوهم». وقال أبو أحمد الحاكم: «عامة أحاديثه مقلوبة». وانظر «ميزان الاعتدال» (3/ 614 ).
            وكذلك قول عطية العوفي –كما في «السنن الكبرى» للبيهقي (2/ 180 )-: «رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ، وَابْنَ الزُّبَيْرِ، وَأَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ –رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- يَقُومُونَ عَلَى صُدُورِ أَقْدَامِهِمْ فِي الصَّلَاةِ»؛ فإن عطية العوفي لا يُحتج به.
            قال الشيخ محمد بازمول في «الترجيح» (ص215 ): «ولست أشك أن هذه الآثار تدل على أن لتقديم الركبتين أصلًا, فإما أن يقال: هذه الآثار تصرف النهي عن التحريم إلى الكراهة؛ على أساس أن الأصل فيما يفعله الصحابة في هيئات العبادة أنه توقيف, وإما أن يقال: ما جاء مرفوعًا صحيحًا صريحًا بالقول والفعل لا يُعارَض بمجرد فعلٍ مِن بعض الصحابة معارَضٍ بفعل آخرين, وعليه؛ فالأرجح الوقوف على المرفوع». اهـ.
            ثانيًا- مذاهب التابعين:
            - أصحاب ابن مسعود:
            قال ابن أبي شيبة في «مصنفه» (1/ 236 ): «حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: «كَانَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللهِ إِذَا انْحَطُّوا لِلسُّجُودِ وَقَعَتْ رُكَبُهُمْ قَبْلَ أَيْدِيهِمْ»».
            ولكن هذا الأثر لا يصحّ؛ في إسناده حجاج بن أرطأة, وقد سبق الكلام عنه.
            وقال (1/ 347 ): حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ، رَأَى الْأَسْوَدَ، وَشُرَيْحًا، وَمَسْرُوقًا، يَعْتَمِدُونَ عَلَى أَيْدِيهِمْ إِذَا نَهَضُوا "
            جابرٌ هذا يغلب على ظني أنه ابن يزيد الجعفي؛ فقد بحثتُ في شيوخ إسرائيل بن يونس فلم أجد إلا هو, فإن كان كذلك؛ فالسند ضعيف جدًّا؛ لأن جابر بن يزيد متروكٌ رافضيٌّ, ورواه عن مُبهَمٍ, فهذه ظلمات بعضها فوق بعض.
            - محمد ابن سيرين:
            قال ابن أبي شيبة في «منصفه» (1/ 236 ): «حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ مَهْدِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: «رَأَيْتُ ابْنَ سِيرِينَ يَضَعُ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ»».
            وهذا سند صحيح رجاله ثقات.
            وروى (1/ 347 ) بالإسناد نفسه عن ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَعْتَمِدَ.


            - مسلم بن يسار:
            قال ابن أبي شيبة (1/ 236 ): «حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ كَهْمَسٍ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِيه: «أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَجَدَ يَقَعُ رُكْبَتَاهُ ثُمَّ يَدَاهُ ثُمَّ رَأْسُهُ».
            معتمر: هو ابن سليمان التميمي. قال الحافظ في «التقريب»: «ثقة».
            كهمس: هو ابن الحسن التميمي. قال الحافظ في «التقريب»: «ثقة».
            وأما عبد الله بن مسلم فلم أجد مَن وثقه إلا ابن حبان, ووجدتُ أنه روى عنه غيرُ واحدٍ؛ قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (5/ 165 ): «روى عنه ابن عون, وكهمس, والمبارك بن فضالة, والهيثم بن قيس العائشي. سمعت أبي يقول ذلك», وقال ابن حبان في «الثقات» (5/ 60 ): «رَوَى عَنْهُ أهلُ الْبَصْرَة».
            والقاعدة: أن مَن روى عنه جماعةٌ, ووثَّقَه ولو مَن كان متساهلًا في التوثيق –كابن حبان, والعجلي-, ولَم يأتِ بِما يُنكَر عليه؛ فحديثُه يكون في درجة القبول –لا أذكر الآن في أي درجات القبول يكون!-.
            وهذا تحقق فيه شرطان, ولَم يتيسر لي معرفة ما لو كان الشرط الثالث متوفرًا أم لا.
            - إبراهيم النخعي:
            قال ابن أبي شيبة (1/ 236 ): «حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ:«أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَضَعُ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ؛ فَكَرِهَ ذَلِكَ, وَقَالَ: «هَلْ يَفْعَلُهُ إِلَّا مَجْنُونٌ؟»».
            ابن فضيل: هو محمد بن فضيل الضبي –مولاهم-. قال الحافظ في «التقريب»: «صدوق, عارف, رُمي بالتشيُّع».
            مغيرة: هو بن مِقْسَم الضبّي -مولاهم-. وقد قال الحافظ في «التقريب» -في ترجمة مغيرة-: «ثقة متقن, إلا أنه كان يدلس –ولا سيما عن إبراهيم-», وقال العجلي –كما في «تهذيب التهذيب» (10/ 270 )-: «مغيرةُ ثقةٌ فقيهُ الحديث, إلا أنه كان يرسل الحديث عن إبراهيم, فإذا أُوقِفَ أخبرهم ممن سمعه». اهـ.
            وقال ابن فضيل –كما في «التهذيب» (10/ 269 )-: «كان يدلس، وكنا لا نكتب عنه إلا ما قال: حدثنا إبراهيم». اهـ.
            وذكره ابن حجر في «طبقات المدلسين» في الطبقة الثالثة؛ وهم: مَن أكثَرَ مِن التدليس فَلَمْ يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع. وقال: في ترجمته (ص46 ): «ثقة مشهور, وصفه النسائي بالتدليس, وحكاه العجلي عن ابن فضيل, وقال أبو داود: «كان لا يدلس» وكأنه أراد ما حكاه العجلي «أنه كان يرسل عن إبراهيم فإذا وقف أخبرهم ممن سمعه»». اهـ.
            وقال الذهبي في «الميزان» (4/ 165 ): «إمام ثقة، لكن لَيَّن أحمدُ بن حنبل روايته عن ابراهيم النخعي فقط -مع أنها في الصحيحين-». اهـ.
            ولكن وجدتُ الحافظَ في «هدي الساري» (ص445 ) قال: «مُغيرَة بن مقسم الضَّبِّيّ الْكُوفِي, أحد الْأَئِمَّة, مُتَّفق على توثيقه, لَكِن ضَعَّف أَحْمدُ بن حَنْبَل رِوَايَته عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ خَاصَّة؛ قَالَ: «كَانَ يدلسها, وَإِنَّمَا سَمعهَا من حَمَّاد». قلت: مَا أخرج لَهُ البُخَارِيّ عَن إِبْرَاهِيم إِلَّا مَا توبع عَلَيْهِ وَاحْتج بِهِ الْأَئِمَّة». اهـ.
            وهو هنا رواه عن إبراهيم بالعنعنة, فعلى هذا تكون روايتُه ضعيفةً, إلا إن صحّ قولُ سعد الحُمَيّد في تحقيقه لكتاب التفسير من «سنن سعيد بن منصور»: «رواية محمد بن فضيل عن مغيرة مأمونةُ الجانب من تدليس مغيرة, حتى وإن لم يصرح بالسماع؛ لأن ابن فضيل ممن لا يكتب عن مغيرة إلا ما قال فيه: «حدثنا إبراهيم»». اهـ. انظر (3/ 759 ) و(3/ 869 ) و(4/ 1555 ).
            فلو صح استنتاجُه هذا فيكون الإسناد حسنًا. والله أعلم.
            وروى عبد الرزاق (2/ 177 ) عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ: «أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ إِذَا جَلَسَ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَإِذَا نَهَضَ - عَلَى يَدَيْه».
            ورواه ابن أبي شيبة (1/ 347 ): عن هشيم عن مُغِيرَةَ عَنْه في مسألة النهوض.
            وكلا الإسنادين ضعيف؛ لعنعنة مغيرة.
            والسند الثاني فيه علة ثانية؛ وهي عنعنة هُشيم, وهو ابن بشير الواسطي, قال في «التقريب»: «ثقة ثبت, كثير التدليس والإرسال الخفي», وجعله في «طبقات المدلسين» في المرتبة الثالثة؛ وهم من أكثروا من التدليس فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع, ومنهم من رَدَّ حديثَهم مطلقا, ومنهم من قَبِلَهم.
            وقال ابن أبي شيبة (1/ 347 ): حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ: «أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْخًا كَبِيرًا، أَوْ مَرِيضًا».
            أما عنعنة هشيم فلا تضر هنا؛ قال عبد الله بن أحمد –كما في «العلل ومعرفة الرجال» (2/ 279 )-: سَمِعت أبي يَقُول: «لم يسمع هُشَيْم من مُحَمَّد بْن جحادة إِلَّا هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد...» ثم ذكره.
            وأما رواية محمد بن جحادة عن الحارث –وهو ابن يزيد الكوفي- بالعنعنة؛ فهي تحمل على الاتصال؛ لأن محمدًا ليس مدلسًا, وهو كوفي كالحارث, وقد أدركَه.
            ورواية الحارث عن إبراهيم بالعنعنة نقول فيها ما قلنا في سابقتها.
            فهذا الأثر ثابتٌ عن إبراهيم.
            - أبو قلابة:
            قال ابن أبي شيبة (1/ 236 ): «حَدَّثَنَا عبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ خَالِدٍ قَالَ: «رَأَيْتُ أَبَا قِلَابَةَ إِذَا سَجَدَ بدأَ فَوَضَعَ رُكْبَتَيْهِ، وَإِذَا قَامَ اعْتَمَدَ عَلَى يَدَيْهِ».
            عباد بن العوام ثقة –كما في «التقريب»-.
            خالد: هو الحذاء, قال فيه الحافظ في «التقريب»: «ثقة يرسل, [وقد] أشار حماد ابن زيد إلى أن حفظه تغير لما قدم من الشام, وعاب عليه بعضهم دخوله في عمل السلطان».
            ولم أتمكن من معرفة ما لو كان عبّادٌ ممّن سمِع من خالد الحذاء قبل الاختلاط أم لا.
            ولكن وجدتُ في هامش الصفحة الثامنة والثلاثين من كتاب: «المختلطون» للعلائي ما نصّه: «في الحاشية: وممن سمع منه قبل الاختلاط: عباد بن العوام». اهـ.
            ولا أدري مَن هو صاحب الكلام؛ أأحد المحققين أم أحد النسّاخ أم المؤلف نفسه؟
            وقد صححَ هذا الإسنادَ صاحبُ رسالة: «فتح الودود في كيفية الهوي إلى السجود».


