إعـــــــلان

تقليص
1 من 4 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 4 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 4 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
4 من 4 < >

تم مراقبة منبر المسائل المنهجية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

تعلم إدارة شبكة الإمام الآجري جميع الأعضاء الكرام أنه قد تمت مراقبة منبر المسائل المنهجية - أي أن المواضيع الخاصة بهذا المنبر لن تظهر إلا بعد موافقة الإدارة عليها - بخلاف بقية المنابر ، وهذا حتى إشعار آخر .

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه .

عن إدارة شبكة الإمام الآجري
15 رمضان 1432 هـ
شاهد أكثر
شاهد أقل

دحض أباطيل عبد الحميد الجهني التي أوردها في كتابه "الرد العلمي"

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [متجدد] دحض أباطيل عبد الحميد الجهني التي أوردها في كتابه "الرد العلمي"

    دحض أباطيل عبد الحميد الجهني التي أوردها في كتابه
    المسمَّى زورًا بالرد العلمي

    (الحلقة الأولى)

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه،
    أما بعد:
    فقد صدر في هذا العام (1437هـ) كتاب لعبد الحميد الجهني سماه زورًا [الرد العلمي الرفيع على مقالات الشيخ ربيع].
    قال الجهني في مقدمة هذا الكتاب -البعيد عن العلم والقائم على المكابرات والقائم على الأصول الباطلة، والأساليب السفسطائية الواضحة، والمغالطات، ورد النصوص النبوية، ورد أقوال العلماء الجلية- (ص3- 5):
    "بسم الله الرحمن الرحيم
    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد ه ورسوله، صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً.
    أما بعد:
    فهذا رد علمي على بعض مقالات الشيخ ربيع المدخلي، سوف يكون البحث فيها([1]) بمشيئة الله تعالى حول المسائل التالية:
    أولاً: دعوى الشيخ ربيع أن العمل كمال في الإيمان.
    ثانيًا: رده للإجماع الذي حكاه الشافعي رحمه الله في هذه المسألة.
    ثالثًا: احتجاجه بأحاديث الشفاعة في هذه المسألة.
    رابعًا: دعواه أن أئمة السلف لا يقولون: إن الإيمان ينقص حتى لا يبقى منه شيء.
    خامسًا: تضعيفه لأثر عبد الله بن شقيق رحمه الله في إجماع الصحابة رضي الله عنهم على كفر تارك الصلاة تهاونًا وكسلًا.
    سادسًا: دعواه أن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله لا يُكفِّر تارك العمل؛ لأنه سلَّم بزعمه لأحاديث الشفاعة!
    سابعًا: دعواه أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله لا يُكفِّر تارك العمل، وكذا ينسب هذا القول إلى أئمة الدعوة! كما نسبه قبل ذلك إلى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله!
    ثامنًا: دعواه أن الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله لم يقل عمن لا يكفر تارك العمل بأنه مرجئ.
    تاسعًا: عدم تفريقه بين مذهب السلف وبين قول المرجئة في منزلة العمل من الإيمان.
    عاشرًا: دعواه أن العذر بالجهل يشمل عُبَّاد القبور والأضرحة.
    الحادي عشر: تفريقه لطلاب العلم إلى حداديّ وسلفي، فمن وافقه في أقواله جعله سلفيًّا، ومن خالفه وأنكر عليه جعله حداديًّا خارجيًّا!
    فهذه (إحدى عشرة مسألة)، سوف أناقش فيها الشيخ ربيع بن هادي المدخلي نقاشًا علميًّا هادئًا، بغية الوصول إلى الحق إن شاء الله تعالى.
    علمًا بأن الشيخ ربيعًا قد أكثر من الكتابة في هذه المسائل، وبثَّ كثيرًا من الشُّبه والأقوال الضعيفة، ما يحتاج في ردِّها وتفنيدها إلى مجلدٍ أو مجلدين. ولعل ما في هذه الرسالة ما يكفي طالب الحق إن شاء الله تعالى، وقد سميتها: (الرد العلمي الرفيع على مقالات الشيخ ربيع).
    وأُذكِّر كلَّ أخٍ مُنتسبٍ إلى السنة بالأصل الذي اتفق عليه أهل السُّنة والجماعة وما زالوا يعلمونه الناس في كل مناسبة، وهو قولهم: الحق لا يُعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله.
    فمن عرف هذا الأصل الأصيل وعمل به وجعله منهجًا له في حياته؛ وقاه الله شرَّ التعصُّب الذميم الذي يُعمي صاحبه عن الحقِّ، ويحمله على معاداة أهله. والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم".اهـ
    أقول:
    نعوذ بالله من الفجور في الخصومة التي هي من علامات النفاق، وإن أقوال هذا الرجل في هذه المقدمة وفي كتابه هذا لقائمة على الفجور، وإذا رجع القارئ المنصف إلى مقالاتي التي يرجف عليها هذا الرجل في كتابه هذا وفي مقدمته يتبين له ظلمه ورده للحق والحقائق الواضحة كالشمس.
    خذ أيها القارئ الكريم هذه الإضاءة على أقواله في هذه المقدمة:
    1- قوله: "أولا دعوى الشيخ ربيع أن العمل كمال في الإيمان".
    أقول:
    نعم، أنا أقول بقول السلف: إن الإيمان أصل والعمل كمال، وأحيانًا يقولون: فرع، وقولهم هذا مستمد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
    وأنت وحزبك التكفيري لا تستسلمون لنصوص الكتاب والسنة، وتخالفون أقوال السلف المستمدة من الكتاب والسنة؛ فأنتم من أشبه الناس بالروافض.
    قال هذا السُّفْسطائي في كتابه هذا (ص7):
    "المسألة الأولى: دعوى الشيخ ربيع أن العمل كمال في الإيمان ..." إلخ.
    أقول:
    هذا الجهني يَرُد عليَّ بكلام باطل قائم على المغالطات والتمويهات على طريقة عتاة السفسطائية؛ فهو يغالط ويكابر في حقائق جلية واضحة وضوح الشمس.
    ثم قال:
    "المسألة الأولى: دعوى الشيخ ربيع أن العمل كمال في الإيمان
    ذهب الشيخ ربيع إلى أن العمل كمال في الإيمان، وعليه فإن الإيمان عنده يصح من غير عمل الجوارح، وهذه المسألة قرَّرها الشيخ ربيع في عدة مقالات له، كما في مقاله: (هل يجوز أن يُرمَى بالإرجاء من يقول: إنَّ الإيمان أصل والعملَ كمال (فرعٌ)؟)، وكما في مقاله: (متعالم مغرور)، ومقاله: (أحاديث الشفاعة الصحيحة تدمغ الخوارج والحدادية القطبية) وغير ذلك. ويحتجُّ على تقرير هذا القول الذي وافق فيه المرجئة بأدلة عامة ومشتبهة وبأقوال لأئمة الإسلام لها معنى صحيح موافق لاعتقادهم، فيفسرها هو على معنى يفهم منه الإرجاء، ثم ينسب إلى هؤلاء الأئمة القول بالإرجاء! ثم يبني على ذلك أمرين فيهما تلبيس شديد على القُراء:
    أحدهما: أنه مسنود فيما يقرره بهؤلاء الأئمة الذين حرَّف أقوالهم على المعنى الذي يريده هو.
    والثاني: أن من يخالفه ويرد عليه فقد خالف هؤلاء الأئمة، ثم يكثر من التشنيع عليه بهذه المخالفة، ويستعمل معه أشد العبارات حتى يخيل إلى القارئ وطالب العلم الذي لا يحسن معرفة هذه المسائل أن خصوم الشيخ ربيع المدخلي في هذه المسائل هم جماعة من المارقين الذين خالفوا أئمة الإسلام.
    وهذا الأسلوب يستعمله في أكثر من مسألة من مسائل الإيمان، كمسألة أن الإيمان أصل وفرع، هذه الجملة التي قالها بعض العلماء وقصدوا بها أن العمل ثمرة للإيمان الذي يكون في القلب فهي تعني التلازم بين الظاهر والباطن، فهي رد على مذهب المرجئة، ولكن –مع الأسف- فسرها الشيخ ربيع المدخلي بتفسير موافق لقول المرجئة حيث جعل معناها أن العمل فرع أي كمال في الإيمان وهذا ظاهر من عنوان مقالته السابقة، ثم نسب هذا التفسير إلى هؤلاء الأئمة القائلين بهذه الكلمة فارتكب بذلك خطأين جسيمين:
    أحدهما: تفسير الكلمة بتفسير يؤيد مذهب المرجئة.
    الثاني: نسبة هذا التفسير إلى هؤلاء العلماء، وبنى عليه أنهم موافقون له في قوله الذي وافق فيه المرجئة، والله المستعان.".انتهى.
    قوله:
    "المسألة الأولى دعوى الشيخ ربيع أن العمل كمال في الإيمان
    ذهب الشيخ ربيع إلى أن العمل كمال في الإيمان".
    أقول:
    1- إن القول بأن الإيمان أصل والعمل كمال هو قول أهل السنة، وعلى رأسهم العلماء الذين نقلت تصريحاتهم بذلك، ومستندهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
    ومن أقوال شيخ الإسلام في هذا الأمر: "ودلالة الشرع على أن الأعمال الواجبة من تمام الإيمان لا تحصى كثرة".
    فهذا الحدادي المسفسط لا يعترف بأقوال أهل السنة وعلمائهم ولا بما استندوا عليه من الكتاب والسنة، وهذا أمرٌ خطير جدًّا يدل على ضلال بعيد.
    ومن مكره أنه لا يذكر نصوص العلماء الواضحة التي نقلتها عنهم بكل دقة، ولم أخالفها قيد شعرة.
    2- قولك: "وعليه فإن الإيمان عنده يصح من غير عمل الجوارح".
    هذا الإلزام موجه إلى أهل السنة وعلمائهم الذين صرحوا وصرحوا بأن الإيمان أصل والعمل فرع، وأحيانًا يقولون: كمال.
    يقولون ذلك مستندين إلى ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
    3- وقولك: "ويحتجُّ على تقرير هذا القول الذي وافق فيه المرجئة بأدلة عامة ومشتبهة".
    أقول:
    إن أقوالي لبعيدة كل البعد عن موافقة قول المرجئة، بل هي ضده؛ لأنها صريحة في إثبات أن العمل من الإيمان؛ لأن كمال الشيء منه عند من يعقل، أما الحدادية الخوارج فلهم منهج آخر.
    المرجئة يا هذا يقررون أن العمل ليس من الإيمان ولا يزيد ولا ينقص، مخالفين في قولهم هذا نصوصًا كثيرة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومخالفين ما عليه أهل السنة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
    وهم لا يقولون: إن الإيمان أصل والعمل كمال أو فرع؛ لأن هذا ينقض قولهم المشهور عنهم.
    فكيف تجعل قولين متضادين أحدهما حق دل عليه الكتاب والسنة، ويعتقده أهل السنة والجماعة.
    والآخر قول باطل مخالف لكتاب الله وسنة رسوله وما عليه أهل السنة والجماعة.
    كيف يقول عاقل في هذين القولين المتضادين: إن معناهما واحد؟! لا يقول هذا إلا فاجر مسفسط.
    4- وقولك عن أدلة أهل السنة التي بنوا عليها: إن الإيمان أصل والعمل كمال. بأنها عامة ومشتبهة قولٌ باطل، لا بل هي أدلة جلية واضحة صريحة رغم أنف الخوارج الجدد.
    وما هي أدلتك الواضحة التي تدل أن العمل ليس كمالًا للإيمان؟!
    إنك لتسلك مسالك غلاة أهل البدع في رد الحق الواضح الجلي بدعاوى باطلة، ومنها: دعواك على النصوص الواضحة بأنها مشتبهة.
    5- وقولك عن أقوال الأئمة: "لها معنى صحيح موافق لاعتقادهم".
    يعتبر اعترافًا ماكرًا تضحك به على الأغبياء، ولو كنت صادقًا في هذا الاعتراف لما أقمت الدنيا وأقعدتها على هذه الأقوال السديدة موهمًا الجهال أن ربيعًا قد حرفها لتوافق قول المرجئة، مع أن ربيعًا موافق للعلماء في أقوالهم ومقاصدهم المضادة لعقيدة المرجئة الباطلة.
    أيها المسكين، لقد عرف أهل السنة حقًّا أنكم ضد أهل السنة السابقين واللاحقين، وأنكم ترمونهم بالإرجاء؛ فالذين لا يكفرون تارك الصلاة منهم عندكم مرجئة، وإن فسَّقوا تارك الصلاة، وحكموا عليه بالنكال والقتل.([2])
    والذين يعذرون الجهال بالجهل حتى تقام عليهم الحجة عندكم مرجئة، وعند بعضكم كفار.
    والذين يقولون: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص وينقص حتى لا يبقى منه إلا مثقال ذرة مرجئة، وهذا حكم خبيث جائر على كل أهل السنة.
    إنكم أيها الحداديون لتخالفون أهل السنة المكفرين لتاركي الصلاة في عدهم لإخوانهم الذين لا يكفرون تاركي الصلاة من إخوانهم ومن أهل السنة والجماعة؛ فأنتم ضد الجميع، بل تخالفونهم في عدد من الأصول.
    6- وقولك عن ربيع: "إنه يفسرها([3]) هو على معنى يفهم منه الإرجاء، ثم ينسب إلى هؤلاء الأئمة القول بالإرجاء!".
    أقول:
    إن هذا الكلام منك أيها الخارجي الحدادي لينطوي على البهت الشديد؛ فأنا لم أفسر أقوال الأئمة على معنى يفهم منه الإرجاء، وأبرأ إلى الله من هذا التفسير الذي يفتريه علي هذا الخارجي الذي يخيل له منهجه الباطل كل قول حق من أقوال أهل السنة أنه في هذا الباب يوافق قول المرجئة وأنه إرجاء؛ فهو لمذهبه الخارجي وغبائه يتخيل أنَّ قول أهل السنة: (إن الإيمان أصل والعمل كمال) أنه إرجاء.
    وأن ربيعًا الذي أخذ بهذا القول مرجئ ومحرِّف لأقوال الأئمة؛ فهذا هو الكذب القائم على الجهل والهوى والحقد على أهل السنة.
    7- وقوله: "ثم يبني على ذلك أمرين فيهما تلبيس شديد على القُراء:
    أحدهما: أنه مسنود فيما يقرره بهؤلاء الأئمة الذين حرَّف أقوالهم على المعنى الذي يريده هو.
    والثاني: أن من يخالفه ويرد عليه فقد خالف هؤلاء الأئمة، ثم يكثر من التشنيع عليه بهذه المخالفة، ويستعمل معه أشد العبارات حتى يخيل إلى القارئ وطالب العلم الذي لا يحسن معرفة هذه المسائل أن خصوم الشيخ ربيع المدخلي في هذه المسائل هم جماعة من المارقين الذين خالفوا أئمة الإسلام".
    أقول:
    نعوذ بالله من هذا البهت الذي يرتكبه هذا الخارجي الحاقد على الحق وأهله؛ فأنا لم أنسب -والعياذ بالله- إلى الأئمة شيئًا لم يصرحوا بهِ، بل أنقل أقوالهم الصريحة الواضحة المنطلقة من الكتاب والسنة، أنقلها بكل دقة وأمانة، وأنقل النصوص التي استندوا إليها من الكتاب والسنة.
    وهذا الخارجي المسفسط المحرِّف يسير على طريقة السفسطائية في رد الحق وجعله باطلًا، ثم يزيد على ذلك: الطعن والاتهام الباطل لمن يقول الحق انطلاقًا من الكتاب والسنة ومن منهج السلف الصالح وأخذًا بأقوالهم السديدة المنطلقة من الكتاب والسنة.
    8- وقوله: "أن من يخالفه ويرد عليه فقد خالف هؤلاء الأئمة".
    أقول:
    أنا أُبين حالَ من يخالف الحق القائم على الأدلة والبراهين ويخالف العلماء الآخذين بهذا الحق، وهذا من النصيحة.
    وأقول:
    إن منكَر هذا الخارجي وحزبه في نظره من المعروف، وإن المعروف الواضح القائم على البراهين من الكتاب والسنة والذي أخذ به وسار عليه السلف، وصدعوا به هو من المنكرات، ويجب أن يحارب من يرفع رأسه بهذا الحق والمعروف الذي قرره الله في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ورسوله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى.
    9- قوله: "وهذا الأسلوب يستعمله في أكثر من مسألة من مسائل الإيمان كمسألة الإيمان أصل وفرع".
    أقول:
    ما قال ربيع ولا العلماء إن الإيمان أصل وفرع.
    بل إنما قال ربيع بقول العلماء: الإيمان أصل والعمل كمال.
    ويقول بعضهم: الإيمان أصل والعمل فرع.
    ويزيد شيخ الإسلام قوله: الإيمان أصل والعمل تمام.
    10- وقوله: "وهذه الجملة التي قالها بعض العلماء قصدوا بها أن العمل ثمرة للإيمان الذي يكون في القلب، فهي تعني التلازم بين الظاهر والباطن".
    أقول:
    1- إن القول بأن الإيمان أصل والعمل كمال هو قول أهل السنة جميعًا لا خلاف بينهم؛ لأنه قول مأخوذ من الكتاب والسنة.
    وكلمة (كمال) أقوى من كلمة (ثمرة)، وسواء قالوا: إن العمل كمال للإيمان. أو قالوا: إنه فرع للإيمان. أو: ثمرة للإيمان. فإن في ذلك ردًّا على المرجئة الذين يقولون: الإيمان هو المعرفة بالقلب أو الذين يقولون: هو النطق باللسان. أو الذين يقولون: هو تصديق بالقلب ونطق باللسان.
    فإن هذه الأقوال الثلاثة باطلة ومخالفة لنصوص كثيرة من الكتاب والسنة؛ لأن قائليها كلهم لا يدخلون العمل في الإيمان، ويصرحون بأن العمل ليس من الإيمان.
    فمن أظلم وأكذب ممن يسوي بين أقوال ربيع الصريحة الصادعة بالحق والمنطلقة من الكتاب والسنة ومنهج السلف وبين هذه الأقوال الباطلة؟!
    وقول أهل السنة: (الإيمان أصل والعمل كمال أو فرع) مثل قولهم: (الإيمان قول وعمل) لا يشغب بهما أو بأحدهما إلا صاحب فتن وهوى.
    2- أعجب لهذا المسكين؛ حيث يفسر الفرع بالثمرة، وأنهم قصدوا بها الرد على المرجئة، فهل قولهم: (إن العمل كمال للإيمان)، وقولهم: (العمل فرع للإيمان) إرجاء، وتفسيره بالثمرة ليس بإرجاء؟!
    أليس هذا التصرف ناشئ عن السفسطة؟
    3- وأعجب لقوله:
    "ولكن –مع الأسف- فسرها الشيخ ربيع المدخلي بتفسير موافق لقول المرجئة حيث جعل معناها أن العمل فرع أي كمال في الإيمان وهذا ظاهر من عنوان مقالته السابقة".
    أقول:
    تأمل هذا الكلام المتهافت الدال على أن قائله لا يدري ما يقول.
    ثم إن المؤسف كل الأسف أن يسلك هذه المسالك الظالمة؛ حيث يرى أن كلامي مخالف لكلام العلماء الذين صرحوا بأن الإيمان أصل والعمل كمال. وأحيانًا يقولون: فرع.
    وأنا أنقل هذا الكلام بنصه وفَصِّه لم أغير منها حرفًا، ولا أخالفه معنى، ومع هذا فكلام العلماء عندك فيه رد على المرجئة، وكلامي الذي هو عين كلامهم في نظرك يوافق المرجئة!.
    ألا يرى العقلاء المنصفون أن هذا الحكم من أشد الأحكام ظلمًا وفجورًا وسفسطة؟
    ثم أكد هذا الظلم والكذب بقوله:
    "ثم نسب هذا التفسير إلى هؤلاء الأئمة القائلين بهذه الكلمة فارتكب بذلك خطأين جسيمين:
    أحدهما: تفسير الكلمة بتفسير يؤيد مذهب المرجئة.
    الثاني: نسبة هذا التفسير إلى هؤلاء العلماء، وبنى عليه أنهم موافقون له في قوله الذي وافق فيه المرجئة، والله المستعان".
    أقول:
    يدعي هذا المفلس أنني ارتكبت خطأين جسيمين، وذكر هذين التفسيرين اللذين يدعي أنهما جسيمين.
    فأين هو تفسيري لهذه الكلمة الذي يؤيد مذهب المرجئة ويخالف أقوال العلماء؟
    وأين نسبت هذا التفسير إلى هؤلاء العلماء؟
    وأين دعواي أن العلماء يوافقون قولي الموافق لقول المرجئة؟
    أنا نقلت أقوال العلماء بحروفها لم أغير منها شيئًا؛ فأنا متابع للعلماء في أقوالهم الصحيحة القائمة على نصوص الكتاب والسنة، ولم أقل إنهم موافقون لي، بل أنا موافق لهم، وهم سلفي ولست أنا سلفًا لهم.
    11- قال الجهني في (ص8-9):
    "ثم إذا خلص من هذا دبَّج المقالات في التشنيع على خصومه بمقتضى الفهم الخاطئ الذي فهمه هو من هذه العبارة، وهكذا فعل في أحاديث الشفاعة، وفي أحاديث فضل التوحيد، ونحوها من النصوص العامة، حيث فهم منها فهما خاصًّا به موافقًا لفهم المرجئة، فصار يلزم المخالفين له بهذا الفهم وإلَّا لم يؤمنوا بهذه النصوص وبأحاديث الشفاعة، ولم يستسلموا لها على حد قوله! كما سيأتي بيانه إن شاء الله.
    وهكذا فإن الإشكال عند الشيخ ربيع المدخلي في فهمه للنصوص وأقوال العلماء، فهو دائمًا يفسرها على مقتضى القول الذي يقول به، فيجرُّه هذا إلى تحريف معانيها.
    ولو أنه قال بقول السلف الصالح في باب الإيمان: الإيمان قول وعمل، لا يصح القول من غير عمل، كما أنه لا يصح العمل من غير قول، لذهبت كل هذه التفسيرات والتأويلات التي يقول بها الشيخ ربيع أدراج الرياح، وأراح نفسه وغيره من هذه الخصومة التي كلَّفتنا الكثير من الوقت والجهد، والله المستعان".
    أقول:
    قولك: "ثم إذا خلص من هذا دبَّج المقالات في التشنيع على خصومه بمقتضى الفهم الخاطئ الذي فهمه هو من هذه العبارة".
    أقول: هل تريد أن أمدحكم وأمدح ضلالاتكم ومخالفاتكم البدعية الشنيعة لنصوص الكتاب والسنة ولمنهج السلف الصالح ولأقوالهم السديدة المنطلقة من الكتاب والسنة؟
    أنا على طريقة السلف، أشنع عليكم بعد البيان الواضح لضلالاتكم.
    وأنتم تشنعون علينا بالباطل والكذب؛ لصد الناس عن الحق ولجذبهم إلى باطلكم.
    وقولك: "وهكذا فعل في أحاديث الشفاعة، وفي أحاديث فضل التوحيد، ونحوها من النصوص العامة، حيث فهم منها فهما خاصًّا به موافقًا لفهم المرجئة".
    أقول:
    إن وصفه لأحاديث الشفاعة وأحاديث فضل التوحيد ونحوها بأنها عامة إنما يريد بذلك وصفها بأنها من المتشابه، وهو يكثر من وصفها بالمتشابه، وهذا العمل من الفجور في الخصومة، ووالله إنها لنصوص واضحة غاية الوضوح، مفصلة تفصيلاً رائعاً.
    انظر إلى حديث أبي سعيد حيث يبدأ بالشفاعة:
    1- للمصلين المزكين.
    2- ثم الشفاعة لمن في قلبه مثقال دينار من خير.
    3- ثم من في قلبه مثقال نصف دينار من خير.
    4- ثم الشفاعة فيمن في قلبه مثقال ذرة من خير.
    5- ثم بعد هذه المراحل الواضحة:
    " يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: شَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ قَدْ عَادُوا حُمَمًا، فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ فِي أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ: نَهَرُ الْحَيَاةِ، فَيَخْرُجُونَ كَمَا تَخْرُجُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ...إلخ.
    انظر "صحيح مسلم" حديث (183)، وانظر "صحيح البخاري" حديث (7439).
    وفيه هذه المراحل إلى قوله: "أخرجوا من في قلبه مثقال ذرة من إيمان".
    ثم ذكر شفاعة الملائكة وشفاعة النبيين والمؤمنين.
    ثم يقول الله: "بقيت شفاعتي، فيقبض قبضة من النار، فيخرج أقواما قد امتحشوا، فيلقون في نهر بأفواه الجنة، يقال له: ماء الحياة، فينبتون في حافتيه كما تنبت الحبة في حميل السيل ...إلى آخر الحديث.
    فهل يوجد في الكلام أوضح من هذا الكلام؟
    وهل يوجد تفصيل أروع وأوضح من هذا التفصيل؟
    فإذا كان هذا النص الواضح المفصل هذا التفصيل الرائع وأمثاله عند الحدادية من المتشابه فيكون عندهم جميع نصوص الكتاب والسنة من المتشابه، وكلام العلماء الواضح عندهم من المتشابه من باب أولى، وعلى مذهبهم هذا لا يقال: إن لله ثم لرسوله حجة على أحد من الجن والإنس. ونعوذ بالله من الأقوال الباطلة المخزية.
    12- قال الجهني الحدادي:
    "وهكذا فإن الإشكال عند الشيخ ربيع المدخلي في فهمه للنصوص وأقوال العلماء، فهو دائمًا يفسرها على مقتضى القول الذي يقول به، فيجرُّه هذا إلى تحريف معانيها".
    أقول:
    إن الأدواء القاتلة والإشكالات المزيفة لفي تصوراتكم الباطلة وأحكامكم الجائرة على النصوص القرآنية والنبوية بأنها من المتشابه.
    تلكم التصورات التي لم يسبقكم إليها إلا غلاة أهل البدع والضلال من الخوارج وغيرهم، فمن هنا نشأ تحريفكم لهذه النصوص الجلية الواضحة والبريئة مما تلصقونه بها من أنها من المتشابه، وترمون من يحترم هذه النصوص ويؤمن بدلالاتها الواضحة ويقررها على أحسن الوجوه على طريقة تقريرات السلف الصالح بيانًا وتوضيحًا، ترمونه بالإرجاء.
    فلا ترموا الأبرياء النزهاء بأدوائكم المهلكة ومنها التشويه للنصوص القرآنية والنبوية الواضحة التي ترمونها وتصمونها بأنها من المتشابه.
    وقال الجهني: "ولو أنه قال بقول السلف الصالح في باب الإيمان: الإيمان قول وعمل، لا يصح القول من غير عمل، كما أنه لا يصح العمل من غير قول، لذهبت كل هذه التفسيرات والتأويلات التي يقول بها الشيخ ربيع أدراج الرياح، وأراح نفسه وغيره من هذه الخصومة التي كلَّفتنا الكثير من الوقت والجهد، والله المستعان".
    أقول:
    إن قولك "ولو أنه قال بقول السلف الصالح في باب الإيمان: الإيمان قول وعمل ، لا يصح القول من غير عمل، كما أنه لا يصح العمل من غير قول".
    إن قولك هذا ليوهم الجهلاء أن السلف الصالح مجمعون على هذا القول، وهذا من الباطل.
    والواقع أن الذي يقول بهذا القول أو ما في معناه هم قلة، أما جماهير السلف فيقولون: إن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص كما نقل ذلك الإمامان: أبو حاتم، وأبو زرعة عن علماء البلدان الإسلامية: الحجاز، والعراق، والشام، ومصر، واليمن.
    ونقل الإمام البخاري عن ألف عالم من شتى البلدان أن الإيمان قول وعمل.
    وسيأتي كلام أبي عبيد الذي نقله عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الموضوع في الحلقة الثانية

