إن الحمد لله، نحمَده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله . ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ آل عمران (102) .
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ النساء (1) . ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۞ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ الأحزاب (70-71) .
أما بعد فإن أصدقَ الحديث كتابُ الله، وأحسنَ الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار .
إن توقير العلم والعلماء من إجلال الله -تعالى- وتعظيم شريعته ، عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :»إِنَّ من إِجْلَالِ الله إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فيه وَالْجَافِي عنه وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ «رواه أبو داود وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2195) .
ولايخفى على أحد ما يواجهه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - من هجمة شرسة من أهل الأهواء والكفار بمخطط خبيث ، لأنه رحمه الله من أعظم من وضح منهج السلف في الاعتقاد فأفسد على أهل الهوى أباطيلهم و بدعهم .
وقد وجد الكفار وأهل البدع في الربيع العربي وأحداث سوريا خاصةً ، وما تبعها من دماء وفوضى وذهابٍ للأمن، فرصةً لإلصاق ما يحصل من بعض الثوريين الجهلة والتكفيريين الغلاة - من سرورية وقطبية - بشيخ الإسلام رحمه الله وفتاويه، وهم يرومون بذلك إسقاطه وصرف قلوب العامة عنه . ومعلوم أن أهل الباطل لا يطعنون في العالم لأجل شخصه إنما يطعنون فيه لمنهجه وجهاده وحسن بلائه ليوصل إلى الطعن في الحق الذي يدعو إليه ويقرره في كتبه وفتاويه .
فوقع ابن تيمية - رحمه الله - بين صنفين كما حصل ويحصل دائماً مع أهل العلم والفضل
قال أيوب السختياني – رحمه الله - : »كذب على الحسن ضربان من الناس : قومٌ القدر رأيهم لينفقوه في الناس بالحسن ، وقومٌ في صدورهم شنآن وبغضٌ للحسن « سير أعلام النبلاء (4/580) .
فالأول : تكفيريٌ غالٍ : فالناظر في تاريخ " الجماعات التكفيرية " منذ نشوئها في مصر وخاصة الجماعات التي أخذت بحرفية كلام سيد قطب - مثل جماعة الهجرة والتكفير والجهاد والجماعة الإسلامية - يرى أنها كانت تحتاج إلى " عالم مجتهد " يُقنِع المستهدفين بالاستقطاب ، ولأنهم يدركون أن أياً من قيادات الحركات الإسلامية المعاصرة لم يكن من علماء الشريعة الراسخين ، ولا الأئمة المحققين الذين يمكن أن يكون لكلامهم أثر في التأصيل الشرعي لمنهجهم ولقضاياهم ، ولذلك كان " ابن تيمية " الإمام المعظم لدى جيل ما يسمونه بجيل الصحوة الإسلامية المعاصرة ، والمرجعية التي يتفق عليها الجميع ، بل حتى أعداؤه الصرحاء أشادوا بمكنته في باب العقول العقلية والنقلية ، وهذا يجعل الاتكاء على مثل ابن تيمية سبيلاً للاقناع وتمرير المناهج السياسية والفكرية البدعية لدى هذه الجماعات .
والأصل عدم قبول دعوى هذه الجماعات المبتدعة إلا بدليل ، قال عبد الله بن عباس – رضي الله عنه- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لو يعطى الناس بدعواهم لذهب دماء قوم وأموالهم( متفق عليه .
وما أحسن ما قيل:
الدعاوى ما لم يقيموا عليها *** بينات أصحابها أدعياء
فحرف منظرو السلفية الجهادية "التكفيريون من جماعة القاعدة وداعش" كلامه بعيداً عن دلالات خطابه الأصلية ، وأخرجوا فتاويه عن سياقاتها لتوظيفها لخدمة غاية الحاكمية المحدثة .
