إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

الكتاب : الجزء الاول من كتاب الفواكه الشهية في الخطب المنبرية والخطب المنبرية على المناسبات

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الكتاب : الجزء الاول من كتاب الفواكه الشهية في الخطب المنبرية والخطب المنبرية على المناسبات

    تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة
    الكتاب : الفواكه الشهية في الخطب المنبرية والخطب المنبرية على المناسبات
    المؤلف : عبد الرحمن بن ناصر السعدي
    الطبعة : الأولى
    الناشر : الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
    تاريخ النشر : 1412هـ - 1991م
    عدد الصفحات : 287
    عدد الأجزاء : 1
    مصدر الكتاب : موقع الإسلام
    http://www.al-islam.com
    [ ضمن مجموعة كتب من موقع الإسلام ، ترقيمها غير مطابق للمطبوع ، وغالبها مذيلة بالحواشي ]
    أولا :
    الفواكه الشهية في الخطب المنبرية
    تأليف علامة القصيم
    المحقق الشيخ
    عبد الرحمن بن ناصر السعدي
    من أفاضل علماء عنيزة
    رحمه الله
    **** بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله على نعمه ، وأشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو ، وأن محمدا عبده ورسوله . وبعد :
    فهذه خطب استجدت بعد ما جمعنا الخطب السابقة ونشرناها ، أحببنا جمعها ونشرها؛ لتعم الفائدة ، ولو كانت في موضوع واحد أو مواضيع متقاربة اكتفينا بالخُطب الأُوَل ؛ لما فيها - ولله الحمد - من حصول المقصود ، ولكن هذه الخطب كالأُوَل ، جمعت بين الوعظ والتعليم ، والتوجيهات للمنافع ودفع المضار الدينية والدنيوية ، بأساليب متنوعة ، والتفصيلات المضطر إليها كما ستراه .
    ونسأله تعالى أن يجعل عملنا خالصا لوجهه ، موافقا لما يحبه ويرضاه ، نافعا لنا ولغيرنا . إنه جواد كريم .
    1- خطبة

    في الحث على التقوى وبيان حدها وفوائدها
    (1/1)



    الحمد لله المتفرد بعظمته وكبريائه ومجده ، المدبر للأمور بمشيئته وحكمته وحمده ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وربوبيته وفضله ورفده ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، خير داع إلى هداه ورشده ، اللهم صل وسلم وبارك على محمد ، وعلى آله وأصحابه وأتباعه وجنده . أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله تعالى ، فإن تقوى الله خير لباس وزاد ، وأفضل وسيلة إلى رضى رب العباد ، قال تعالى : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا }{ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } فوعد المتقي بالفرج والخروج من كل هم وضيق ، وبالرزق الواسع المتيسر من كل طريق ، وقال تعالى : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا } ، { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا } فوعد من اتقاه أن ييسره لليسرى في كل الأمور ، وأن يكفر عنه السيئات ويعظم له الأجور ، وقال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } فبشر
    (1/2)



    المؤمنين إذا اتقوه بالفرقان ؛ وهو العلم النافع ، المفرق بين الحلال والحرام ، وبتكفير السيئات ومغفرة الآثام ، وبالفضل العظيم من الملك العلام . فإن سألتم عن تفسير التقوى التي هذه آثارها ، وهذه ثمراتها وفوائدها ، فإن أساسها التوبة النصوح من جميع الذنوب ، ثم الإنابة منكم كل وقت إلى علام الغيوب ، وذلك بالقصد الجازم إلى أداء الفرائض والواجبات ، وترك جميع المناهي والمحرمات ، وهو القيام بحقوق الله ، وحقوق المخلوقين . والتقرب بذلك إلى رب العالمين .
    (1/3)


    علامة المتقي أن يكون قائما بأصول الإيمان ، متمِّمًا لشرائع الإسلام وحقائق الإحسان ، محافظا على الصلوات في أوقاتها ، مؤديا الزكاة لمستحقيها وجهاتها ، قائما بالحج والصيام ، بارا بوالديه واصلا للأرحام ، محسنا إلى الجيران والمساكين ، صادقا في معاملته مع جميع المعامَلين ، سليم القلب من الكبر والغل والحقد والحسد ، مملوءا من النصيحة ومحبة الخير لكل أحد ، لا يسأل إلا الله ، ولا يستعين إلا بالله ، ولا يرجو ولا يخشى أحدا سواه . وقد وصف الله المتقي وبين ثوابه ، في قوله تعالى : { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ } إلى قوله : { وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ } .

    من الله علي وعليكم بتحقيق التقوى ، وجعلنا وإياكم ممن استمسك بالعروة الوثقى ، وبارك لي ولكم في القرآن العظيم .
    (1/4)


    2- خطبة
    في الحث علي الإحسان
    بمناسبة الجدب الذي ضر البوادي وتلفت به أموالهم
    الحمد لله الذي وعد المنفقين أجرا عظيما وخلفا ، وأوعد الممسكين لأموالهم عن الخير عطبا وتلفا . وأشهد أن لا إله إلا هو الملك الجواد ، الرءوف بالعباد . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أفضل الرسل وخلاصة العباد ، اللهم صل وسلم وبارك على محمد ، وعلى آله وأصحابه ، أولي الفضل والعلم والانقياد .

    أما بعد : أيها الناس اتقوا الله حق تقواه ، وارحموا عباده تفوزوا بثوابه ورضاه ، قال تعالى : { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }{ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا } . وقال صلى الله عليه وسلم : « ينزل كل صباح يوم ملكان يقول أحدهما : اللهم أعط منفقا خلفا ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكا تلفا » .
    (1/5)



    أيها الغني الذي عنده فضل من رزقه وماله : عد على أخيك المعدم وترفق لحاله ، فالراحمون يرحمهم الرحمن . « ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء » ارحموا إخوانكم الذين تلفت مواشيهم وقلت أموالهم ، ارحموا عبادا اختلت أمورهم وتضعضعت أحوالهم ، ارحموا أناسا كانوا بالأمس أغنياء واجدين ، فأصبحوا من كل ما يملكونه معدمين ، ارحموا أناسا أصابهم الجهد والفقر والضراء يرحمكم الرحمن في حالة السراء والضراء . أيها المؤمنون : ألا تثقون بوعد من لا يخلف الميعاد ، ومن ليس لخيره وفضله نقص ولا نفاد ، فإن الله وعد على الإنفاق الأجر ومضاعفة الثواب ، ومدافعة البلايا والنقم والعذاب والخلف العاجل في المال والبركة في الأعمال ، ووعد بفتح أبواب الرزق وصلاح الأحوال ، فكونوا بوعده واثقين ، وببره ومعروفه طامعين ، فالقليل من الإنفاق مع النية الصالحة يكون كثيرا ، وينيل الله لصاحبه مغفرة وأجرا كبيرا ، قال صلى الله عليه وسلم : « من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب - ولا يقبل الله إلا الطيب - فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لأحدكم ، كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل العظيم ، واتقوا النار ولو بشق تمرة » . ليتصدق أحدكم من درهمه
    (1/6)



    من ديناره من صاع بره من صاع شعيره . كيف يشبع أحدنا وأخوه المسلم جائع ؟! كيف يتقلب أحدنا في نعيم الدنيا وأخوه معدم فاقد ؟! أين أهل الرحمة والشفقة ؟ وأين من يقتحم العقبة ؟ { وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ }{ فَكُّ رَقَبَةٍ }{ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ }{ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ }{ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ } لقد قست قلوبنا فما ينفع فيها وعظ ولا تذكير ، ولقد قلت رغبتنا في الخير فما يؤثر فيها تشويق ولا تحذير ، أين نحن من أهل الصدقة والإحسان ؟! الذين حنوا بما في قلوبهم من الرحمة على نوع الإنسان ! يسارعون إلى الخيرات وإخراج المخبوءات ! ويفرحون بالمال الذي يدفعون به الحاجات والضرورات ، ويتقربون بذلك إلى رب السماوات ، أولئك الذين يظلهم الله في ظله الظليل ، وأولئك الذين حازوا الأجر والثواب الجزيل ، وسلموا من العقاب والعذاب الوبيل ، فليبشروا بالخلف العاجل من المولى الجليل ، وبالبركة في أعمالهم ، وأعمارهم وأرزاقهم ، والخير الجميل ، { إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً
    (1/7)



