إعـــــــلان

تقليص
1 من 4 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 4 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 4 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
4 من 4 < >

تم مراقبة منبر المسائل المنهجية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

تعلم إدارة شبكة الإمام الآجري جميع الأعضاء الكرام أنه قد تمت مراقبة منبر المسائل المنهجية - أي أن المواضيع الخاصة بهذا المنبر لن تظهر إلا بعد موافقة الإدارة عليها - بخلاف بقية المنابر ، وهذا حتى إشعار آخر .

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه .

عن إدارة شبكة الإمام الآجري
15 رمضان 1432 هـ
شاهد أكثر
شاهد أقل

محطات شرعية مع دعاة الإفساد والتفجير والإعتداء على البرية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • محطات شرعية مع دعاة الإفساد والتفجير والإعتداء على البرية

    محطات شرعية مع دعاة الإفساد والتفجير والإعتداء على البرية

    الشيخ أبو عبد الباري عبد الحميد بن أحمد العربي الجزائري



    الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى
    وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله

    أما بعد:

    *المحطة الأولى:


    أولا: لا يجوز للمغرر بهم أن يفرحوا بفتاوى المشبوهين، من أمثال أبي قتادة الفلسطيني، وضربه من الهلكى الذين يقيمون في ديار الصلبان، أو بعض المتطفلين على العلم من أشاعرة شنقط؛ الذين يحفظون المتون ولا يفهمون!، فإنّ هذا الصنف لا يحق له أن يتكلم في الحيض والنفاس لجهله بالشريعة، وغرقه في مستنقع التقليد، فكيف يفتي في دماء الناس!؟

    ثانيا: يحرم على المغرَّر بهم أن ينطلقوا في نصرة الإسلام في ديارهم الإسلامية والآمنة تقليدا لصنيع بعض المسلمين في العالم، فما يحدث في الشيشان، وأفغانستان، والفلبين، والصومال، وفلسطين، وكشمير، وأخيرا العراق، له أحكام خاصة جدا لا يجوز تعميمها ولا توسيعها، ولا أن يكون أصلا يقاس عليه غيره، أضف إلى ذلك أن القائمين على تصحيح الوضع في هذه الأقاليم فيهم دخن واعوجاج، وتعدٍ وظلم، لجهلهم بمنهج السلف في باب التغير، والسياسة الشرعية.

    ثالثا: على المغرّر بهم أن يدركوا أن قضايا الأمة يجب أن لا تؤثر على أمن الوطن القائم وإن كان فيه اعوجاج، وأن الذي يحدث في الأقاليم السابقة يعالج بالمحافظة على أمن الأوطان القائمة، وأنه لا يجوز بحال من الأحوال أن تكون قضايا الأمة سببا في زرع الفتن في الأوطان الآمنة، ولو كان للمغرر بهم فقه متين لوقفوا على هذه القاعدة التي حررها علماءُ السنّةِ الأفذاذ، وأن مصلحة الوطن المسلم مقدمة على قضايا الأمة.

    *المحطة الثانية: جعل دعاة التفجير أصل أصولهم قبل توحيد الله تعالى إسقاط الأنظمة القائمة بكل وسيلة شرعية كانت أو بدعية!!

    إنّ دعاة الإرهاب والخروج، وتكفير الخلق بالصّغيرة والكبيرة جعلوا أصلَ أصولهم ذكرَ عيوب الحُكام، ونشرها في وسائل الإعلام: وأن الدين لا تقوم له قائمة إلا بإسقاط الأنظمة الحاكمة، عن طريق التمرد والعصيان وإراقة الدماء، وتدمير وقتل كل ما امتدت إليه أيديهم!.

    إن صنيع القوم مخالف تماما للأدلة الشرعية الساطعة، ومباين للواقع المعيش، ومن الأدلة:

    قوله جل وعز في سورة الرعد : ((إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ)) وقول النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي أمامة: (لتُنْقضَنَّ عُرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة؛ تشبث الناس بالتي تليها، فأولهن نقضًا الحكم، وآخرهن الصلاة). قلت: الحديث إسناده جيد: أخرجه الإمام أحمد (5/251)، وابنه عبد الله في السنّة (برقم764)، والحاكم (4/190 برقم 7101ط: مقبل بن هادي الوادعي ) من طريق عبد العزيز بن إسماعيل بن عبيد الله، أنّ سليمان بن حبيب حدثهم عن أبي أمامة الباهلي به.

    قال الحاكم: عبد العزيز هذا هو ابن عبيد الله بن حمزة بن صهيب، وإسماعيل: هو ابن عبيد الله بن المهاجر، والإسناد كله صحيح، ولم يخرجاه.
    تعقبه الذهبي بقوله: عبد العزيز ضعيف.
    قلت: قد وهم الحاكم والذهبي رحمهما الله في ذلك.

    قال العلامة مقبل بن هادي رحمه الله في تذييله على مستدرك الحاكم: (عبد العزيز ترجمه الحافظ في "تعجيل المنفعة" قال أبو حاتم: ليس به بأس، وأمّا الذهبي فقد تبع في هذا الحاكم على أن عبد العزيز هو: ابن عبيد الله إلخ، وليس كذلك، بل هو: ابن إسماعيل بن عبيد الله كما في مسند أحمد (5/251)، وشيخه سليمان بن حرب)اهـ.