            - الحسن البصري:
            قال ابن أبي شيبة (1/ 236 ): «حَدَّثَنَا عبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ خَالِدٍ قَالَ: «رَأَيْتُ الْحَسَنَ يَخِرُّ فَيَبْدَأُ بِيَدَيْهِ، وَيَعْتَمِدُ إِذَا قَامَ»».
            وهو بالإسناد السابق نفسه.
            - قتادة:
            قال عبد الرزاق (2/ 178 ): عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ -فِي الرَّجُلِ يَنْهَضُ لِيَقُومَ؛ أَيَدَيْهِ يَرْفَعُ قَبْلُ أَمْ رُكْبَتَيْهِ؟- قَالَ: «يَنْظُرُ أَهْوَنَ ذَلِكَ عَلَيْهِ».
            وهذا سند صحيح.
            ثالثًا- مذاهب مَن بعد التابعين:
            - مذهب الحنفية:
            قال ابنُ نُجيم في «البحر الرائق» (1/ 335 ): «قَوْل [النسفي]: «ثُمَّ كَبَّرَ وَوَضَعَ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ يَدَيْهِ، ثُمَّ وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ, بِعَكْسِ النُّهُوضِ» ...أَفَادَ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ السُّجُودَ يَضَعُ أَوَّلًا مَا كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْأَرْضِ؛ فَيَضَعُ رُكْبَتَيْهِ أَوَّلًا، ثُمَّ أَنْفَهُ، ثُمَّ جَبْهَتَهُ, وَإِذَا أَرَادَ الرَّفْعَ يَرْفَعُ أَوَّلًا جَبْهَتَهُ، ثُمَّ أَنْفَهُ، ثُمَّ يَدَيْهِ، ثُمَّ رُكْبَتَيْهِ. وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الْإِمْكَانِ, أَمَّا إذَا كَانَ مُتَخَفِّفًا فَإِنَّهُ يَضَعُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الرُّكْبَتَيْنِ وَيُقَدِّمُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى».
            وقال (1/ 340-341 ): «وقوله: «وَكَبَّرَ لِلنُّهُوضِ بِلَا اعْتِمَادٍ...» ... تَرْكُ الِاعْتِمَادِ مُسْتَحَبٌّ لِمَنْ لَيْسَ بِهِ عُذْرٌ عِنْدَنَا -عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ-.
            قَالَ الْوَبَرِيُّ: «لَا بَأْسَ يَعْتَمِدُ بِرَاحَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ عِنْدَ النُّهُوضِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْعُذْرِ وَعَدَمِهِ». وَمِثْلُهُ مَا فِي «الْمُحِيطِ» عَنْ الطَّحَاوِيِّ: «لَا بَأْسَ بِأَنْ يَعْتَمِدَ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ شَيْخًا كَانَ أَوْ شَابًّا. وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ».
            وَالْأَوْجَهُ أَنْ يَكُونَ سُنَّةً, فَتَرْكُهُ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ النَّهْي.
            وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّهُ يُكْرَهُ تَقْدِيمُ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ عِنْدَ النُّهُوضِ وَيُسْتَحَبُّ الْهُبُوطُ بِالْيُمْنَى وَالنُّهُوضُ بِالشِّمَالِ, وَلَمْ يَذْكُرْ لِلْكَرَاهَةِ دَلِيلًا, وَذَكَرَهَا فِي «الْمُجْتَبَى» مَرْوِيَّةً عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-». اهـ.
            وقال ابن عابدين في حاشيته المعروفة (1/ 497-498 ): «قَوْلُهُ: «وَاضِعًا رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ» قَدَّمْنَا الْخِلَافَ فِي أَنَّهُ سُنَّةٌ أَوْ فَرْضٌ أَوْ وَاجِبٌ, وَأَنَّ الْأَخِيرَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَمَالِ. وَيَضَعُ الْيُمْنَى مِنْهُمَا أَوَّلًا ثُمَّ الْيُسْرَى -كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ-، لَكِنَّ الَّذِي فِي «الْخَزَائِنِ»: وَاضِعًا رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ, إلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْهِ لِأَجْلِ خُفٍّ أَوْ غَيْرِهِ فَيَبْدَأ بِالْيَدَيْنِ وَيُقَدِّمُ الْيُمْنَى. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي «الْبَدَائِعِ» و«التتارخانية» وَ«الْمِعْرَاجِ» وَ«الْبَحْرِ» وَغَيْرِهَا، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ تَقْدِيمَ الْيُمْنَى إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْعُذْرِ الدَّاعِي إلَى وَضْعِ الْيَدَيْنِ أَوَّلًا، وَأنَّهُ لَا تَيَامُنَ فِي وَضْعِ الرُّكْبَتَيْنِ، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ؛ لِعُسْرِ ذَلِكَ». اهـ.
            وقال (1/ 506 ): «قوله: «بِلَا اعْتِمَادٍ...»إلخ؛ أيْ: عَلَى الْأَرْضِ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: «أَشَارَ بِهِ إلَى خِلَافِ الشَّافِعِيِّ فِي مَوْضِعَيْنِ:
            أَحَدُهُمَا- يَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ عِنْدَنَا, وَعِنْدَهُ عَلَى الْأَرْضِ.
            وَالثَّانِي- الْجِلْسَةُ الْخَفِيفَةُ».
            قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلوَانِيُّ: «الْخِلَافُ فِي الْأَفْضَلِ, حَتَّى لَوْ فَعَلَ كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا لَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَلَوْ فَعَلَ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ لَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَنَا. كَذَا فِي الْمُحِيطِ». اهـ.
            قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: «وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ سُنَّةٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ عَدَمِ الْعُذْرِ؛ فَيُكْرَهُ فِعْلُهُ -تَنْزِيهًا- لِمَنْ لَيْسَ بِهِ عُذْرٌ». اهـ.
            وَتَبِعَهُ فِي «الْبَحْرِ». وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُهُمْ: «لَا بَأْسَ»؛ فَإِنَّهُ يَغْلِبُ فِيمَا تَرْكُهُ أَوْلَى.
            أَقُولُ: وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي الْوَاجِبَاتِ حَيْثُ ذَكَرَ مِنْهَا تَرْكَ قُعُودٍ قَبْلَ ثَانِيَةٍ وَرَابِعَةٍ؛ لِأَنَّ ذَاكَ مَحْمُولٌ عَلَى الْقُعُودِ الطَّوِيلِ؛ وَلِذَا قُيِّدَتِ الْجِلْسَةُ هُنَا بِالْخَفِيفَةِ...». اهـ.
            - مذهب المالكية:
            قال ابن الحاجب في «جامع الأمهات» (ص97 ): «وَتَقْدِيم يَدَيْهِ قبل رُكْبَتَيْهِ أحسن, وتأخيرهما عِنْد الْقيام». اهـ.
            وقال القاضي عبد الوهاب في «التلقين» (1/ 46 ): «فإن شاء وضع يديه قبل ركبتيه أو ركبتيه قبل يديه, إلا أن وضع اليدين ابتداء أحسن». اهـ.
            وفي «مواهب الجليل في شرح مختصر خليل» (1/ 541 ):
            «ص: (وَتَقْدِيمُ يَدَيْهِ فِي سُجُودِهِ ).
            ش: هَكَذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ, وَنَصُّهُ: «وَتَقْدِيمُ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ أَحْسَنُ»، وَقَبْلَهُ فِي «التَّوْضِيحِ» قَالَ: وَفِي أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ عَنْهُ –صلى الله عليه وسلم-: «إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَبْرُكْ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ, لَكِنْ يَضَع يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ»...وَفِي أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ: «كَانَ –صلى الله عليه وسلم- إذَا سَجَدَ وَضع يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ», وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ التَّخْيِيرَ» انْتَهَى.
            وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: «وَفِي اسْتِحْبَابِ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ وَالْعَكْسِ ثَالِثُ الرِّوَايَاتِ لَا تَحْدِيدَ لِابْنِ شَعْبَانَ وَالْمَبْسُوطِ وَابْنِ حَبِيبٍ» انْتَهَى. فَذَكَرَ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ. وَاَلَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ رِوَايَةُ الْمَبْسُوطِ, وَحَكَى ابْنُ نَاجِي الثَّلَاثَةَ وَقَالَ: «فَالثَّلَاثَةُ لِمَالِكٍ».
            ص: (وَتَأْخِيرُهُمَا عِنْدَ الْقِيَامِ )
            ش: هَذِهِ نَحْوُ عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ, قَالَ: فِي «التَّوْضِيحِ»: حَكَى فِيهِ فِي الْبَيَانِ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ:
            الْأُولَى- إجَازَةُ تَرْكِ الِاعْتِمَادِ وَفِعْلِهِ, وَرَأَى ذَلِكَ سَوَاءً. وَهُوَ مَذْهَبُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ.
            وَمَرَّةً اسْتَحَبَّ الِاعْتِمَادَ وَخَفَّفَ تَرْكَهُ.
            وَمَرَّةً اسْتَحْسَنَهُ وَكَرِهَ تَرْكَهُ.
            قَالَ: وَهُوَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ؛ لِقَوْلِهِ –صلى الله عليه وسلم-: «إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَبْرُكْ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ, وَلَكِنْ يَضَع يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ». فَإِذَا أَمَرَ بِتَقْدِيمِ الْيَدَيْنِ حَتَّى لَا يُشْبِهُ الْبَعِيرَ وَجَبَ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ بِالْأَرْضِ إذَا قَامَ حَتَّى لَا يُشْبِهُ الْبَعِيرَ فِي قِيَامِهِ». اهـ.
            وفي «الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة» (ص209 ): «ذهب المالكية إلى أنه يندب تقديم اليدين على الركبتين عند السجود حال الانحطاط له». وعزا إلى «التلقين» (ص107 ), و«الكافي المالكي» (ص44 ), و«الشرح الصغير» (1/ 119 ).
            وفي (ص235 ): «ذهب المالكية إلى أنه يشرع الاعتماد على الأرض باليدين عند النهوض في الصلاة؛ فتتأخر اليدان عند القيام». وعزا إلى «الفواكه الدواني» (1/ 213 ).


            - مذهب الشافعية:
            قال الشافعي في «الأم» (1/ 136 ): «وَأُحِبُّ أَنْ يَبْتَدِئَ التَّكْبِيرَ قَائِمًا, وَيَنْحَطَّ مَكَانَهُ سَاجِدًا, ثُمَّ يَكُونَ أَوَّلُ مَا يَضَعُ عَلَى الْأَرْضِ مِنْهُ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ وَجْهَهُ, وَإِنْ وَضَعَ وَجْهَهُ قَبْلَ يَدَيْهِ أَوْ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ كَرِهْتُ ذَلِكَ وَلَا إعَادَةَ وَلَا سُجُودَ سَهْوٍ عَلَيْهِ». اهـ.
            وقال (1 / 101 ) -بعد أن ساق حديث مالك بن الحويرث الذي سبق ذكرُه-: «وبهذا نأخذ, فنأمر من قام من سجود أو جلوس في الصلاة أن يعتمد على الأرض بيديه معًا؛ اتباعًا للسنة, فإن ذلك أشبه للتواضع، وأعون للمصلي على الصلاة، وأحرى أن لا ينقلب، وأيُّ قيامٍ قامَه سوى هذا كرهتُه». اهـ.
            وقال النووي في «المجموع» (3/ 421 ): «مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَدِّمَ فِي السُّجُودِ الرُّكْبَتَيْنِ ثُمَّ الْيَدَيْنِ ثُمَّ الْجَبْهَةَ وَالْأَنْفَ». اهـ.
            وقال (3/444 ): «مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُومَ مُعْتَمِدًا عَلَى يَدَيْهِ». اهـ.
            - مذهب الحنابلة:
            قال ابنُ قدامة في «المغني» (1/ 370 ): «قَالَ [الخِرَقيُّ]: «وَيَكُونُ أَوَّل مَا يَقَعُ مِنْهُ عَلَى الْأَرْضِ رُكْبَتَاهُ، ثُمَّ يَدَاهُ، ثُمَّ جَبْهَتُهُ وَأَنْفُهُ».
            [قلتُ:] هَذَا الْمُسْتَحَبُّ فِي مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ..., وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يَضَعُ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ». اهـ.
            وقال (1/ 379 ): «قال [الخرقي]: «وَيَقُومُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ، مُعْتَمِدًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ» ... [يعني]: يَنْهَضُ إلَى الْقِيَامِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ مُعْتَمِدًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَلَا يَعْتَمِدُ عَلَى يَدَيْهِ.
            قَالَ الْقَاضِي: «لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُهُ أَنَّهُ لَا يَعْتَمِدُ عَلَى الْأَرْضِ، سَوَاءٌ قُلْنَا يَجْلِسُ لِلِاسْتِرَاحَةِ أَوْ لَا يَجْلِسُ».
            ... قَالَ [الخرقي]: «إلَّا أَنْ يَشُقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ؛ فَيَعْتَمِد بِالْأَرْضِ». يَعْنِي: إذَا شَقَّ عَلَيْهِ النُّهُوضُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا -لِكِبَرٍ، أَوْ ضَعْفٍ، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ سِمَنٍ، وَنَحْوِهِ-؛ فَلَا بَأْسَ بِاعْتِمَادِهِ عَلَى الْأَرْضِ بِيَدَيْهِ، لَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ فِي هَذَا». اهـ بتصرف.
            وقال المرداوي في «الإنصاف» (2/ 65 ): «يَضَعُ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ. هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ، وَعَنْهُ: يَضَعُ يَدَيْهِ ثُمَّ رُكْبَتَيْهِ». اهـ.
            وقال ابنُ رجب في «فتح الباري» (7/ 2220 ) عن هذه الرواية الثانية عن أحمد: «وقالت طائفة: يبدأ بيديه قبل ركبتيه، ... وحُكِيَ رواية عن أحمد, ومن أصحابنا من خصها بالشيخ الكبير والضعيف خاصة، وهو أصح».
            ثم قال المرداوي (2/ 71 ): «...يَقُومُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ مُعْتَمِدًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ, إلَّا أَنْ يَشُقَّ عَلَيْهِ». اهـ بتصرف.
            وانظر لزامًا «فتح الباري» لابن رجب.
            - مذهب الظاهرية:
            قال ابن حزم في «المحلى» (4/ 128 ): «فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ أَنْ يَضَعَ -إذَا سَجَدَ- يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ -وَلَا بُدَّ-...» ثم ذكر حديث أبي هريرة.
            ووافقَ الحنفيةَ والشافعيةَ والحنابلةَ في صفة النزول: سفيانٌ الثوري, وإسحاقُ بن راهَوَيْهِ, وابنُ المنذر, وعامةُ الفقهاء –كما حكاه القاضي أبو الطيب عنهم-.
            ووافق الآخرين فيها عددٌ مِن العلماء.
            قال الترمذي (1/ 356 ) بعد حديث وائل: «وَالعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ؛ يَرَوْنَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ، وَإِذَا نَهَضَ رَفَعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ».
            قال الشيخ محمد بازمول في «الترجيح» (ص214 ): «وما نقله الترمذي –رحمه الله- عن أكثر أهل العلم هو كذلك؛ فقد رأيتَ أن الحنفية والشافعية والحنابلة يقولون بتقديم الركبتين على اليدين, ولكن المالكية ورواية عن أحمد –رحمه الله- بتقديم اليدين على الركبتين, وهؤلاء أسعد بالدليل والترجيح لقولهم, ومعهم ما قاله الأوزاعي: «أدركتُ الناسَ يضعون أيديهم قبل ركبهم».
            وقال ابن أبي داود: «وهو قول [أغلب] أصحاب الحديث»». اهـ.
            قلت: لا بد مِن تقييد عبارة ابن أبي داود؛ لأن عددًا مِن أهل الحديث قالوا بالقول الآخر.
            وأما فيما يخص صفة النهوض؛ فقد وافقَ المالكيةَ والشافعيةَ بعض أهل العلم؛ منهم:


