إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

سنة الجمعة شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [فتاوى] سنة الجمعة شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-

    سنة الجمعة
    تاليف: أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني

    وسئل شيخ الإسلام رحمه الله عن الصلاة بعد الأذان الأول يوم الجمعة، هل فعله النبي صلى الله عليه وسلم‏؟‏ أو أحد من الصحابة والتابعين والأئمة أم لا‏؟‏ وهل هو منصوص في مذهب من مذاهب الأئمة المتفق عليهم‏؟‏ وقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏بين كل أذانين صلاة‏"‏، هل هو مخصوص بيوم الجمعة أم هو عام في جميع الأوقات‏؟‏

    فأجاب رضي الله عنه‏:‏
    الحمد لله رب العالمين، أما النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يكن يصلي قبل الجمعة بعد الأذان شيئا، ولا نقل هذا عنه أحد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يؤذن على عهده إلا إذا قعد على المنبر‏.‏ ويؤذن بلال، ثم يخطب النبي صلى الله عليه وسلم الخطبتين، ثم يقيم بلال فيصلي النبي صلى الله عليه وسلم بالناس‏.‏
    فما كان يمكن أن يصلي بعد الأذان، لا هو ولا أحد من المسلمين الذين يصلون معه صلى الله عليه وسلم‏.‏ ولا نقل عنه أحد أنه صلى في بيته قبل الخروج يوم الجمعة، ولا وقت بقوله‏:‏ صلاة مقدرة قبل الجمعة، بل ألفاظه صلى الله عليه وسلم فيها الترغيب في الصلاة إذا قدم الرجل المسجد يوم الجمعة، من غير توقيت‏.‏ كقوله‏:‏ ‏"‏من بكر وابتكر، ومشي ولم يركب، وصلى ما كتب له‏"‏‏.‏
    وهذا هو المأثور عن الصحابة، كانوا إذا أتوا المسجد يوم الجمعة يصلون من حين يدخلون ما تيسر، فمنهم من يصلي عشر ركعات ومنهم من يصلي اثنتي عشرة ركعة، ومنهم من يصلي ثمان ركعات، ومنهم من يصلي أقل من ذلك‏.‏ ولهذا كان جماهير الأئمة متفقين على أنه ليس قبل الجمعة سنة مؤقتة بوقت، مقدرة بعدد؛ لأن ذلك إنما يثبت بقول النبي صلى الله عليه وسلم، أو فعله‏.‏ وهو لم يسن في ذلك شيئا، لا بقوله ولا فعله، وهذا مذهب مالك، ومذهب الشافعي وأكثر أصحابه، وهو المشهور في مذهب أحمد‏.‏
    وذهب طائفة من العلماء إلى أن قبلها سنة، فمنهم من جعلها ركعتين، كما قاله طائفة من أصحاب الشافعي، وأحمد‏.‏ ومنهم من جعلها أربعا، كما نقل عن أصحاب أبي حنيفة، وطائفة من أصحاب أحمد وقد نقل عن الإمام أحمد ما استدل به على ذلك‏.‏
    وهؤلاء منهم من يحتج بحديث ضعيف، ومنهم من يقول‏:‏ هي ظهر مقصورة، وتكون سنة الظهر سنتها، وهذا خطأ من وجهين‏:‏
    أحدهما‏:‏ أن الجمعة مخصوصة بأحكام تفارق بها ظهر كل يوم باتفاق المسلمين، وإن سميت ظهرا مقصورة‏.‏ فإن الجمعة يشترط لها الوقت، فلا تقضي، والظهر تقضي‏.‏
    والجمعة يشترط لها العدد والاستيطان. و الإمام، وغير ذلك‏.‏ والظهر لا يشترط لها شيء من ذلك‏.‏ فلا يجوز أن تتلقي أحكام الجمعة من أحكام الظهر، مع اختصاص الجمعة بأحكام تفارق بها الظهر، فإنه إذا كانت الجمعة تشارك الظهر في حكم، وتفارقها في حكم، لم يمكن إلحاق مورد النزاع بأحدهما إلا بدليل، فليس جعل السنة من موارد الاشتراك بأولى من جعلها من موارد الافتراق‏.‏