    قلت وبالله التوفيق: فعبد العزيز هذا ليس هو ابن عبيد بن حمزة بن صهيب بن سنان الحمصي، وإنما هو عبد العزيز ابن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر المخزومي، مولاهم الدمشقي، الذي وثقه ابن حبان في الثقات (7/110)، وقال عنه أبو حاتم في الجرح والتعديل (5/377 برقم 1766): ليس به بأس، انظر تعجيل المنفعة للحافظ (1/820 برقم659). وعليه فيكون حاله أنه حسن الحديث.

    وقد نبه إلى وهم الحاكم والذهبي العلاّمة الألباني فقال رحمه الله في تعليقه على صحيح الترغيب والترهيب (1/369) ط مكتبة المعرف) بإيجاز شديد: (وفي سنده تحريف خَفِيَ على الذهبي فضعف الحديث من أجله! وإسناد أحمد صحيح)

    قلت: وإسناد الإمام أحمد حسن، ولا أظنّ أنه يرقى إلى الصحة، والله أعلم.

    وأخرجه الطبراني في الكبير (برقم 7486)، وفي الشاميين (2/411 برقم 1602)، والبيهقي في الشعب (برقم 7524) من طريق محمد بن عبد الله الحضرمي، عن أحمد بن حنبل به.

    وأخرجه ابن حبان (برقم 6715) من طريق إسحاق بن إبراهيم المروزي، والبيهقي في الشعب (5277) من طريق أبي جعفر المسندي؛ كلاهما عن الوليد بن مسلم به.

    قلت: وفي هذا الحديث أخبرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنّ أول شعائر الدين ذهابا الحكم بما أنزل الله، وبين في نفس الحديث أن كثيرًا من شعائر الدين تبقَى بعد ذهاب الحكم، والشيء لا يذهب كله بذهاب أوله كما في هذا الحديث وحديث فيروز الديلمي الذي أخرجه الإمام أحمد (4/232) وقد رُوي موقوفا ومرفوعا، وفيه: (لينقضن الإسلام عروة عروةً، كما ينقض الحبل قوة قوة)، فظهر بذلك أنه ليس الأمر كما يقولون: ذهاب الحكم؛ ذهاب الدين كله، وعليه تصير الدولُ الإسلامية على مفهومهم العفن دُوَلَ كفرٍ شبيهة بروما وباريس، آخذين هذا العفن من رأسهم سيد قطب المصري الذي يقول في ظلال القرآن (4/2122): (إنّه ليس على وجه الأرض اليوم دولة مسلمة، ولا مجتمع مسلم، قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله والفقه الإسلامي).

    ويقول كذلك: كما في ظلال القرآن (3/1634 ): (إن المسلمين اليوم لا يجاهدون، ذلك أن المسلمين اليوم لا يوجدون)، ويقول كذلك كما في الظلال (4/2009): (إن هذا المجتمع الجاهلي الذي نعيش فيه ليس هو المجتمع المسلم)، ويقول كما في كتابه العدالة الاجتماعية (ص:250): (وحين نستعرض وجه الأرض كله اليوم على ضوء هذا التقرير الإلهي لمفهوم الدين والإسلام لا نرى لهذا الدين وجوداً، إن هذا الوجود قد توقف منذ أن تخلت آخر مجموعة من المسلمين عن إفراد الله سبحانه بالحاكمية في حياة البشر، ويجب أن نقرر هذه الحقيقة الأليمة، وأن نجهر بها، وألاّ نخشى خيبة الأمل التي تحدثها في قلوب الكثيرين، الذين يحبون أن يستيقنوا كيف يكونون مسلمين..). وقال في تفسيره (3/1451)، حاثاً شباب الأمة على الخروج والفتنة: (إنه لا مندوحة للمسلمين أو أعضاء الحزب الإسلامي عن الشروع في مهمتهم، بإحداث الانقلاب المشهود، والسعي وراء تغيير نظم الحكم في بلادهم التي يسكنونها)، وقال أيضا في ظلال القرآن (2/1057): ( لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين إلى البشرية، وعادت البشرية إلى مثل الموقف الذي كان فيه يتنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم…، لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين إلى البشرية إلى عبادة العباد، وإلى جور الأديان، ونكصت عن لا إله إلاّ الله، وإن ظل فريق منها يردد على المآذن لا إله إلاّ الله، دون أن يدرك مدلولها…، البشرية بجملتها، بما فيها أولئك الذين يرددون على المآذن في مشارق الأرض ومغاربها كلمات لا إله إلا الله، بلا مدلول ولا واقع… وهؤلاء أثقل إثماً وأشد عذاباً يوم القيامة، لأنهم ارتدوا إلى عبادة العباد من بعد ما تبين لهم الهدى، ومن بعد أن كانوا في دين الله). ولما استقر ضلال سيد قطب - ومن خدم منهجه المنحرف؛ كمحمد سرور زين العابدين، وسفر الحوالي، وعدنان عرعور، والمراكشي، وخلق كثير- في قلوب دعاة التكفير بالكبيرة والصغيرة، صار اهتمامهم بالحاكمية هو شغلهم الشاغل، ولا تجدهم أبدا يعنون بباقي الواجبات، وحق الله على البريات، بل ربما جعل بعضُهم الدعوة إلى التوحيد الخالص، والعقيدة السليمة من التأويل والتمثيل والتحريف؛ مضيعة للوقت، ونفخة في رماد، وأن قضية العصر التي يجب أن تجمع لها الجهود، وتسل في سبيلها السيوف، وتجهز لها الجيوش هي: الإطاحة بالأنظمة القائمة، على قاعدة: أن الهرم يُؤتى عليه من أعلاه، حتى ولو أدى الأمر إلى تحويل الدول الآمنة إلى نسخة شبيهة بالصومال والعراق، والله العاصم من منهج دعاة الضلال.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (35/45): (...وأما الحديث النبوي "السّلطان ظل الله في الأرض، يأوي إليه كلّ ضعيف وملهوف" ، وهذا صحيح ، فإنّ الظل مفتقر إلى آو، وهو رفيق له، مطابق له نوعا من المطابقة، والآوي إلى الظل المكتنف بالظل صاحب الظل، فالسلطان عبد الله، مخلوق، مفتقر إليه، لا يستغني عنه طرفة عين، وفيه من القدرة والسّلطان والحفظ والنصرة وغير ذلك من معاني السؤدد والصمدية، التي بها قوام الخلق، ما يشبه أن يكون ظل الله في الأرض، وهو أقوى الأسباب التي يصلح بها أمور خلقه وعباده، فإذا صلح ذو السلطان؛ صلحت أمور النّاس، وإذا فسد فسدت بحسب فساده ولا تفسد من كل وجه، بل لا بد من مصالح، إذْ هو ظل الله، لكن الظل تارة يكون كاملًا مانعًا من جميع الأذى، وتارة لا يمنع إلا بعض الأذى، وأما إذا عُدِم الظل؛ فسد الأمر...).