    كتبه
    ربيع بن هادي عمير
    (13 ربيع الثاني/1437هـ)

    -----------------------------
    ([1]) كذا.
    ([2]) مع اعتقادهم أنهم يستحقون العذاب الشديد بالنار.
    ([3]) أي: أقوال العلماء.

  • #2
    رد: دحض أباطيل عبد الحميد الجهني التي أوردها في كتابه المسمَّى زورًا بالرد العلمي ( الحلقة الأولى )

    بسم الله الرحمن الرحيم


    دحض أباطيل عبد الحميد الجهني التي أوردها في كتابه
    المسمَّى زورًا بالرد العلمي
    الحلقة الثانية
    قال الجهني في (ص7) من كتابه المسمى زورًا [الرد العلمي الرفيع على مقالات الشيخ ربيع]:
    "المسألة الأولى: دعوى الشيخ ربيع أن العمل كمال في الإيمان".
    ثم قال تحت هذا العنوان:
    "ذهب الشيخ ربيع إلى أن العمل كمال في الإيمان، وعليه فإن الإيمان عنده يصح من غير عمل الجوارح، وهذه المسألة قرَّرها الشيخ ربيع في عدة مقالات له".
    كما في مقاله: (هل يجوز أن يُرمَى بالإرجاء من يقول: إنَّ الإيمان أصل والعملَ كمال (فرعٌ)؟)، وكما في مقاله: (متعالم مغرور)، ومقاله: (أحاديث الشفاعة الصحيحة تدمغ الخوارج والحدادية القطبية) وغير ذلك. ويحتجُّ على تقرير هذا القول الذي وافق فيه المرجئة بأدلة عامة ومشتبهة وبأقوال لأئمة الإسلام لها معنى صحيح موافق لاعتقادهم، فيفسرها هو على معنى يفهم منه الإرجاء".اهـ
    أقول:
    إن هذه المقالات الثلاث التي اقتصر على ذكر عناوينها كلها قائمة على البراهين الواضحة وضوح الشمس من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
    وربيع ساق أقوال أئمة الإسلام القائمة على هذه الأدلة والبراهين الواضحة الجلية، وهذه البراهين وما بني عليها من مذهب أهل السنة والجماعة وأقوال أئمتهم كلها تدين المذهب الحدادي الخارجي القائم على الأصول الباطلة المضادة للكتاب والسنة ولأصول أهل السنة ومنهجهم ا لسديد.
    وهذه المقالات الثلاث التي اقتصر على ذكر عناوينها والتي قامت على البراهين الواضحة بل والمتواترة كلها تدين الحدادية ومنهجهم الباطل وأصولهم الفاسدة.
    وهاك مقالًا واحدًا منها ألا وهو ذو العنوان: [هل يجوز أن يرمى بالإرجاء من يقول: الإيمان أصل والعمل كمال].
    فاقرأه وتأمله أيها العاقل المنصف المحترم للأدلة والبراهين ولأقوال أهل السنة وأئمتهم.
    قلت:
    هل يجوز أن يُرمَى بالإرجاء من يقول: :" إنَّ الإيمانَ أصلٌ والعملَ كمالٌ ( فرعٌ ) "؟(1)
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه .
    أما بعد:
    فإن الله قال في محكم كتابه عن أهل الضلال :(ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق) سورة الحج(آية 9-10)
    وقال تعالى : ( ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد كتب عليه أنه من تولاه فانه يضله ويهديه إلى عذاب السعير ) الحج (آية3-4(.
    وقال تعالى في شأن أحزاب الكفر والضلال : ( وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب .(
    هذه في أعداء الرسل الذين كذبوهم وحاربوهم بأشد أنواع الحرب والأذى والكذب عليهم والافتراء .
    ولأهل البدع والأهواء والضلال نصيب من العداوة للحق وأهله وحربهم بالأكاذيب والشائعات وجدالهم بالباطل ليدحضوا به الحق ، ومن جدالهم بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير .
    ولهم نصيب من الوعيد الذي توعد الله به أعداء الحق وأعداء الرسل ولهم نصيب من الذم الذي ذم الله به أهل الباطل والهوى .
    ومن أهل الأهواء والضلال المحاربين للحق وأهله فرقة الحدادية التي أنشئت في الظلام لحرب أهل السنة السابقين واللاحقين ولحرب عقائدهم وأصولهم وهدمها .
    وحربهم هذه لا تقوم على شيء من الحق ولا من العلم والهدى ,وإنما تقوم على الكذب والجهل والخيانات ,الأمور التي لا غبار عليها ولا مخرج لهم منها ,ولا عذر لهم فيها ؛فإنها أمور واضحة مكشوفة لكل ذي عقل وبصر وبصيرة ,ونحن لا نكفرهم -وإن كفرونا بغياً وعدواناً- (!!) ولكنهم عندنا من شر أهل البدع وأجهلهم.
    ولقد اخترعوا أصولاً لا علاقة لها بالكتاب والسنة لا من قريب ولا من بعيد ,منها :

    1- جنس العمل ؛ وهو لفظ لا وجود له في الكتاب والسنة ولا خاصم به السلف ولا أدخلوه في قضايا الإيمان ,اتخذوه بديلاً لما قرره السلف من أن العمل من الإيمان وأن الإيمان قول وعمل واعتقاد ,يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي .
    وإذا أخذوا بهذا الكلام على مضض فلا يكفي عندهم أن يقول السلفي :
    الإيمان قول وعمل واعتقاد ويزيد وينقص حتى لا يبقى منه إلا مثقال ذرة وأدنى أدنى من مثقال ذرة كما نطقت به الأحاديث النبوية الصحيحة .
    بل أوجبوا على الناس أن يقولوا : (حتى لا يبقى منه شيء) والذي لا يقول بهذه الزيادة فهو عندهم مرجئ غال وحتى ولو قالها بعض أهل السنة فهم عندهم مرجئة رغم أنوفهم !!
    فعلى عقيدتهم هذه يكون حوالي تسعة وتسعون بالمائة من أهل السنة وأئمتهم مرجئة
    وإذا بين لهم خطورة تأصيلهم وفساده ازدادوا عناداً وحرباً على أهل السنة .
    2- الذي لا يبدع من لا يكفر تارك جنس العمل فهو عندهم مرجئ غال رمزاً إلى تكفيره .
    وحتى وإن كفر تارك جنس العمل فهو مرجئ عندهم لماذا ؟ .
    لأنهم قد فصلوا ثوب الإرجاء ليقمصوا به أهل السنة شاءوا أم أبوْا !!
    3 - أئمة الجرح والتعديل والحديث عندهم ليسوا أهلاً للحكم على أهل البدع وقواعدهم لا تنطبق على أهل البدع ؛ لأن هذه المرتبة إنما هي للعلماء ؛ أي علماء الحدادية الجهلة المجهولين ,فإن هؤلاء لهم الحق أن يبدعوا وأن يكفروا بالجهل والظلم .
    4 -بعض أصولهم ضللت الأئمة وبعضها من صنع الشيطان.
    5 - أحكام في التكفير تفوق أحكام الخوارج .
    فمن لم يقلد فالحاً وأمثاله فقد نسف رسالات الرسل والكتب التي نزلت عليهم .
    والذي يرضَى غيرَهُ من العلماء حَكَماً فقد كذًّب القرآن والسنة وكذَّب الإسلام .
    6 - إلى افتراءات واتهامات بالكفر لمن ينصحهم أو يخالفهم في تلك الأمور التي انفردت بها هذه الطائفة ,وقد ناقشناهم فيها وبينا أكاذيبهم وأباطيلهم وجهالاتهم .
    واليوم نحن مع أصل من أصولهم الهدامة ألا وهو أن من يقول إن الإيمان أصل والعمل كمال ( فرع ) فهو مرجئ !
    وبهذا الأصل الهدام يهدمون أهل السنة وعلماءهم !
    وسوف أسوق مقالات لعدد من فحول أئمة السنة وعظمائهم يقولون فيها : إن الإيمان أصل والعمل كمال أو تمام أو فرع أو فروع .
    وننتظر من هؤلاء الحدادية إما إعلان ندمهم وتوبتهم من هذه المجازفات أو التمادي في أحكامهم وأباطيلهم فيعرف الناس مكانهم من السنة وأهلها .