    الوجه الثاني‏:‏ أن يقال‏:‏ هب أنها ظهر مقصورة، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلي في سفره سنة الظهر المقصورة، لا قبلها ولا بعدها، وإنما كان يصليها إذا أتم الظهر فصلى أربعا، فإذا كانت سنته التي فعلها في الظهر المقصورة خلاف التامة، كان ما ذكروه حجة عليهم لا لهم، وكان السبب المقتضي لحذف بعض الفريضة أولى بحذف السنة الراتبة، كما قال بعض الصحابة‏:‏ لو كنت متطوعا، لأتممت الفريضة‏.‏ فإنه لو استحب للمسافر أن يصلي أربعا، لكانت صلاته للظهر أربعا أولى من أن يصلي ركعتين فرضا، وركعتين سنة‏.‏
    وهذا لأنه قد ثبت بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المتواترة أنه كان لا يصلي في السفر إلا ركعتين‏:‏ الظهر، والعصر، والعشاء‏.‏ وكذلك لما حج بالناس عام حجة الوداع، لم يصل بهم بمني وغيرها إلا ركعتين‏.‏ وكذلك أبو بكر بعده لم يصل إلا ركعتين وكذلك عمر بعده لم يصل إلا ركعتين‏.‏
    ومن نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى الظهر أو العصر أو العشاء في السفر أربعا، فقد أخطأ‏.‏ والحديث المروي في ذلك عن عائشة هو حديث ضعيف في الأصل، مع ما وقع فيه من التحريف‏.‏ فإن لفظ الحديث‏:‏ أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أفطرتَ وصمتُ وقصرتَ وأتممتُ فقال‏:‏ ‏"‏أصبت يا عائشة‏"‏ فهذا مع ضعفه وقيام الأدلة على أنه باطل‏.‏ روي أن عائشة روت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفطر ويصوم، ويقصر ويتم، فظن بعض الأئمة أن الحديث فيه‏:‏ أنها روت الأمرين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا مبسوط في موضعه‏.‏
    والمقصود هنا‏:‏ أن السنة للمسافر أن يصلي ركعتين، والأئمة متفقون على أن هذا هو الأفضل، إلا قولا مرجوحا للشافعي‏.‏ وأكثر الأئمة يكرهون التربيع للمسافر، كما هو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد في أنص الروايتين عنه‏.‏
    ثم من هؤلاء من يقول‏:‏ لا يجوز التربيع، كقول أبي حنيفة‏.‏ ومنهم من يقول‏:‏ يجوز مع الكراهة، كقول مالك، وأحمد‏.‏ فيقال‏:‏ لو كان الله يحب للمسافر أن يصلي ركعتين، ثم ركعتين، لكان يستحب له أن يصلي الفرض أربعا، فإن التقرب إليه ببعض الظهر أفضل من التقرب إليه بالتطوع مع الظهر‏.‏ ولهذا أوجب على المقيم أربعا، فلو أراد المقيم أن يصلي ركعتين فرضا، وركعتين تطوعا، لم يجز له ذلك‏.‏ والله تعالى لا يوجب عليه وينهاه عن شيء إلا والذي أمره به خير من الذي نهاه عنه، فعلم أن صلاة الظهر أربعا خير عند الله من أن يصليها ركعتين مع ركعتين تطوعا‏.‏ فلما كان سبحانه لم يستحب للمسافر التربيع بخير الأمرين عنده، فلأن لا يستحب التربيع بالأمر المرجوح عنده أولى‏.‏
    فثبت بهذا الاعتبار الصحيح أن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أكمل الأمور، وأن هديه خير الهدي، وأن المسافر إذا اقتصر على ركعتي الفرض، كان أفضل له من أن يقرن بهما ركعتي السنة‏.‏