  • #2
    إنّ أهلَ السنة والجماعة، أهلَ الحديث والأثر في الجزائر الغراء وغيرها من بقاع الأرض راضون ببعض الظل، ويسعون بعون الله، ثم بجهد المخلصين من أبناء الأمة إلى جلب الجزء الناقص بالتي هي أحسن للتي هي أقوم، وفي نفس الوقت يحذرون الأمة من حرّ ولهيب دعاة والإرهاب والاستئصال، والخروج على السلطان.

    *المحطة الثالثة: لنمشي جدلا مع دعاة الإفساد أن حكام الدول الإسلام كفار، فما هو العمل!؟

    إنّ الحاملين لمشروع الجهاد في ديار الإسلام هداهم الله، وأنا لا أعني القائمين على مقاومة العدوّ الغاصب كما هو الشأن في فلسطين الجريحة فهذا أمر آخر، عراةٌ من المستند الشرعي، ليس لهم مرجعية شرعية معروفة بالعلم، موثوق بها في العالم الإسلامي، ولهذا من أين لهم أن يعرفوا مواطن المصالح ليحققوها، وبؤر المفاسد ليجتنبوها، وقضايا الجهاد والسياسة الشرعية لا تسند إلى مراجع وهمية ومجهولة، لا يعرف لها صوت في الوسط العلمي، ومن رامى إقامة مشاريعه على المجهولين أو المفقودين فإنّه يكون قد شابه الرافضة الذين أرادوا أن يقيموا حجج الله على الخلق من ثقب سرداب ذاب فيه طفل مفقود!!

    قال ابن قيّم الجوزية رحمه الله في مفتاح دار السعادة (1/452 تحقيق علي الحلبي): (وحُجج الله لا تقوم بخَفِىٍّ مستور، لا يقع العالم له على خَبَرٍ، ولا ينتفعون به في شيء أصلا، فلا جاهل يتعلم منه، ولا ضالٌّ يهتدي به، ولا خائف يأمَن به، ولا ذليل يتعزَّر به، فأي حجة لله قامت بمن لا يُرى له شخص، ولا يُسمع منه كلمة، ولا يُعْلَم له مكان...) إلى أن قال:
    المستجير بعمرو عند كربته ** كالمستجير من الرمضاء بالنار)اهـ.

    وأعود إلى الحاملين على كواهلهم مشروع الجهاد، وهموم الأمة من غير مستند شرعي ولا عقلي، وأقول لهم: هبّو جدلا أن الحكام الذين تقاتلونهم كفار في منظور أهل الحل والعقد، لا يشك في كفرهم إلا أعشى! فهل هذه الحقيقة تبيح لكم إعلان الجهاد في ساحة الأمة جزافا من غير النظر إلى باب المصالح والمفاسد، والتحقق من مواطن القوة والضعف، ودراسة الأوضاع دراسة دقيقة وشرعية، بالعودة إلى كبار أهل العلم، والخبراء من رواد السياسة الشرعية وصنّاع القرار، وهل يتصور القوم رزقهم الله العقل أنّ اسقاط ناظم كامل ومتناسق في عصر العولمة، والتكتلات العالمية يكون بالتحريش والتشويش، وإثارة الفتن، وظلم الأبرياء من أبناء الشعب المسلم!
    وقد قيل:
    لكلّ داءٍ دواء يستطبُّ به ** إلاّ الحماقة أعيت من يداويها.