            - إسحاق بن راهَوَيْه:
            انظر «فتح الباري» لابن رجب (7/ 291 ).
            - البخاري:
            حيثُ بوّب في «صحيحه» على حديث مالك بن الحويرث: باب كيف يعتمد على الأرض إذا قام من الركعة.
            قال الحافظ في «الفتح» (2/ 303 ): وَالْغَرَضُ مِنْ [إيراده لحديث مالك بن الحويرث في هذا الباب] ذِكْرُ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْأَرْضِ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنَ السُّجُودِ أَوِ الْجُلُوسِ, وَالْإِشَارَةُ إِلَى رَدِّ مَا رُوِيَ بِخِلَافِ ذَلِكَ...». اهـ.
            - ابن حبان:
            حيث أورد حديث مالك بن الحويرث في «صحيحه» (الإحسان 5/ 262 ) ثم بوّب عليه: «ذِكرُ ما يستحب للمرء الاعتماد على الأرض عند القيام من القعود [في الركعة الأولى والثالثة بعد رفعه رأسَه من السجود قبل أن يقوم قائمًا]».
            وانظر «الترجيح» (ص237 ).
            وقال ابن رجب في «الفتح» (7/ 291 ): «وقد روي عن كثير من السلف أنه يعتمد على يديه في القيام إلى الركعة الثانية؛ منهم: عمر, وعبادة بن نسي, وعمر بن عبد العزيز, ومكحول, والزهري -وقال: هو سنة الصلاة-، وهو قول الأوزاعي وغيره، ورخص فيه قتادة». اهـ.
            ووافق الحنفيةَ والحنابلةَ البعض الآخر –وهم أكثر-. قال الترمذي في «سننه»: «حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَيْهِ العَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ؛ يَخْتَارُونَ أَنْ يَنْهَضَ الرَّجُلُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ».
            علّق المباركفوري في «تحفة الأحوذي» (2/ 146-147 ) قائلًا: «لَوْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَوْ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لَكَانَ أَوْلَى؛ فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ -بَعْدَ رِوَايَةِ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ-: «وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ, وَبِهِ يَقُولُ أَصْحَابُنَا»». اهـ.


            فائدة:
            قال الشوكاني في «نيل الأوطار» في آخر حديثه عن هذا الحديث: «وَقَدْ حَاوَلَ الْمُحَقِّقُ الْمُقْبِلِيُّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِمَا حَاصِلُهُ: أَنَّ مَنْ قَدَّمَ يَدَيْهِ أَوْ قَدَّمَ رُكْبَتَيْهِ وَأَفْرَطَ فِي ذَلِكَ بِمُبَاعَدَةِ سَائِرِ أَطْرَافِهِ؛ وَقَعَ فِي الْهَيْئَةِ الْمُنْكَرَةِ, وَمَنْ قَارَبَ بَيْنَ أَطْرَافِهِ؛ لَمْ يَقَعْ فِيهَا -سَوَاءٌ قَدَّمَ الْيَدَيْنِ أَوْ الرُّكْبَتَيْنِ-.
            وَهُوَ -مَعَ كَوْنِهِ جَمْعًا لَمْ يَسْبِقْهُ إلَيْهِ أَحَدٌ- تَعْطِيلٌ لِمَعَانِي الْأَحَادِيثِ, وَإِخْرَاجٌ لَهَا عَنْ ظَاهِرِهَا, وَمَصِيرٌ إلَى مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ». انتهى.





            التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الرحمن علي المالكي; الساعة 27-Jul-2014, 07:01 PM.