فهذه الجماعات وإن كانوا ينطلقون من أصول فكرية ومنهجية يخالفهم فيها ابن تيمية نفسه إلا أنهم يأخذون من ابن تيمية ما يرون فيه تعزيزاً لأفكارهم في التكفير والقتال دون العناية ببقية تأصيلات ابن تيمية التي تنقض أصولهم الفكرية والمنهجية ، مما يدل على حالة " أهوائية " انتقائية في التعامل مع تراث ابن تيمية رحمه الله ، ولذلك يأخذون الكلام الواضح من ابن تيمية ثم يبنون عليه جبالاً من المفاهيم والحركة والسلوك العملي الذي لم يقصدها ابن تيمية ولم يعنيها .
فشيخ الإسلام – رحمه الله - لم يكن مرجعاً ومقلداً لدى العصابات الثورية- القطبية منهجاً والمسماة زوراً
بالسلفية الجهادية- ، بل كان موظفاً لإلباسها الصبغة السلفية والتأصيلية ، بالاستحضار والإيراد الكثيف والمتكرر لكلامه ، مما جعل الغالبية من العوام وغير المسلمين يتصورونه مرجعها الأول، ويحمِّلون تبعات ممارساتها العنفية . – وهذا مراد المخططين والمنفذين للفتن في بلاد المسلمين من الكفار وأهل الأهواء.
وليس أدل على أنه (ابن تيمية) استحضر تأويلاً وتوظيفاً، من استخدام السلفية الجهادية لابن تيمية في مرحلتين متناقضتين : حيث استخدمته في تأسيساتها الأولى(*)، ثم في المراجعات ! – وفي كلا الحالتين ابن تيمية هو السبب ! واعجباً - .
ولا يخفى أن قراءة هذه الجماعات لتراثه – رحمه الله - اعتمدت على شوارد اقتطفت غلطاً وخطأ أحياناً بعيداً من نصوصها، وبعيداً كذلك من مجمل خطابه وقواعده الكلية، بصيغة انتقائية وتأويلية لا تبالي بمعارضته وتخطئته متى خالف غايتها.
ولاعيب في ذلك على كتب شيخ الإسلام أو فتاويه ، بل القوم معروفٌ أسلافهم بالفهم المعوج والهوى المتبع . قال صلى الله عليه وسلم : " سيكون في أمتي اختلاف وفرقة ، قوم يحسنون القيل ، ويسيئون الفعل ، ويقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ، لا يرجعون حتى يرد على فوقه ، شر الخلق والخليقة ، طوبى لمن قتلهم وقتلوه ، يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء ، من قاتلهم كان أولى بالله منهم " رواه الحاكم وحسنه ابن حجر .
وانظر – رحمك الله – كيف ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قراءتهم القرآن ودعوتهم إليه في مقام التحذير منهم !
أي بمعنى : انتبه ! لا يغرنكم أنهم يقرؤن القرآن أو يدعون إليه ! - .
وقد كان شيخ الإسلام – رحمه الله – يحذر من أمثالهم ممن يتطفلون على نصوص الكتاب والسنة وأقوال العلماء بجهل وتعد .
قال – رحمه الله - : » لا بد أن يكون مع الإنسان أصول كلية يرد إليها الجزئيات ليتكلم بعلم وعدل، ثم يعرف الجزئيات كيف وقعت، وإلا فيبقى في كذب وجهل في الجزئيات، وجهل وظلم في الكليات فيتولد فساد عظيم « منهاج السنة(5/83) .
قال أيضاً : » وأخذ مذاهب الفقهاء من الإطلاقات من غير مراجعة لما فسروا به كلامهم وما تقتضيه أصولهم يجر إلى مذاهب قبيحة « الصارم المسلول (287) .
- احفظ هذا الكلام واجعله منك على ذكر تتجلى لك براءة شيخ الإسلام من كثير من الجرائم والفظائع التي ألصقت به بسوء فهم أو خبث طوية-
والمتتبع لسيرة هذه الجماعات الثورية ومنظريها يرى أنهم ليسوا من أبناء منهج السلف الصالح وعلمائه كابن تيمية – رحمه الله - ، ولا تجد فيهم عالماً راسخاً - كالألباني وابن باز وغيرهم من تلاميذ منهج شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - .
وهذه قاعدة منهجية متينة قررها حبر الأمة ابن عباس – رضي الله عنه – أول مناقشته للخوارج ، قال:
" أتيتكم من عند أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار، ومن عند ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وصهره، وعليهم
نزل القرآن، فهم أعلم بتأويله منكم ، وليس فيكم منهم أحد " رواه النسائي .
والثاني : صوفي أشعري أو علماني كاره للدين ، وجد فيما يحصل على الواقع فرصةً للزراية بشيخ الإسلام و بالتكرار يترسخ في أذهان المتلقين الارتباط بين ابن تيمية وبين الجماعات القتالية التكفيرية ..
ولا تعجب إذا علمت أن كبار مرجعية السلفية الجهادية - التكفيرية حقيقةً -كحسن البنا وسيد قطب هم من الأشاعرة الغالية في التصوف ، بل إن سيد قطب لم يقرأ لابن تيمية- رحمه الله - ولم يعرف مؤلفاته، ولم يرد له ذكر في أهمها حركياً كـ "هذا الدين" أو "معالم في الطريق"أو تفسيره الظلال أو غيرها من المؤلفات المؤثرة في فكرية جماعات الخروج الثورية وحركيتها .
ولا يبعد أن يكون من وراء ذلك مخططٌ غربيٌ محكم لإستغلال الأحداث والفتن التي تعصف بسوريا خاصةً وبلاد المسلمين عامةً لإيهام المسلمين أن كل ما يحدث لهم هو بسبب العلماء من أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية ومحمد عبد الوهاب والألباني وغيرهم .
وانظر إلى وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي تستغرب من كثرة ورود اسم " ابن تيمية و عبد الوهاب " مما يُظهِر أن وراء ذلك أمراً بيت بليل ! .
إن هؤلاء يعتمدون على أمرين : التجهيل والتضليل ، ويعرفون أن الذهنية العامة للناس ليست ذهنية تحقيق علمي ، بل هي تقبل الطرح الدوغمائي الإثاري الذي يتقبل المطلقات بلا تفصيل ، ولا يحاول أن يكد ذهنه في التنقيب والفهم ، فيجدون سوقاً رائجة كبيرة ، وخاصة في وقت الضخ الإعلامي الكبير المستهدف تشويه الإسلام بتعاليمه من خلال تشويه حملته ودعاته وعلمائه .
وخلاصة ً لما سبق أقول – وبالله التوفيق – :
- هذه كتب شيخ الإسلام – رحمه الله – بين يديك لن تجد فيها – أو في كتب تلاميذه كابن القيم وابن كثير وابن رجب ومن المعاصرين الألباني وابن باز وابن عثيمين - التأصيل لل : الحاكمية ، العزلة الشعورية ، المجتمعات الجاهلية ، الصدام مع السلطة الزمنية ، التحريض على الثورات ، إراقة الدماء ، المغامرات الثورية الرومنسية ! . بل ستجد ذلك كله في كتب سيد قطب والمودوي والقرضاوي وسيد فضل وغيرهم
لن تجد ثورياً أو تكفيرياً خرج لأنه قرأ في كتب ابن تيمية – رحمه الله – كالواسطية والتحفة العراقية ، وإنما سيثور بعد قرائته لمعالم في الطريق – كتاب الديناميت – ثم قد يلفق له فتوى لابن تيمية دون أخذ سياقها الزمني أو الشرعي .
- لن تجد ثورياً إلا ساباً وشاتماً – علناً أو مواربةً ً - لتلاميذ شيخ الإسلام المعاصرين كالألباني وابن عثيمين والفوزان – رحمهم الله – .
- إذا أردت أن تعرف ابن تيمية – رحمه الله – فعليك بكتبه وكتب تلاميذه كابن القيم وابن كثير والمزي والذهبي وابن رجب و ابن مفلح والمقريزي و ابن عبد الهادي و غيرهم .
واقرأ ماكتبه عنه في :الرد الوافر للحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي والمناقب العلية للحافظ ابن عبد الهادي والأعلام العلية في مناقب ابن تيمية للبزار وغيرها كثير .
وسيأتي البيان تباعاً والله هو الموفق والهادي إلى صراطه المستقيم .