    قال العلاّمة صالح الفوزان رحمه الله كما في (فتاوى الأئمة في النوازل المدلهمة ص 76-77): (وأما التعامل مع الحاكم الكافر؛ فهذا يختلف باختلاف الأحوال: فإن كان في المسلمين قوة، وفيهم استطاعة لمقاتلته وتنحيته عن الحكم، وإيجاد حاكم مسلم؛ فإنه يجب عليهم ذلك، وهذا من الجهاد في سبيل الله، أما إذا كانوا لا يستطيعون إزالته؛ فلا يجوز لهم أن يتحرشوا بالظلمة والكفرة، لأن هذا يعود على المسلمين بالضرر والإبادة، والنبي صلى الله عليه وسلم عاش في مكة ثلاث عشرة سنة بعد البعثة والولاية فيها للكفار، ومعه من أسلم من أصحابه، ولم ينازلوا الكفار، بل كانوا منهيين عن قتال الكفار في هذه الحقبة، ولم يُؤْمروا بالقتال إلا بعد ما هاجر عليه السلام وصار له دولة وجماعة يستطيع بهم أن يقاتل الكفار، هذا هو منهج الإسلام.

    فإذا كان المسلمون تحت ولاية كافرة، ولا يستطيعون إزالتها؛ فإنهم يتمسكون بإسلامهم وبعقيدتهم، ولكن لا يخاطرون بأنفسهم، ويغامرون في مجابهة الكفار، لأن ذلك يعود عليهم بالإبادة والقضاء على الدعوة، أما إذا كانت لهم قوة يستطيعون بها الجهاد؛ فإنهم يجاهدون في سبيل الله على الضوابط الشرعية المعروفة)اهـ.

    إنّ فقه القوة والضعف في مواجهة العدو مقررٌ في السياسة الشرعية، فقد قرر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعد ما ذكر المراحل التي مرّ بها المسلمون في إقامة دولتهم: وأن المسلم إذا كان في حال ضعف؛ فيأخذ بنصوص العفو والصفح والصبر، وإذا كان في حال قوة؛ فيأخذ بالنصوص الدالة على قتال الكفار، وقد ذكر شيخ الإسلام هذا وغيره في سياق الرد على من استدل بقول الله تعالى: (( لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ))، فاستدل المعترض بذلك ونحوه على ترك قتل أهل الذمة، وإن طعنوا في كتاب الله، ودينه، ورسوله صلى الله عليه وسلم فرد عليه شيخ الإسلام: (إن الأمر بالصبر على أذاهم، وبتقوى الله؛ لا يمنع قتالهم عند المكنة، وإقامة حد الله عليهم عند القدرة...) وذكر أن هذه الآية وما شابهها منسوخة من بعض الوجوه، ونقل أن الناسخ قوله تعالى: ((وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ))، وقوله تعالى:(( قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ))


    إلى أن قال رحمه الله:...وصارت تلك الآية في حق كل مؤمن مستضعف لا يمكنه نصر الله ورسوله بيده ولا لسانه، فينتصر بما يقدر عليه من القلب ونحوه، وصارت آية الصَّغار على المعاهَدين في حق كل مؤمن قوي يَقْدِر على نصر الله ورسوله بيده أو لسانه، وبهذه الآية ونحوها كان المسلمون يعملون في آخر عُمُر رسول صلى الله عليه وسلم وعلى عهد خلفائه الراشدين، وكذلك هو إلى قيام الساعة، لا تزال طائفة من هذه الأمة قائمين على الحق ينصرون الله ورسوله النصر التام، فمَنْ كان من المؤمنين بأرضٍ هو فيها مستضعف، أو في وقت هو فيه مستضعف؛ فليعمل بآية الصبر والصفح عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين، وأما أهل القوة: فإنما يعامِلون بآية قتال أئمة الكفر، الذين يطعنون في الدين، وبآية قتال الذين أوتوا الكتاب،حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) انظر الصارم المسلول 2/413- 414 ط/ الرمادي).

    قلت: إنّ العُجب الذي ملأ قلوب القوم، جعلهم يرون الأمور بمنظار آخر، ويزنونها بميزان خاص، ويتصورون أنهم يسلكون سبيل المجاهدين ضد فرنسا الكافرة مع تبان المواقف، واختلاف الظروف كما بينا في جزء خاص لنا يسر الله طبعه، ويمنّون أنفسهم بالنصر القريب، فعمى العجب أبصارهم، وصوّر لهم الشيطان أن الحق لا يصدر إلا عنهم، وكأنهم موكلون به، وهذه الصفة هي التي منعت الكفار من قبول الحق كما قال تعالى عنهم في سورة غافر: ((فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون)).

    قال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى (10/292): (ألا ترى أن الذي يعظم نفسه بالباطل يريد أن ينصر ما قاله، ولو كان خطأً).

    وصدق القاضي عياض حين قال كما في التذكرة في الوعظ (97): (لو أن المبتدع تواضع لكتاب الله، وسنة نبيه لاتّبع ما ابتدع، ولكنّه أُعجب برأيه فاقتدى بما اخترع).

    وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله في الجامع (1/285):(وقال بعض المتقدمين: صوّر ما شئت في قلبك، وتفكر فيه، ثم قسه إلى ضدِّه؛ فإنك إذا ميّزت بينهما عرفت الحق من الباطل).