            تعليق


            • #7
              رد: بحثٌ مفصَّلٌ حول صفة الهوي إلى السجود والقيام منه

              الباب الرابع
              أمور تتعلق بالبحث

              الأمر الأول- هل النزول على اليدين عند مَن اختاره والنزول على الركبتين عند مَن اختاره – واجبٌ أم مستحب أم جائز؟
              إليكَ ما وقفتُ عليه مِن الأقوال في ذلك (وقد مَرَّ بعضُها في الباب السابق, ولكن أعيدها هنا ):
              - سئل محمد بن الحسن الشيباني –كما في «المبسوط (المعروف بالأصل )» (1/ 11 )-: هَل يسْتَحبّ للرجل إِذا سجد أَن يضع رُكْبَتَيْهِ على الأَرْض قبل يَدَيْهِ وَإِذا رفع رَأسه فَقَامَ أَن يرفع يَدَيْهِ قبل رُكْبَتَيْهِ؟ فقَالَ: «نعم».
              قلت: وهو هنا لَم يذكُر خلافًا بينه وبين أبي حنيفة وأبي يوسف, فدل على أنهما على هذا القول أيضًا –كما بيّن ذلك في مقدمة الكتاب-.
              - وقال ابن عابدين في حاشيته الشهيرة (1/ 497-498 ): «قَوْلُهُ: «وَاضِعًا رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ» قَدَّمْنَا الْخِلَافَ فِي أَنَّهُ سُنَّةٌ أَوْ فَرْضٌ أَوْ وَاجِبٌ, وَأَنَّ الْأَخِيرَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَمَالِ...». اهـ.
              - وقال ابن الحاجب في «جامع الأمهات» (ص97 ): «وَتَقْدِيم يَدَيْهِ قبل رُكْبَتَيْهِ أحسن, وتأخيرهما عِنْد الْقيام». اهـ.
              - وقال القاضي عبد الوهاب في «التلقين» (1/ 46 ): «فإن شاء وضع يديه قبل ركبتيه أو ركبتيه قبل يديه, إلا أن وضع اليدين ابتداء أحسن». اهـ.
              - وفي «مواهب الجليل في شرح مختصر خليل» (1/ 541 ):
              «ص: (وَتَقْدِيمُ يَدَيْهِ فِي سُجُودِهِ ).
              ش: هَكَذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ, وَنَصُّهُ: «وَتَقْدِيمُ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ أَحْسَنُ»، وَقَبْلَهُ فِي «التَّوْضِيحِ», وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ التَّخْيِيرَ.
              وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: «وَفِي اسْتِحْبَابِ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ وَالْعَكْسِ ثَالِثُ الرِّوَايَاتِ لَا تَحْدِيدَ لِابْنِ شَعْبَانَ وَالْمَبْسُوطِ وَابْنِ حَبِيبٍ» انْتَهَى. فَذَكَرَ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ. وَاَلَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ رِوَايَةُ الْمَبْسُوطِ, وَحَكَى ابْنُ نَاجِي الثَّلَاثَةَ وَقَالَ: «فَالثَّلَاثَةُ لِمَالِكٍ».
              ص: (وَتَأْخِيرُهُمَا عِنْدَ الْقِيَامِ )
              ش: هَذِهِ نَحْوُ عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ, قَالَ: فِي «التَّوْضِيحِ»: حَكَى فِيهِ فِي الْبَيَانِ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ:
              الْأُولَى- إجَازَةُ تَرْكِ الِاعْتِمَادِ وَفِعْلِهِ, وَرَأَى ذَلِكَ سَوَاءً. وَهُوَ مَذْهَبُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ.
              وَمَرَّةً اسْتَحَبَّ الِاعْتِمَادَ وَخَفَّفَ تَرْكَهُ.
              وَمَرَّةً اسْتَحْسَنَهُ وَكَرِهَ تَرْكَهُ.
              قَالَ: وَهُوَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ لِقَوْلِهِ –صلى الله عليه وسلم-: «إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَبْرُكْ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ, وَلَكِنْ يَضَع يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ». فَإِذَا أَمَرَ بِتَقْدِيمِ الْيَدَيْنِ حَتَّى لَا يُشْبِهُ الْبَعِيرَ وَجَبَ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ بِالْأَرْضِ إذَا قَامَ حَتَّى لَا يُشْبِهُ الْبَعِيرَ فِي قِيَامِهِ». اهـ.
              وفي «الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة»: «ذهب المالكية إلى أنه يندب تقديم اليدين على الركبتين عند السجود حال الانحطاط له». وعزا إلى «التلقين» (ص107 ), و«الكافي المالكي» (ص44 ), و«الشرح الصغير» (1/ 119 ).
              - قال الشافعي في «الأم» (1/ 136 ): «وَأُحِبُّ أَنْ... يَكُونَ أَوَّلُ مَا يَضَعُ عَلَى الْأَرْضِ مِنْهُ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ وَجْهَهُ, وَإِنْ وَضَعَ وَجْهَهُ قَبْلَ يَدَيْهِ أَوْ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ كَرِهْتُ ذَلِكَ وَلَا إعَادَةَ وَلَا سُجُودَ سَهْوٍ عَلَيْهِ». اهـ.
              - وقال النووي في «المجموع» (3/ 421 ): «مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَدِّمَ فِي السُّجُودِ الرُّكْبَتَيْنِ ثُمَّ الْيَدَيْنِ ثُمَّ الْجَبْهَةَ وَالْأَنْفَ». اهـ.
              - وقال ابنُ قدامة في «المغني» (1/ 370 ): «قَالَ [الخِرَقيُّ]: «وَيَكُونُ أَوَّل مَا يَقَعُ مِنْهُ عَلَى الْأَرْضِ رُكْبَتَاهُ، ثُمَّ يَدَاهُ، ثُمَّ جَبْهَتُهُ وَأَنْفُهُ».
              [قلتُ:] هَذَا الْمُسْتَحَبُّ فِي مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ..., وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يَضَعُ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ». اهـ.
              - وقال ابن حزم في «المحلى» (4/ 128 ): «فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ أَنْ يَضَعَ -إذَا سَجَدَ- يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ -وَلَا بُدَّ-...». اهـ.
              - وسئل شيخُ الإسلام عَنْ الصَّلَاةِ وَاتِّقَاءِ الْأَرْضِ؛ بِوَضْعِ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ أَوْ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ؟
              فأجاب –كما في «مجموع الفتاوى» (22/ 449 )- قائلًا: «أَمَّا الصَّلَاةُ بِكِلَيْهِمَا فَجَائِزَةٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ, إنْ شَاءَ الْمُصَلِّي يَضَعُ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ, وَإِنْ شَاءَ وَضَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ رُكْبَتَيْهِ, وَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ فِي الْحَالَتَيْنِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ.
              وَلَكِنْ تَنَازَعُوا فِي الْأَفْضَلِ؛
              فَقِيلَ: الْأَوَّلُ -كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ-,
              وَقِيلَ: الثَّانِي -كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَد فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى.
              وَقَدْ رُوِيَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا حَدِيثٌ فِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛
              فَفِي السُّنَنِ عَنْهُ: «أَنَّهُ كَانَ إذَا صَلَّى وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ, وَإِذَا رَفَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ رُكْبَتَيْهِ»,
              وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ أَنَّهُ قَالَ: «إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَبْرُكْ بُرُوكَ الْجَمَلِ, وَلَكِنْ يَضَع يَدَيْهِ ثُمَّ رُكْبَتَيْهِ», وَقَدْ رَوَى ضِدَّ ذَلِكَ.
              وَقِيلَ: إنَّهُ مَنْسُوخٌ.
              وَاَللَّهُ أَعْلَمُ». اهـ.
              - وقال الصنعاني في «سبل السلام» (1/ 280 ): «ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْوُجُوبُ؛ لِقَوْلِهِ: «لَا يَبْرُكَنَّ»، وَهُوَ نَهْيٌ، وَلِلْأَمْرِ بِقَوْلِهِ: «وَلْيَضَعْ». قِيلَ: وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِوُجُوبِه؛ فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ».
              - وقال مرعي الكرمي في «دليل الطالب» (1/ 91-93 ): «وسنن الأفعال: ..., والبداءة في سجوده بوضع ركبتيه، ثم يديه ثم جبهته وأنفه, ...ورفْعُ يديه أولًا في قيامه إلى الركعة, وقيامُه على صدور قدميه، واعتمادُه على ركبتيه بيديه». اهـ.
              - وفي «فتاوى اللجنة الدائمة» (6/ 436-438 ): «ذهب الجمهور إلى أن الأفضل أن يضع المصلي ركبتيه قبل يديه عند النزول للسجود, وأن يرفع يديه عن الأرض قبل ركبتيه عند القيام للركعة التي بعد ذلك, وذهب آخرون إلى استحباب وضع اليدين قبل الركبتين عند الهبوط للسجود... .
              والمسألة اجتهادية, والأمر فيها واسع, ولذا خير بعض الفقهاء المصلي بين الأمرين؛ إما لضعف الأحاديث من الجانبين, وإما لتعارضها وعدم رجحان بعضهما على بعض في نظره، ونتيجة هذا: السعة والتخيير بين الهيئتين». اهـ.
              - وقال الألباني في «أصل صفة الصلاة» (2/ 724-725 ): «ظاهر الأمر في الحديث يفيد الوجوب، ولم أر من صرح بذلك غير ابن حزم؛ فصرح في «المحلى» بفرضية ذلك، وأنه لا يحل تركه.
              وفي ذلك دليل على خطإِ الاتفاق الذي نقله شيخ الإسلام ابن تيمية في «الفتاوى» (1/88 ) على جواز كلا الأمرين من السجود على الركب أو على اليدين. ولعله لم يستحضر هذا النص حين كتابته الفتوى. والله أعلم». اهـ.
              قال أبو عبيدة (ص58 ) معقِّبًا: «وقد لا يقع في هذا القول استدراكٌ على شيخ الإسلام؛ لأن بعض أهل العلم يرى أن خلاف الظاهرية لا يؤثر في نقل الاتفاق, وأيضًا لأنَّ جَمْعًا مِن أهل العلم يرى أنه لا يُعتد بشذوذ الواحد أو الإجماع السابق للخلاف. والعلم عند الله». اهـ بتصرف يسير.
              قلت: نحتاجُ –أوّلًا- إلى معرفة منهج شيخ الإسلام في حكاية الاتفاق؛ هل هو مِمَّن يتبنى أحدَ المذاهبِ التي ذَكَرَها أبو عبيدة أم لا؟ ثم بعد ذلك يُحكَم على استدراك الشيخ الألباني هل هو في محله أم لا. هكذا يكون النظَر العِلميّ إلى الموضوع.
              ومعرفةُ منهجِ شيخ الإسلام في حكاية الاتفاق تُعرَفُ إما مِن نقلٍ عنه أو مِن استقراءٍ تامٍّ أو أغلبيٍّ لكلامِه. وأنا لَم أقف على نقلٍ عنه ولا على كلامِ مَن استقرأ كلامَه فضلًا عن كوني استقرأتُ كلامَه بنفسي؛ ولذا أقِفُ عند هذا الحد.
              - وفي «الموسوعة الفقهية الكويتية» (24/ 205-206 ) و(27/ 96 ): «ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ -وَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ, وَالشَّافِعِيَّةُ, وَالْحَنَابِلَةُ, وَجَمْعٌ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ؛ كَالنَّخَعِيِّ, وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ, وَإِسْحَاقَ, وَمُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ, وَابْنِ الْمُنْذِرِ- إِلَى أَنَّهُ مِنَ الْمُسْتَحَبِّ أَنْ يَضَعَ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَدَيْه ثُمَّ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ، فَإِنْ وَضَعَ يَدَيْهِ قَبْل رُكْبَتَيْهِ أَجْزَأَهُ, إِلاَّ أَنَّهُ تَرَكَ المستحبَّ.
              وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالأَوْزَاعِيُّ إِلَى أَنَّهُ يُقَدِّمُ يَدَيْهِ قَبْل رُكْبَتَيْهِ, وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ.
              وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ السَّاجِدَ لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ أَيَّهُمَا شَاءَ مِنْ غَيْرِ تَفْضِيلٍ بَيْنَهُمَا؛ لِعَدَمِ ظُهُورِ تَرْجِيحِ أَحَدِ الْمَذْهَبَيْنِ عَلَى الآْخَرِ.
              وَعِنْدَ النُّهُوضِ مِنَ السُّجُودِ يُسَنُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنْ يَرْفَعَ جَبْهَتَهُ أَوَّلًا ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ رُكْبَتَيْهِ. قَال الْحَنَابِلَةُ: إِلَّا أَنْ يَشُقَّ عَلَيْهِ الاِعْتِمَادُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ لِكِبَرٍ أَوْ ضَعْفٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ سِمَنٍ وَنَحْوِهِ؛ فَيَعْتَمِدُ بِالأْرضِ.
              وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُسَنُّ أَنْ يَعْتَمِدَ فِي قِيَامِهِ مِنَ السُّجُودِ عَلَى يَدَيْهِ مَبْسُوطَتَيْنِ عَلَى الأرضِ, وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْقَوِيُّ وَالضَّعِيفُ.
              وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى نَدْبِ تَقْدِيمِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الْهُوِيِّ، وَتَأْخِيرِهِمَا عِنْدَ الْقِيَامِ». اهـ.
              الأمر الثاني- أن كِلَا الأمرين –سواء قلنا إن الراجح هو هذا القول أو ذلك- لا يُبطل الصلاة بالاتفاق –كما نقل ذلك شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى» (22/ 449 )-.
              الأمر الثالث- هذه المسألة مما يسوغ الخلافُ فيه –كما سبق-, فلا يجوز أن يُنْكِر أحدُ على مَن خالفَه فيها, ولا يجوز أن يكون الخلاف فيها سببًا لاختلاف القلوب؛ لأن اختلاف القلوب يحصل به مفاسدُ عظيمةٌ كبيرةٌ؛ كما قال الله –سبحانه وتعالى-: وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ.
              قال الشيخ سليمان الرحيلي في شرح رسالة: «آداب المشي إلى الصلاة»: «هذه المسألةُ من المسائل الواسعة التي تحتملها السنة، فليس فيها إلا التعلّم والتعليم، ليس فيها إنكار؛ مَن رأيناه يَنزِلُ على ركبتَيه لا نُنْكِر عليه، ومن رأيناه ينزل على يديه لا ينبغي أن يُنكَر عليه، وإنما يكون بيني وبينك نقاشٌ وتعليم؛ للإرشاد إلى الأفضل، أنت ترى أنّ النزول على الركبتَين وأنا أرى أنّ النزول على اليدين، وكله في السنّة، ليس بواجب، في هذه الحال تعلِّمني وأعلمك, فإن اتفقنا على الفهم فذلك فضل الله، وإن لم نتّفق على الفهم فإنه لا اختلاف بيننا ولا مجافاة ولا هجر.
              وهذه مسألةٌ من الأهمية بمكان؛ فإن بعض الناس ينظر إلى إخوانه -حتى يتخذهم إخوانًا- بموافقته فيما يرى من السنن؛ فإن كان يرى أنّ السنةَ بعد الرفع من الركوع القبضُ؛ ينظر في إخوانه وهم يصلون؛ فمن رآه يقبض فهذا هو الأخ والذي يحبه، ومن رآه لا يقبض نفر قلبُه منه، أو العكس، أو ينظر إلى ساعته؛ فإن رآها في اليسار فهو ليس من الصفوة، وإن رآها في اليمين فهو من الصفوة.
              مثل هذه الأمور يكون فيها إرشاد فيها إلى الأفضل, لكن لا يكون فيها -بحالٍ- مهاجرةٌ, ولا يكون فيها مباعدةُ قلوب، ولا يجوز شرعًا أن تكون سببًا في بُعد قلب المسلم عن أخيه المسلم». اهـ.
              وقال الشيخ ابن عثيمين في «كتاب العلم»:
              «مِن آداب طالب العلم: رحابة الصدر في مسائل الخلاف؛ أن يكون صدره رحبًا في مواطن الخلاف الذي مصدره الاجتهاد, لأنّ مسائل الخلاف بين العلماء نوعان:
              النوع الأول- مسائل لا مجال للاجتهاد فيها, والأمر فيها واضح. فهذه لا يُعذر أحد بمخالفتها, ويُنكَر عليه. لكن لا يُجعل ذلك وسيلة للتشاتم والتباغض، لا سيما مع العلم بحسن نية المخالف، بل تُعالج الأمور بحكمة حتى يحصل الوفاق.
              والنوع الثاني- مسائل للاجتهاد فيها مجال, يكون فيها الدليل غير واضح؛ إما لخفاء ثبوت الدليل أو الدلالة, أو لوجود شبهة مانعة، أو لغير ذلك. فهذه يُعذر فيها َمن خالفها, ولا يُنكَر عليه، ولا يكون قولك حجة على من خالفك فيها, لأننا لو قلنا ذلك لقلنا بالعكس (قوله حجة عليك ). ولا يجوز أن يتُخذ من هذا الخلاف مَطْعَنٌ في الآخرين أو يتُخذ منها سببٌ للعداوة والبغضاء. ولا مانع -عند وجود مثل هذا النوع من الخلاف- من المناقشة الهادئة التي يُراد بها التوصل إلى الحق؛ فإن هذا هو طريق الصحابة، وأما أن نتخذ من الخلاف السائغ مثارًا للكراهية والبغضاء والتحزب؛ فإن ذلك خلاف طريق السلف الصالح.
              ولينظر الإنسان وليتفكر في هذه الشريعة الإسلامية؛ فإنها جاءت بما يوجب الألفة والمحبة، ونهت عن كل ما يوجب التفرق والبغضاء, فكثير من العبادات يشرع فيها الاجتماع –كالصلوات-، وكثير من الأشياء نهى الله عنها لأنها توجب العداوة والبغضاء -كالبيع على بيع المسلم، والخطبة على خطبته-.
              فنصيحتي لإخواني أن يتقوا الله –تعالى- في أنفسهم وفي أمتهم، وأن لا يتنازعوا فيفشلوا وتذهب ريحهم.
              فيجب أن لا نأخذ من هذا الخلاف بين العلماء سببًا للشقاق والنزاع؛ لأننا كلنا نريد الحق, وكلنا فَعَلَ ما أدّاه اجتهادُه إليه، فما دام هكذا فإنه لا يجوز أن نتخذ من ذلك سببًا للعداوة والتفرق بين أهل العلم؛ لأن العلماء لم يزالوا يختلفون -حتى في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم--.
              إذن؛ فالواجب على طلبة العلم أن يكونوا يدًا واحدة، ولا يجعلوا مثل هذا الخلاف سببًا للتباعد والتباغض، بل الواجب إذا خالفتَ صاحبك بمقتضى الدليل عندك وخالفك هو بمقتضى الدليل عنده - أن تجعلوا أنفسكم على طريق واحد، وأن تزداد المحبة بينكما.
              ولهذا؛ فنحن نحب ونهنئ شبابنا الذين عندهم الآن اتجاه قوي إلى أن يقرنوا المسائل بالدلائل, وأن يبنوا علمهم على كتاب الله وسنة رسوله، نرى أن هذا من الخير, وأنه يبشر بفتح أبواب العلم من مناهجه الصحيحة، ولا نريد منهم أن يجعلوا ذلك سببا للتحزب والبغضاء، وقد قال الله لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ, فالذين يجعلون أنفسهم أحزابًا يتحزبون إليها؛ لا نوافقهم على ذلك؛ لأن حزب الله واحد، ونرى أن اختلاف الفهم لا يوجب أن يتباغض الناس وأن يقع المرء في عرض أخيه.
              فيجب على طلبة العلم أن يكونوا إخوة -حتى وإن اختلفوا في بعض المسائل الفرعية-، وعلى كل واحد أن يدعو الآخر بالهدوء والمناقشة التي يُراد بها وجهُ الله والوصولُ إلى العلم، وبهذا تحصل الألفة، ويزول هذا العنت والشدة التي تكون في بعض الناس، حتى قد يصل بهم الأمر إلى النزاع والخصام، وهذا لا شك يفرح أعداء المسلمين, والنزاعُ بين الأمة من أشد ما يكون في الضرر, قال الله –تعالى-: ]وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [.
              وقد كان الصحابة -رضي الله عنهم– يختلفون في مثل هذه المسائل في عهد النبي –صلى الله عليه وسلم- وبعده، ولم يحصل بينهم اختلاف في القلوب أو تفرق, بل كانوا قلب واحد، على محبة وائتلاف، فليكن لنا فيهم أسوة؛ فإن آخرَ هذه الأمة لن يَصلُح إلا بما صلح به أولُها.
              بل إني أقول –بصراحة-: إن الرجل إذا خالفك بمقتضى الدليل عنده فإنه موافق لك في الحقيقة؛ لأن كلًّا منكما طالب للحقيقة, وبالتالي فالهدف واحد؛ وهو الوصول إلى الحق عن دليل، فهو إذن لم يخالفك ما دمت تقرّ أنه إنما خالفك بمقتضى الدليل عنده، فأين الخلاف؟! وبهذه الطريقة تبقى الأمة واحدة وإن اختلفت في بعض المسائل لقيام الدليل عندها، أما مَنْ عاند وكابر بعد ظهور الحق فلا شك أنه يجب أن يعامل بما يستحقه بعد العناد والمخالفة، ولكل مقام مقال». اهـ. بتصرف. وهو مجموع من أكثر من موضع من الكتاب المذكور.
              وياليت قومي يعلمون!
              اللهم اهدنا فيمن هديت..