    لا يجوز أن يُرمى بالإرجاء من يقول :" إنَّ الإيمان أصل وفرع " لأنَّ هذا يقتضي تضليل علماء الأمة
    ومنهم الأئمة الآتي ذكرهم وأقوالهم :
    وقبل أن أورد كلام الأئمة أسوق بعض الأدلة في هذا الشأن:
    قال الإمام أحمد-رحمه الله- في مسنده ( 6/47, 99):
    "حدثنا إسماعيل ثنا خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عائشة رضي الله عنه قالت :قال رسول صلى الله عليه وسلم :"إن من أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله" .
    إسناد هذا الحديث صحيح إن سلم من إرسال أبي قلابة وأخرجه ابن أبي شيبة في الإيمان برقم ( 19 ) قال: حدثنا حفص عن خالد به .
    و له شاهد من حديث أبي هريرة قال أبو داوود في سننه ( 5 /60 ): حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن عمر عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :" أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقاً ".
    وأخرجه أحمد في مسنده ( 2/250 و472 )وابن أبي شيبة في الإيمان من طريقين برقم (18و20 ) والترمذي (2/454 رقم 1162 ) وقال : حديث أبي هريرة هذا حديث : حسن صحيح .
    وله شاهد آخر من حديث أبي أمامة مرفوعاً ولفظه " من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان " أخرجه أبو داود(5/60 رقم 4681 )وشاهد آخر من حديث سهل بن معاذ عن أبيه ويروى من طريقين ضعيفين يقوي أحدهما الآخر .
    وكتب عمر بن عبدالعزيز – رضي الله عنه – إلي عدي بن عدي :
    " أن للإيمان فرائض وشرائع وحدوداً وسنناً فمن استكملها استكمل الإيمان ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان فإن أعش فسأبينها لكم حتى تعملوا بها وإن أمت فما أنا على صحبتكم بحريص " أخرجه ابن أبي شيبة في الإيمان ( 45رقم 135 ) بإسناد
    "صحيح" وأورده البخاري في كتاب الإيمان معلقاً (1/19).
    أقول:
    وهذه الأحاديث تدل على أن للإيمان أصلاً وكمالاً إذ الكمال لا يقوم إلا على أصل.
    كلام الأئمة:
    1 - قال الإمام محمد بن إسحاق بن منده في كتابه الإيمان (1/331-332) بعد أن ذكر أقوال الطوائف في الإيمان :
    " وقال أهل الجماعة: الإيمان هو الطاعات كلها بالقلب واللسان وسائر الجوارح غير أن له أصلا وفرعا.
    فأصله المعرفة بالله والتصديق له وبه وبما جاء من عنده بالقلب واللسان مع الخضوع له والحب له والخوف منه والتعظيم له ,مع ترك التكبر والاستنكاف والمعاندة ,فإذا أتى بهذا الأصل فقد دخل في الإيمان ولزمه اسمه وأحكامه ,ولا يكون مستكملا له حتى يأتي بفرعه وفرعه المفترض عليه أو الفرائض واجتناب المحارم ,وقد جاء الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( الإيمان بضع وسبعون أو ستون شعبة أفضلها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان).
    فجعل الإيمان شعبا بعضها باللسان والشفتين ,وبعضها بالقلب ,وبعضها بسائر الجوارح " .
    وقال أيضا في كتاب الإيمان (1/350) : " قال الله عز وجل ( ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها).
    فضربها مثلاً لكلمة الإيمان وجعل لها أصلا وفرعا وثمرا تؤتيه كل حين " .
    أقول:
    بيَّن الإمام ابن منده عقيدة أهل السنة والجماعة في الإيمان وأنه أصل وفرع وبيَّن أن أصل الإيمان محله القلب وأنه يكون بأمور منها:
    المعرفة بالله والتصديق لله و به وبما جاء من عنده بالقلب واللسان مع الخضوع والحب والخوف والتعظيم إلخ .
    وذكر أنه لا يستكمله العبد إلا إذا أتى بفروعه المفروضة عليه مع اجتناب المحارم واستدل على ذلك بحديث شعب الإيمان .
    وفي النص الثاني ساق الآية الكريمة : (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ) الآية .
    ثم قال: فضربها مثلاً لكلمة الإيمان وجعل لها أصلا وفرعا وثمراً .
    فما رأي أهل الشغب في أهل السنة والجماعة الذين حكى عقيدتهم ومذهبهم هذا الإمام وساق بعض أدلتهم أهم مرجئة ؟! أم هم أهل السنة حقاً ؟
    نريد الإجابة الصادقة الصريحة .
    2 - وقال الإمام محمد بن نصر المروزي – رحمه الله- خلال مناقشته للمرجئة : "فلما أقرت المرجئة بأن الإقرار باللسان هو إيمان يكمل به تصديق القلب , ولا يتم إلا به , ثم بيَّن الله تعالى لنا , والرسول صلى الله عليه وسلم : أنه أول الإسلام , ثبت أن جميع الإسلام من الإيمان , فإن يكن شيء من الإسلام ليس من الإيمان , فالإقرار الذي هو أول الإسلام ليس من الإيمان ، فبإيجابهم أن أول الإسلام بجارحة اللسان هو من الإيمان بالله , يلزمهم أن يجعلوا كلما بقى من الإسلام من الإيمان بعد ما سمى الله عز وجل , والرسول الإقرارَ باللسان إيماناً , ثم شهدت المرجئةُ أن الإقرار الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم إسلاماً هو إيمان , فما بال سائر الإسلام لا يكون من الإيمان , فهو في الأخبار من الإيمان , وفي اللغة , والمعقول كذلك , إذ هو خضوع بالإخلاص , إلا أن له أصلاً وفرعاً , فأصله الإقرار بالقلب عن المعرفة , وهو الخضوع لله بالعبودية , والخضوع له بالربوبية , وكذلك خضوع اللسان بالإقرار بالإلهية بالإخلاص له من القلب , واللسان , أنه واحد لا شريك له ثم فروع هذين الخضوع له بأداء الفرائض كلها , ألم تسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم : " الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله , وإقام الصلاة , وإيتاء الزكاة " وما عدا من الفرائض , فَلِمَ جَعَلَتِ المرجئةُ الشهادةَ إيماناً , ولم تجعل جميع ما جعله النبي صلى الله عليه وسلم من الإسلام إيماناً ؟! وكيف جعلتْ بعض ما سماه النبي صلى الله عليه وسلم إسلاماً إيماناً , ولم تجعل جميعه إيماناً وتبدأ بأصله , وتتبعه بفروعه , وتجعله كله إيماناً ؟! " تعظيم قدر الصلاة (2/701-702).
    أ - انظر إلى قوله عن الإيمان : " إلا أن له أصلاً وفرعاً , فأصله الإقرار بالقلب عن المعرفة , وهو الخضوع لله بالعبودية , والخضوع له بالربوبية ... إلخ .
    ب – وانظر إلى قوله : " ثم فروع هذين الخضوع له بأداء الفرائض كلها " أي أعمال الجوارح " .
    جـ - وإلى قوله : " وكيف جعلت بعض ما سماه النبي صلى الله عليه وسلم إسلاماً إيماناً , ولم تجعل جميعه إيماناً وتبدأ بأصله , وتتبعه بفروعه , وتجعله كله إيماناً ؟! " .
    –وقال أيضاً : " وقالت طائفة أخرى أيضاً من أصحاب الحديث بمثل مقالة هؤلاء([2]) إلا أنهم سموه مسلماً لخروجه من ملل الكفر، ولإقراره بالله، وبما قال، ولم يسموه مؤمناً، وزعموا أنه مع تسميتهم إياه بالإسلام كافرٌ، لا كافر بالله، ولكن كافر من طريق العمل، وقالوا: كفر لا ينقل من الملة، وقالوا: محال أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم (( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن))، والكفر ضد الإيمان، فلا يزول([3]) عنه اسم الإيمان إلا واسم الكفر لازم له، لأن الكفر ضد الإيمان إلا أن الكفر كفران: كفر هو جحد بالله، وبما قال، فذلك ضد الإقرار بالله، والتصديق به، وبما قال، وكفر هو عمل ضد الإيمان الذي هو عمل، ألا ترى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه))، قالوا : فإذا لم يؤمن فقد كفر، ولا يجوز غير ذلك إلا أنه كفر من جهة العمل [إذ لم يؤمن من جهة العمل] لأنه لا يضيع المفترض عليه , ويركب الكبائر إلا من خوفه([4]), وإن ما يقل خوفه من قلة تعظيمه لله, ووعيده, فقد ترك من الإيمان التعظيم الذي صدر عنه الخوف والورع عن الخوف, فأقسم النبي صلى الله عليه وسلم أنه (( لا يؤمن إذا لم يأمن جاره بوائقه((.
    ثم قد روى جماعة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قتال المسلم كفر ), وأنه قال: (إذا قال المسلم لأخيهيا كافر ولم يكن كذلك فقد باء بالكفر) فقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم بقتاله أخاه كافراً, وبقوله له: يا كافر؛ كافراً وهذه الكلمة دون الزنا, والسرقة, وشرب الخمر.
    قالوا: وأما قول من احتج علينا, فزعم أنا إذا سميناه كافراً, لزمنا أن نحكم عليه بحكم الكافرين بالله, فنستتيبه, ونبطل الحدود عنه, لأنه إذا كفر, فقد زالت عنه أحكام المؤمنين, وحدودهم, وفي ذلك إسقاط الحدود, وأحكام المؤمنين عن كل من أتى كبيرة, فإنا لم نذهب في ذلك إلى حيث ذهبوا .
    ولكنا نقول: للإيمان أصل وفرع, وضد الإيمان الكفر في كل معنى, فأصل الإيمان: الإقرار والتصديق, وفرعه إكمال العمل بالقلب, والبدن, فضد الإقرار والتصديق الذي هو أصل الإيمان : الكفر بالله, وبما قال, وترك التصديق به, وله.
    وضد الإيمان الذي هو عمل، وليس هو إقرار، كفر، ليس بكفر بالله [ينقل عن الملة] ولكن كفر يضيع العمل كما كان العمل إيماناً، وليس هو الإيمان الذي هو إقرار بالله، فكما كان من ترك الإيمان الذي هو إقرار بالله كافراً يستتاب، ومن ترك الإيمان الذي هو عمل مثل الزكاة، والحج، والصوم، أو ترك الورع عن شرب الخمر، والزنا، فقد زال عنه بعض الإيمان، ولا يجب أن يستتاب عندنا، ولا عند من خالفنا من أهل السنة، وأهل البدع ..." [تعظيم قدر الصلاة (2/517-519)].
    والشاهد في قول هذه الطائفة من أهل السنة ( ولكنا نقول: للإيمان أصل وفرع, وضد الإيمان الكفر في كل معنى, فأصل الإيمان: الإقرار والتصديق, وفرعه إكمال العمل بالقلب, والبدن).
    3 - قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
    أ-" ثم هو في الكتاب بمعنيين(2)‏ :‏ أصل ،وفرع واجب ،فالأصل الذي في القلب وراء العمل ؛ فلهذا يفرق بينهما بقوله‏:‏ ‏( آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ‏ )‏ ‏[‏البينة‏:‏7‏]‏ والذي يجمعهما كما في قوله‏:‏ ‏( ‏إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ‏ ) ‏[‏الأنفال‏:‏2‏]‏، و( ‏لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ‏) ‏ ‏[‏التوبة‏:‏44‏]‏‏.‏
    وحديث الحياء، ووفد عبد القيس، وهو مركب من أصل لا يتم بدونه، ومن واجب ينقص بفواته نقصًا يستحق صاحبه العقوبة، ومن مستحب يفوت بفواته علو الدرجة، فالناس فيه ظالم لنفسه ومقتصد وسابق، كالحج وكالبدن والمسجد وغيرها من الأعيان، والأعمال والصفات، فمن سواء أجزائه ما إذا ذهب نقص عن الأكمل ومنه ما نقص عن الكمال، وهو ترك الواجبات أو فعل المحرمات، ومنه ما نقص ركنه وهو ترك الاعتقاد والقول، الذي يزعم المرجئة والجهمية أنه مسمى فقط، وبهذا تزول شبهات الفرق، وأصله القلب وكماله العمل الظاهر، بخلاف الإسلام فإن أصله الظاهر، وكماله القلب‏ ".‏ ([6]).
    أقول :
    ففي هذا النص جعل الشيخ الإسلام للإيمان معنيين أصلاً وفرعاً و أشار إلى كون العمل كمالاً للإيمان بقوله "فمن سواء أجزائه ما إذا ذهب نقص عن الأكمل ومنه ما نقص عن الكمال وهو ترك الواجبات أو فعل المحرمات إلخ وأكد هذا التقرير بقوله عن الإيمان :"وأصله القلب وكماله العمل الظاهر .
    وقال عن الفرق بينه وبين الإسلام : ( بخلاف الإسلام ) فإن أصله الظاهر ,وكماله القلب " .
    فماذا يقول المتطفلون على علوم الإسلام وعقائده في هذا الإمام الجهبذ وفي تقريره هذا عن الإيمان والعمل ؟!!.
    ب- وقال -رحمه الله- : " والدين القائم بالقلب من الإيمان علمًا وحالًا هو الأصل، والأعمال الظاهرة هي الفروع، وهي كمال الإيمان‏ .‏
    فالدين أول ما يبنى من أصوله ويكمل بفروعه، كما أنزل اللّه بمكة أصوله من التوحيد والأمثال التي هي المقاييس العقلية، والقصص، والوعد، والوعيد، ثم أنزل بالمدينة ـ لما صار له قوة ـ فروعه الظاهرة من الجمعة والجماعة، والأذان والإقامة، والجهاد، والصيام، وتحريم الخمر والزنا، والميسر وغير ذلك من واجباته ومحرماته‏.‏
    فأصوله تمد فروعه وتثبتها، وفروعه تكمل أصوله وتحفظها، فإذا وقع فيه نقص ظاهر فإنما يقع ابتداء من جهة فروعه ؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏( ‏أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة‏ ) .([7]).
    صرح شيخ الإسلام هنا بأن الإيمان هو الأصل والأعمال الظاهرة هي الفروع وهي كمال الإيمان وأن أصوله تمد فروعه وتثبتها وأن فروعه تكمل أصوله .
    ج- وقال -رحمه الله- : " وأما قولهم :إن الله فرق بين الإيمان والعمل في مواضع ,فهذا صحيح . وقد بينا أن الإيمان إذا أطلق أدخل الله ورسوله فيه الأعمال المأمور بها .
    وقد يقرن به الأعمال ,وذكرنا نظائر لذلك كثيرة ؛ وذلك لأن أصل الإيمان هو ما في القلب .والأعمال الظاهرة لازمة لذلك . لا يتصور وجود إيمان القلب الواجب مع عدم جميع أعمال الجوارح ,بل متى نقصت الأعمال الظاهرة كان لنقص الإيمان الذي في القلب ؛فصار الإيمان متناولاً للملزوم واللازم وإن كان أصله ما في القلب ؛ وحيث عطفت عليه الأعمال ,فإنه أريد أنه لا يكتفي بإيمان القلب بل لا بد معه من الأعمال الصالحة " .([8]).
    وهنا ذكر شيخ الإسلام أن أصل الإيمان هو ما في القلب وأن الأعمال الظاهرة لازمة له.
    ولا يريد بهذا التلازم إلا التلازم بين الأصل وفروعه .
    د- وقال -رحمه الله- : " وكذلك يذكر الإيمان أولاً لأنه الأصل الذي لا بد منه .
    ثم يذكر العمل الصالح فإنه أيضاً من تمام الدين لا بد منه ,فلا يظن الظان اكتفاءه بمجرد إيمان ليس معه العمل الصالح " .([9]).
    وهنا بين شيخ الإسلام عن الإيمان هو الأصل الذي لا بد منه وأن العمل الصالح من تمام الدين لا بد منه".
    فأنت ترى أنه أعتبر العمل من تمام الدين يعنى الإيمان ,وهذا أمر يبِّدع به أهل الفتن فهل من مدكر ".
    هـ- وقال -رحمه الله- : " ثم أكثر المتأخرين الذين نصروا قول جهم يقولون بالاستثناء في الإيمان , ويقولون :(الإيمان في الشرع هو ما يوافي به العبد ربه ,وإن كان في اللغة أعم من ذلك), فجعلوا في ((مسألة الاستثناء )) مسمى الإيمان ما ادعوا أنه مسماه في الشرع ,وعدلوا عن اللغة ,فهلا فعلوا هذا في الأعمال . ودلالة الشرع على أن الأعمال الواجبة من تمام الإيمان لا تحصى كثرة ,بخلاف دلالته على أنه لا يسمى إيمانا ؛ إلا ما مات الرجل عليه فإنه ليس في الشرع ما يدل على هذا ,وهو قول محدث لم يقله أحد من السلف " .([10]).
    انظر إلى شيخ الإسلام كيف صرح أن دلالة الشرع على أن الأعمال الواجبة من تمام الإيمان لا تحصى كثرة أي أنها من كمال الإيمان فقد جعل الأعمال الواجبة من تمام الإيمان.
    وهذا أمر منكر وإرجاء خطير عند جهال أهل الفتن والشغب فماذا يقول فيهم من يهون من شأنهم و من خطر فتنتهم؟" ويرى أنه يجب السكوت عنهم .
    و- وقال -رحمه الله- : " وإذا ذكر اسم الإيمان مجرداً، دخل فيه الإسلام والأعمال الصالحة، كقوله في حديث الشعب‏ : ‏‏( ‏الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها‏:‏ قول لا إله إلا اللّه، وأدناها‏:‏ إماطة الأذى عن الطريق ‏)‏‏.‏ وكذلك سائر الأحاديث التي يجعل فيها أعمال البر من الإيمان‏.‏
    ثم إن نفي ‏‏الإيمان‏ عند عدمها ،دل على أنها واجبة ،وإن ذكر فضل إيمان صاحبها -ولم ينف إيمانه- دلَّ على أنها مستحبة ؛فإن اللّه ورسوله لا ينفي اسم مسمى أمر - أمر اللّه به ورسوله -إلاَّ إذا ترك بعض واجباته ،كقوله ‏: ‏‏(لا صلاة إلا بأم القرآن‏)، وقوله‏: ‏‏( ‏لا إيمان لمن لا أمانة له ،ولا دين لمن لا عهد له ‏)‏ ونحو ذلك‏.‏
    فأما إذا كان الفعل مستحباً في العبادة لم ينفها لانتفاء المستحب ،فإن هذا لو جاز، لجاز أن ينفي عن جمهور المؤمنين اسم الإيمان والصلاة والزكاة والحج ؛لأنه ما من عمل إلا وغيره أفضل منه‏ .‏ وليس أحد يفعل أفعال البر مثل ما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم ؛بل ولا أبو بكر ولا عمر‏.‏ فلو كان من لم يأت بكمالها المستحب يجوز نفيها عنه، لجاز أن ينفي عن جمهور المسلمين من الأولين والآخرين، وهذا لا يقوله عاقل‏.
    فمن قال‏:‏ إن المنفي هو الكمال، فإن أراد أنه نفي الكمال الواجب الذي يذم تاركه ويتعرض للعقوبة ،فقد صدق‏.‏ وإن أراد أنه نفي الكمال المستحب ،فهذا لم يقع قط في كلام اللّه ورسوله ،ولا يجوز أن يقع ؛فإن من فعل الواجب كما وجب عليه ،ولم ينتقص من واجبه شيئاً ،لم يجز أن يقال ‏:‏ ما فعله لا حقيقة ولا مجازاً‏ .‏ فإذا قال للأعرابي المسيء في صلاته ‏:‏‏( ‏ارجع فَصَلِّ ،فإنك لم تُصَلِّ‏ ) ‏،وقال لمن صلى خلف الصف-وقد أمره بالإعادة - ‏: ‏‏( ‏لا صلاة لفَذٍّ خلف الصف‏ )‏ كان لترك واجب، وكذلك قوله تعالى‏:‏ ‏( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) ‏[‏الحجرات‏:‏15‏]‏،يبين أن الجهاد واجب، وترك الارتياب واجب " ‏.(‏[11]).
    ذكر شيخ الإسلام هنا حديث" الإيمان بضع وسبعون شعبة ,وذكر أن أعمال البر من الإيمان ,وذكر ما يفيد أن للإيمان كمالا واجبا وكمالا مستحبا ,وأنه إذا نفي الإيمان عن المسلم فإنما يراد بهذا النفي نفي الكمال الواجب لا الكمال المستحب .
    مثل " لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن " ,فنفي الصلاة هنا عن من لم يقرأ بأم القرآن دليل على وجوب قراءة الفاتحة لا استحبابها وبعض العلماء يقول إن النفي هنا نفي للكمال الواجب لا نفي لحقيقة الصلاة.
    ونفي الإيمان عن من لا أمانة له يدل على أن الأمانة من الواجبات وهي من كمال الإيمان ,وليس المراد بنفي الإيمان عنه أنه كافر خارج من ملة الإسلام .
    وننبه القارئ هنا على أن هذا الحديث ضعيف ,وقد يكون عند شيخ الإسلام صالحاً للاحتجاج به ,وعلى كل حال فإن قصد شيخ الإسلام من التمثيل به في مثل هذا السياق بيان أن مثل هذا النفي إنما يراد به نفي الكمال الواجب لا نفي حقيقة الإيمان ولا نفي الكمال المستحب .
    ويلتحق بهذا مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يزني الزاني حين يزنى وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن "متفق عليه .
    ومثل قوله صلى الله عليه وسلم :" والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل: ومن يا رسول الله قال : الذي لا يأمن جاره بوائقه " متفق عليه واللفظ للبخاري .
    فليس المراد هنا تكفير هؤلاء العصاة بالكبائر التي ارتكبوها ولا إخراجهم من الإسلام كما يعتقد الخوارج وليس المراد نفي كمال الإيمان المستحب عنهم وإنما المراد نفي الكمال الواجب .
    فالذي لا يجيز أن يقال إن للإيمان كمالا وتماما ماذا يقول في نفي الإيمان عن الزاني والسارق وشارب الخمر والمنتهب ومؤذي جاره ؟ .
    إن قال المراد نفي الكمال الواجب تبين بطلان مذهبه في رمي من يقول بأن الإيمان أصل والعمل كمال .
    وإن قال إن المنفي عن العاصي : الزاني وغيره إنما هو الإيمان المقابل للكفر الأكبر المخرج من الإسلام ,فقد نادى على نفسه بأنه من الخوارج المكفرين بالذنوب .
    ح- وقال رحمه الله تعالى في المجموع (13/157-159) : " وقال‏:‏‏( ‏ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء )‏ ‏[‏إبراهيم‏:‏24-27‏]‏.