    وأنا العبد الفقير إلى الله أطالب المغرر بهم هداهم الله إلى الحق أن يقارنوا الأفكار التي تشبعوها بالعلم الذي عليه كبار أهل العلم في هذا العصر، إن كانوا ينشدون الحقّ ويسعون إلى إصلاح الأرض.

    إن الذي عليه القوم من خلاف، واختلاف، واضطراب، وتيه، وضياع، ومعاص؛ شبيه بالعفن الذي يتخبط فيه النصارى، وصدق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حين قال في الجواب الصحيح (2/155) : (ولهذا قال طائفة من العقلاء: إنّ عامة مقالات النّاس يمكن تصوُّرها إلا مقالة النصارى، ولذلك أن الذين وضعوها لم يتصوروا ما قالوا، بل تكلموا بالجهل، وجمعوا في كلامهم بين النقيضين، ولهذا قال بعضهم: لو اجتمع عشرة نصارى لتفرقوا عن أحد عشر قولا!

    وقال آخر: لو سألت بعض النصارى وامرأته وابنه عن توحيدهم؛ لقال الرجل قولا، وامرأته قولا آخر، وابنه قولا ثالثا).

    وهكذا حال ثورنا هداهم الله إلى السنّة؛ فإن العقلاء فضلا عن العلماء لم يتصوروا إلى الآن ماذا يريد القوم، وما هي معالم هذه الدولة التي يسعون إلى إقامتها، ومنهم أعمدتها من العلماء؟

    زبرت هذا كله مشيا مع القوم أن الحكام الذين يناهضونهم كفار، فكيف إذا كان الحال خلاف ذلك تماما، وأننا لم نسمع من علمائنا أنهم كفروا حكامنا، ولا أنهم أمروا بمناهضتهم، والخروج عليهم.

    إنني من خلال هذا المقال أناشد المغرر بهم بالعودة إلى كبار أهل العلم لمعرفة الحق، وسبيل النجاة من الفتن.

    قال العلاّمة الصنعاني رحمه الله في إرشاد النقاد (ص:106): (وفرق بين تقليد العالم في جميع ما قاله، وبين الاستعانة بفهمه، فإن الأول يأخذ بقوله من غير نظرٍ في دليل من كتاب ولا سنة، والاستعانة بفهمه وهو الثاني: بمنزلة الدليل في الطريق، والخريت الماهر لابن السبيل، فهو دليل إلى دليل)

    *المحطة الرابعة: تجريد دعاة الإفساد من بعض الأدلة التي يظنون أنها تخدم منهجهم.

    قلت: قد يستدل بعض من يدعي العلم من رؤوس الخوارج، وأدعياء الجهاد في ديار الإسلام على جواز حرق ممتلكات الأمة، وتخريب عتادها بقوله تعالى: (( مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ ))، وبما جاء في صحيح البخاري من حديث الليث وموسى بن عقبة كلاهما، عن نافع، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (حرّق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بني النضير)، وبوّب الإمام البخاري في صحيحه كتاب الجهاد والسير؛ (باب: حرقِ الدّور والنخيل).

    وبحديث صالح بن أبي الأخضر، عن الزهريّ: قال عروة: فحدثني أسامة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عَهِدَ إليه فقال: (أَغِرْ على أبنى صباحا وحرق)، أخرجه الإمام أبو داود (برقم 2613)، وابن ماجه (برقم 2843)، والطياليسي (برقم625).

    قلت: والجواب على استدلال القوم بما يلي:

    1- نقول للقوم اثبتوا العرش ثم انقشوا، فإنّ الخلاف بينكم وبين علماء الأمة الأخيار في صحة المشروع الذي تتبنونه من أساسه، فأهل السنّة والحديث لا يصححون عملكم، ولا يرونه مشروعا، و لا أنّه الجهاد الذي أمر الله به ورسوله، حتى يستقيم لكم الاستدلال بالنصوص السابقة في قطع وحرق مُلك من ترونه مرتدا.

    2- إنّ حرق ممتلكات العدو يـخضع للمصلحة والمفسدة، ويحتاج إلى فهم العلماء المجتهدين لإذن الله تعالى، والذين هم بدورهم يقومون بإسقاطه على الحادثة، قال الشاطبي في الاعتصام (2/245): (فشأن الراسخين تصور الشريعة صورة واحدة يخدم بعضها بعضا)، ثم قال: وشأن متبعي المتشابهات أخذ دليل ما - أي دليل كان- عفوا وأخذا أوليا، وإن كان ثَمَّ ما يعارضه من كلي أو جزئي)، وقال كذلك رحمه الله: (الشريعة لا يطلب منها الحكم على حقيقة الاستنباط إلا بجملتها لا من دليل منها - أي دليل كان- وإن ظهر لبادي الرأي نُطق ذلك الدليل، فإنما هو توهُمي لا حقيقي)، ليت شعري من أين لأدعياء الجهاد في ديار الإسلام معرفة المصالح والمفاسد، وهم لا يملكون في صفوفهم رُبع طالبِ علمٍ عُرف بالجتهاد فيه، نهيك أن يكون معهم عالم مشهور بالعلم، له وزنه في الأمة، وصدق حبر الأمة عبد الله ابن عباس حين ناظر الخوارج فقالوا له: ما جاء بك؟ قال: (جئتكم من عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس فيكم منهم أحد، ومن عند ابن عمّ رسول الله ، وعليهم نزل القرآن، وهم أعلم بتأويله). إسناده حسن؛ أخرجه ابن عبد البر في الجامع (2/963 برقم1834).