              وبهذا أصِلُ إلى نهاية هذا البحث. فإن أصبتُ فمن الله وحده, وبتوفيقه, وإن أخطأت فمني ومن الشيطان وأستغفر الله من ذلك.
              أسأل الله الكريم أن يتقبل هذا العمل, وأن ينفع به, وأن يجزي عنا أئِمتَنَا وعلماءَنا ومشايخَنا خير الجزاء, وأن يجعل ما قدّموه للأمة في موازين حسناتهم, وأن يرفع درجاتهم, وأن يرحم أمواتَهم, ويحفظ أحياءَهم, وأن يجمعنا بهم في جنات النعيم؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
              وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
              والحمد لله رب العالمين.


              كتبه
              أبو عبد الرحمن
              علي بن أمير المالكي
              28/ 9/ 1435هـ
              التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الرحمن علي المالكي; الساعة 27-Jul-2014, 07:09 PM.

              تعليق


              • #8
                رد: بحثٌ مفصَّلٌ حول صفة الهوي إلى السجود والقيام منه

                جزاكم الله خيرًا على الإفادة بهذا البحث القيِّم..
                ويظهر مِن البحث في هذه المسألة أنَّ عُمدة أدلَّة الفُقهاء مِن النُّصوص الشَّرعيَّة في الكلام عن مسألة الهوي إلى السُّجود هما حديثا وائل بن حُجر وأبي هريرة رضي الله عنهما.
                ويظهر أيضًا اختِلاف أهل العلم في درجة الحديثيْن مِن جهة الأثر، وفي دلالتهما مِن جهة النَّظر. فالجُمهور ذهب إلى أنَّ المُصلِّي يبدأ برُكبتيْه في السُّجود، وذهب بعض أهل العلم إلى أنَّ الصَّحيح هو تقديم اليديْن على الرُّكبتيْن عند الهوي إلى السُّجود.

                وإنَّ الدِّلالة الصَّريحة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه هي في النَّهي عن مُشابهة البعير عند الهوي للسُّجود، ومِن جهة الأثار والنُّصوص قد جاءت أدلَّة أُخرى فيها النَّهي عن التَّشبُّه ببعض الحيوانات فيما هو مِن خصائصها كافتِراش الذِّراعيْن في السُّجود كافتِراش الكلب.

                هذا وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله أنَّ العمل بكِلتا الصِّفتيْن جائز(أي: تقديم اليديْن أو الرُّكبتيْن)، قال رحمه الله: "إنَّ الصَّلاة بكليهما جائز باتِّفاق العُلماء، ولكن تنازعوا في الأفضل"[449/22]مجموع الفتاوى

                وهُنا أُحبُّ أنْ أنقل كلمة قيِّمة حفظتها مِن مُحاضرة للشَّيخ الفاضل عبدالخالق ماضي حفظه الله وهي: لا يُتصوَّر أنْ يتَّفق السَّلفيُّون على رأي واحد في كُلِّ المسائل، ولا يُمكن أنْ يُوجد في الواقع، لكن أنْ يجتمعوا؛ فهذا هو الّذي جاء التَّنصيص عليه في النُّصوص الشَّرعيَّة.

                واستِنادًا على ما ترجّح في البحث مِن تقديم اليديْن عن الرُّكبتيْن عند الهوي إلى السُّجود؛ أنقل كلاما في المسألة للشَّيخ الفقيه سليمان الرّحيلي حفظه الله مِن شرحه لكتاب آداب المشي إلى الصَّلاة للإمام محمّد بن عبدالوهَّاب رحمه الله.
                قال حفظه اللهُ: "[ ثُمَّ يُكبِّر ويخرُّ ساجدًا ولا يرفع يديْه، ويضع رُكبتيْه ثُمَّ يديْه ثُمَّ وجهه ]
                قال: "ويضع ركبتيه ثم يديه ثم وجهه" يعني ينزل إلى السجود بركبتَيه ثم يضع يديه ثم يضع وجهه، وهذه الصفة قال بها جمهور أهل العلم، جمهور العلماء على أنّ الساجد يَنزل على ركبتيه ثم يضع يديه ثم يضع وجهه، وهذه الصفة أخذوها من حديث وائل –رضي الله عنه- قال: ((رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه)) وهذا الحديث رواه الأربعة؛ رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي وغيرهم، وصححه ابن القيم في الزاد، وقال الشيخ ابن باز في فتاواه إنه ثابت، وضعّفه جمع من أهل العلم منهم الشيخ الألباني، رحم الله الجميع، فجمهور أهل العلم يرَون هذه الصفة.

                ومن أهل العلم من يقول: إنه يبدأ بيديه، ثم يضع ركبتَيه ثم يضع وجهه، وهذا هو الأقرب عندي –والله أعلم-؛
                أنّ المصلي يبدأ بيديه عند سجوده فتسبق يداه ركبتَيه؛ وذلك لحديث: ((إذا سجد أحدكم فلا يَبرُك كما يَبرُك البعير ، وليضع يديه قبل ركبتَيه)) هذا الحديث الذي رواه أبو داود والنسائي وغيرهما وقال النووي: إسناده جيد وصححه الألباني، وجاء ((أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع يديه قبل ركبتيه)) رواه النسائي والدار قطني وصححه الدار قطني.

                النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتَيه)) قال بعض أهل العلم –ومنهم الإمام ابن القيم- : "إنّ الراوي قد وَهِم؛ لأنّ آخر الحديث ليس متَّفِقًا مع أوّله ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير)) قالوا: مقتضى هذه الجملة أن تكون الجملة الثانية: "وليضع ركبتَيه قبل يديه"؛ لأنّ البعير إذا بَرَكَ يضع يديه قبل ركبتَيه، فتكون الجملة الثانية على ظاهرها رافعة للجملة الأولى ((فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتَيه))، طيب البعير يضع يديه قبل ركبتَيه! إذن تكون الجملة الثانية رافعة للأولى، كذا قال ابن القيم، ولذا قال إنّ الراوي وهم، والصواب أنه لا وهم في الحديث، وهو الأصل في رواية الحديث، ولفظ الحديث متَّفِق أوّله مع آخره.

                ومعنى ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير)) يعني لا ينزل على يديه أولًا ثم ينزل بآخر جسده فإنّ هذا هو فعل البعير، فإنّ البعير إذا بَرَك ينزل أولًا بيديه إلى نصفه ثم ينزل بجسمه كله إلى خلفه ثم يُكمِل أمامه، يعني يبدأ أولًا بالأمام فيسقط على يدَيه ثم ينزل بآخر جسمه ثم يعود فيُكمِل نزوله بالأمام، هذه الصفة التي نُهِيَ عنها المصلي؛ أن يخرّ على يديه أولًا ثم ينزل بجسمه ثم يُكمِل، إذن ماذا يصنع حتى يتحقق له امتثال النهي وترك المنهي عنه؟
                ينزل بجسمه أولّا، ثم يضع يدَيه قبل ركبتيه، فإذا نزل بجسمه أولًا خالَف بروك البعير، لأنّ البعير يبرك مباشرة على يديه.
                ولسنا نقول مثل ما يقوله بعض طلاب العلم ينزل حتى يجلس جلسة المتحفِّز ثم يضع يديه، لا، نقول: ينزل بجسمه ثم يضع يديه، ما ينزل حتى يجلس، وهذا هو الأصل في قول بعض أهل العلم أنه ينزل على يديه، لم يقل أحد من أهل العلم أنه يخرّ على يدَيه من قيامه، بل ينزل بجسمه ثم يضع يديه قبل ركبتيه، وإذا فعل هذا امتثل الحديث بجملتَيه، فترك البروك كما يبرك البعير؛ لأنه لم ينزل على يديه أولًا ووضع يديه قبل ركبتَيه، وهذا الذي يظهر لي –والله أعلم- أنه الصواب، وأنه الأَوفق للسنة؛ أن ينزل بجسمه ثم يضع يديه قبل ركبتَيه.
                وهذا أرفق من وضع الركبتين قبل اليدين، خلافًا لما يقوله الجمهور، الجمهور يقولون: الأَرفق بالمصلي أنّ يضع ركبتَيه يديه قبل، نقول: لا، الأرفق أن يضع يديه قبل ركبتَيه؛ بدليل أنّ الرجل إذا ضعف وعجز الأسهل عليه أن يضع يديه، حتى الجمهور قالوا: إذا كان في حال عجز أو ضعف يضع يديه قبل ركبتيه، إذن الأرفق أن يضع يديه قبل ركبتَيه.