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ النساء (1) . ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۞ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ الأحزاب (70-71) .
أما بعد فإن أصدقَ الحديث كتابُ الله، وأحسنَ الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار .
إن توقير العلم والعلماء من إجلال الله -تعالى- وتعظيم شريعته ، عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :»إِنَّ من إِجْلَالِ الله إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فيه وَالْجَافِي عنه وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ «رواه أبو داود وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2195) .
ولايخفى على أحد ما يواجهه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - من هجمة شرسة من أهل الأهواء والكفار بمخطط خبيث ، لأنه رحمه الله من أعظم من وضح منهج السلف في الاعتقاد فأفسد على أهل الهوى أباطيلهم و بدعهم .
وقد وجد الكفار وأهل البدع في الربيع العربي وأحداث سوريا خاصةً ، وما تبعها من دماء وفوضى وذهابٍ للأمن، فرصةً لإلصاق ما يحصل من بعض الثوريين الجهلة والتكفيريين الغلاة - من سرورية وقطبية - بشيخ الإسلام رحمه الله وفتاويه، وهم يرومون بذلك إسقاطه وصرف قلوب العامة عنه . ومعلوم أن أهل الباطل لا يطعنون في العالم لأجل شخصه إنما يطعنون فيه لمنهجه وجهاده وحسن بلائه ليوصل إلى الطعن في الحق الذي يدعو إليه ويقرره في كتبه وفتاويه .
فوقع ابن تيمية - رحمه الله - بين صنفين كما حصل ويحصل دائماً مع أهل العلم والفضل
قال أيوب السختياني – رحمه الله - : »كذب على الحسن ضربان من الناس : قومٌ القدر رأيهم لينفقوه في الناس بالحسن ، وقومٌ في صدورهم شنآن وبغضٌ للحسن « سير أعلام النبلاء (4/580) .
فالأول : تكفيريٌ غالٍ : فالناظر في تاريخ " الجماعات التكفيرية " منذ نشوئها في مصر وخاصة الجماعات التي أخذت بحرفية كلام سيد قطب - مثل جماعة الهجرة والتكفير والجهاد والجماعة الإسلامية - يرى أنها كانت تحتاج إلى " عالم مجتهد " يُقنِع المستهدفين بالاستقطاب ، ولأنهم يدركون أن أياً من قيادات الحركات الإسلامية المعاصرة لم يكن من علماء الشريعة الراسخين ، ولا الأئمة المحققين الذين يمكن أن يكون لكلامهم أثر في التأصيل الشرعي لمنهجهم ولقضاياهم ، ولذلك كان " ابن تيمية " الإمام المعظم لدى جيل ما يسمونه بجيل الصحوة الإسلامية المعاصرة ، والمرجعية التي يتفق عليها الجميع ، بل حتى أعداؤه الصرحاء أشادوا بمكنته في باب العقول العقلية والنقلية ، وهذا يجعل الاتكاء على مثل ابن تيمية سبيلاً للاقناع وتمرير المناهج السياسية والفكرية البدعية لدى هذه الجماعات .
والأصل عدم قبول دعوى هذه الجماعات المبتدعة إلا بدليل ، قال عبد الله بن عباس – رضي الله عنه- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لو يعطى الناس بدعواهم لذهب دماء قوم وأموالهم( متفق عليه .
وما أحسن ما قيل:
الدعاوى ما لم يقيموا عليها *** بينات أصحابها أدعياء
فحرف منظرو السلفية الجهادية "التكفيريون من جماعة القاعدة وداعش" كلامه بعيداً عن دلالات خطابه الأصلية ، وأخرجوا فتاويه عن سياقاتها لتوظيفها لخدمة غاية الحاكمية المحدثة .