    قلت: وراقم هذه الأسطر غفر الله له جاء من عند العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز، والعلامة محمد ناصر الدين الألباني، والعلامة محمد بن صالح العثيمين، والعلامة عبد المحسن العباد، والعلامة ربيع بن هادي المدخلي، وكوكبة مشرقة من العلماء وطلاب العلم، فمن هم العلماء الذين يستند إليهم المغرر بهم في أعمالهم؟!!.

    3- لقد بوّب الإمام أبو داود رحمه الله (باب: الحرق في بلاد العدو)، وأنا أطالب أدعياء الجهاد في دارنا الحبيبة الجزائر أن يحددوا لنا بلادهم وحدودَها، والتي هي بلاد الإسلام والهجرة؛ البلاد التي يجب على الشعب الجزائري المسلم أن يهاجر إليها، والتي تحرم فيها الاغتيالات والتفجيرات والأعمال الإجرامية من حرق ونهب، ثم بعد ذلك يحددون لنا بلاد العدو، التي هي بلاد الكفر، أو دار الحرب، والتي تصلح فيها الأعمال التي تعود على الإسلام والمسلمين بالعزة والنصرة والكرامة من حرق وهدم؟!.

    قال الأمير الصنعاني رحمه الله في سبل السلام (7/222 تحقيق: محمد صبحي حلاق) بعد ما بوّب: إتلاف أموال المحاربين: (يدل على جواز إتلاف أموال أهل الحرب بالتحريق، والقطع لمصلحة في ذلك) ثم قال رحمه الله: (وقد ذهب الجماهير إلى جواز التحريق والتخريب في بلاد العدوّ، وكرهه الأوزاعي، وأبو ثور، واحتجا بأنّ أبا بكر رضي الله عنه وصّى جيوشه أن لا يفعلوا ذلك.

    وأجيب بأنّه رأى المصلحة في بقائها، لأن قد علم أنّها تصير للمسلمين، فأراد بقاءها لهم، وذلك يدور على ملاحظة المصلحة). انظر المغني لابن قدامة (13/146 تحقيق التركي). وفتح الباري للحافظ ابن حجر، كتاب الجهاد والسير، باب: حرق الدور والنخيل.

    قال العلامة القرطبي رحمه الله في الجامع لأحكام القرآن (18/11 تفسير سورة الحشر): (اختلف النّاس في تخريب دار العدو، وتحريقها وقطع ثمارها على قولين: الأول: أن ذلك جائز؛ قاله في المدونة. الثاني: إن علم المسلمون أن ذلك لهم لم يفعلوا، وإن يئسوا فعلوا؛ قاله مالك في الواضحة، وعليه يناظر أصحاب الشافعي ابن العربي. والصحيح الأوّل: وقد علم رسول الله أن نخل بني النّضير له، ولكنه قطع، وحرّق ليكون ذلك نكاية لهم، ووهنا فيهم، حتى يخرجوا عنها، وإتلاف بعض المال لصلاح باقيه مصلحة جائزة شرعا، مقصودة عقلا)، انظر تتمة الأضواء (5/284).

    إنّ الذي عليه علماء الأمة قاطبة أن إقليم جزائر من شرقه إلى غربه، ومن جنوبه إلى شماله دارُ إسلام وهجرة، ولا يوجد فيه مترا مربعا يصلح أن نقول فيه أنه خاضع لأحكام دار الحرب، فما يفعله أدعياء الجهاد في ديارنا صنيع قطاع الطرق واللصوص، والعصابات الإجرامية.

    جاء في الموسوعة السياسية (6/497) في تعريف الإقليم: (رقعة من الأرض والبحر، وطبقات الجوّ الّتي تعلوها، تباشر الدولة سلطاتها بصفة دائمة ومستمرة، والإقليم عنصر أساسي من عناصر قيام الدولة، لأنه لا يمكن أن يكون لشعب كيانٌ مستقل وحقيقي ما لم يكن على إقليم معين).

    وقد اجتمعت كلمة المذاهب الأربع وغيرهم من علماء الإسلام، ومن خالف فخلافه من قبيل التنوع؛ أن مناط الحكم على الإقليم أنه أصبح دار هجرة وإسلام إذا دخل في منعة المسلمين، واستقر تحت سيادتهم، بحيث يقدرون على إظهار أحكام الإسلام والامتناع عن أعدائهم.

    أخرج الإمام مسلم في صحيحه (برقم1731) من طريق علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمّر أميرا على جيش أو سريَّة، أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: (اغزوا باسم الله، في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغُلّوا ولا تغدروا، ولا تمثُلُوا، ولا تقتلوا وليدا، وإذا لقيت عدوّك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خِصال - أوخلال- فأيتهنّ ما أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم، ثم ادعهم إلى التحوّل من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم – إن فعلوا ذلك- فلهم ما للمهاجرين، وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحلوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فأقبل منهم وكفّ عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم..). ينظر للفائدة الحديثية إكمال المعلم للقاضي عياض (6/32).