    وبهذا يظهر أن الجمعة إذا كانت ظهرا مقصورة، لم يكن من السنة أن يقرن بها سنة ظهر المقيم، بل تجعل كظهر المسافر المقصورة‏.‏ وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في السفر ركعتي الفجر والوتر، ويصلي على راحلته قبل أي وجه توجهت به، ويوتر عليها، غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة‏.‏ وهذا لأن الفجر لم تقصر في السفر، فبقيت سنتها على حالها، بخلاف المقصورات في السفر، والوتر مستقل بنفسه كسائر قيام الليل، وهو أفضل الصلاة بعد المكتوبة، وسنة الفجر تدخل في صلاة الليل من بعض الوجوه‏.‏ فلهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليه في السفر، لاستقلاله وقيام المقتضي له‏.‏
    والصواب أن يقال‏:‏ ليس قبل الجمعة سنة راتبة مقدرة، ولو كان الأذانان على عهده؛ فإنه قد ثبت عنه في الصحيح أنه قال‏:‏ ‏"‏بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة‏"‏‏.‏ ثم قال في الثالثة‏:‏ ‏"‏لمن شاء‏"‏؛ كراهية أن يتخذها الناس سنة‏.‏ فهذا الحديث الصحيح يدل على أن الصلاة مشروعة قبل العصر، وقبل العشاء الآخرة، وقبل المغرب، وأن ذلك ليس بسنة راتبة‏.‏ وكذلك قد ثبت أن أصحابه كانوا يصلون بين أذاني المغرب، وهو يراهم فلا ينهاهم، ولا يأمرهم، ولا يفعل هو ذلك‏.‏ فدل على أن ذلك فعل جائز‏.‏
    وقد احتج بعض الناس على الصلاة قبل الجمعة بقوله‏:‏ ‏"‏بين كل أذانين صلاة‏"‏ وعارضه غيره فقال‏:‏ الأذان الذي على المنائر لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن عثمان أمر به لما كثر الناس على عهده ولم يكن يبلغهم الأذان حين خروجه وقعوده على المنبر‏.‏ ويتوجه أن يقال‏:‏ هذا الأذان لما سنه عثمان، واتفق المسلمون عليه، صار أذانا شرعيا‏.‏
    وحينئذ، فتكون الصلاة بينه وبين الأذان الثاني جائزة حسنة، وليست سنة راتبة، كالصلاة قبل صلاة المغرب‏.‏ وحينئذ، فمن فعل ذلك لم ينكر عليه، ومن ترك ذلك لم ينكر عليه‏.‏ وهذا أعدل الأقوال، وكلام الإمام أحمد يدل عليه‏.‏
    وحينئذ، فقد يكون تركها أفضل إذا كان الجهال يظنون أن هذه سنة راتبة، أو أنها واجبة، فتترك حتى يعرف الناس أنها ليست سنة راتبة، ولا واجبة، لا سيما إذا داوم الناس عليها فينبغي تركها أحيانا حتى لا تشبه الفرض، كما استحب أكثر العلماء ألا يداوم على قراءة السجدة يوم الجمعة، مع أنه قد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها، فإذا كان يكره المداومة على ذلك، فترك المداومة على ما لم يسنه النبي صلى الله عليه وسلم أولى، وإن صلاها الرجل بين الأذانين أحيانا؛ لأنها تطوع مطلق، أو صلاة بين الأذانين، كما يصلي قبل العصر والعشاء، لا لأنها سنة راتبة فهذا جائز‏.‏ وإن كان الرجل مع قوم يصلونها، فإن كان مطاعا إذا تركها وبين لهم السنة لم ينكروا عليه، بل عرفوا السنة فتركها حسن، وإن لم يكن مطاعا ورأي أن في صلاتها تاليفا لقلوبهم إلى ما هو أنفع، أو دفعا للخصام والشر لعدم التمكن من بيان الحق لهم، وقبولهم له، ونحو ذلك، فهذا أيضًا حسن‏.‏
    فالعمل الواحد يكون فعله مستحبا تارة، وتركه تارة، باعتبار ما يترجح من مصلحة فعله وتركه، بحسب الأدلة الشرعية‏.‏ والمسلم قد يترك المستحب إذا كان في فعله فساد راجح على مصلحته، كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم بناء البيت على قواعد إبراهيم، وقال لعائشة‏:‏ ‏"‏لولا أن قومك حديثو عهد بالجاهلية لنقضت الكعبة، ولألصقتها بالأرض ولجعلت لها بابين، بابا يدخل الناس منه، وبابا يخرجون منه‏"‏ والحديث في الصحيحين‏.‏ فترك النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر الذي كان عنده أفضل الأمرين للمعارض الراجح، وهو حدثان عهد قريش بالإسلام لما في ذلك من التنفير لهم، فكانت المفسدة راجحة على المصلحة‏.‏