                فنحن نقول من جهة الأثر ومن جهة النظر: الذي يظهر –والله أعلم- أنّ الأوفق للسنة والأرفق بالمصلي أن يضع يديه قبل ركبتَيه؛ لكن لا يخرّ عليهما من علوّ وإنما ينزل بجسمه ثم يضع يديه قبل ركبتّيه، هذا الذي يظهر لي والله أعلم انه أوفق للسنة.

                وإن كانت هذه المسألة –كما أقول دائمًا- من المسائل الواسعة التي تحتملها السنة، فليس فيها إلا التعلّم والتعليم، ليس فيها إنكار.
                من رأيناه ينزل على ركبتَيه لا ننكر عليه، ومن رُؤي ينزل على يديه لا ينبغي أن يُنكَر عليه، وإنما يكون بيني وبينك نقاش وتعليم؛ للإرشاد إلى الأفضل، أنت ترى أنّ النزول على الركبتَين وأنا أرى أنّ النزول على اليدين، وكله في السنة، ليس بواجب، في هذه الحال تعلِّمني وأعلمك؛ فإن اتفقنا على الفهم فذلك فضل الله، وإن لم نتّفق على الفهم فإنه لا اختلاف بيننا ولا مجافاة ولا هجر.

                وهذه مسألة من الأهمية بمكان، فإن بعض الناس ينظر إلى إخوانه حتى يتخذهم إخوانًا بموافقته فيما يرى من السنن، فإن كان يرى أنّ السنة بعد الرفع من الركوع القبض؛ ينظر في إخوانه وهم يصلون، من رآه يقبض هذا الأخ والذي يحبه، وإن رآه لا يقبض نفر قلبه منه، أو العكس، أو ينظر إلى ساعته فإن رآها في اليسار فهو ليس من الصفوة، وإن رآها في اليمين، مثل هذه الأمور يكون فيها إرشاد فيها إلى الأفضل لكن لا يكون فيها بحال مهاجرة ولا يكون فيها مباعدة قلوب، ولا يجوز شرعًا أن تكون سببًا في بُعد قلب المسلم عن أخيه المسلم.
                إذن هذا الذي أراه في هذه الصفة، والله أعلم."
                التعديل الأخير تم بواسطة أبو عاصم محمد الفاضل الجزائري; الساعة 16-Jul-2014, 01:35 AM.

                تعليق


                • #9
                  رد: بحثٌ مفصَّلٌ حول صفة الهوي إلى السجود والقيام منه

                  المشاركة الأصلية بواسطة أبو عاصم محمد الفاضل بن الصادق مشاهدة المشاركة
                  جزاكم الله خيرًا على الإفادة بهذا البحث القيِّم..
                  وإياكم -أخي الكريم-!
                  أحسن الله إليك!

                  ويظهر مِن البحث في هذه المسألة أنَّ عُمدة أدلَّة الفُقهاء مِن النُّصوص الشَّرعيَّة في الكلام عن مسألة الهوي إلى السُّجود هما حديثا وائل بن حُجر وأبي هريرة رضي الله عنهما.
                  أولًا- ليس الفقهاء فقط هم مَن تكلم في هذه المسألة؛ بل المحدثون أيضا. وأغلبُ الفقهاء يرجحون تقديم الركبتين, وأغلب المحدثين يرجحون تقديم اليدين.
                  وثانيًا- ليس الاعتماد على هذين الحديثين فقط؛ هناك أحاديثُ أُخرى استُدِلَّ بها في هذا الباب؛ كحديث ابن عمر, وحديث أبي حُمَيد الساعدي, وحديث البراء بن عازب.
                  وهناك من لَم يعتمد في تفسير صفةِ بروكِ البعيرِ على أي حديثٍ مرفوعٍ؛ لأنه يرى أن حديثَ أبي هريرة وحديثَ وائلٍ ضعيفان كِلَاهما, وأن الذي ثبت مرفوعًا هو النهي عن بروك كبروك البعير, ثم اعتمد على فَهْمِه لِبروكِ البعير في ترجيح أحد المذهبين على الآخر.

                  ويظهر أيضًا اختِلاف أهل العلم في درجة الحديثيْن مِن جهة الأثر، وفي دلالتهما مِن جهة النَّظر. فالجُمهور ذهب إلى أنَّ المُصلِّي يبدأ برُكبتيْه في السُّجود، وذهب بعض أهل العلم إلى أنَّ الصَّحيح هو تقديم اليديْن على الرُّكبتيْن عند الهوي إلى السُّجود.
                  قد اختلفوا حتى في كيفية بروك البعير, وهذا ملاحَظ من كلامهم.
                  وإنَّ الدِّلالة الصَّريحة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه هي في النَّهي عن مُشابهة البعير عند الهوي للسُّجود، ومِن جهة الأثار والنُّصوص قد جاءت أدلَّة أُخرى فيها النَّهي عن التَّشبُّه ببعض الحيوانات فيما هو مِن خصائصها كافتِراش الذِّراعيْن في السُّجود كافتِراش الكلب.
                  هذا وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله أنَّ العمل بكِلتا الصِّفتيْن جائز(أي: تقديم اليديْن أو الرُّكبتيْن)، قال رحمه الله: "إنَّ الصَّلاة بكليهما جائز باتِّفاق العُلماء، ولكن تنازعوا في الأفضل"[449/22]مجموع الفتاوى
                  مَن تَرَجَّحَ عندَه أن مخالفةَ البعيرِ تكون بتقديم اليدين على الركبتين أو تكون بتقديم الركبتين على اليدين - فهذا إن لَم يجب عليه فِعْلُ ذلك فهو على الأقل يُستَحَبُّ؛ كما سبق في النقول في خاتمة البحث. وهذا هو مقتضى النهي الوارد في الأحاديث الناهية عن بروكٍ كبروكِ البعير؛ فإن هذا النهي إن قلنا إنه للتحريم فإن المخالفة تكون واجبة, وإن قلنا إنه للكراهة التنزيهية فإن المخالفة تكون مستحبة. وأما إن قلنا بأن العمل بكلا الصفتين جائز؛ فما معنى النهي الوارد في الحديث حينئذٍ؟

                  وهُنا أُحبُّ أنْ أنقل كلمة قيِّمة حفظتها مِن مُحاضرة للشَّيخ الفاضل عبدالخالق ماضي حفظه الله وهي: لا يُتصوَّر أنْ يتَّفق السَّلفيُّون على رأي واحد في كُلِّ المسائل
                  صحيح, إذا كان الصحابة -وهم خير قرون الأمة على الإطلاق- لم يحصل لهم هذا, فكيف سيحصل لنا؟ لو كان بالإمكان حصوله لَكَان الصحابةُ أولَى الناسِ بذلك.
                  ولا يُمكن أنْ يُوجد في الواقع، لكن أنْ يجتمعوا؛ فهذا هو الّذي جاء التَّنصيص عليه في النُّصوص الشَّرعيَّة.

                  واستِنادًا على ما ترجّح في البحث مِن تقديم اليديْن عن الرُّكبتيْن عند الهوي إلى السُّجود؛ أنقل كلاما في المسألة للشَّيخ الفقيه سليمان الرّحيلي حفظه الله مِن شرحه لكتاب آداب المشي إلى الصَّلاة للإمام محمّد بن عبدالوهَّاب رحمه الله.
                  قال حفظه اللهُ: "[ ثُمَّ يُكبِّر ويخرُّ ساجدًا ولا يرفع يديْه، ويضع رُكبتيْه ثُمَّ يديْه ثُمَّ وجهه ]
                  قال: "ويضع ركبتيه ثم يديه ثم وجهه" يعني ينزل إلى السجود بركبتَيه ثم يضع يديه ثم يضع وجهه، وهذه الصفة قال بها جمهور أهل العلم، جمهور العلماء على أنّ الساجد يَنزل على ركبتيه ثم يضع يديه ثم يضع وجهه، وهذه الصفة أخذوها من حديث وائل –رضي الله عنه- قال: ((رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه)) وهذا الحديث رواه الأربعة؛ رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي وغيرهم، وصححه ابن القيم في الزاد، وقال الشيخ ابن باز في فتاواه إنه ثابت، وضعّفه جمع من أهل العلم منهم الشيخ الألباني، رحم الله الجميع، فجمهور أهل العلم يرَون هذه الصفة.

                  ومن أهل العلم من يقول: إنه يبدأ بيديه، ثم يضع ركبتَيه ثم يضع وجهه، وهذا هو الأقرب عندي –والله أعلم-؛
                  أنّ المصلي يبدأ بيديه عند سجوده فتسبق يداه ركبتَيه؛ وذلك لحديث: ((إذا سجد أحدكم فلا يَبرُك كما يَبرُك البعير ، وليضع يديه قبل ركبتَيه)) هذا الحديث الذي رواه أبو داود والنسائي وغيرهما وقال النووي: إسناده جيد وصححه الألباني، وجاء ((أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع يديه قبل ركبتيه)) رواه النسائي والدار قطني وصححه الدار قطني.

                  النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتَيه)) قال بعض أهل العلم –ومنهم الإمام ابن القيم- : "إنّ الراوي قد وَهِم؛ لأنّ آخر الحديث ليس متَّفِقًا مع أوّله ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير)) قالوا: مقتضى هذه الجملة أن تكون الجملة الثانية: "وليضع ركبتَيه قبل يديه"؛ لأنّ البعير إذا بَرَكَ يضع يديه قبل ركبتَيه، فتكون الجملة الثانية على ظاهرها رافعة للجملة الأولى ((فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتَيه))، طيب البعير يضع يديه قبل ركبتَيه! إذن تكون الجملة الثانية رافعة للأولى، كذا قال ابن القيم، ولذا قال إنّ الراوي وهم، والصواب أنه لا وهم في الحديث، وهو الأصل في رواية الحديث، ولفظ الحديث متَّفِق أوّله مع آخره.

                  ومعنى ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير)) يعني لا ينزل على يديه أولًا ثم ينزل بآخر جسده فإنّ هذا هو فعل البعير، فإنّ البعير إذا بَرَك ينزل أولًا بيديه إلى نصفه ثم ينزل بجسمه كله إلى خلفه ثم يُكمِل أمامه، يعني يبدأ أولًا بالأمام فيسقط على يدَيه ثم ينزل بآخر جسمه ثم يعود فيُكمِل نزوله بالأمام، هذه الصفة التي نُهِيَ عنها المصلي؛ أن يخرّ على يديه أولًا ثم ينزل بجسمه ثم يُكمِل، إذن ماذا يصنع حتى يتحقق له امتثال النهي وترك المنهي عنه؟
                  ينزل بجسمه أولّا، ثم يضع يدَيه قبل ركبتيه، فإذا نزل بجسمه أولًا خالَف بروك البعير، لأنّ البعير يبرك مباشرة على يديه.
                  ولسنا نقول مثل ما يقوله بعض طلاب العلم ينزل حتى يجلس جلسة المتحفِّز ثم يضع يديه، لا، نقول: ينزل بجسمه ثم يضع يديه، ما ينزل حتى يجلس، وهذا هو الأصل في قول بعض أهل العلم أنه ينزل على يديه، لم يقل أحد من أهل العلم أنه يخرّ على يدَيه من قيامه، بل ينزل بجسمه ثم يضع يديه قبل ركبتيه، وإذا فعل هذا امتثل الحديث بجملتَيه، فترك البروك كما يبرك البعير؛ لأنه لم ينزل على يديه أولًا ووضع يديه قبل ركبتَيه، وهذا الذي يظهر لي –والله أعلم- أنه الصواب، وأنه الأَوفق للسنة؛ أن ينزل بجسمه ثم يضع يديه قبل ركبتَيه.
                  وهذا أرفق من وضع الركبتين قبل اليدين، خلافًا لما يقوله الجمهور، الجمهور يقولون: الأَرفق بالمصلي أنّ يضع ركبتَيه يديه قبل، نقول: لا، الأرفق أن يضع يديه قبل ركبتَيه؛ بدليل أنّ الرجل إذا ضعف وعجز الأسهل عليه أن يضع يديه، حتى الجمهور قالوا: إذا كان في حال عجز أو ضعف يضع يديه قبل ركبتيه، إذن الأرفق أن يضع يديه قبل ركبتَيه.