    وأخرج الإمام البخاري في صحيحه (برقم610) من طريق إسماعيل بن جعفر، عن حميد، عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا قوما، لم يكن يغزو بنا حتّى يصبح وينظر: فإن سمع أذانا كفّ عنهم، وإن لم يسمع أذانا أغار عليهم...).

    قد يقول قائل: في عصرنا الحديث كثير من ديار الصلبان فيها مساجد، ويسمع فيها الآذان، والجواب: أن المراد أن تكون المساجد مظهرا من مظاهر البلد، وهي علامة على ظهور شعائر الإسلام، والتي الصلاة من أهم دعائمه، وعندما أقول ظهور شعائر الإسلام لا أعني اجتماعها كلها، فإنه منذ انقراض عهد الخلفاء الراشدين والنقص متتابع في هذه الأمة كما جاء في الحديث (لتُنْقضَنَّ عُرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة؛ تشبث الناس بالتي تليها، فأولهن نقضًا الحكم، وآخرهن الصلاة).

    وقد يوصف الإقيلم باعتبار سكانه الذين يملكون السيادة فيه:

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (18/282): (...وكون الأرض دار كفر ودار إيمان، أو دار فاسقين؛ ليست صفة لازمة لها؛ بل هي صفة عارضة بحسب سكانها، فكل أرض سكانها المؤمنون المتقون هي دار أولياء الله في ذلك الوقت، وكل أرض سكانها الكفار فهي دار كفر في ذلك الوقت، وكل أرض سكانها الفساق فهي دار فسوق في ذلك الوقت، فإن سكنها غير ما ذكرنا وتبدلت بغيرهم فهي دارهم).

    ولله الحمد والمنـّة أن سكان الجزائر مسلمون، ولا يضر أن يكون بينهم بعض الفاسقين أو الكافرين، فإنّ الدار تنسب لسوادها الأعظم من السكان، الذين لهم السيادة فيه.

    قال العلاّمة الشوكاني رحمه الله في السيل الجرار (4/575) في تعريف دار الإسلام: (الاعتبار بظهور الكلمة، فإن كانت الأوامر والنواهي في الدّار لأهل الإسلام، بحيث لا يستطيع من فيها من الكفار أن يتظاهر بكفره إلا لكونه مأذونا له بذلك من أهل الإسلام فهذه دار الإسلام، ولا يضر ظهور الخصال الكفرية فيها، لأنها لم تظهر بقوة الكفار، ولا بصولتهم، كما هو مشاهد في أهل الذمة من اليهود والنصارى والمعاهدين السّاكنين في المدائن الإسلامية، وإذا كان الأمر بالعكس؛ فالدار بالعكس).

    وقال عبد الله خلاف في السياسة الشرعية (ص69): (دار الإسلام: هي التي تجري عليها أحكام الإسلام، ويأمن من فيها بأمان المسلمين، سواء أ كانوا مسلمين أم ذمِّيين.

    ودار الحرب: هي الدار التي لا تجري عليها أحكام الإسلام، ولا يأمن من فيها بأمان المسلمين)، ينظر كتاب (العبرة فيما جاء في الغزو والشهادة والهجرة. ص (234-237) ( لصديق حسن خان القنوجي رحمه الله).

    وأُراني أجزم أن الذين خرجوا في ديارنا على حُكّامنا وشعبنا المسلم، وسعوا في إفساد البلاد والعباد لا يفقهون هذه الأحكام، لهذا خبطوا وخلطوا، وأدخلوا الأمة في أزمة لم يشهد لها التاريخ نظيرا.

    فلدار الكفر أو الحرب أحكامٌ، ولدار الإسلام أو الهجرة أحكام، ويبقى دم المسلم وماله معصومان بعصمة الإسلام في دار الحرب وغيرها، وأن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام، ودخوله في الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار، كما قال العلامة الشوكاني في سيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار.

    تعليق


    • #3
      تنبيه هام:

      لقد وقفت على قول لرأس من رؤوس الخوارج الأشرار في هذا العصر، يصور فيه وضع الأقاليم الإسلامية الحالية بحالة أهل ماردين في عهد شيخ الإسلام ابن تيمية، فقال: (وأمصارنا لا تختلف كثيرا عن بلدة ماردين التي سئل عنها شيخ الإسلام ابن تيمية... حيث كان فيها الكفار ويمثلون الطبقة الحاكمة المتنفذة ... والمسلمون ويمثلون عامة الناس والسكان [ ثم ذكرى فتوى شيخ الإسلام، التي سأذكرها فيما بعد] وهذا الحكم يحمل على أكثر أمصار المسلمين في هذا العصر، لتطابق أوصافها مع أوصاف بلدة ماردين التي سئل عنها شيخ الإسلام)اهـ.

      وغلا صنف آخر مثل شكري مصطفى كما في كتاب (الهجرة)، وماهر بكري في كتاب (ذكرياتي مع جماعة المسلمين)، وعبد الجواد يس في كتاب (مقدمة في فقه الجاهلية المعاصرة)، وغيرهم حين جعلوا مدى التلازم بين صيرورة الإقليم دار كفر وبين تكفير أهله، وهذا من الجهل بمكان، فإنه لا تلازم بين أن تصير الأرض دار كفر وبين أن نحكم على قاطنيها بالكفر كما سيأتي بيانه قريبا.