    ولذلك استحب الأئمة أحمد وغيره أن يدع الإمام ما هو عنده أفضل، إذا كان فيه تاليف المأمومين، مثل أن يكون عنده فصل الوتر أفضل، بأن يسلم في الشفع، ثم يصلي ركعة الوتر، وهو يؤم قوما لا يرون إلا وصل الوتر، فإذا لم يمكنه أن يتقدم إلى الأفضل، كانت المصلحة الحاصلة بموافقته لهم بوصل الوتر أرجح من مصلحة فصله مع كراهتهم للصلاة خلفه، وكذلك لو كان ممن يري المخافتة بالبسملة أفضل، أو الجهر بها، وكان المأمومون على خلاف رأيه، ففعل المفضول عنده لمصلحة الموافقة والتاليف التي هي راجحة على مصلحة تلك الفضيلة كان جائزا حسنا‏.‏
    وكذلك لو فعل خلاف الأفضل لأجل بيان السنة وتعليمها لمن لم يعلمها، كان حسنًا، مثل أن يجهر بالاستفتاح أو التعوذ أو البسملة ليعرف الناس أن فعل ذلك حسن مشروع في الصلاة، كما ثبت في الصحيح أن عمر بن الخطاب جهر بالاستفتاح، فكان يكبر ويقول‏:‏ سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك‏.‏ قال الأسود بن يزيد‏:‏ صليت خلف عمر أكثر من سبعين صلاة، فكان يكبر، ثم يقول ذلك‏.‏ رواه مسلم في صحيحه‏.‏ ولهذا شاع هذا الاستفتاح حتى عمل به أكثر الناس‏.‏ وكذلك كان ابن عمر وابن عباس يجهران بالاستعاذة، وكان غير واحد من الصحابة يجهر بالبسملة وهذا عند الأئمة الجمهور الذين لا يرون الجهر بها سنة راتبة كان ليعلم الناس أن قراءتها في الصلاة سنة، كما ثبت في الصحيح أن ابن عباس صلى على جنازة فقرأ بأم القرآن جهرًا، وذكر أنه فعل ذلك ليعلم الناس أنها سنة‏.‏ وذلك أن الناس في صلاة الجنازة على قولين‏:‏
    منهم من لا يري فيها قراءة بحال، كما قاله كثير من السلف، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك‏.‏
    ومنهم من يري القراءة فيها سنة،كقول الشافعي،وأحمد لحديث ابن عباس هذا وغيره‏.‏
    ثم من هؤلاء من يقول‏:‏ القراءة فيها واجبة كالصلاة‏.‏
    ومنهم من يقول‏:‏ بل هي مستحبة، ليست واجبة‏.‏
    وهذا أعدل الأقوال الثلاثة‏.‏ فإن السلف فعلوا هذا، وهذا،وكان كلا الفعلين مشهورا بينهم، كانوا يصلون على الجنازة بقراءة وغير قراءة، كما كانوا يصلون تارة بالجهر بالبسملة، وتارة بغير جهر بها، وتارة باستفتاح، وتارة بغير استفتاح، وتارة برفع اليدين في المواطن الثلاثة، وتارة بغير رفع اليدين، وتارة يسلمون تسليمتين، وتارة تسليمة واحدة‏.‏ وتارة يقرؤون خلف الإمام بالسر، وتارة لا يقرؤون‏.‏ وتارة يكبرون على الجنازة أربعا، وتارة خمسا، وتارة سبعا‏.‏ كان فيهم من يفعل هذا، وفيهم من يفعل هذا‏.‏ كل هذا ثابت عن الصحابة‏.‏ كما ثبت عنهم أن منهم من كان يرجع في الأذان، وفيهم من لم يرجع فيه‏.‏ وفيهم من كان يوتر الإقامة، وفيهم من كان يشفعها، وكلاهما ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم
    فهذه الأمور وإن كان أحدها أرجح من الآخر،فمن فعل المرجوح فقد فعل جائزا‏.‏ وقد يكون فعل المرجوح أرجح للمصلحة الراجحة.