                  فنحن نقول من جهة الأثر ومن جهة النظر: الذي يظهر –والله أعلم- أنّ الأوفق للسنة والأرفق بالمصلي أن يضع يديه قبل ركبتَيه؛ لكن لا يخرّ عليهما من علوّ وإنما ينزل بجسمه ثم يضع يديه قبل ركبتّيه، هذا الذي يظهر لي والله أعلم انه أوفق للسنة.

                  وإن كانت هذه المسألة –كما أقول دائمًا- من المسائل الواسعة التي تحتملها السنة، فليس فيها إلا التعلّم والتعليم، ليس فيها إنكار.
                  من رأيناه ينزل على ركبتَيه لا ننكر عليه، ومن رُؤي ينزل على يديه لا ينبغي أن يُنكَر عليه، وإنما يكون بيني وبينك نقاش وتعليم؛ للإرشاد إلى الأفضل، أنت ترى أنّ النزول على الركبتَين وأنا أرى أنّ النزول على اليدين، وكله في السنة، ليس بواجب، في هذه الحال تعلِّمني وأعلمك؛ فإن اتفقنا على الفهم فذلك فضل الله، وإن لم نتّفق على الفهم فإنه لا اختلاف بيننا ولا مجافاة ولا هجر.

                  وهذه مسألة من الأهمية بمكان، فإن بعض الناس ينظر إلى إخوانه حتى يتخذهم إخوانًا بموافقته فيما يرى من السنن، فإن كان يرى أنّ السنة بعد الرفع من الركوع القبض؛ ينظر في إخوانه وهم يصلون، من رآه يقبض هذا الأخ والذي يحبه، وإن رآه لا يقبض نفر قلبه منه، أو العكس، أو ينظر إلى ساعته فإن رآها في اليسار فهو ليس من الصفوة، وإن رآها في اليمين، مثل هذه الأمور يكون فيها إرشاد فيها إلى الأفضل لكن لا يكون فيها بحال مهاجرة ولا يكون فيها مباعدة قلوب، ولا يجوز شرعًا أن تكون سببًا في بُعد قلب المسلم عن أخيه المسلم.
                  إذن هذا الذي أراه في هذه الصفة، والله أعلم."
                  جزاك الله خيرًا على هذا النقل الطيب.
                  وقد استفدتُ منه أشياءَ جديدةً أضفتُها إلى البحث, وهي ما لوّنتُه باللون البرتقالي.

                  تعليق


                  • #10
                    رد: بحثٌ مفصَّلٌ حول صفة الهوي إلى السجود والقيام منه

                    يظهر أنِّي قصَّرتُ في توضيح ما فهمتُهُ مَِن النَّهي باستِعمال الألوان فقط؛ إليك أخي أبا عبدالرَّحمن ما فهمتُ:
                    ذكرتُ:
                    وإنَّ الدِّلالة الصَّريحة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه هي في النَّهي عن مُشابهة البعير عند الهوي للسُّجود، ومِن جهة الأثار والنُّصوص قد جاءت أدلَّة أُخرى فيها النَّهي عن التَّشبُّه ببعض الحيوانات فيما هو مِن خصائصها كافتِراش الذِّراعيْن في السُّجود كافتِراش الكلب.
                    هذا وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله أنَّ العمل بكِلتا الصِّفتيْن جائز(أي: تقديم اليديْن أو الرُّكبتيْن)، قال رحمه الله: "إنَّ الصَّلاة بكليهما جائز باتِّفاق العُلماء، ولكن تنازعوا في الأفضل"[449/22]مجموع الفتاوى

                    ومِن كلام الشّيخ سليمان الرّحيلي حفظه الله:
                    يعني يبدأ أولًا بالأمام فيسقط على يدَيه ثم ينزل بآخر جسمه ثم يعود فيُكمِل نزوله بالأمام، هذه الصفة التي نُهِيَ عنها المصلي؛ أن يخرّ على يديه أولًا ثم ينزل بجسمه ثم يُكمِل، إذن ماذا يصنع حتى يتحقق له امتثال النهي وترك المنهي عنه؟
                    ينزل بجسمه أولّا، ثم يضع يدَيه قبل ركبتيه، فإذا نزل بجسمه أولًا خالَف بروك البعير، لأنّ البعير يبرك مباشرة على يديه.


                    المهمّ ميَّزتُ باللّون البُني النَّهيَ عن الهوي إلى السُّجود بالصَّفة الّتي وضَّحها الشَّيخ سليمان الرّحيلي حفظه الله في الشَّرح؛ وهذا معنى جميل لهذا نقلته هُنا، وقدَّمتُ له بلفتِ النّظر إلى ورود أدلة أُخرى فيها النَّهي عن التَّشبّه ببعض الحيوانات.
                    ثُمّ جئتُ بكلام شيخ الإسلام في الجواز بالعمل بأيِّ صفة، ووضَّحتُُ هذه الصِّفة بين قوسيْن (أي: تقديم اليديْن أو الرُّكبتيْن)، وقال الشَّيخ رحمه الله إنّما وقع التَّنازع في الأفضليَّة.

                    التعديل الأخير تم بواسطة أبو عاصم محمد الفاضل الجزائري; الساعة 17-Jul-2014, 03:19 AM.

                    تعليق


                    • #11
                      رد: بحثٌ مفصَّلٌ حول صفة الهوي إلى السجود والقيام منه

                      وفقك الله أخي الحبيب!أنا على نية قراءة البحث والمشاركة فيه إن شاء الله تعالى ، لا سيما مسألة القيام من السجود فهي لم تأخذ حقها من البحث كمسألة النزول وإن كانت هناك بحوث جيدة في الباب لكن لم تأخذ حقها بين شباب السنة بالبحث والتنقيب فيما أرى ...ومن باب التذكير أظنك قد رجعت إلى رسالة "فتح الودود في كيفية الهوي إلى السجود " بتقديم الشيخ مقبل رحمه الله فهي مفيدة في الباب، وهكذا تعليقة مختصرة للشيخ حسن بن نور في كتابه "إمعان النظر في تقريب المسائل الفقهية وتحقيق الخبر" [قسم الصلاة] وهو المطبوع ، وسيخرج قسم الطهارة والزكاة قريبا إن شاء الله تعالى ...والله أعلم

                      تعليق


                      • #12
                        رد: بحثٌ مفصَّلٌ حول صفة الهوي إلى السجود والقيام منه

                        السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                        حياكم الله جميعا
                        الذي أعتقده وأدين الله عز وجل به أن أحاديث الهوي كلها ضعيفة وكوني مشتغل ببحث التفسير لا أستطيع البسط الآن ولعله يكون لوقت لاحق إن شاء الله .
                        فقط أحببت أن أسرد عليكم حديثين في بادئ الأمر يمكن تقولون أنه ليس له علاقة بالهوي للسجود أيهوي على يديه أو على ركبيته فأوقول وبالله أستعين :
                        روى البخاري في صحيحه في عدة مواضع
                        منها ما رواه في كتاب الأذان باب متى يسجد من خلف الإمام قال : حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِى أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ قَالَ حَدَّثَنِى الْبَرَاءُ وَهْوَ غَيْرُ كَذُوبٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَقَعَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم سَاجِدًا ثُمَّ نَقَعُ سُجُودًا بَعْدَهُ .
                        وفي رواية أخرى في كتاب الأذان باب السجدود على على سبعة أعظم قال بسنده : حَتَّى يَضَعَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم جَبْهَتَهُ عَلَى الأَرْضِ .
                        ففي التحقيق في قول الصحابة
                        لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ هل يتحقق ذلك إذا هويت على يديك أو على ركبيتيك .
                        وإنجناء الظهر ظاهر إن شاء الله للجميع .

                        وأيضا سنة أخرى وهي الهوي إلى الأرض مجافيا يديه عن جنبه ثم يسجد وقد روى الحديث ابن خزيمة في صحيحه في كتاب الصلاة باب التجافي عند الإهواء إلى السجود قال : حَدثنا بُنْدَارٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحيَى، وَأَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، وَهَذَا لَفْظُ بُنْدَارٍ، قَالَ: حَدثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: حَدثنا عَبدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو بْنِ عَطَاءٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حُمَيْدٍ السَّاعِدِيَّ فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليه وسَلم، فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ، قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: أَنَا أَعْلَمُكُمُ بِصَلاَةِ رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ، فَذَكَرَ بَعْضَ الْحَدِيثِ، وَقَالَ: ثُمَّ يَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ يَهْوِي إِلَى الأَرْضِ، وَيُجَافِي يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ.
                        وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحيَى: يَهْوِي إِلَى الأَرْضِ مُجَافِيًا يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ زَادَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحيَى: ثُمَّ يَسْجُدُ وَقَالُوا جَمِيعًا: قَالُوا: صَدَقْتُ، هَكَذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليه وسَلم يُصَلِّي.
                        والحديث رواه النسائي في المجتبى والكبرى .
                        وهنا نفس السؤال يطرح هل المجافات هذه تتحقق في الهوي على اليدين أو على الركبتين .
                        وهذه الفائدة الأخيرة استفدتها من كتاب محدث العصر العلامة المحدث الفقيه محمد ناصر الدين الألباني في كتابه تمام المنة ص 195 طيعة دار الراية والفائدة الأولى لم أحد أتذكر من أي مصدر هي والله المستعان .

                        تعليق


                        • #13
                          رد: بحثٌ مفصَّلٌ حول صفة الهوي إلى السجود والقيام منه

                          شكرًا لكم جميعًا على مشاركاتكم. جزاكم الله خيرًا!
                          المشاركة الأصلية بواسطة أبو عاصم محمد الفاضل بن الصادق مشاهدة المشاركة
                          يظهر أنِّي قصَّرتُ في توضيح ما فهمتُهُ مَِن النَّهي باستِعمال الألوان فقط؛ إليك أخي أبا عبدالرَّحمن ما فهمتُ:
                          ذكرتُ:
                          وإنَّ الدِّلالة الصَّريحة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه هي في النَّهي عن مُشابهة البعير عند الهوي للسُّجود، ومِن جهة الأثار والنُّصوص قد جاءت أدلَّة أُخرى فيها النَّهي عن التَّشبُّه ببعض الحيوانات فيما هو مِن خصائصها كافتِراش الذِّراعيْن في السُّجود كافتِراش الكلب.
                          هذا وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله أنَّ العمل بكِلتا الصِّفتيْن جائز(أي: تقديم اليديْن أو الرُّكبتيْن)، قال رحمه الله: "إنَّ الصَّلاة بكليهما جائز باتِّفاق العُلماء، ولكن تنازعوا في الأفضل"[449/22]مجموع الفتاوى

                          ومِن كلام الشّيخ سليمان الرّحيلي حفظه الله:
                          يعني يبدأ أولًا بالأمام فيسقط على يدَيه ثم ينزل بآخر جسمه ثم يعود فيُكمِل نزوله بالأمام، هذه الصفة التي نُهِيَ عنها المصلي؛ أن يخرّ على يديه أولًا ثم ينزل بجسمه ثم يُكمِل، إذن ماذا يصنع حتى يتحقق له امتثال النهي وترك المنهي عنه؟
                          ينزل بجسمه أولّا، ثم يضع يدَيه قبل ركبتيه، فإذا نزل بجسمه أولًا خالَف بروك البعير، لأنّ البعير يبرك مباشرة على يديه.