    والأصول مأخوذة من أصول الشجرة وأساس البناء ؛ولهذا يقال فيه ‏:‏ الأصل ما ابتنى عليه غيره ،أو ما تفرع عنه غيره‏ .‏
    فالأصول الثابتة هي أصول الأنبياء ،كما قيل‏:‏
    أيها المغتدي لتطلب علمــا ** كل علم عبد لعلم الرســول
    تطلب الفرع كي تصحح حكما ** ثم أغفلت أصل أصل الأصـول
    واللّه يهدينا وسائر إخواننا المؤمنين إلى صراطه المستقيم ،صراط الذين أنعم اللّه عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا‏.‏
    وهذه الأصول ينبني عليها ما في القلوب ،ويتفرع عليها‏.‏
    وقد ضرب اللّه مثل الكلمة الطيبة التي في قلوب المؤمنين، ومثل الكلمة الخبيثة التي في قلوب الكافرين‏.‏ و‏‏الكلمة‏ هي قضية جازمة وعقيدة جامعة، ونبينا صلى الله عليه وسلم أوتي فواتح الكلام، وخواتمه وجوامعه، فبعث بالعلوم الكلية والعلوم الأولية والآخرية على أتم قضية، فالكلمة الطيبة في قلوب المؤمنين -وهي العقيدة الإيمانية التوحيدية- كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، فأصل أصول الإيمان ثابت في قلب المؤمن كثبات أصل الشجرة الطيبة وفرعها في السماء‏ ( ‏إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ‏ )‏ [‏ فاطر‏:‏10‏]‏ واللّه -سبحانه- مَثَّل الكلمة الطيبة، أي‏:‏ كلمة التوحيد ،بشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء‏ " .‏
    وهنا استدل شيخ الإسلام بهذه الآية التى ضرب الله فيها المثل للكلمة الطيبة كلمة التوحيد والإيمان بالشجرة الطيبة لها أصل ثابت وفرعها في السماء فكما أن لهذه الشجرة الطيبة أصل يقوم عليها فروع ولها ثمار طيبة كذلك شجرة الإيمان لها أصل ثابت ولها فروع وثمار طيبة والأصل كما قال ما انبنى عليه غيره أو ما تفرع عنه غيره.
    هكذا يفهم العلماء الراسخون القرآن وأمثاله المضروبه وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون .
    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله-:
    " قال عمر بن عبد العزيز : " من عبد الله بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح " فأما العمل الصالح بالباطن والظاهر : فلا يكون إلا عن علم ، ولهذا أمر الله ورسوله بعبادة الله والإنابة إليه ، وإخلاص الدين له ونحو ذلك ، فإن هذه الأسماء تنتظم العلم والعمل جميعاً : علم القلب وحاله ، وإن دخل في ذلك قول اللسان وعمل الجوارح أيضاً ، فإن وجود الفروع الصحيحة مستلزم لوجود الأصول ، وهذا ظاهر ، ليس الغرض هنا بسطه " مجموع الفتاوى (2/382).
    وقال أيضاً : " والدين القائم بالقلب من الإيمان علماً وحالاً هو " الأصل " الأعمال الظاهرة هي " الفروع " وهي كمال الإيمان " مجموع الفتاوى (10/355).
    4 - قال الإمام ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين (1/171-174):
    " ومنها (أي: الأمثال) قوله تعالى : (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون) فشبه سبحانه وتعالى الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة ؛ لأن الكلمة الطيبة تثمر العمل الصالح ,والشجرة الطيبة تثمر الثمر النافع ,وهذا ظاهر على قول جمهور المفسرين الذين يقولون: الكلمة الطيبة هي شهادة أن لا إله إلا الله فإنها تثمر جميع الأعمال الصالحة الظاهرة والباطنية ؛فكل عمل صالح مرضي لله ثمرة هذه الكلمة ,وفي تفسير علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (كلمة طيبة) شهادة أن لا إله إلا الله (كشجرة طيبة) وهو المؤمن (أصلها ثابت) قول لا إله إلا الله في قلب المؤمن (وفرعها في السماء) يقول: يرفع بها عمل المؤمن إلى السماء.
    وقال الربيع بن أنس: ( كلمة طيبة) هذا مثل الإيمان ؛فالإيمان الشجرة الطيبة وأصلها الثابت الذي لا يزول الإخلاص فيه وفرعه في السماء خشية الله ,والتشبيه على هذا القول أصح وأظهر وأحسن ؛فإنه سبحانه شبه شجرة التوحيد في القلب بالشجرة الطيبة الثابتة الأصل الباسقة الفرع في السماء علوا التي لا تزال تؤتي ثمرتها كل حين ,وإذا تأملت هذا التشبيه رأيته مطابقا لشجرة التوحيد الثابتة الراسخة في القلب التي فروعها من الأعمال الصالحة صاعدة إلى السماء ,ولا تزال هذه الشجرة تثمر الأعمال الصالحة كل وقت بحسب ثباتها في القلب ومحبة القلب لها وإخلاصه فيها ومعرفته بحقيقتها وقيامه بحقوقها ومراعاتها حق رعايتها .
    فمن رسخت هذه الكلمة في قلبه بحقيقتها التي هي حقيقتها واتصف قلبه بها وانصبغ بها بصبغة الله التي لا أحسن صبغة منها فعرف حقيقة الإلهية التي يثبتها قلبه لله ويشهد بها لسانه وتصدقها جوارحه ونفى تلك الحقيقة ولوازمها عن كل ما سوى الله وواطأ قلبه لسانه في هذا النفي والإثبات وانقادت جوارحه لمن شهد له بالوحدانية طائعة سالكة سبل ربه ذللا غير ناكبة عنها ولا باغية سواها بدلا كما لا يبتغي القلب سوى معبوده الحق بدلا فلا ريب أن هذه الكلمة من هذا القلب على هذا اللسان لا تزال تؤتي ثمرتها من العمل الصالح الصاعد إلى الله كل وقت ,فهذه الكلمة الطيبة هي التي رفعت هذا العمل الصالح إلى الرب تعالى وهذه الكلمة الطيبة تثمر كلماً كثيراً طيباً يقارنه عمل صالح فيرفع العمل الصالح الكلم الطيب كما قال تعالى : (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه).
    فأخبر سبحانه أن العمل الصالح يرفع الكلم الطيب ,وأخبر أن الكلمة الطيبة تثمر لقائلها عملا صالحا كل وقت .
    والمقصود أن كلمة التوحيد إذا شهد بها المؤمن عارفا بمعناها وحقيقتها نفيا وإثباتا متصفا بموجبها قائما قلبه ولسانه وجوارحه بشهادته ,فهذه الكلمة الطيبة هي التي رفعت هذا العمل من هذا الشاهد أصلها ثابت راسخ في قلبه وفروعها متصلة بالسماء وهي مخرجة لثمرتها كل وقت .
    ومن السلف من قال : إن الشجرة الطيبة هي النخلة ويدل عليه حديث ابن عمر الصحيح ,ومنهم من قال : هي المؤمن نفسه كما قال محمد بن سعد حدثني أبي حدثني عمي حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله : ( ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة ) يعني بالشجرة الطيبة المؤمن ويعني بالأصل الثابت في الأرض والفرع في السماء يكون المؤمن يعمل في الأرض ويتكلم فيبلغ عمله وقوله السماء وهو في الأرض . وقال عطية العوفي في قوله: ( ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة ) قال: ذلك مثل المؤمن لا يزال يخرج منه كلام طيب وعمل صالح يصعد إلى الله . وقال الربيع بن أنس : ( أصلها ثابت وفرعها في السماء ) قال ذلك المؤمن ضرب مثله في الإخلاص لله وحده وعبادته وحده لا شريك له ( أصلها ثابت) قال أصل عمله ثابت في الأرض ( وفرعها في السماء ) قال ذكره في السماء ,ولا اختلاف بين القولين ,والمقصود بالمثل المؤمن والنخلة مشبهة به وهو مشبه بها وإذا كانت النخلة شجرة طيبة فالمؤمن المشبه بها أولى أن يكون كذلك ومن قال من السلف إنها شجرة في الجنة فالنخلة من أشرف أشجار الجنة .
    حكمة تشبيه المؤمن بالشجرة وفي هذا المثل من الأسرار والعلوم والمعارف ما يليق به ويقتضيه علم الذي تكلم به وحكمته .
    فمن ذلك أن الشجرة لا بد لها من عروق وساق وفروع وورق وثمر فكذلك شجرة الإيمان والإسلام ليطابق المشبه المشبه به ,فعروقها العلم والمعرفة واليقين ,وساقها الإخلاص وفروعها الأعمال وثمرتها ما توجبه الأعمال الصالحة من الآثار الحميدة والصفات الممدوحة والأخلاق الزكية والسمت الصالح والهدى والدل المرضي فيستدل على غرس هذه الشجرة في القلب وثبوتها فيه بهذه الأمور " .
    أقول:
    1- انظر إلى قوله : لأن الكلمة الطيبة تثمر العمل الصالح والكلمة الطيبة عند الجمهور هي شهادة أن لا إله إلا الله تثمر الأعمال الصالحة الظاهرة والباطنة ، كل عمل صالح مرضي لله ثمرة هذه الكلمة .
    2 - وانظر إلى قوله : والتشبيه على هذا القول أصح وأظهر وأحسن فإنه سبحانه شبه شجرة التوحيد في القلب بالشجرة الطيبة الثابتة الأصل الباسقة الفرع في السماء علواً .... إلى قوله : وإذا تأملت هذا التشبيه رأيته مطابقاً لشجرة التوحيد الثابتة الراسخة في القلب التي فروعها من الأعمال الصالحة صاعدة إلى السماء ولا تزال هذه الشجرة تثمر الأعمال الصالحة .... إلخ .
    3 - وإلى قوله : " وفي هذا المثل من الأسرار والعلوم والمعارف ما يليق به ويقتضيه علم الذي تكلم به وحكمته فمن ذلك أن الشجرة لا بد لها من عروق وساقٍ وفروع ووَرق وثمر ,فكذلك شجرة الإيمان والإسلام ؛ليطابق المشبه به فعروقها العلم والمعرفة واليقين ,وساقهاَ الإخلاص ,وفروعُها الأعمال وثمرتهُاَ ما توجبه الأعمال الصالحة من الآثار الحميدة والصفات الممدوحة والأخلاق الزكية والسَّمتِ الصالح والهدي والدل المرضي ,فيستدل على غَرْسِ هذه الشجرة في القلب وثبوتها فيه بهذه الأمور ".
    فتراه هنا اعتبر الإخلاص والتوحيد شجرة في قلب المؤمن وفروعها الإعمال الخ .
    والشرك والكذب والرياء شجرة في قلب الكافر وذكر أن ثمارها في الدنيا الخوف وثمارها في الآخرة الزقوم و العذاب الأليم وأحال بالمثليين إلى القرآن سورة إبراهيم.
    فهل هذا الإمام مرجئ عند أجهل الفرق ؟!
    بل أهل السنة كلهم مرجئة على أصلهم ومذهبهم ,ومنهم جمهور المفسرين ،لكن القرآن والسنة يبرآن أهل السنة وأئمتهم مما يقذفهم به الحدادية : خوارج ومرجئة العصر تبعاً للخوارج الأولين .
    وقال -رحمه الله- في كتابه الفوائد (ص179-180) طـ دار مكتبة الصفا):
    " والإخلاص والتوحيد شجرة في القلب ؛ فروعها الأعمال وثمرها طيب الحياة في الدنيا والنعيم المقيم في الآخرة ,وكما أن ثمار الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة فثمرة التوحيد والإخلاص في الدنيا كذلك .
    والشرك والكذب والرياء ؛ شجرة في القلب ثمرها في الدنيا الخوف والهم والغم وضيق الصدر وظلمة القلب ,وثمرها في الآخرة الزقوم والعذاب المقيم ,وقد ذكر الله هاتين الشجرتين في سورة إبراهيم " .
    5 - وقال الحافظ ابن رجب -رحمه الله- في جامع العلوم والحكم (1/151):
    " وقد ضرب العلماء مثل الإيمان بمثل شجرة لها أصل وفروع وشعب فاسم الشجرة يشمل ذلك كله ,ولو زال شيء من شعبها وفروعها لم يزل عنها اسم الشجرة ,وإنما يقال: هي شجرة ناقصة أو غيرها أتم منها.
    وقد ضرب الله مثل الإيمان بذلك في قوله تعالى ( ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء توتي أُكلها كل حين بإذن ربها ) (إبراهيم :24).
    والمراد بالكلمة كلمة التوحيد ,وبأصلها التوحيد الثابت في القلوب ,وأكلها : هو الأعمال الصالحة الناشئة منه.
    وضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثل المؤمن والمسلم بالنخلة ولو زال شيء من فروع النخلة أومن ثمرها لم يزل بذلك عنها اسم النخلة بالكلية ,وإن كانت ناقصة الفروع أو الثمر.
    -وقال أيضاً في فتح الباري شرح صحيح البخاري (1/27-2:
    وقد ضرب الله ورسولُه مثل الإيمان والإسلام بالنخلة ,قال الله تعالى : ( ضرب الله مثلا كلمةً طيبة كشجرةٍ طيبة أصلها ثابت وفرعُهَا في السماء تؤتي أُكُلَهَا كل حيٍن بإذنِ ربها ) ( إبراهيم 23-24).
    فالكلمة الطيبة هي كلمة التوحيد وهي أساس الإسلامِ ,وهي جاريةُ على لسانِ المؤمنِ وثبوتُ أصلها هو ثبوتُ التصديق بها في قلب المؤمن ,وارتفاعُ فرعها في السماء هو علو هذه الكلمةِ وبُسُوقها وأنها تخرق الحجب ولا تتناهى دونَ العرش ِ ,وإتيانُها أكلها كل حينٍ :
    هو ما يرفع بسببها للمؤمن في كل حينٍ من القولِ الطيبِ والعملِ الصالح ِ ؛ فهو ثمرتها .
    وجعل النبي صلى الله عليه وسلم مثل المؤمنِ أو المسلمِ كمثلِ النخلةِ .
    وقال طاوس : مثل ( الإسلام ) كشجرة أصلها الشهادةُ ,وساقُهَا كذا وكذا ,وورقُهَا كذا وكذا ,وثمرُهَا :الورعُ ,ولا خيَر في شجرةٍ لا ثمرَ لها ,ولا خير في إنسانٍ لا ورَعَ فيه .
    ومعلوم أن ما دخل في مسمَّى الشجرةِ والنخلةِ من فروعها وأغصانها وورقِهاَ وثمرها إذا ذهب شيء منه لم يذهب عن الشجرةِ اسمُهَا ؛ولكن يقال : هي شجرةُ ناقصةُ ,وغيرها أكمل منها ,فإن قطع أصلُها وسقطت لم تبق شجرةً ؛وإنما تصير حَطباً ,فكذلك الإيمان والإسلام إذا زالَ منه بعض ما يدخل في مسماه مع بقاء أركان بنيانه لا يزولُ به اسمُ الإسلامِ والإيمانِ بالكليةِ ,وإن كان قد سُلِبَ الاسم عنه لنقصه بخلافِ ما انهدمت أركانُهُ وبنيانُهُ فإنه يزول مسماه بالكليةِ ,واللهُ أعلمُ .
    أقول :
    وهذا المثل القرآني من أقوى وأوضح الأمثلة والأدلة على أن للإيمان أصلاً وفروعاً وهذا المثل وتفسيره من أقوى ما يرد به على الخوارج الذين يكفرون المؤمن بارتكاب الكبيرة ويخرجونه من الإسلام ,لأن عقيدتهم الفاسدة تقول : إن الإيمان إذا ذهب بعضه ذهب كله .
    وهو أيضاً رد على المرجئة الذين يعتقدون أن العمل ليس من الإيمان ,ويعتقدون أيضاً أنه إذا ذهب بعضه ذهب كله ,وينكرون أن يكون العمل من الإيمان .
    6 - قال الإمام عبد الرحمن بن حسن -رحمه الله- في فتح المجيد (ص8-9):
    " وأما كتابه ([12]) المذكور فموضوعه في بيان ما بعث به الله رسله من توحيد العبادة وبيانه بالأدلة من الكتاب والسنة ، وذكر ما ينافيه من الشرك الأكبر أو ينافي كماله الواجب ، من الشرك الأصغر ونحوه ، وما يقرب من ذلك أو يوصل إليه " .
    أقول :
    إن توحيد العبادة هو مضمون شهادة أن لا إله إلا الله أصل الإيمان وأن الشرك الأكبر ينافي هذا التوحيد والشرك الأصغر ينافي كماله وإذن فللإيمان أصل وكمال عند هذا الإمام وهذا سير منه على طريق السلف .
    ونقل عن الإمام ابن القيم -رحمه الله- قوله : " فإن القرآن إما خبر عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله وأقواله ،فهو التوحيد العلمي الخبري ،وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له وخلع ما يعبد من دونه ،فهو التوحيد الإرادي الطلبي ،وإما أمر ونهي وإلزام بطاعته وأمره ونهيه ،فهو حقوق التوحيد ومكملاته ،وإما خبر عن إكرام أهل التوحيد وما فعل بهم في الدنيا وما يكرمهم به في الآخرة ،فهو جزاء توحيده ،وإما خبر عن أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النكال وما يحل بهم في العقبى من العذاب ،فهو جزاء من خرج عن حكم التوحيد ،فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه ،وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم " انتهى .([13]).
    انظر كيف جعل للتوحيد بأنواعه حقوقاً ومكملات وهي الأوامر والنواهي والطاعات فما حكم ابن القيم والشيخ عبد الرحمن هل قالوا هنا بقول المرجئة .
    فما أكثر سعي الحدادية لهدم أهل السنة وأصولهم العظيمة بجهالاتهم ووساوسهم.
    قال الإمام محمد -رحمه الله- في كتاب التوحيد في باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما ... الخ ،ساق في الباب بعض الأدلة ,ثم قال : ولابن أبي حاتم عن حذيفة أنه رأى رجلاً في يده خيط من الحمى فقطعه وتلا قوله تعالى ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون).
    قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد (ص104-105) : " قوله ( وتلا قوله " وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون " ) استدل حذيفة -رضي الله عنه- بالآية على أن هذا شرك ، ففيه صحة الاستدلال على الشرك الأصغر بما أنزله الله في الشرك الأكبر لشمول الآية ودخوله في مسمى الشرك ، وتقدم معنى هذه الآية عن ابن عباس وغيره في كلام شيخ الإسلام وغيره ، والله أعلم ، وفي هذه الآثار عن الصحابة ما يبين كمال علمهم بالتوحيد وما ينافيه أو ينافي كماله " .
    فهنا يثني الإمام عبد الرحمن على الصحابة بكمال علمهم بالتوحيد وما ينافيه وينافي كماله وهذا حق فمن أعلم بالله وبدينه من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .
    7 - وقال الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- في كتاب تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد (ص 114):
    " فإن كمال الإسلام هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتمام ذلك بالجهاد في سبيل الله ,ومن نشأ في المعروف ,فلم يعرف غيره ,فقد لا يكون عنده من العلم بالمنكر وضرره ما عند من علمه ,ولا يكون عنده من الجهاد لأهله ما عند الخبير بهم" .
    وهنا يثبت الشيخ سليمان بن عبد الله أن للإسلام كمالاً هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتمام ذلك بالجهاد في سبيل الله .
    8 - وقال الإمام عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ – رحمه الله – في رده على افتراءات عثمان بن منصور على الإمام محمد بن عبد الوهاب : " فمحا الله بدعوته (أي الإمام محمداً) شعار الشرك ومشاهده ، وهدم بيوت الكفر والشرك ومعابده ، وكبت الطواغيت والملحدين ، وألزم من ظهر عليه من البوادي وسكان القرى بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من التوحيد والهدى ، وكفَّر من أنكر البعث واستراب فيه من أهل الجهالة والجفاء ، وأمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وترك المنكرات والمسكرات ، ونهى عن الابتداع في الدين ، وأمر بمتابعة سيد المرسلين والسلف الماضين ، في الأصول والفروع من مسائل الدين ، حتى ظهر دين الله واستعلن . واستبان بدعوته منهاج الشريعة والسنن وقام قائم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وحُدّت الحدود الشرعية ، وعزرت التعازير الدينية ، وانتصب علم الجهاد ، وقاتل لإعلاء كلمة الله أهل الشرك والعناد ، حتى سارت دعوته وثبت نصحه لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم وجمع الله به القلوب بعد شتاتها ، وتألفت بعد عداوتها ، وصاروا بنعمة الله إخوانا " مصباح الظلام في الرد على من كذب الشيخ الإمام (ص17).
    وقال الإمام عبد اللطيف أيضاً خلال مناقشته لعثمان بن منصور وبيان جهله وضلاله: "ولذلك رد على أهل التوحيد والإيمان بما رد به على المتكلمين من أهل منطق اليونان فظن أن البحث في التوحيد وتحقيقه . والنهي عن الشرك وسد ذرائعه ، وقطع وسائله وتبين حقيقته . والفرق بين أصغره وأكبره هو من جنس أبحاث المتكلمين المخالفين للسلف في خوضهم في مسألة الجوهر والعرض ، وبقية المقولات العشر . ولذلك رد على المسلمين بما رد به ابن عقيل على المتكلمين . وذكر أن تحقيق التوحيد وذكر أصوله وفروعه وثمراته وبيان الشرك وذكر أصوله وفروعه ووسائله وذرائعه من جنس بدعة المتكلمين وانفتح بها البثق .
    فقف هنا واعتبر واعرف بعد هذا الضرب من الناس عن طريق العلم والهدى واعرف ما تضمنه قوله تعالى : ( إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ) " مصباح الظلام (ص37.
    وعندهم الآن وأمام أعينهم تشاد في الجامعات كليات باسم كليات أصول الدين , وكليات الشريعة أي الفروع .
    فعلى أي أساس قامت هذه التسميات على أيدي علماء السنة والتوحيد ؟ على مذهب الإرجاء عند الحدادية وعلى مذهب أهل السنة عند أهل السنة .
    وأقولها صريحة لو قال عالم أن في الأعمال أصولاً مثل الأركان الأربعة الصلاة والزكاة والصوم والحج لقلت وغيري نعم ولا حرج في ذلك .
    ومع ذلك فهي مرتبطة بأعمال القلوب وقائمة على أساسها كما قرر ذلك علماء السنة وقد ذكرنا أقوالهم وأدلتهم في هذا المقال , فلا تخالف ولا تصادم بين هذا القول وذاك.
    9 - قال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله- في ( تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان : ص 425):
    يقول تعالى ( ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة ) وهي شهادة أن لا إله إلا الله وفروعها ( كشجرة طيبة ) وهي النخلة ( أصلها ثابت ) في الأرض ( وفرعها ) منتشر (في السماء) وهي كثيرة النفع دائماً ,( تؤتي أكلها ) أي : ثمرتها ( كل حين بإذن ربها ) فكذلك شجرة الإيمان ,أصلها ثابت في قلب المؤمن ,علماً واعتقاداً .وفرعها من الكلم الطيب ,والعمل الصالح ,والأخلاق المرضية ,والآداب الحسنة ,في السماء دائماً ,يصعد إلى الله منه من الأعمال والأقوال التي تخرجها شجرة الإيمان ,ما ينتفع به المؤمن وينفع غيره ( ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ) ما أمرهم به ونهاهم عنه ,فإن في ضرب الأمثال تقريباً للمعاني المعقولة من الأمثال المحسوسة ,ويتبين المعنى الذي أراده الله غاية البيان ويتضح غاية الوضوح ,وهذا من رحمته وحسن تعليمه . فلله أتم الحمد وأكمله وأعمه ,فهذه صفة كلمة التوحيد وثباتها في قلب المؤمن .
    - وقال رحمه الله في القول السديد ( المجموعة الكاملة 3/13-14) في شرح باب : من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب :
    " وهذا الباب تكميل للباب الذي قبله وتابع له ,فإن تحقيق التوحيد تهذيبه وتصفيته من الشرك الأكبر والأصغر ,ومن البدع القولية الاعتقادية ,والبدع الفعلية العملية ,ومن المعاصي وذلك بكمال الإخلاص لله في الأقوال والأفعال والإرادات ,وبالسلامة من الشرك الأكبر المناقض لأصل التوحيد ,ومن الشرك الأصغر المنافي لكماله ,وبالسلامة من البدع والمعاصي التي تكدر التوحيد وتمنع كماله ,وتعوقه عن حصول آثاره " .
    فهنا صرح الشيخ السعدي بأن للتوحيد أصلاً ينافيه الشرك الأكبر وله كمال ينافيه الشرك الأصغر وأن البدع والمعاصي تمنع من كمال الإيمان .
    فماذا يريد من ينكر أن للإيمان أصلاً وكمالاً (فرعاً) وبأي حق يضلل من يثبت ما أثبته الله ورسوله وقال به علماء السنة وأئمتها .
    - وقال رحمه الله في كتاب التوضيح والبيان لشجرة الإيمان (87/8:
    " أما بعد: فهذا كتاب يحتوي على مباحث الإيمان التي هي أهم مباحث الدين ,وأعظم أصول الحق واليقين ؛مستمداً ذلك من كتاب الله الكريم - الكفيل بتحقيق هذه الأصول تحقيقاً لا مزيد عليه - ومن سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم :التي توافق الكتاب وتفسره وتعبر عن كثير من مجملاته ,وتفصل كثيراً من مطلقاته . مُبتدِئاً بتفسيره ,مُثْنِياً بذكر أصوله ومقوماته ,ومن أي شيء يستمد ؟ مُثلِّثاً بفوائده وثمراته ,وما يتبع هذه الأصول .
    قال الله تعالى : ( ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ) ( 14/ 24-25).
    فمثل الله كلمة الإيمان - التي هي أطيب الكلمات- بشجرة هي أطيب الأشجار ,موصوفة بهذه الأوصاف الحميدة : أصولها ثابتة مستقرة ,ونماؤها مستمر ,وثمراتها لا تزال ,كل وقت وكل حين ,تغل على أهلها وعلى غيرهم المنافع المتنوعة ,والثمرات النافعة .
    وهذه الشجرة متفاوتة في قلوب المؤمنين تفاوتاً عظيماً ,بحسب تفاوت هذه الأوصاف التي وصفها الله بها .
    فعلى العبد الموفق أن يسعى لمعرفتها ,ومعرفة أوصافها وأسبابها ,وأصولها وفروعها ؛ويجتهد في التحقق بها : علماً وعملاً . فإن نصيبه من الخير والفلاح ,والسعادة العاجلة والآجلة بحسب نصيبه من هذه الشجرة " .
    انظر قوله عن شجرة الإيمان وتفاوتها : " فعلى العبد أن يسعى لمعرفتها ومعرفة أوصافها وأسبابها وأصولها وفروعها ... إلخ " .
    وحاصل ما دل عليه الكتاب والسنة وكلام الأئمة أن للإيمان أصولاً وفروعاً وكمالاً وأن الإيمان كالشجرة الطيبة لها أصل وفروع وثمار وتلك الفروع والثمار من تلك الشجرة .
    فأين هذا المذهب الأصيل القائم على الكتاب والسنة وآمن به أساطين الأمة من مذهب الإرجاء الذي لا يعتبر العمل من الإيمان وأنه لا يزيد ولا ينقص ,أي أنه ليس من شجرة الإيمان ،وأهل السنة يعتبرون العمل من الإيمان وفرع وكمال للإيمان ومن شجرة الإيمان.
    وهذا ما تيسر نقله من كلام الأئمة العلماء والتعليقات الموجزة عليه وأسأل الله أن ينصر دينه ويعلي كلمته وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .

    وكـتـبه ربيع بن هادي بن عمير المدخلي
    10 / شوال/ 1427هـ/

    صدر هذا المقال في التاريخ المذكور، أي: قبل تسع سنوات، فلم يردعهم ما فيه من حق ومن أقوال أئمة الإسلام؛ لتمكن الهوى والضلال من قلوبهم.

    الحواشي:

    ([1]) الجواب : لا . لماذا ؟ لأنه يقتضي تضليل أئمة الإسلام .
    [2]) الطائفة الأولى هي من أهل السنة والحديث الذين يقولون القول المشهور في مرتكب الكبيرة إنه مؤمن فاسق أو مؤمن ناقص الإيمان.
    [3] - في الأصل فيزيل والتصحيح من كتاب الإيمان لابن تيمية (307) .
    [4] - والظاهر أنه حصل هنا سقط ولعل أصل الكلام إلا من قلة خوفه والسياق يرشد إلى هذا .
    ( [5] ) يعني الإيمان .
    ([6] ) مجموع الفتاوى (7/637).
    ([7]) مجموع الفتاوى (10/355-356).
    ( مجموع الفتاوى (7/19.
    (9) مجموع الفتاوى (7/199).
    ([10] ) مجموع الفتاوى (7/143).
    ( [11] ) مجموع الفتاوى (7/14-15).
    ([12]) يعني كتاب التوحيد للإمام محمد بن عبدا لوهاب رحمه الله.

    ([13]) فتح المجيد (ص15-16) وانظر مدارج السالكين ( 3/449).
    -----------------------
    المصدر : http://www.rabee.net/ar/articles.php?cat=8&id=310

    تعليق


    • #3
      رد: دحض أباطيل عبد الحميد الجهني التي أوردها في كتابه المسمَّى زورًا بالرد العلمي ( الحلقة الأولى )

      بسم الله الرحمن الرحيم


      دحض أباطيل عبد الحميد الجهني التي أوردها في كتابه
      المسمَّى زورًا بالرد العلمي
      الحلقة الثانية
      قال الجهني في (ص7) من كتابه المسمى زورًا [الرد العلمي الرفيع على مقالات الشيخ ربيع]:
      "المسألة الأولى: دعوى الشيخ ربيع أن العمل كمال في الإيمان".
      ثم قال تحت هذا العنوان:
      "ذهب الشيخ ربيع إلى أن العمل كمال في الإيمان، وعليه فإن الإيمان عنده يصح من غير عمل الجوارح، وهذه المسألة قرَّرها الشيخ ربيع في عدة مقالات له".
      كما في مقاله: (هل يجوز أن يُرمَى بالإرجاء من يقول: إنَّ الإيمان أصل والعملَ كمال (فرعٌ)؟)، وكما في مقاله: (متعالم مغرور)، ومقاله: (أحاديث الشفاعة الصحيحة تدمغ الخوارج والحدادية القطبية) وغير ذلك. ويحتجُّ على تقرير هذا القول الذي وافق فيه المرجئة بأدلة عامة ومشتبهة وبأقوال لأئمة الإسلام لها معنى صحيح موافق لاعتقادهم، فيفسرها هو على معنى يفهم منه الإرجاء".اهـ
      أقول:
      إن هذه المقالات الثلاث التي اقتصر على ذكر عناوينها كلها قائمة على البراهين الواضحة وضوح الشمس من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
      وربيع ساق أقوال أئمة الإسلام القائمة على هذه الأدلة والبراهين الواضحة الجلية، وهذه البراهين وما بني عليها من مذهب أهل السنة والجماعة وأقوال أئمتهم كلها تدين المذهب الحدادي الخارجي القائم على الأصول الباطلة المضادة للكتاب والسنة ولأصول أهل السنة ومنهجهم ا لسديد.
      وهذه المقالات الثلاث التي اقتصر على ذكر عناوينها والتي قامت على البراهين الواضحة بل والمتواترة كلها تدين الحدادية ومنهجهم الباطل وأصولهم الفاسدة.
      وهاك مقالًا واحدًا منها ألا وهو ذو العنوان: [هل يجوز أن يرمى بالإرجاء من يقول: الإيمان أصل والعمل كمال].
      فاقرأه وتأمله أيها العاقل المنصف المحترم للأدلة والبراهين ولأقوال أهل السنة وأئمتهم.
      قلت:
      هل يجوز أن يُرمَى بالإرجاء من يقول: :" إنَّ الإيمانَ أصلٌ والعملَ كمالٌ ( فرعٌ ) "؟(1)
      بسم الله الرحمن الرحيم
      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه .
      أما بعد:
      فإن الله قال في محكم كتابه عن أهل الضلال :(ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق) سورة الحج(آية 9-10)
      وقال تعالى : ( ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد كتب عليه أنه من تولاه فانه يضله ويهديه إلى عذاب السعير ) الحج (آية3-4(.
      وقال تعالى في شأن أحزاب الكفر والضلال : ( وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب .(
      هذه في أعداء الرسل الذين كذبوهم وحاربوهم بأشد أنواع الحرب والأذى والكذب عليهم والافتراء .
      ولأهل البدع والأهواء والضلال نصيب من العداوة للحق وأهله وحربهم بالأكاذيب والشائعات وجدالهم بالباطل ليدحضوا به الحق ، ومن جدالهم بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير .
      ولهم نصيب من الوعيد الذي توعد الله به أعداء الحق وأعداء الرسل ولهم نصيب من الذم الذي ذم الله به أهل الباطل والهوى .
      ومن أهل الأهواء والضلال المحاربين للحق وأهله فرقة الحدادية التي أنشئت في الظلام لحرب أهل السنة السابقين واللاحقين ولحرب عقائدهم وأصولهم وهدمها .
      وحربهم هذه لا تقوم على شيء من الحق ولا من العلم والهدى ,وإنما تقوم على الكذب والجهل والخيانات ,الأمور التي لا غبار عليها ولا مخرج لهم منها ,ولا عذر لهم فيها ؛فإنها أمور واضحة مكشوفة لكل ذي عقل وبصر وبصيرة ,ونحن لا نكفرهم -وإن كفرونا بغياً وعدواناً- (!!) ولكنهم عندنا من شر أهل البدع وأجهلهم.
      ولقد اخترعوا أصولاً لا علاقة لها بالكتاب والسنة لا من قريب ولا من بعيد ,منها :