    كما يكون ترك الراجح أرجح أحيانا لمصلحة راجحة‏.‏ وهذا واقع في عامة الأعمال، فإن العمل الذي هو في جنسه أفضل، قد يكون في مواطن غيره أفضل منه، كما أن جنس الصلاة أفضل من جنس القراءة، وجنس القراءة أفضل من جنس الذكر، وجنس الذكر أفضل من جنس الدعاء‏.‏ ثم الصلاة بعد الفجر والعصر منهي عنها، والقراءة والدعاء والذكر أفضل منها في تلك الأوقات وكذلك القراءة في الركوع والسجود منهي عنها، والذكر هناك أفضل منها، والدعاء في آخر الصلاة بعد التشهد، أفضل من الذكر وقد يكون العمل المفضول أفضل بحسب حال الشخص المعين؛ لكونه عاجزا عن الأفضل، أو لكون محبته ورغبته واهتمامه وانتفاعه بالمفضول أكثر، فيكون أفضل في حقه لما يقترن به من مزيد عمله وحبه وإرادته وانتفاعه، كما أن المريض ينتفع بالدواء الذي يشتهيه ما لا ينتفع بما لا يشتهيه، وإن كان جنس ذلك أفضل‏.‏
    ومن هذا الباب، صار الذكر لبعض الناس في بعض الأوقات خيرا من القراءة، والقراءة لبعضهم في بعض الأوقات خيرًا من الصلاة وأمثال ذلك، لكمال انتفاعه به، لا لأنه في جنسه أفضل‏.‏
    وهذا الباب باب تفضيل بعض الأعمال على بعض إن لم يعرف فيه التفضيل، وأن ذلك قد يتنوع بتنوع الأحوال في كثير من الأعمال، وإلا وقع فيها اضطراب كثير‏.‏ فإن في الناس من إذا اعتقد استحباب فعل ورجحانه، يحافظ عليه ما لا يحافظ على الواجبات، حتى يخرج به الأمر إلى الهوي والتعصب والحمية الجاهلية، كما تجده فيمن يختار بعض هذه الأمور فيراها شعارا لمذهبه‏.‏
    ومنهم من إذا رأي ترك ذلك هو الأفضل، يحافظ أيضا على هذا الترك أعظم من محافظته على ترك المحرمات، حتى يخرج به الأمر إلى اتباع الهوي والحمية الجاهلية، كما تجده فيمن يري الترك شعارا لمذهبه، وأمثال ذلك، وهذا كله خطأ‏.‏
    والواجب أن يعطي كل ذي حق حقه، ويوسع ما وسعه الله ورسوله، ويؤلف ما ألف الله بينه ورسوله، ويراعي في ذلك ما يحبه الله ورسوله من المصالح الشرعية، والمقاصد الشرعية، ويعلم أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وأن الله بعثه رحمة للعالمين، بعثه بسعادة الدنيا والآخرة، في كل أمر من الأمور، وأن يكون مع الإنسان من التفصيل ما يحفظ به هذا الإجمال، وإلا فكثير من الناس يعتقد هذا مجملا، ويدعه عند التفصيل‏:‏ إما جهلا، وإما ظلما، وإما ظنا وإما إتباعا للهوي‏.‏ فنسأل الله أن يهدينا الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا‏.‏

    فصل
    وأما السنة بعد الجمعة، فقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أنه كان يصلي بعد الجمعة ركعتين، كما ثبت عنه في الصحيحين‏:‏ أنه كان يصلي قبل الفجر ركعتين، وبعد الظهر ركعتين و بعد المغرب ركعتين، وبعد العشاء ركعتين‏.‏
    وأما الظهر، ففي حديث ابن عمر‏:‏ أنه كان يصلي قبلها ركعتين، وفي الصحيحين عن عائشة‏:‏ أنه كان يصلي قبلها أربعا‏.‏
    وفي الصحيح عن أم حبيبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏من صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة تطوعا غير فريضة بني الله له بيتا في الجنة‏"‏‏.‏ وجاء مفسرا في السنن‏:‏ ‏"‏أربعا قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر‏"‏‏.‏
    فهذه هي السنن الراتبة التي ثبتت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله‏.‏ مدارها على هذه الأحاديث الثلاثة‏:‏ حديث ابن عمر، وعائشة، وأم حبيبة‏.‏
    وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم بالليل‏:‏ إما إحدي عشرة ركعة، وإما ثلاث عشرة ركعة فكان مجموع صلاته بالليل والنهار فرضه ونفله نحوا من أربعين ركعة.