فهذه الجماعات وإن كانوا ينطلقون من أصول فكرية ومنهجية يخالفهم فيها ابن تيمية نفسه إلا أنهم يأخذون من ابن تيمية ما يرون فيه تعزيزاً لأفكارهم في التكفير والقتال دون العناية ببقية تأصيلات ابن تيمية التي تنقض أصولهم الفكرية والمنهجية ، مما يدل على حالة " أهوائية " انتقائية في التعامل مع تراث ابن تيمية رحمه الله ، ولذلك يأخذون الكلام الواضح من ابن تيمية ثم يبنون عليه جبالاً من المفاهيم والحركة والسلوك العملي الذي لم يقصدها ابن تيمية ولم يعنيها .
فشيخ الإسلام – رحمه الله - لم يكن مرجعاً ومقلداً لدى العصابات الثورية- القطبية منهجاً والمسماة زوراً
بالسلفية الجهادية- ، بل كان موظفاً لإلباسها الصبغة السلفية والتأصيلية ، بالاستحضار والإيراد الكثيف والمتكرر لكلامه ، مما جعل الغالبية من العوام وغير المسلمين يتصورونه مرجعها الأول، ويحمِّلون تبعات ممارساتها العنفية . – وهذا مراد المخططين والمنفذين للفتن في بلاد المسلمين من الكفار وأهل الأهواء.
وليس أدل على أنه (ابن تيمية) استحضر تأويلاً وتوظيفاً، من استخدام السلفية الجهادية لابن تيمية في مرحلتين متناقضتين : حيث استخدمته في تأسيساتها الأولى(*)، ثم في المراجعات ! – وفي كلا الحالتين ابن تيمية هو السبب ! واعجباً - .
ولا يخفى أن قراءة هذه الجماعات لتراثه – رحمه الله - اعتمدت على شوارد اقتطفت غلطاً وخطأ أحياناً بعيداً من نصوصها، وبعيداً كذلك من مجمل خطابه وقواعده الكلية، بصيغة انتقائية وتأويلية لا تبالي بمعارضته وتخطئته متى خالف غايتها.
ولاعيب في ذلك على كتب شيخ الإسلام أو فتاويه ، بل القوم معروفٌ أسلافهم بالفهم المعوج والهوى المتبع . قال صلى الله عليه وسلم : " سيكون في أمتي اختلاف وفرقة ، قوم يحسنون القيل ، ويسيئون الفعل ، ويقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ، لا يرجعون حتى يرد على فوقه ، شر الخلق والخليقة ، طوبى لمن قتلهم وقتلوه ، يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء ، من قاتلهم كان أولى بالله منهم " رواه الحاكم وحسنه ابن حجر .
وانظر – رحمك الله – كيف ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قراءتهم القرآن ودعوتهم إليه في مقام التحذير منهم !
أي بمعنى : انتبه ! لا يغرنكم أنهم يقرؤن القرآن أو يدعون إليه ! - .
وقد كان شيخ الإسلام – رحمه الله – يحذر من أمثالهم ممن يتطفلون على نصوص الكتاب والسنة وأقوال العلماء بجهل وتعد .
قال – رحمه الله - : » لا بد أن يكون مع الإنسان أصول كلية يرد إليها الجزئيات ليتكلم بعلم وعدل، ثم يعرف الجزئيات كيف وقعت، وإلا فيبقى في كذب وجهل في الجزئيات، وجهل وظلم في الكليات فيتولد فساد عظيم « منهاج السنة(5/83) .
قال أيضاً : » وأخذ مذاهب الفقهاء من الإطلاقات من غير مراجعة لما فسروا به كلامهم وما تقتضيه أصولهم يجر إلى مذاهب قبيحة « الصارم المسلول (287) .
- احفظ هذا الكلام واجعله منك على ذكر تتجلى لك براءة شيخ الإسلام من كثير من الجرائم والفظائع التي ألصقت به بسوء فهم أو خبث طوية-
والمتتبع لسيرة هذه الجماعات الثورية ومنظريها يرى أنهم ليسوا من أبناء منهج السلف الصالح وعلمائه كابن تيمية – رحمه الله - ، ولا تجد فيهم عالماً راسخاً - كالألباني وابن باز وغيرهم من تلاميذ منهج شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - .
وهذه قاعدة منهجية متينة قررها حبر الأمة ابن عباس – رضي الله عنه – أول مناقشته للخوارج ، قال:
" أتيتكم من عند أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار، ومن عند ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وصهره، وعليهم
نزل القرآن، فهم أعلم بتأويله منكم ، وليس فيكم منهم أحد " رواه النسائي .
والثاني : صوفي أشعري أو علماني كاره للدين ، وجد فيما يحصل على الواقع فرصةً للزراية بشيخ الإسلام و بالتكرار يترسخ في أذهان المتلقين الارتباط بين ابن تيمية وبين الجماعات القتالية التكفيرية ..
ولا تعجب إذا علمت أن كبار مرجعية السلفية الجهادية - التكفيرية حقيقةً -كحسن البنا وسيد قطب هم من الأشاعرة الغالية في التصوف ، بل إن سيد قطب لم يقرأ لابن تيمية- رحمه الله - ولم يعرف مؤلفاته، ولم يرد له ذكر في أهمها حركياً كـ "هذا الدين" أو "معالم في الطريق"أو تفسيره الظلال أو غيرها من المؤلفات المؤثرة في فكرية جماعات الخروج الثورية وحركيتها .
ولا يبعد أن يكون من وراء ذلك مخططٌ غربيٌ محكم لإستغلال الأحداث والفتن التي تعصف بسوريا خاصةً وبلاد المسلمين عامةً لإيهام المسلمين أن كل ما يحدث لهم هو بسبب العلماء من أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية ومحمد عبد الوهاب والألباني وغيرهم .
وانظر إلى وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي تستغرب من كثرة ورود اسم " ابن تيمية و عبد الوهاب " مما يُظهِر أن وراء ذلك أمراً بيت بليل ! .
إن هؤلاء يعتمدون على أمرين : التجهيل والتضليل ، ويعرفون أن الذهنية العامة للناس ليست ذهنية تحقيق علمي ، بل هي تقبل الطرح الدوغمائي الإثاري الذي يتقبل المطلقات بلا تفصيل ، ولا يحاول أن يكد ذهنه في التنقيب والفهم ، فيجدون سوقاً رائجة كبيرة ، وخاصة في وقت الضخ الإعلامي الكبير المستهدف تشويه الإسلام بتعاليمه من خلال تشويه حملته ودعاته وعلمائه .
وخلاصة ً لما سبق أقول – وبالله التوفيق – :
- هذه كتب شيخ الإسلام – رحمه الله – بين يديك لن تجد فيها – أو في كتب تلاميذه كابن القيم وابن كثير وابن رجب ومن المعاصرين الألباني وابن باز وابن عثيمين - التأصيل لل : الحاكمية ، العزلة الشعورية ، المجتمعات الجاهلية ، الصدام مع السلطة الزمنية ، التحريض على الثورات ، إراقة الدماء ، المغامرات الثورية الرومنسية ! . بل ستجد ذلك كله في كتب سيد قطب والمودوي والقرضاوي وسيد فضل وغيرهم
لن تجد ثورياً أو تكفيرياً خرج لأنه قرأ في كتب ابن تيمية – رحمه الله – كالواسطية والتحفة العراقية ، وإنما سيثور بعد قرائته لمعالم في الطريق – كتاب الديناميت – ثم قد يلفق له فتوى لابن تيمية دون أخذ سياقها الزمني أو الشرعي .
- لن تجد ثورياً إلا ساباً وشاتماً – علناً أو مواربةً ً - لتلاميذ شيخ الإسلام المعاصرين كالألباني وابن عثيمين والفوزان – رحمهم الله – .
- إذا أردت أن تعرف ابن تيمية – رحمه الله – فعليك بكتبه وكتب تلاميذه كابن القيم وابن كثير والمزي والذهبي وابن رجب و ابن مفلح والمقريزي و ابن عبد الهادي و غيرهم .
واقرأ ماكتبه عنه في :الرد الوافر للحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي والمناقب العلية للحافظ ابن عبد الهادي والأعلام العلية في مناقب ابن تيمية للبزار وغيرها كثير .
وسيأتي البيان تباعاً والله هو الموفق والهادي إلى صراطه المستقيم .