      1- جنس العمل ؛ وهو لفظ لا وجود له في الكتاب والسنة ولا خاصم به السلف ولا أدخلوه في قضايا الإيمان ,اتخذوه بديلاً لما قرره السلف من أن العمل من الإيمان وأن الإيمان قول وعمل واعتقاد ,يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي .
      وإذا أخذوا بهذا الكلام على مضض فلا يكفي عندهم أن يقول السلفي :
      الإيمان قول وعمل واعتقاد ويزيد وينقص حتى لا يبقى منه إلا مثقال ذرة وأدنى أدنى من مثقال ذرة كما نطقت به الأحاديث النبوية الصحيحة .
      بل أوجبوا على الناس أن يقولوا : (حتى لا يبقى منه شيء) والذي لا يقول بهذه الزيادة فهو عندهم مرجئ غال وحتى ولو قالها بعض أهل السنة فهم عندهم مرجئة رغم أنوفهم !!
      فعلى عقيدتهم هذه يكون حوالي تسعة وتسعون بالمائة من أهل السنة وأئمتهم مرجئة
      وإذا بين لهم خطورة تأصيلهم وفساده ازدادوا عناداً وحرباً على أهل السنة .
      2- الذي لا يبدع من لا يكفر تارك جنس العمل فهو عندهم مرجئ غال رمزاً إلى تكفيره .
      وحتى وإن كفر تارك جنس العمل فهو مرجئ عندهم لماذا ؟ .
      لأنهم قد فصلوا ثوب الإرجاء ليقمصوا به أهل السنة شاءوا أم أبوْا !!
      3 - أئمة الجرح والتعديل والحديث عندهم ليسوا أهلاً للحكم على أهل البدع وقواعدهم لا تنطبق على أهل البدع ؛ لأن هذه المرتبة إنما هي للعلماء ؛ أي علماء الحدادية الجهلة المجهولين ,فإن هؤلاء لهم الحق أن يبدعوا وأن يكفروا بالجهل والظلم .
      4 -بعض أصولهم ضللت الأئمة وبعضها من صنع الشيطان.
      5 - أحكام في التكفير تفوق أحكام الخوارج .
      فمن لم يقلد فالحاً وأمثاله فقد نسف رسالات الرسل والكتب التي نزلت عليهم .
      والذي يرضَى غيرَهُ من العلماء حَكَماً فقد كذًّب القرآن والسنة وكذَّب الإسلام .
      6 - إلى افتراءات واتهامات بالكفر لمن ينصحهم أو يخالفهم في تلك الأمور التي انفردت بها هذه الطائفة ,وقد ناقشناهم فيها وبينا أكاذيبهم وأباطيلهم وجهالاتهم .
      واليوم نحن مع أصل من أصولهم الهدامة ألا وهو أن من يقول إن الإيمان أصل والعمل كمال ( فرع ) فهو مرجئ !
      وبهذا الأصل الهدام يهدمون أهل السنة وعلماءهم !
      وسوف أسوق مقالات لعدد من فحول أئمة السنة وعظمائهم يقولون فيها : إن الإيمان أصل والعمل كمال أو تمام أو فرع أو فروع .
      وننتظر من هؤلاء الحدادية إما إعلان ندمهم وتوبتهم من هذه المجازفات أو التمادي في أحكامهم وأباطيلهم فيعرف الناس مكانهم من السنة وأهلها .

      لا يجوز أن يُرمى بالإرجاء من يقول :" إنَّ الإيمان أصل وفرع " لأنَّ هذا يقتضي تضليل علماء الأمة
      ومنهم الأئمة الآتي ذكرهم وأقوالهم :
      وقبل أن أورد كلام الأئمة أسوق بعض الأدلة في هذا الشأن:
      قال الإمام أحمد-رحمه الله- في مسنده ( 6/47, 99):
      "حدثنا إسماعيل ثنا خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عائشة رضي الله عنه قالت :قال رسول صلى الله عليه وسلم :"إن من أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله" .
      إسناد هذا الحديث صحيح إن سلم من إرسال أبي قلابة وأخرجه ابن أبي شيبة في الإيمان برقم ( 19 ) قال: حدثنا حفص عن خالد به .
      و له شاهد من حديث أبي هريرة قال أبو داوود في سننه ( 5 /60 ): حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن عمر عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :" أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقاً ".
      وأخرجه أحمد في مسنده ( 2/250 و472 )وابن أبي شيبة في الإيمان من طريقين برقم (18و20 ) والترمذي (2/454 رقم 1162 ) وقال : حديث أبي هريرة هذا حديث : حسن صحيح .
      وله شاهد آخر من حديث أبي أمامة مرفوعاً ولفظه " من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان " أخرجه أبو داود(5/60 رقم 4681 )وشاهد آخر من حديث سهل بن معاذ عن أبيه ويروى من طريقين ضعيفين يقوي أحدهما الآخر .
      وكتب عمر بن عبدالعزيز – رضي الله عنه – إلي عدي بن عدي :
      " أن للإيمان فرائض وشرائع وحدوداً وسنناً فمن استكملها استكمل الإيمان ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان فإن أعش فسأبينها لكم حتى تعملوا بها وإن أمت فما أنا على صحبتكم بحريص " أخرجه ابن أبي شيبة في الإيمان ( 45رقم 135 ) بإسناد
      "صحيح" وأورده البخاري في كتاب الإيمان معلقاً (1/19).
      أقول:
      وهذه الأحاديث تدل على أن للإيمان أصلاً وكمالاً إذ الكمال لا يقوم إلا على أصل.
      كلام الأئمة:
      1 - قال الإمام محمد بن إسحاق بن منده في كتابه الإيمان (1/331-332) بعد أن ذكر أقوال الطوائف في الإيمان :
      " وقال أهل الجماعة: الإيمان هو الطاعات كلها بالقلب واللسان وسائر الجوارح غير أن له أصلا وفرعا.
      فأصله المعرفة بالله والتصديق له وبه وبما جاء من عنده بالقلب واللسان مع الخضوع له والحب له والخوف منه والتعظيم له ,مع ترك التكبر والاستنكاف والمعاندة ,فإذا أتى بهذا الأصل فقد دخل في الإيمان ولزمه اسمه وأحكامه ,ولا يكون مستكملا له حتى يأتي بفرعه وفرعه المفترض عليه أو الفرائض واجتناب المحارم ,وقد جاء الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( الإيمان بضع وسبعون أو ستون شعبة أفضلها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان).
      فجعل الإيمان شعبا بعضها باللسان والشفتين ,وبعضها بالقلب ,وبعضها بسائر الجوارح " .
      وقال أيضا في كتاب الإيمان (1/350) : " قال الله عز وجل ( ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها).
      فضربها مثلاً لكلمة الإيمان وجعل لها أصلا وفرعا وثمرا تؤتيه كل حين " .
      أقول:
      بيَّن الإمام ابن منده عقيدة أهل السنة والجماعة في الإيمان وأنه أصل وفرع وبيَّن أن أصل الإيمان محله القلب وأنه يكون بأمور منها:
      المعرفة بالله والتصديق لله و به وبما جاء من عنده بالقلب واللسان مع الخضوع والحب والخوف والتعظيم إلخ .
      وذكر أنه لا يستكمله العبد إلا إذا أتى بفروعه المفروضة عليه مع اجتناب المحارم واستدل على ذلك بحديث شعب الإيمان .
      وفي النص الثاني ساق الآية الكريمة : (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ) الآية .
      ثم قال: فضربها مثلاً لكلمة الإيمان وجعل لها أصلا وفرعا وثمراً .
      فما رأي أهل الشغب في أهل السنة والجماعة الذين حكى عقيدتهم ومذهبهم هذا الإمام وساق بعض أدلتهم أهم مرجئة ؟! أم هم أهل السنة حقاً ؟
      نريد الإجابة الصادقة الصريحة .
      2 - وقال الإمام محمد بن نصر المروزي – رحمه الله- خلال مناقشته للمرجئة : "فلما أقرت المرجئة بأن الإقرار باللسان هو إيمان يكمل به تصديق القلب , ولا يتم إلا به , ثم بيَّن الله تعالى لنا , والرسول صلى الله عليه وسلم : أنه أول الإسلام , ثبت أن جميع الإسلام من الإيمان , فإن يكن شيء من الإسلام ليس من الإيمان , فالإقرار الذي هو أول الإسلام ليس من الإيمان ، فبإيجابهم أن أول الإسلام بجارحة اللسان هو من الإيمان بالله , يلزمهم أن يجعلوا كلما بقى من الإسلام من الإيمان بعد ما سمى الله عز وجل , والرسول الإقرارَ باللسان إيماناً , ثم شهدت المرجئةُ أن الإقرار الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم إسلاماً هو إيمان , فما بال سائر الإسلام لا يكون من الإيمان , فهو في الأخبار من الإيمان , وفي اللغة , والمعقول كذلك , إذ هو خضوع بالإخلاص , إلا أن له أصلاً وفرعاً , فأصله الإقرار بالقلب عن المعرفة , وهو الخضوع لله بالعبودية , والخضوع له بالربوبية , وكذلك خضوع اللسان بالإقرار بالإلهية بالإخلاص له من القلب , واللسان , أنه واحد لا شريك له ثم فروع هذين الخضوع له بأداء الفرائض كلها , ألم تسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم : " الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله , وإقام الصلاة , وإيتاء الزكاة " وما عدا من الفرائض , فَلِمَ جَعَلَتِ المرجئةُ الشهادةَ إيماناً , ولم تجعل جميع ما جعله النبي صلى الله عليه وسلم من الإسلام إيماناً ؟! وكيف جعلتْ بعض ما سماه النبي صلى الله عليه وسلم إسلاماً إيماناً , ولم تجعل جميعه إيماناً وتبدأ بأصله , وتتبعه بفروعه , وتجعله كله إيماناً ؟! " تعظيم قدر الصلاة (2/701-702).
      أ - انظر إلى قوله عن الإيمان : " إلا أن له أصلاً وفرعاً , فأصله الإقرار بالقلب عن المعرفة , وهو الخضوع لله بالعبودية , والخضوع له بالربوبية ... إلخ .
      ب – وانظر إلى قوله : " ثم فروع هذين الخضوع له بأداء الفرائض كلها " أي أعمال الجوارح " .
      جـ - وإلى قوله : " وكيف جعلت بعض ما سماه النبي صلى الله عليه وسلم إسلاماً إيماناً , ولم تجعل جميعه إيماناً وتبدأ بأصله , وتتبعه بفروعه , وتجعله كله إيماناً ؟! " .
      –وقال أيضاً : " وقالت طائفة أخرى أيضاً من أصحاب الحديث بمثل مقالة هؤلاء([2]) إلا أنهم سموه مسلماً لخروجه من ملل الكفر، ولإقراره بالله، وبما قال، ولم يسموه مؤمناً، وزعموا أنه مع تسميتهم إياه بالإسلام كافرٌ، لا كافر بالله، ولكن كافر من طريق العمل، وقالوا: كفر لا ينقل من الملة، وقالوا: محال أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم (( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن))، والكفر ضد الإيمان، فلا يزول([3]) عنه اسم الإيمان إلا واسم الكفر لازم له، لأن الكفر ضد الإيمان إلا أن الكفر كفران: كفر هو جحد بالله، وبما قال، فذلك ضد الإقرار بالله، والتصديق به، وبما قال، وكفر هو عمل ضد الإيمان الذي هو عمل، ألا ترى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه))، قالوا : فإذا لم يؤمن فقد كفر، ولا يجوز غير ذلك إلا أنه كفر من جهة العمل [إذ لم يؤمن من جهة العمل] لأنه لا يضيع المفترض عليه , ويركب الكبائر إلا من خوفه([4]), وإن ما يقل خوفه من قلة تعظيمه لله, ووعيده, فقد ترك من الإيمان التعظيم الذي صدر عنه الخوف والورع عن الخوف, فأقسم النبي صلى الله عليه وسلم أنه (( لا يؤمن إذا لم يأمن جاره بوائقه((.
      ثم قد روى جماعة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قتال المسلم كفر ), وأنه قال: (إذا قال المسلم لأخيهيا كافر ولم يكن كذلك فقد باء بالكفر) فقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم بقتاله أخاه كافراً, وبقوله له: يا كافر؛ كافراً وهذه الكلمة دون الزنا, والسرقة, وشرب الخمر.
      قالوا: وأما قول من احتج علينا, فزعم أنا إذا سميناه كافراً, لزمنا أن نحكم عليه بحكم الكافرين بالله, فنستتيبه, ونبطل الحدود عنه, لأنه إذا كفر, فقد زالت عنه أحكام المؤمنين, وحدودهم, وفي ذلك إسقاط الحدود, وأحكام المؤمنين عن كل من أتى كبيرة, فإنا لم نذهب في ذلك إلى حيث ذهبوا .
      ولكنا نقول: للإيمان أصل وفرع, وضد الإيمان الكفر في كل معنى, فأصل الإيمان: الإقرار والتصديق, وفرعه إكمال العمل بالقلب, والبدن, فضد الإقرار والتصديق الذي هو أصل الإيمان : الكفر بالله, وبما قال, وترك التصديق به, وله.
      وضد الإيمان الذي هو عمل، وليس هو إقرار، كفر، ليس بكفر بالله [ينقل عن الملة] ولكن كفر يضيع العمل كما كان العمل إيماناً، وليس هو الإيمان الذي هو إقرار بالله، فكما كان من ترك الإيمان الذي هو إقرار بالله كافراً يستتاب، ومن ترك الإيمان الذي هو عمل مثل الزكاة، والحج، والصوم، أو ترك الورع عن شرب الخمر، والزنا، فقد زال عنه بعض الإيمان، ولا يجب أن يستتاب عندنا، ولا عند من خالفنا من أهل السنة، وأهل البدع ..." [تعظيم قدر الصلاة (2/517-519)].
      والشاهد في قول هذه الطائفة من أهل السنة ( ولكنا نقول: للإيمان أصل وفرع, وضد الإيمان الكفر في كل معنى, فأصل الإيمان: الإقرار والتصديق, وفرعه إكمال العمل بالقلب, والبدن).
      3 - قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
      أ-" ثم هو في الكتاب بمعنيين(2)‏ :‏ أصل ،وفرع واجب ،فالأصل الذي في القلب وراء العمل ؛ فلهذا يفرق بينهما بقوله‏:‏ ‏( آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ‏ )‏ ‏[‏البينة‏:‏7‏]‏ والذي يجمعهما كما في قوله‏:‏ ‏( ‏إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ‏ ) ‏[‏الأنفال‏:‏2‏]‏، و( ‏لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ‏) ‏ ‏[‏التوبة‏:‏44‏]‏‏.‏
      وحديث الحياء، ووفد عبد القيس، وهو مركب من أصل لا يتم بدونه، ومن واجب ينقص بفواته نقصًا يستحق صاحبه العقوبة، ومن مستحب يفوت بفواته علو الدرجة، فالناس فيه ظالم لنفسه ومقتصد وسابق، كالحج وكالبدن والمسجد وغيرها من الأعيان، والأعمال والصفات، فمن سواء أجزائه ما إذا ذهب نقص عن الأكمل ومنه ما نقص عن الكمال، وهو ترك الواجبات أو فعل المحرمات، ومنه ما نقص ركنه وهو ترك الاعتقاد والقول، الذي يزعم المرجئة والجهمية أنه مسمى فقط، وبهذا تزول شبهات الفرق، وأصله القلب وكماله العمل الظاهر، بخلاف الإسلام فإن أصله الظاهر، وكماله القلب‏ ".‏ ([6]).
      أقول :
      ففي هذا النص جعل الشيخ الإسلام للإيمان معنيين أصلاً وفرعاً و أشار إلى كون العمل كمالاً للإيمان بقوله "فمن سواء أجزائه ما إذا ذهب نقص عن الأكمل ومنه ما نقص عن الكمال وهو ترك الواجبات أو فعل المحرمات إلخ وأكد هذا التقرير بقوله عن الإيمان :"وأصله القلب وكماله العمل الظاهر .
      وقال عن الفرق بينه وبين الإسلام : ( بخلاف الإسلام ) فإن أصله الظاهر ,وكماله القلب " .
      فماذا يقول المتطفلون على علوم الإسلام وعقائده في هذا الإمام الجهبذ وفي تقريره هذا عن الإيمان والعمل ؟!!.
      ب- وقال -رحمه الله- : " والدين القائم بالقلب من الإيمان علمًا وحالًا هو الأصل، والأعمال الظاهرة هي الفروع، وهي كمال الإيمان‏ .‏
      فالدين أول ما يبنى من أصوله ويكمل بفروعه، كما أنزل اللّه بمكة أصوله من التوحيد والأمثال التي هي المقاييس العقلية، والقصص، والوعد، والوعيد، ثم أنزل بالمدينة ـ لما صار له قوة ـ فروعه الظاهرة من الجمعة والجماعة، والأذان والإقامة، والجهاد، والصيام، وتحريم الخمر والزنا، والميسر وغير ذلك من واجباته ومحرماته‏.‏
      فأصوله تمد فروعه وتثبتها، وفروعه تكمل أصوله وتحفظها، فإذا وقع فيه نقص ظاهر فإنما يقع ابتداء من جهة فروعه ؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏( ‏أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة‏ ) .([7]).
      صرح شيخ الإسلام هنا بأن الإيمان هو الأصل والأعمال الظاهرة هي الفروع وهي كمال الإيمان وأن أصوله تمد فروعه وتثبتها وأن فروعه تكمل أصوله .
      ج- وقال -رحمه الله- : " وأما قولهم :إن الله فرق بين الإيمان والعمل في مواضع ,فهذا صحيح . وقد بينا أن الإيمان إذا أطلق أدخل الله ورسوله فيه الأعمال المأمور بها .
      وقد يقرن به الأعمال ,وذكرنا نظائر لذلك كثيرة ؛ وذلك لأن أصل الإيمان هو ما في القلب .والأعمال الظاهرة لازمة لذلك . لا يتصور وجود إيمان القلب الواجب مع عدم جميع أعمال الجوارح ,بل متى نقصت الأعمال الظاهرة كان لنقص الإيمان الذي في القلب ؛فصار الإيمان متناولاً للملزوم واللازم وإن كان أصله ما في القلب ؛ وحيث عطفت عليه الأعمال ,فإنه أريد أنه لا يكتفي بإيمان القلب بل لا بد معه من الأعمال الصالحة " .([8]).
      وهنا ذكر شيخ الإسلام أن أصل الإيمان هو ما في القلب وأن الأعمال الظاهرة لازمة له.
      ولا يريد بهذا التلازم إلا التلازم بين الأصل وفروعه .
      د- وقال -رحمه الله- : " وكذلك يذكر الإيمان أولاً لأنه الأصل الذي لا بد منه .
      ثم يذكر العمل الصالح فإنه أيضاً من تمام الدين لا بد منه ,فلا يظن الظان اكتفاءه بمجرد إيمان ليس معه العمل الصالح " .([9]).
      وهنا بين شيخ الإسلام عن الإيمان هو الأصل الذي لا بد منه وأن العمل الصالح من تمام الدين لا بد منه".
      فأنت ترى أنه أعتبر العمل من تمام الدين يعنى الإيمان ,وهذا أمر يبِّدع به أهل الفتن فهل من مدكر ".
      هـ- وقال -رحمه الله- : " ثم أكثر المتأخرين الذين نصروا قول جهم يقولون بالاستثناء في الإيمان , ويقولون :(الإيمان في الشرع هو ما يوافي به العبد ربه ,وإن كان في اللغة أعم من ذلك), فجعلوا في ((مسألة الاستثناء )) مسمى الإيمان ما ادعوا أنه مسماه في الشرع ,وعدلوا عن اللغة ,فهلا فعلوا هذا في الأعمال . ودلالة الشرع على أن الأعمال الواجبة من تمام الإيمان لا تحصى كثرة ,بخلاف دلالته على أنه لا يسمى إيمانا ؛ إلا ما مات الرجل عليه فإنه ليس في الشرع ما يدل على هذا ,وهو قول محدث لم يقله أحد من السلف " .([10]).
      انظر إلى شيخ الإسلام كيف صرح أن دلالة الشرع على أن الأعمال الواجبة من تمام الإيمان لا تحصى كثرة أي أنها من كمال الإيمان فقد جعل الأعمال الواجبة من تمام الإيمان.
      وهذا أمر منكر وإرجاء خطير عند جهال أهل الفتن والشغب فماذا يقول فيهم من يهون من شأنهم و من خطر فتنتهم؟" ويرى أنه يجب السكوت عنهم .
      و- وقال -رحمه الله- : " وإذا ذكر اسم الإيمان مجرداً، دخل فيه الإسلام والأعمال الصالحة، كقوله في حديث الشعب‏ : ‏‏( ‏الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها‏:‏ قول لا إله إلا اللّه، وأدناها‏:‏ إماطة الأذى عن الطريق ‏)‏‏.‏ وكذلك سائر الأحاديث التي يجعل فيها أعمال البر من الإيمان‏.‏
      ثم إن نفي ‏‏الإيمان‏ عند عدمها ،دل على أنها واجبة ،وإن ذكر فضل إيمان صاحبها -ولم ينف إيمانه- دلَّ على أنها مستحبة ؛فإن اللّه ورسوله لا ينفي اسم مسمى أمر - أمر اللّه به ورسوله -إلاَّ إذا ترك بعض واجباته ،كقوله ‏: ‏‏(لا صلاة إلا بأم القرآن‏)، وقوله‏: ‏‏( ‏لا إيمان لمن لا أمانة له ،ولا دين لمن لا عهد له ‏)‏ ونحو ذلك‏.‏
      فأما إذا كان الفعل مستحباً في العبادة لم ينفها لانتفاء المستحب ،فإن هذا لو جاز، لجاز أن ينفي عن جمهور المؤمنين اسم الإيمان والصلاة والزكاة والحج ؛لأنه ما من عمل إلا وغيره أفضل منه‏ .‏ وليس أحد يفعل أفعال البر مثل ما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم ؛بل ولا أبو بكر ولا عمر‏.‏ فلو كان من لم يأت بكمالها المستحب يجوز نفيها عنه، لجاز أن ينفي عن جمهور المسلمين من الأولين والآخرين، وهذا لا يقوله عاقل‏.
      فمن قال‏:‏ إن المنفي هو الكمال، فإن أراد أنه نفي الكمال الواجب الذي يذم تاركه ويتعرض للعقوبة ،فقد صدق‏.‏ وإن أراد أنه نفي الكمال المستحب ،فهذا لم يقع قط في كلام اللّه ورسوله ،ولا يجوز أن يقع ؛فإن من فعل الواجب كما وجب عليه ،ولم ينتقص من واجبه شيئاً ،لم يجز أن يقال ‏:‏ ما فعله لا حقيقة ولا مجازاً‏ .‏ فإذا قال للأعرابي المسيء في صلاته ‏:‏‏( ‏ارجع فَصَلِّ ،فإنك لم تُصَلِّ‏ ) ‏،وقال لمن صلى خلف الصف-وقد أمره بالإعادة - ‏: ‏‏( ‏لا صلاة لفَذٍّ خلف الصف‏ )‏ كان لترك واجب، وكذلك قوله تعالى‏:‏ ‏( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) ‏[‏الحجرات‏:‏15‏]‏،يبين أن الجهاد واجب، وترك الارتياب واجب " ‏.(‏[11]).
      ذكر شيخ الإسلام هنا حديث" الإيمان بضع وسبعون شعبة ,وذكر أن أعمال البر من الإيمان ,وذكر ما يفيد أن للإيمان كمالا واجبا وكمالا مستحبا ,وأنه إذا نفي الإيمان عن المسلم فإنما يراد بهذا النفي نفي الكمال الواجب لا الكمال المستحب .
      مثل " لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن " ,فنفي الصلاة هنا عن من لم يقرأ بأم القرآن دليل على وجوب قراءة الفاتحة لا استحبابها وبعض العلماء يقول إن النفي هنا نفي للكمال الواجب لا نفي لحقيقة الصلاة.
      ونفي الإيمان عن من لا أمانة له يدل على أن الأمانة من الواجبات وهي من كمال الإيمان ,وليس المراد بنفي الإيمان عنه أنه كافر خارج من ملة الإسلام .
      وننبه القارئ هنا على أن هذا الحديث ضعيف ,وقد يكون عند شيخ الإسلام صالحاً للاحتجاج به ,وعلى كل حال فإن قصد شيخ الإسلام من التمثيل به في مثل هذا السياق بيان أن مثل هذا النفي إنما يراد به نفي الكمال الواجب لا نفي حقيقة الإيمان ولا نفي الكمال المستحب .
      ويلتحق بهذا مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يزني الزاني حين يزنى وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن "متفق عليه .
      ومثل قوله صلى الله عليه وسلم :" والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل: ومن يا رسول الله قال : الذي لا يأمن جاره بوائقه " متفق عليه واللفظ للبخاري .
      فليس المراد هنا تكفير هؤلاء العصاة بالكبائر التي ارتكبوها ولا إخراجهم من الإسلام كما يعتقد الخوارج وليس المراد نفي كمال الإيمان المستحب عنهم وإنما المراد نفي الكمال الواجب .
      فالذي لا يجيز أن يقال إن للإيمان كمالا وتماما ماذا يقول في نفي الإيمان عن الزاني والسارق وشارب الخمر والمنتهب ومؤذي جاره ؟ .
      إن قال المراد نفي الكمال الواجب تبين بطلان مذهبه في رمي من يقول بأن الإيمان أصل والعمل كمال .
      وإن قال إن المنفي عن العاصي : الزاني وغيره إنما هو الإيمان المقابل للكفر الأكبر المخرج من الإسلام ,فقد نادى على نفسه بأنه من الخوارج المكفرين بالذنوب .
      ح- وقال رحمه الله تعالى في المجموع (13/157-159) : " وقال‏:‏‏( ‏ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء )‏ ‏[‏إبراهيم‏:‏24-27‏]‏.