    والناس في هذه السنن الرواتب على ثلاثة أقوال‏:‏
    منهم من لا يوقت في ذلك شيئا، كقول مالك، فإنه لا يري سنة إلا الوتر، وركعتي الفجر‏.‏ وكان يقول‏:‏ إنما يوقت أهل العراق‏.‏
    ومنهم من يقدر في ذلك أشياء بأحاديث ضعيفة، بل باطلة، كما يوجد في مذاهب أهل العراق، وبعض من وافقهم من أصحاب الشافعي وأحمد، فإن هؤلاء يوجد في كتبهم من الصلوات المقدرة والأحاديث في ذلك ما يعلم أهل المعرفة بالسنة أنه مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم، كمن روي عنه صلى الله عليه وسلم‏:‏ أنه صلى قبل العصر أربعا‏.‏
    أو أنه قضي سنة العصر‏.‏
    أو أنه صلى قبل الظهر ستا‏.‏ أو بعدها أربعا‏.‏ أو أنه كان يحافظ على الضحي‏.‏ وأمثال ذلك من الأحاديث المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
    وأشد من ذلك ما يذكره بعض المصنفين في ‏[‏الرقائق والفضائل‏]‏ في الصلوات الأسبوعية، والحولية‏:‏ كصلاة يوم الأحد، والإثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس، والجمعة، والسبت، المذكورة في كتاب أبي طالب، وأبي حامد، وعبد القادر، وغيرهم‏.‏ وكصلاة ‏[‏الألفية‏]‏ التي في أول رجب، ونصف شعبان، والصلاة ‏[‏الاثني عشرية‏]‏ التي في أول ليلة جمعة من رجب، والصلاة التي في ليلة سبعة
    وعشرين من رجب، وصلوات أخر تذكر في الأشهر الثلاثة، وصلاة ليلتي العيدين وصلاة يوم عاشوراء، وأمثال ذلك من الصلوات المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم، مع اتفاق أهل المعرفة بحديثه أن ذلك كذب عليه، ولكن بلغ ذلك أقواما من أهل العلم والدين، فظنوه صحيحا، فعملوا به، وهم مأجورون على حسن قصدهم واجتهادهم، لا على مخالفة السنة‏.‏
    وأما من تبينت له السنة فظن أن غيرها خير منها، فهو ضال مبتدع، بل كافر‏.‏
    والقول الوسط العدل هو ما وافق السنة الصحيحة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم‏:‏ وقد ثبت عنه أنه كان يصلي بعد الجمعة ركعتين‏.‏ وفي صحيح مسلم عنه أنه قال‏:‏ ‏"‏من كان منكم مصليا بعد الجمعة فليصل بعدها أربعا‏"‏‏.‏ وقد روي الست عن طائفة من الصحابة جمعا بين هذا وهذا‏.‏
    والسنة أن يفصل بين الفرض والنفل في الجمعة، وغيرها‏.‏ كما ثبت عنه في الصحيح‏:‏ أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن توصل صلاة بصلاة، حتى يفصل بينهما بقيام أو كلام، فلا يفعل ما يفعله كثير من الناس‏.‏ يصل السلام بركعتي السنة، فإن هذا ركوب لنهي النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ وفي هذا من الحكمة التمييز بين الفرض وغير الفرض، كما يميز بين العبادة وغير العبادة‏.‏
    ولهذا استحب تعجيل الفطور، وتأخير السحور.والأكل يوم الفطر قبل الصلاة، ونهى عن استقبال رمضان بيوم أو يومين، فهذا كله للفصل بين المأمور به من الصيام، وغير المأمور به، والفصل بين العبادة وغيرها‏.‏ وهكذا تمييز الجمعة التي أوجبها الله من غيرها‏.‏
    وأيضًا، فإن كثيرًا من أهل البدع كالرافضة وغيرهم لا ينوون الجمعة بل ينوون الظهر، ويظهرون أنهم سلموا، وما سلموا، فيصلون ظهرًا ويظن الظان أنهم يصلون السنة، فإذا حصل التمييز بين الفرض والنفل، كان في هذا مَنْعٌ لهذه البدعة، وهذا له نظائر كثيرة، والله سبحانه أعلم‏.


    نقلا عن موسوعة مؤلفات الإمام ابن تيمية لموقع روح الإسلام


يعمل...
X