      قلت: ماردين إقليم إسلامي في تركيا حكمه الأراتقة نسبة إلى أرتق بن أكسب من عشيرة تركمانية ما يزيد على عن ثلاثة قرون، وذلك من سنة 460 إلى سنة 812 هجرية، وقد استولى عليه التتار، ودخل تحت حمايتهم، وبعد هجوم التتار على الشام ناصر جنود ماردين التتار على المسلمين، ودونك فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله التي استشهد بها الخارجي على تكفير المسلمين وقتالهم، جاء في مجموع الفتاوى (28/240): (وسئل رحمه الله عن بلد ماردين، هل هي بلد حرب أم بلد سلم؟ وهل يجب على المسلم المقيم بها الهجرة إلى بلاد الإسلام أم لا؟ وإذا وجبت عليه الهجرة ولم يهاجر، وساعد أعداء المسلمين بنفسه وماله، هل يأثم في لك؟ وهل يأثم من رماه بالنفاق وسبه به أم لا؟

      فأجاب: الحمد لله، دماء المسلمين وأموالهم محرمة حيث كانوا، في ماردين أو غيرها، وإعانة الخارجين عن شريعة دين الإسلام محرمة، سواء كانوا أهل ماردين أو غيرهم، والمقيم بها إن كان عاجزا عن إقامة دينه وجبت الهجرة عليه، وإلا استحبت ولم تجب.

      ومساعدتهم لعدو المسلمي بالأنفس والأموال محرمة عليهم، ويجب عليهم الامتناع من ذلك، بأي طريقة أمكنهم، من تغيبٍ، أو تعريض، أو مصانعة، فإذا لم يمكن إلا بالهجرة تعينت.

      ولا يحل سبهم عموما ورميهم بالنفاق، بل السّب والرمي بالنفاق يقع على الصفات المذكورة في الكتاب والسنة، فيدخل فيها بعض أهل ماردين وغيرهم.

      وأما كونها دار حرب أو سلم؛ فهي مركبة: فيها المَعنيَان، ليست بمنزلة دار السلم التي تجري عليها أحكام الإسلام، لكون جنودها مسلمين، ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار، بل هي قسم ثالث، يعامل المسلم فيها بما يستحقه، ويقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه)اهـ.

      والمتمعن في كلام شيخ الإسلام بصدق وتجرد يجده أنه لم يكفر حكومة ماردين ولا جندها، وحالها شبيه بالحكم الذاتي، فهل الدول الإسلامية القائمة والآمنة اليوم وضعها شبيه بماردين حتى تقاس عليها؟

      ثم إنه يوجد قول آخر لعلماء المسلمين يخالف ما جنح إليه شيخ الإسلام رحمه الله، فقد سئل الفقيه الشافعي الرملي عن المسلمين الساكنين في وطن من أوطان الأندلس يقال له " أرغون"، وهم تحت ذمة السلطان النصراني، يأخذ منهم خراج الأرض، ولم يعتد عليها بظلم، ولهم جوامع يصلون فيها، ويصمون رمضان، ويتصدقون، ويقيمون حدود الإسلام جهارا كما ينبغي، ولا يتعرض لهم النصراني في شيء من أفعالهم الدينية فأجاب: (لا تجب الهجرة على هؤلاء المسلمين من وطنهم، لقدرتهم على إظهار دينهم به، ولأنه عليه السلام بعث عثمان يوم الحديبية إلى مكة على إظهار دينه بها، بل لا تجوز الهجرة منه، لأنه يرجى به إسلام غيرهم، ولأنه دار إسلام، فلو هاجروا منه صار دار حرب) انظر فتاوى الرملي (4/52-54) ومعه الغلو في الدين (ص339) للويحق.

      إنني أدعوا المغرر بهم إلى دراسة هذا الباب من مصادره الأمينة والمتينة، إذا أرادوا أن يجنبوا أنفسهم وأمتهم المهالك والأضرار، وإياهم ثم إياهم أن يعتمدوا على كتب سيد قطب وأخيه محمد وقطب، ومن قبلهما أبي الأعلى المودودي في تحرير هذا الباب، فإن من سبق ذكرهم قد شطّوا كثيرا عن منهج السلف، وأبدعوا من المصطلحات ما زادت أبناء الأمة خبالا، وبعدا عن سواء السبيل.

      4- إن المغرر بهم يخلطون في مسألة التترس، ولا يفقهون قضية التزيل، ولهذا نراهم يرمسون كل من جاء في طريقهم من مسلم ومرتد على تأصيلهم، وإذا سئلوا عن الأبرياء الذين لا ناقة لهم ولا جمل، بأي ذنب مزقت أشلاؤهم، يكون جوابهم: يبعثون يوم القيامة على نياتهم. قال تعالى (( هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاء لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ))، فإن الذي صنعه ويصنعه أدعياء الجهاد في ديار الإسلام جلب لهم العار والخزي، ولأمتهم الذل والهوان ولم يحققوا عُشر مصلحة انتفع منها الإسلام وأهله والله المستعان.

      5- حديث أسامة لا يصح للاحتجاج، لضَعف صالح بن أبي الأخضر اليمامي.

      والحمد لله رب العالمين.

      الله أسأل أن يعيد للمغرر بهم عقولهم، وأن يرزقهم العلم النافع الذي يصححون به مسارهم.

      تعليق

      يعمل...
      X