                          المهمّ ميَّزتُ باللّون البُني النَّهيَ عن الهوي إلى السُّجود بالصَّفة الّتي وضَّحها الشَّيخ سليمان الرّحيلي حفظه الله في الشَّرح؛ وهذا معنى جميل لهذا نقلته هُنا، وقدَّمتُ له بلفتِ النّظر إلى ورود أدلة أُخرى فيها النَّهي عن التَّشبّه ببعض الحيوانات.
                          ثُمّ جئتُ بكلام شيخ الإسلام في الجواز بالعمل بأيِّ صفة، ووضَّحتُُ هذه الصِّفة بين قوسيْن (أي: تقديم اليديْن أو الرُّكبتيْن)، وقال الشَّيخ رحمه الله إنّما وقع التَّنازع في الأفضليَّة.
                          العلماء اختلفوا في المراد ببروك البعير؛
                          فمنهم مَن فسَّره بأنه إنزال أعلى الجسم مع بقاء آخر الجسم مرتفعًا ثم إنزال بقية الجسم.
                          ومنهم مَن فسره بأنه السقوط بقوة.
                          ومنهم مَن فسره بأنه النزول على الركبتين.
                          ولعل هناك تفسيرات أخرى لم أقف عليها أو وقفت عليها ولم تحضرني الآن.
                          ونحن إذا نظرنا إلى أثر علقمة والأسود وإلى حديث أبي هريرة؛ يترجح لنا مِن هذه التفاسير التفسيرُ الآتي:
                          أن البروك كبروك البعير هو أن تنزل على ركبتيك, وأن مخالفة هذه الهيئة أن تنزل بيديك قبل ركبتيك.
                          فمن نزل بيديه فقد سَلِم مِن مشابهة البعير في البروك.
                          ثم بعد ذلك نحاول استنباط الحكمة مِن هذا النهي.. يمكن أن تكون الحكمة هي أن لا تنزل على الأرض بقوّة كما ينزل البعير؛ حيث إن هذه الهيئة لا تتناسب مع الاطمئنان والخشوع, وأيضًا قد يكون فيها ضرر على بعض الناس -سواء من الشيوخ أو الشباب-.
                          هذا ما استنبطتُه مما قيل في ذلك. والله أعلم.

                          المشاركة الأصلية بواسطة أبوصهيب عاصم الأغبري اليمني مشاهدة المشاركة
                          وفقك الله أخي الحبيب!أنا على نية قراءة البحث والمشاركة فيه إن شاء الله تعالى ، لا سيما مسألة القيام من السجود فهي لم تأخذ حقها من البحث كمسألة النزول وإن كانت هناك بحوث جيدة في الباب لكن لم تأخذ حقها بين شباب السنة بالبحث والتنقيب فيما أرى ...ومن باب التذكير أظنك قد رجعت إلى رسالة "فتح الودود في كيفية الهوي إلى السجود " بتقديم الشيخ مقبل رحمه الله فهي مفيدة في الباب، وهكذا تعليقة مختصرة للشيخ حسن بن نور في كتابه "إمعان النظر في تقريب المسائل الفقهية وتحقيق الخبر" [قسم الصلاة] وهو المطبوع ، وسيخرج قسم الطهارة والزكاة قريبا إن شاء الله تعالى ...والله أعلم
                          بالنسبة لمسألة القيام من السجود؛ أنا قد بحثتُ فيها, ولكن لَم أتحدث عنها في البحث سهوًا؛ فقد ظننتُ أني كتبتُ ما يتعلق بها؛ لأني انتهيتُ مِن نقلِ كلِّ ما في البطاقات(1) التي عندي, ولكن بعد وضعِ البحثِ على المنتدى بيومٍ وجدتُ البطاقات الخاصة بها داخلَ أحدِ الكتب؛ حيث إني كنت وضعتُها مرتبةً ومجتمعةً مع بعضِها كي أنقُلَها في البحث, ثم وضعتُها داخل الكتاب ولا أدري كيف وضعتُها! (ابتسامة), فعندما نظرتُ إلى البحث وجدتُ أني لَم أنقلها, فقمتُ بنقلِها, وسأضيفُها إلى البحث غدًا -إن شاء الله-؛ فأنا أكتب هذه العبارات على عجالة لكوني منشغلًا جدًّا ببعض الأمور.
                          وأما الكتاب الذي أشرتَ إليه فلم أقف عليه -مع الأسف!-, ولو كان عندك منه نسخة إلكترونية فليتك ترسلها لي لأستفيد منه.
                          وكذلك المصدر الثاني.

                          ______________________
                          (1) حيثُ إني أستخدم طريقةَ البطاقات عند إعدادِ بحثٍ أو رسالةٍ.



                          المشاركة الأصلية بواسطة أبو عبد المهيمن سمير البليدي مشاهدة المشاركة
                          السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                          حياكم الله جميعا
                          الذي أعتقده وأدين الله عز وجل به أن أحاديث الهوي كلها ضعيفة وكوني مشتغل ببحث التفسير لا أستطيع البسط الآن ولعله يكون لوقت لاحق إن شاء الله .
                          فقط أحببت أن أسرد عليكم حديثين في بادئ الأمر يمكن تقولون أنه ليس له علاقة بالهوي للسجود أيهوي على يديه أو على ركبيته فأوقول وبالله أستعين :
                          روى البخاري في صحيحه في عدة مواضع
                          منها ما رواه في كتاب الأذان باب متى يسجد من خلف الإمام قال : حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِى أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ قَالَ حَدَّثَنِى الْبَرَاءُ وَهْوَ غَيْرُ كَذُوبٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَقَعَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم سَاجِدًا ثُمَّ نَقَعُ سُجُودًا بَعْدَهُ .
                          وفي رواية أخرى في كتاب الأذان باب السجدود على على سبعة أعظم قال بسنده : حَتَّى يَضَعَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم جَبْهَتَهُ عَلَى الأَرْضِ .
                          ففي التحقيق في قول الصحابة لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ هل يتحقق ذلك إذا هويت على يديك أو على ركبيتيك .
                          وإنجناء الظهر ظاهر إن شاء الله للجميع .

                          وأيضا سنة أخرى وهي الهوي إلى الأرض مجافيا يديه عن جنبه ثم يسجد وقد روى الحديث ابن خزيمة في صحيحه في كتاب الصلاة باب التجافي عند الإهواء إلى السجود قال : حَدثنا بُنْدَارٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحيَى، وَأَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، وَهَذَا لَفْظُ بُنْدَارٍ، قَالَ: حَدثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: حَدثنا عَبدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو بْنِ عَطَاءٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حُمَيْدٍ السَّاعِدِيَّ فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليه وسَلم، فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ، قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: أَنَا أَعْلَمُكُمُ بِصَلاَةِ رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ، فَذَكَرَ بَعْضَ الْحَدِيثِ، وَقَالَ: ثُمَّ يَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ يَهْوِي إِلَى الأَرْضِ، وَيُجَافِي يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ.وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحيَى: يَهْوِي إِلَى الأَرْضِ مُجَافِيًا يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ زَادَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحيَى: ثُمَّ يَسْجُدُ وَقَالُوا جَمِيعًا: قَالُوا: صَدَقْتُ، هَكَذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليه وسَلم يُصَلِّي.
                          والحديث رواه النسائي في المجتبى والكبرى .
                          وهنا نفس السؤال يطرح هل المجافات هذه تتحقق في الهوي على اليدين أو على الركبتين .
                          أجل. وقد كنت ذكرتُ هذين الحديثين في الباب الثاني من البحث داعمًا بهما حديثَ أبي هريرة.
                          وبالمناسبة؛ أتمنى أن تحاول تذكُّرَ المصدرِ الذي وجدتَ فيه ذاك الاستدلالَ بحديث البراء؛ لأني لَم أجِده حتى الآن, وكنتُ قد قرأتُه قديمًا في كتابِ الضالِّ يحيى الحجوري؛ ولذا نقلتُه مِن كتابه: "المبادئ المفيدة", وأتمنى أن أعرف عمّن نقلَها كي أنقُلها عنه لا عن الحجوري.
                          هذا أمر.
                          والأمر الآخر:
                          أليس حديث أبي هريرة يصل إلى درجة الحسن؟
                          إذْ إن الدراوردي لا ينزل حديثُه عن مرتبة الاحتجاج, والذين خالفوه لَا يرتقون إلى مرتبته, وأنت تعلم أن الاضطراب هو تَسَاوي الروايات في القوة مع عدم وجود مرجح, وهنا لا تساوي بين الروايات في القوة, أضف إلى ذلك وجود قرائن تَدْعَم روايةَ الدراوردي.
                          هذا الذي يظهر لي. والله -تعالى- أعلم.
                          فهل توافقني على هذا؟

                          تعليق


                          • #14
                            رد: بحثٌ مفصَّلٌ حول صفة الهوي إلى السجود والقيام منه

                            ههههه انتظر يا أبا عبد المهيمن, أنا نفسي لا أوافق نفسي على ذلك الآن!
                            قد بحثتُ في الشبكة على الرسالتين اللتين ذكرهما أبو صهيب -جزاه الله خيرًا-؛ فوجدتُ "فتح الودود", وأول ما قمت بتنزيلها قرأتُ تقريظَي الشيخين مقبلٍ والنجميِّ -رحمهما الله-؛ فوجدتُ في نفسي رغبةً في قراءة الرسالة, فقمت بسحبها على أوراق, وبدأتُ بقراءتِها قراءةَ جَرْدٍ كي آخذَ فكرةً عامَّةً عنها ثم بعد الانتهاء من مشاغلي أقوم بقراءتها قراءةَ تمعُّنٍ, فما وجدتُ نفسي إلا وأنا أقرأ -قراءةَ تمعن!- الصفحةَ تلو الأخرى...حتى قرأتُ الرسالةَ كلِّها! وشُغِلْتُ بقراءتِها عن ما أنا بصدده مِن مشاغل!
                            وقد وجدتُ في الرسالةِ كلامًا مهمًّا ونفيسًا حول حديث أبي هريرة, وكان مُقنِعًا لي جدًّا, وكذلك وجدتُ فيها عددًا من الفوائد, مِن أبرزِها: أني عرفتُ أنه هو مصدرُ المعلومة التي ذَكَرَها الحجوري في كتابه المذكور, والحمد لله على توفيقه.
                            وبناءً على ما حصل؛ سأقوم -إن شاء الله- بإضافةِ ما استفدتُه مِن هذه الرسالةِ إلى بحثي هذا قبل نشرِه مكتوبًا.
                            وسبحان الله! كلما أظن أني انتهيتُ مِن هذا البحث يظهر لي أمرٌ جديد يجعلني أعود إلى العمل فيه! وقد استغرق إعداده -حتى الآن- ما يقرب من خمسة عشر يومًا؛ خمسةٌ منها في إعداده في صورته الأولى التي عرضتُها على الشيخ أبي عبد الأعلى قبل نحوِ ثلاثِ سنوات, وعشرةٌ منها أثناء هذا الشهر في طباعته على الحاسوب وإضافةِ الإضافاتِ إليه.
                            ولذا سآخذ راحةً لبضعة أيام ثم أعود للعمل فيه -إن شاء الله-.
                            وأنتظر المزيد مِن فوائدكم حول الموضوع.
                            وفق الله الجميع لما يحب ويرضى!

                            تعليق


                            • #15
                              رد: بحثٌ مفصَّلٌ حول صفة الهوي إلى السجود والقيام منه

                              وهذا هو رابط الرسالة المذكورة http://ia600408.us.archive.org/24/it...oud/sojoud.zip

                              تنبيه:
                              قد وجدتُ في الرسالة بعضَ الملاحظات (القليلة)؛ أذكر منها الآن:
                              - خطؤه في نقل عبارتين.
                              - تعليله رواية إبراهيم النخعي عن ابن مسعود بالانقطاع -ولعلك قد عرفتَ ما فيها مِن خلال هذا البحث-.
                              - بعض الأخطاء النحوية والإملائية.
                              - (الكشميري) تصحفَ عنده إلى (الكثيري).
                              وسأقيد ما أجده من هذه الملاحظات وأضعه هنا -إن شاء الله-.
                              ووجود هذه الأخطاء في الرسالة هو طبيعةُ أيّ كتابٍ يؤلفه بَشَرٌ؛ فإن الله أبى أن يتم إلا كتابه.

                              تعليق

                              يعمل...
                              X