      والأصول مأخوذة من أصول الشجرة وأساس البناء ؛ولهذا يقال فيه ‏:‏ الأصل ما ابتنى عليه غيره ،أو ما تفرع عنه غيره‏ .‏
      فالأصول الثابتة هي أصول الأنبياء ،كما قيل‏:‏
      أيها المغتدي لتطلب علمــا ** كل علم عبد لعلم الرســول
      تطلب الفرع كي تصحح حكما ** ثم أغفلت أصل أصل الأصـول
      واللّه يهدينا وسائر إخواننا المؤمنين إلى صراطه المستقيم ،صراط الذين أنعم اللّه عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا‏.‏
      وهذه الأصول ينبني عليها ما في القلوب ،ويتفرع عليها‏.‏
      وقد ضرب اللّه مثل الكلمة الطيبة التي في قلوب المؤمنين، ومثل الكلمة الخبيثة التي في قلوب الكافرين‏.‏ و‏‏الكلمة‏ هي قضية جازمة وعقيدة جامعة، ونبينا صلى الله عليه وسلم أوتي فواتح الكلام، وخواتمه وجوامعه، فبعث بالعلوم الكلية والعلوم الأولية والآخرية على أتم قضية، فالكلمة الطيبة في قلوب المؤمنين -وهي العقيدة الإيمانية التوحيدية- كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، فأصل أصول الإيمان ثابت في قلب المؤمن كثبات أصل الشجرة الطيبة وفرعها في السماء‏ ( ‏إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ‏ )‏ [‏ فاطر‏:‏10‏]‏ واللّه -سبحانه- مَثَّل الكلمة الطيبة، أي‏:‏ كلمة التوحيد ،بشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء‏ " .‏
      وهنا استدل شيخ الإسلام بهذه الآية التى ضرب الله فيها المثل للكلمة الطيبة كلمة التوحيد والإيمان بالشجرة الطيبة لها أصل ثابت وفرعها في السماء فكما أن لهذه الشجرة الطيبة أصل يقوم عليها فروع ولها ثمار طيبة كذلك شجرة الإيمان لها أصل ثابت ولها فروع وثمار طيبة والأصل كما قال ما انبنى عليه غيره أو ما تفرع عنه غيره.
      هكذا يفهم العلماء الراسخون القرآن وأمثاله المضروبه وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون .
      وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله-:
      " قال عمر بن عبد العزيز : " من عبد الله بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح " فأما العمل الصالح بالباطن والظاهر : فلا يكون إلا عن علم ، ولهذا أمر الله ورسوله بعبادة الله والإنابة إليه ، وإخلاص الدين له ونحو ذلك ، فإن هذه الأسماء تنتظم العلم والعمل جميعاً : علم القلب وحاله ، وإن دخل في ذلك قول اللسان وعمل الجوارح أيضاً ، فإن وجود الفروع الصحيحة مستلزم لوجود الأصول ، وهذا ظاهر ، ليس الغرض هنا بسطه " مجموع الفتاوى (2/382).
      وقال أيضاً : " والدين القائم بالقلب من الإيمان علماً وحالاً هو " الأصل " الأعمال الظاهرة هي " الفروع " وهي كمال الإيمان " مجموع الفتاوى (10/355).
      4 - قال الإمام ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين (1/171-174):
      " ومنها (أي: الأمثال) قوله تعالى : (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون) فشبه سبحانه وتعالى الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة ؛ لأن الكلمة الطيبة تثمر العمل الصالح ,والشجرة الطيبة تثمر الثمر النافع ,وهذا ظاهر على قول جمهور المفسرين الذين يقولون: الكلمة الطيبة هي شهادة أن لا إله إلا الله فإنها تثمر جميع الأعمال الصالحة الظاهرة والباطنية ؛فكل عمل صالح مرضي لله ثمرة هذه الكلمة ,وفي تفسير علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (كلمة طيبة) شهادة أن لا إله إلا الله (كشجرة طيبة) وهو المؤمن (أصلها ثابت) قول لا إله إلا الله في قلب المؤمن (وفرعها في السماء) يقول: يرفع بها عمل المؤمن إلى السماء.
      وقال الربيع بن أنس: ( كلمة طيبة) هذا مثل الإيمان ؛فالإيمان الشجرة الطيبة وأصلها الثابت الذي لا يزول الإخلاص فيه وفرعه في السماء خشية الله ,والتشبيه على هذا القول أصح وأظهر وأحسن ؛فإنه سبحانه شبه شجرة التوحيد في القلب بالشجرة الطيبة الثابتة الأصل الباسقة الفرع في السماء علوا التي لا تزال تؤتي ثمرتها كل حين ,وإذا تأملت هذا التشبيه رأيته مطابقا لشجرة التوحيد الثابتة الراسخة في القلب التي فروعها من الأعمال الصالحة صاعدة إلى السماء ,ولا تزال هذه الشجرة تثمر الأعمال الصالحة كل وقت بحسب ثباتها في القلب ومحبة القلب لها وإخلاصه فيها ومعرفته بحقيقتها وقيامه بحقوقها ومراعاتها حق رعايتها .
      فمن رسخت هذه الكلمة في قلبه بحقيقتها التي هي حقيقتها واتصف قلبه بها وانصبغ بها بصبغة الله التي لا أحسن صبغة منها فعرف حقيقة الإلهية التي يثبتها قلبه لله ويشهد بها لسانه وتصدقها جوارحه ونفى تلك الحقيقة ولوازمها عن كل ما سوى الله وواطأ قلبه لسانه في هذا النفي والإثبات وانقادت جوارحه لمن شهد له بالوحدانية طائعة سالكة سبل ربه ذللا غير ناكبة عنها ولا باغية سواها بدلا كما لا يبتغي القلب سوى معبوده الحق بدلا فلا ريب أن هذه الكلمة من هذا القلب على هذا اللسان لا تزال تؤتي ثمرتها من العمل الصالح الصاعد إلى الله كل وقت ,فهذه الكلمة الطيبة هي التي رفعت هذا العمل الصالح إلى الرب تعالى وهذه الكلمة الطيبة تثمر كلماً كثيراً طيباً يقارنه عمل صالح فيرفع العمل الصالح الكلم الطيب كما قال تعالى : (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه).
      فأخبر سبحانه أن العمل الصالح يرفع الكلم الطيب ,وأخبر أن الكلمة الطيبة تثمر لقائلها عملا صالحا كل وقت .
      والمقصود أن كلمة التوحيد إذا شهد بها المؤمن عارفا بمعناها وحقيقتها نفيا وإثباتا متصفا بموجبها قائما قلبه ولسانه وجوارحه بشهادته ,فهذه الكلمة الطيبة هي التي رفعت هذا العمل من هذا الشاهد أصلها ثابت راسخ في قلبه وفروعها متصلة بالسماء وهي مخرجة لثمرتها كل وقت .
      ومن السلف من قال : إن الشجرة الطيبة هي النخلة ويدل عليه حديث ابن عمر الصحيح ,ومنهم من قال : هي المؤمن نفسه كما قال محمد بن سعد حدثني أبي حدثني عمي حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله : ( ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة ) يعني بالشجرة الطيبة المؤمن ويعني بالأصل الثابت في الأرض والفرع في السماء يكون المؤمن يعمل في الأرض ويتكلم فيبلغ عمله وقوله السماء وهو في الأرض . وقال عطية العوفي في قوله: ( ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة ) قال: ذلك مثل المؤمن لا يزال يخرج منه كلام طيب وعمل صالح يصعد إلى الله . وقال الربيع بن أنس : ( أصلها ثابت وفرعها في السماء ) قال ذلك المؤمن ضرب مثله في الإخلاص لله وحده وعبادته وحده لا شريك له ( أصلها ثابت) قال أصل عمله ثابت في الأرض ( وفرعها في السماء ) قال ذكره في السماء ,ولا اختلاف بين القولين ,والمقصود بالمثل المؤمن والنخلة مشبهة به وهو مشبه بها وإذا كانت النخلة شجرة طيبة فالمؤمن المشبه بها أولى أن يكون كذلك ومن قال من السلف إنها شجرة في الجنة فالنخلة من أشرف أشجار الجنة .
      حكمة تشبيه المؤمن بالشجرة وفي هذا المثل من الأسرار والعلوم والمعارف ما يليق به ويقتضيه علم الذي تكلم به وحكمته .
      فمن ذلك أن الشجرة لا بد لها من عروق وساق وفروع وورق وثمر فكذلك شجرة الإيمان والإسلام ليطابق المشبه المشبه به ,فعروقها العلم والمعرفة واليقين ,وساقها الإخلاص وفروعها الأعمال وثمرتها ما توجبه الأعمال الصالحة من الآثار الحميدة والصفات الممدوحة والأخلاق الزكية والسمت الصالح والهدى والدل المرضي فيستدل على غرس هذه الشجرة في القلب وثبوتها فيه بهذه الأمور " .
      أقول:
      1- انظر إلى قوله : لأن الكلمة الطيبة تثمر العمل الصالح والكلمة الطيبة عند الجمهور هي شهادة أن لا إله إلا الله تثمر الأعمال الصالحة الظاهرة والباطنة ، كل عمل صالح مرضي لله ثمرة هذه الكلمة .
      2 - وانظر إلى قوله : والتشبيه على هذا القول أصح وأظهر وأحسن فإنه سبحانه شبه شجرة التوحيد في القلب بالشجرة الطيبة الثابتة الأصل الباسقة الفرع في السماء علواً .... إلى قوله : وإذا تأملت هذا التشبيه رأيته مطابقاً لشجرة التوحيد الثابتة الراسخة في القلب التي فروعها من الأعمال الصالحة صاعدة إلى السماء ولا تزال هذه الشجرة تثمر الأعمال الصالحة .... إلخ .
      3 - وإلى قوله : " وفي هذا المثل من الأسرار والعلوم والمعارف ما يليق به ويقتضيه علم الذي تكلم به وحكمته فمن ذلك أن الشجرة لا بد لها من عروق وساقٍ وفروع ووَرق وثمر ,فكذلك شجرة الإيمان والإسلام ؛ليطابق المشبه به فعروقها العلم والمعرفة واليقين ,وساقهاَ الإخلاص ,وفروعُها الأعمال وثمرتهُاَ ما توجبه الأعمال الصالحة من الآثار الحميدة والصفات الممدوحة والأخلاق الزكية والسَّمتِ الصالح والهدي والدل المرضي ,فيستدل على غَرْسِ هذه الشجرة في القلب وثبوتها فيه بهذه الأمور ".
      فتراه هنا اعتبر الإخلاص والتوحيد شجرة في قلب المؤمن وفروعها الإعمال الخ .
      والشرك والكذب والرياء شجرة في قلب الكافر وذكر أن ثمارها في الدنيا الخوف وثمارها في الآخرة الزقوم و العذاب الأليم وأحال بالمثليين إلى القرآن سورة إبراهيم.
      فهل هذا الإمام مرجئ عند أجهل الفرق ؟!
      بل أهل السنة كلهم مرجئة على أصلهم ومذهبهم ,ومنهم جمهور المفسرين ،لكن القرآن والسنة يبرآن أهل السنة وأئمتهم مما يقذفهم به الحدادية : خوارج ومرجئة العصر تبعاً للخوارج الأولين .
      وقال -رحمه الله- في كتابه الفوائد (ص179-180) طـ دار مكتبة الصفا):
      " والإخلاص والتوحيد شجرة في القلب ؛ فروعها الأعمال وثمرها طيب الحياة في الدنيا والنعيم المقيم في الآخرة ,وكما أن ثمار الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة فثمرة التوحيد والإخلاص في الدنيا كذلك .
      والشرك والكذب والرياء ؛ شجرة في القلب ثمرها في الدنيا الخوف والهم والغم وضيق الصدر وظلمة القلب ,وثمرها في الآخرة الزقوم والعذاب المقيم ,وقد ذكر الله هاتين الشجرتين في سورة إبراهيم " .
      5 - وقال الحافظ ابن رجب -رحمه الله- في جامع العلوم والحكم (1/151):
      " وقد ضرب العلماء مثل الإيمان بمثل شجرة لها أصل وفروع وشعب فاسم الشجرة يشمل ذلك كله ,ولو زال شيء من شعبها وفروعها لم يزل عنها اسم الشجرة ,وإنما يقال: هي شجرة ناقصة أو غيرها أتم منها.
      وقد ضرب الله مثل الإيمان بذلك في قوله تعالى ( ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء توتي أُكلها كل حين بإذن ربها ) (إبراهيم :24).
      والمراد بالكلمة كلمة التوحيد ,وبأصلها التوحيد الثابت في القلوب ,وأكلها : هو الأعمال الصالحة الناشئة منه.
      وضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثل المؤمن والمسلم بالنخلة ولو زال شيء من فروع النخلة أومن ثمرها لم يزل بذلك عنها اسم النخلة بالكلية ,وإن كانت ناقصة الفروع أو الثمر.
      -وقال أيضاً في فتح الباري شرح صحيح البخاري (1/27-2:
      وقد ضرب الله ورسولُه مثل الإيمان والإسلام بالنخلة ,قال الله تعالى : ( ضرب الله مثلا كلمةً طيبة كشجرةٍ طيبة أصلها ثابت وفرعُهَا في السماء تؤتي أُكُلَهَا كل حيٍن بإذنِ ربها ) ( إبراهيم 23-24).
      فالكلمة الطيبة هي كلمة التوحيد وهي أساس الإسلامِ ,وهي جاريةُ على لسانِ المؤمنِ وثبوتُ أصلها هو ثبوتُ التصديق بها في قلب المؤمن ,وارتفاعُ فرعها في السماء هو علو هذه الكلمةِ وبُسُوقها وأنها تخرق الحجب ولا تتناهى دونَ العرش ِ ,وإتيانُها أكلها كل حينٍ :
      هو ما يرفع بسببها للمؤمن في كل حينٍ من القولِ الطيبِ والعملِ الصالح ِ ؛ فهو ثمرتها .
      وجعل النبي صلى الله عليه وسلم مثل المؤمنِ أو المسلمِ كمثلِ النخلةِ .
      وقال طاوس : مثل ( الإسلام ) كشجرة أصلها الشهادةُ ,وساقُهَا كذا وكذا ,وورقُهَا كذا وكذا ,وثمرُهَا :الورعُ ,ولا خيَر في شجرةٍ لا ثمرَ لها ,ولا خير في إنسانٍ لا ورَعَ فيه .
      ومعلوم أن ما دخل في مسمَّى الشجرةِ والنخلةِ من فروعها وأغصانها وورقِهاَ وثمرها إذا ذهب شيء منه لم يذهب عن الشجرةِ اسمُهَا ؛ولكن يقال : هي شجرةُ ناقصةُ ,وغيرها أكمل منها ,فإن قطع أصلُها وسقطت لم تبق شجرةً ؛وإنما تصير حَطباً ,فكذلك الإيمان والإسلام إذا زالَ منه بعض ما يدخل في مسماه مع بقاء أركان بنيانه لا يزولُ به اسمُ الإسلامِ والإيمانِ بالكليةِ ,وإن كان قد سُلِبَ الاسم عنه لنقصه بخلافِ ما انهدمت أركانُهُ وبنيانُهُ فإنه يزول مسماه بالكليةِ ,واللهُ أعلمُ .
      أقول :
      وهذا المثل القرآني من أقوى وأوضح الأمثلة والأدلة على أن للإيمان أصلاً وفروعاً وهذا المثل وتفسيره من أقوى ما يرد به على الخوارج الذين يكفرون المؤمن بارتكاب الكبيرة ويخرجونه من الإسلام ,لأن عقيدتهم الفاسدة تقول : إن الإيمان إذا ذهب بعضه ذهب كله .
      وهو أيضاً رد على المرجئة الذين يعتقدون أن العمل ليس من الإيمان ,ويعتقدون أيضاً أنه إذا ذهب بعضه ذهب كله ,وينكرون أن يكون العمل من الإيمان .
      6 - قال الإمام عبد الرحمن بن حسن -رحمه الله- في فتح المجيد (ص8-9):
      " وأما كتابه ([12]) المذكور فموضوعه في بيان ما بعث به الله رسله من توحيد العبادة وبيانه بالأدلة من الكتاب والسنة ، وذكر ما ينافيه من الشرك الأكبر أو ينافي كماله الواجب ، من الشرك الأصغر ونحوه ، وما يقرب من ذلك أو يوصل إليه " .
      أقول :
      إن توحيد العبادة هو مضمون شهادة أن لا إله إلا الله أصل الإيمان وأن الشرك الأكبر ينافي هذا التوحيد والشرك الأصغر ينافي كماله وإذن فللإيمان أصل وكمال عند هذا الإمام وهذا سير منه على طريق السلف .
      ونقل عن الإمام ابن القيم -رحمه الله- قوله : " فإن القرآن إما خبر عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله وأقواله ،فهو التوحيد العلمي الخبري ،وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له وخلع ما يعبد من دونه ،فهو التوحيد الإرادي الطلبي ،وإما أمر ونهي وإلزام بطاعته وأمره ونهيه ،فهو حقوق التوحيد ومكملاته ،وإما خبر عن إكرام أهل التوحيد وما فعل بهم في الدنيا وما يكرمهم به في الآخرة ،فهو جزاء توحيده ،وإما خبر عن أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النكال وما يحل بهم في العقبى من العذاب ،فهو جزاء من خرج عن حكم التوحيد ،فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه ،وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم " انتهى .([13]).
      انظر كيف جعل للتوحيد بأنواعه حقوقاً ومكملات وهي الأوامر والنواهي والطاعات فما حكم ابن القيم والشيخ عبد الرحمن هل قالوا هنا بقول المرجئة .
      فما أكثر سعي الحدادية لهدم أهل السنة وأصولهم العظيمة بجهالاتهم ووساوسهم.
      قال الإمام محمد -رحمه الله- في كتاب التوحيد في باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما ... الخ ،ساق في الباب بعض الأدلة ,ثم قال : ولابن أبي حاتم عن حذيفة أنه رأى رجلاً في يده خيط من الحمى فقطعه وتلا قوله تعالى ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون).
      قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد (ص104-105) : " قوله ( وتلا قوله " وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون " ) استدل حذيفة -رضي الله عنه- بالآية على أن هذا شرك ، ففيه صحة الاستدلال على الشرك الأصغر بما أنزله الله في الشرك الأكبر لشمول الآية ودخوله في مسمى الشرك ، وتقدم معنى هذه الآية عن ابن عباس وغيره في كلام شيخ الإسلام وغيره ، والله أعلم ، وفي هذه الآثار عن الصحابة ما يبين كمال علمهم بالتوحيد وما ينافيه أو ينافي كماله " .
      فهنا يثني الإمام عبد الرحمن على الصحابة بكمال علمهم بالتوحيد وما ينافيه وينافي كماله وهذا حق فمن أعلم بالله وبدينه من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .
      7 - وقال الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- في كتاب تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد (ص 114):
      " فإن كمال الإسلام هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتمام ذلك بالجهاد في سبيل الله ,ومن نشأ في المعروف ,فلم يعرف غيره ,فقد لا يكون عنده من العلم بالمنكر وضرره ما عند من علمه ,ولا يكون عنده من الجهاد لأهله ما عند الخبير بهم" .
      وهنا يثبت الشيخ سليمان بن عبد الله أن للإسلام كمالاً هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتمام ذلك بالجهاد في سبيل الله .
      8 - وقال الإمام عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ – رحمه الله – في رده على افتراءات عثمان بن منصور على الإمام محمد بن عبد الوهاب : " فمحا الله بدعوته (أي الإمام محمداً) شعار الشرك ومشاهده ، وهدم بيوت الكفر والشرك ومعابده ، وكبت الطواغيت والملحدين ، وألزم من ظهر عليه من البوادي وسكان القرى بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من التوحيد والهدى ، وكفَّر من أنكر البعث واستراب فيه من أهل الجهالة والجفاء ، وأمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وترك المنكرات والمسكرات ، ونهى عن الابتداع في الدين ، وأمر بمتابعة سيد المرسلين والسلف الماضين ، في الأصول والفروع من مسائل الدين ، حتى ظهر دين الله واستعلن . واستبان بدعوته منهاج الشريعة والسنن وقام قائم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وحُدّت الحدود الشرعية ، وعزرت التعازير الدينية ، وانتصب علم الجهاد ، وقاتل لإعلاء كلمة الله أهل الشرك والعناد ، حتى سارت دعوته وثبت نصحه لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم وجمع الله به القلوب بعد شتاتها ، وتألفت بعد عداوتها ، وصاروا بنعمة الله إخوانا " مصباح الظلام في الرد على من كذب الشيخ الإمام (ص17).
      وقال الإمام عبد اللطيف أيضاً خلال مناقشته لعثمان بن منصور وبيان جهله وضلاله: "ولذلك رد على أهل التوحيد والإيمان بما رد به على المتكلمين من أهل منطق اليونان فظن أن البحث في التوحيد وتحقيقه . والنهي عن الشرك وسد ذرائعه ، وقطع وسائله وتبين حقيقته . والفرق بين أصغره وأكبره هو من جنس أبحاث المتكلمين المخالفين للسلف في خوضهم في مسألة الجوهر والعرض ، وبقية المقولات العشر . ولذلك رد على المسلمين بما رد به ابن عقيل على المتكلمين . وذكر أن تحقيق التوحيد وذكر أصوله وفروعه وثمراته وبيان الشرك وذكر أصوله وفروعه ووسائله وذرائعه من جنس بدعة المتكلمين وانفتح بها البثق .
      فقف هنا واعتبر واعرف بعد هذا الضرب من الناس عن طريق العلم والهدى واعرف ما تضمنه قوله تعالى : ( إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ) " مصباح الظلام (ص37.
      وعندهم الآن وأمام أعينهم تشاد في الجامعات كليات باسم كليات أصول الدين , وكليات الشريعة أي الفروع .
      فعلى أي أساس قامت هذه التسميات على أيدي علماء السنة والتوحيد ؟ على مذهب الإرجاء عند الحدادية وعلى مذهب أهل السنة عند أهل السنة .
      وأقولها صريحة لو قال عالم أن في الأعمال أصولاً مثل الأركان الأربعة الصلاة والزكاة والصوم والحج لقلت وغيري نعم ولا حرج في ذلك .
      ومع ذلك فهي مرتبطة بأعمال القلوب وقائمة على أساسها كما قرر ذلك علماء السنة وقد ذكرنا أقوالهم وأدلتهم في هذا المقال , فلا تخالف ولا تصادم بين هذا القول وذاك.
      9 - قال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله- في ( تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان : ص 425):
      يقول تعالى ( ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة ) وهي شهادة أن لا إله إلا الله وفروعها ( كشجرة طيبة ) وهي النخلة ( أصلها ثابت ) في الأرض ( وفرعها ) منتشر (في السماء) وهي كثيرة النفع دائماً ,( تؤتي أكلها ) أي : ثمرتها ( كل حين بإذن ربها ) فكذلك شجرة الإيمان ,أصلها ثابت في قلب المؤمن ,علماً واعتقاداً .وفرعها من الكلم الطيب ,والعمل الصالح ,والأخلاق المرضية ,والآداب الحسنة ,في السماء دائماً ,يصعد إلى الله منه من الأعمال والأقوال التي تخرجها شجرة الإيمان ,ما ينتفع به المؤمن وينفع غيره ( ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ) ما أمرهم به ونهاهم عنه ,فإن في ضرب الأمثال تقريباً للمعاني المعقولة من الأمثال المحسوسة ,ويتبين المعنى الذي أراده الله غاية البيان ويتضح غاية الوضوح ,وهذا من رحمته وحسن تعليمه . فلله أتم الحمد وأكمله وأعمه ,فهذه صفة كلمة التوحيد وثباتها في قلب المؤمن .
      - وقال رحمه الله في القول السديد ( المجموعة الكاملة 3/13-14) في شرح باب : من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب :
      " وهذا الباب تكميل للباب الذي قبله وتابع له ,فإن تحقيق التوحيد تهذيبه وتصفيته من الشرك الأكبر والأصغر ,ومن البدع القولية الاعتقادية ,والبدع الفعلية العملية ,ومن المعاصي وذلك بكمال الإخلاص لله في الأقوال والأفعال والإرادات ,وبالسلامة من الشرك الأكبر المناقض لأصل التوحيد ,ومن الشرك الأصغر المنافي لكماله ,وبالسلامة من البدع والمعاصي التي تكدر التوحيد وتمنع كماله ,وتعوقه عن حصول آثاره " .
      فهنا صرح الشيخ السعدي بأن للتوحيد أصلاً ينافيه الشرك الأكبر وله كمال ينافيه الشرك الأصغر وأن البدع والمعاصي تمنع من كمال الإيمان .
      فماذا يريد من ينكر أن للإيمان أصلاً وكمالاً (فرعاً) وبأي حق يضلل من يثبت ما أثبته الله ورسوله وقال به علماء السنة وأئمتها .
      - وقال رحمه الله في كتاب التوضيح والبيان لشجرة الإيمان (87/8:
      " أما بعد: فهذا كتاب يحتوي على مباحث الإيمان التي هي أهم مباحث الدين ,وأعظم أصول الحق واليقين ؛مستمداً ذلك من كتاب الله الكريم - الكفيل بتحقيق هذه الأصول تحقيقاً لا مزيد عليه - ومن سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم :التي توافق الكتاب وتفسره وتعبر عن كثير من مجملاته ,وتفصل كثيراً من مطلقاته . مُبتدِئاً بتفسيره ,مُثْنِياً بذكر أصوله ومقوماته ,ومن أي شيء يستمد ؟ مُثلِّثاً بفوائده وثمراته ,وما يتبع هذه الأصول .
      قال الله تعالى : ( ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ) ( 14/ 24-25).
      فمثل الله كلمة الإيمان - التي هي أطيب الكلمات- بشجرة هي أطيب الأشجار ,موصوفة بهذه الأوصاف الحميدة : أصولها ثابتة مستقرة ,ونماؤها مستمر ,وثمراتها لا تزال ,كل وقت وكل حين ,تغل على أهلها وعلى غيرهم المنافع المتنوعة ,والثمرات النافعة .
      وهذه الشجرة متفاوتة في قلوب المؤمنين تفاوتاً عظيماً ,بحسب تفاوت هذه الأوصاف التي وصفها الله بها .
      فعلى العبد الموفق أن يسعى لمعرفتها ,ومعرفة أوصافها وأسبابها ,وأصولها وفروعها ؛ويجتهد في التحقق بها : علماً وعملاً . فإن نصيبه من الخير والفلاح ,والسعادة العاجلة والآجلة بحسب نصيبه من هذه الشجرة " .
      انظر قوله عن شجرة الإيمان وتفاوتها : " فعلى العبد أن يسعى لمعرفتها ومعرفة أوصافها وأسبابها وأصولها وفروعها ... إلخ " .
      وحاصل ما دل عليه الكتاب والسنة وكلام الأئمة أن للإيمان أصولاً وفروعاً وكمالاً وأن الإيمان كالشجرة الطيبة لها أصل وفروع وثمار وتلك الفروع والثمار من تلك الشجرة .
      فأين هذا المذهب الأصيل القائم على الكتاب والسنة وآمن به أساطين الأمة من مذهب الإرجاء الذي لا يعتبر العمل من الإيمان وأنه لا يزيد ولا ينقص ,أي أنه ليس من شجرة الإيمان ،وأهل السنة يعتبرون العمل من الإيمان وفرع وكمال للإيمان ومن شجرة الإيمان.
      وهذا ما تيسر نقله من كلام الأئمة العلماء والتعليقات الموجزة عليه وأسأل الله أن ينصر دينه ويعلي كلمته وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .

      وكـتـبه ربيع بن هادي بن عمير المدخلي
      10 / شوال/ 1427هـ/

      صدر هذا المقال في التاريخ المذكور، أي: قبل تسع سنوات، فلم يردعهم ما فيه من حق ومن أقوال أئمة الإسلام؛ لتمكن الهوى والضلال من قلوبهم.

      الحواشي:

      ([1]) الجواب : لا . لماذا ؟ لأنه يقتضي تضليل أئمة الإسلام .
      [2]) الطائفة الأولى هي من أهل السنة والحديث الذين يقولون القول المشهور في مرتكب الكبيرة إنه مؤمن فاسق أو مؤمن ناقص الإيمان.
      [3] - في الأصل فيزيل والتصحيح من كتاب الإيمان لابن تيمية (307) .
      [4] - والظاهر أنه حصل هنا سقط ولعل أصل الكلام إلا من قلة خوفه والسياق يرشد إلى هذا .
      ( [5] ) يعني الإيمان .
      ([6] ) مجموع الفتاوى (7/637).
      ([7]) مجموع الفتاوى (10/355-356).
      ( مجموع الفتاوى (7/19.
      (9) مجموع الفتاوى (7/199).
      ([10] ) مجموع الفتاوى (7/143).
      ( [11] ) مجموع الفتاوى (7/14-15).
      ([12]) يعني كتاب التوحيد للإمام محمد بن عبدا لوهاب رحمه الله.

      ([13]) فتح المجيد (ص15-16) وانظر مدارج السالكين ( 3/449).
      http://www.rabee.net/ar/articles.php?cat=8&id=310

      تعليق

      يعمل...
      X