    لَنْ تَبُورَ }{ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ } بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
    (1/


    3- خطبة
    في بيان لطفه بالعباد عند المكاره

    الحمد لله الرؤوف الرحيم ، البر الجواد الكريم ، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك العظيم ، له الأسماء الحسنى ، والصفات العليا ، والإحسان العميم ، وله الرحمة الواسعة ، والحكمة الشاملة ، وهو العليم الحكيم ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، الذي قال الله فيه : { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آله وأصحابه ، الذين هُدُوا إلى الحق وإلى طريق مستقيم .
    (1/9)



    أما بعد : أيها الناس : اتقوا الله تعالى ، فإن روح التقوى شكر المولى على نعمائه ، والصبر والرضى بمر قضائه ، شكره على المحاب والمسار ، والتضرع إليه عند المكاره والمضار ، قال صلى الله عليه وسلم : « عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير ، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن » . واعلموا أن في تقديره للضراء والمكاره حكما لا تخفى ، وألطافا وتخفيفات لا تحد ولا تُستقصى ، والمؤمن حين تصيبه المكاره يغنم على ربه فيكون من الرابحين ، يغنم القيام بوظيفة الصبر ، فيتم له أجر الصابرين ، ويرجو الأجر والثواب فيحظى بثواب المحتسبين ، وينتظر الفرج من الله فيحوز أجر الراجين لفضله الطامعين ، فإن أفضل العبادة انتظار الفرج العاجل ، ورجاء الثواب الآجل ، والله تعالى يبتلي عباده ، فإذا ابتلى لطف وأعان ، وإذا تصعبت الأمور من جانب تسهلت من نواح أخرى ، فيها الرأفة والامتنان ، أما ترون حين قدر الله بحكمته انحباس الغيث ، ووقوع الجدب في النبات ، كيف لطف بكم في حشو هذا البلاء بنعم متتابعات ؟! ، وأياد وآلاء سابغات ، أنعم عليكم بالآلات الحديثة التي قامت بها الزروع
    (1/10)



    والحروث ، واستخرجت بها المياه ، وتتابعت بها النقليات لجميع المؤن من الضروريات والكماليات ، ومرافق الحياة ، فلو أن هذا الجدب صادف الناس بغير هذه الحالة ، لهلكت الحروث وتعطلت النقليات ، لقلة المواشي وعجزها ، ولوقع بالعباد مجاعات وأضرار ، وقاهم الله شرها ، كما أن من ألطافه ما يسره للعباد من كثرة الأعمال المعينة على الرزق والمعاش ، فقامت بها أمور الأغنياء والفقراء ، وتم بها الانتعاش ، فكم لله علينا من فضل عظيم ، وكم أسبغ علينا من إحسان عميم ، فعلينا أن نشكر الله بالاعتراف بنعمه وأياديه ، وأن نتحدث بها في كل ما يُسره أحدنا ويُبديه ، وأن نستعين بها على طاعته ونتبع مراضيه ، وعلينا أن نصبر ونرضى فيما يدبره مولانا ويقضيه ، وأن يكون الفرج نصب أعيننا وقبلة قلوبنا ، والطمع في فضله غاية قصدنا ، ونهاية مطلوبنا ، فإننا لم نرج مخلوقا ولا ممسكا ولا عديما ، وإنما نرجو ربا غنيا جوادا كريما ، لا يتبرم بإلحاح الملحين ، ولا يبالي بكثرة العطايا وإجابة السائلين ، عم البرايا كلها بفضله وخيره وعطائه ، ووسع الخليقة كلها بنعمه وآلائه ، أمرنا بالدعاء والسؤال ، ووعدنا عليه الإجابة وكثرة النوال : { اللَّهُ لَطِيفٌ
    (1/11)



    بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ } . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
    (1/12)


    4- خطبة
    في تذكير الناس بنعم الدين

    الحمد لله الذي منَّ بظاهر النعم وباطنها ، وفروعها وأصولها ، فأعطى النفوس من سوابغ نعمائه ، غاية منيتها ومنتهى سولها ، وأشهد أن لا إله إلا الله الذي تفرد بإيصال الخيرات والمسار ، ودفع العقوبات والمكروهات والمضار ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى المختار ، اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه الأخيار ، وعلى التابعين لهم بإحسان ، بالأقوال والأفعال والإقرار ، وسلم تسليما كثيرا.
    (1/13)



    أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله تعالى ، واشكروا مولاكم على ما خصكم به من النعم والآلاء ، واعلموا أنكم لا تقدرون على العد لها والإحصاء ، فاشتغلوا بالتفكر بأصول النعم وقواعدها ، وما ترتب على ذلك من ثمراتها ونتائجها وفوائدها ، فإنكم إذا ألقيتم نظرة على حالة الأمم وانحرافهم عن دين الإسلام القويم امتلأت قلوبكم من شكر الرب الرحيم ، الذي منَّ عليكم بدين الإسلام ، وبالسنة والصراط المستقيم ، ثم إذا نظرتم في المنتسبين إلى دين الإسلام ، وتفرقها على ثلاث وسبعين فرقة كلها هالكة إلا أهل السنة التي منَّ الله عليكم بها ، فيالها أكبر منحة وأسبغ منة . ونقى لكم دينكم من البدع والإشراك ، وسلمكم من وسائل الشرك وطرق الغي والهلاك ، بوسائل وأسباب يسرها الرب الكريم ، حيث أقام لكم كل إمام قد استقام على الصراط المستقيم . فكان إمامكم الإمام أحمد بن حنبل ، أكبر إمام نصر السنة والكتاب ، وبه وبأصحابه وأتباعه ونظرائه يعرف السني من البدعي من سائر الطوائف والأحزاب ، حتى أقام الله شيخ الإسلام والمسلمين ، أحمد بن تيمية تقي الدين ، فجاهد الكفار والمنافقين ، وسائر الملحدين ، وفرق المبتدعين . وأظهر من صريح السنة وأعلامها
    (1/14)



    وعلومها ما عجزت عنه مدارك الأولين والآخرين ، وسلك طريقته تلامذته وأتباعه من فحول العلماء المحققين ، حتى جاءت النوبة لشيخ الجزيرة ، وإمامها الأواب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ، فقام بهذا الأمر أتم القيام ولم يزل في جهاد مع الأعداء وجلاد . حتى نشر التوحيد الخالص والسنة المحضة بين العباد . وقمع الشرك ووسائله ، والبدع والفساد ، فخلصت الجزيرة ولله الحمد ، وانصبغت بالسنة والتوحيد ، وسلمت بمساعيه المشكورة ومساعي تلاميذه وأحفاده وأنصاره من الشرك والتنديد ، فلم تجد فيها - ولله الحمد - قبة على قبر ولا مشهدا ، ولا توسلا بالمخلوقين ، ولا مولدا ولا معبدا . أو ليس من أكبر منن الله عليكم وأجل إحسانه الواصل إليكم أن قيض لكم هؤلاء السادة الغرر ؟! الذين حفظ الله بهم الدين الصحيح ، وتحقق وانتشر حتى نشأتم أنتم وآباؤكم وأولادكم ، تشربون من معين الشريعة أصفى شراب . وتغترفون من زلالها أحسن اغتراف ، لم تدركوا هذا بوسيلة منكم ، ولا قوة علم ولا ذكاء ، وإنما ذلك فضل الله الذي ليس له غاية ولا انتهاء ، بينما ترون الأقطار الأخرى محشوة بالشرك والكفر والإلحاد الصراح ، مملوءة من البدع وبناء المشاهد على القبور .
    (1/15)



    والأخلاق القباح ، فاحمدوا ربكم على هذه النعم ، التي لا تستطيعون لها عدا ولا شكورا ، واستغفروه من تقصيركم ، وتوبوا إليه إنه كان عفوا قديرا ، وسلوه أن يحفظ عليكم أديانكم ، وأن يثبتكم على الحق إلى الممات ، وأن يحييكم في عافية مما أحاط بكم من الشرور والأمور المهلكات ، إنه قريب مجيب الدعوات . فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
    (1/16)


    5- خطبة
    في أن الجزاء من جنس العمل وأسباب شرح الصدر

    الحمد لله الذي شرح صدور الموفقين بألطاف بره وآلائه ، ونور بصائرهم بمشاهدة حكم شرعه وبديع صنعه ومحكم آياته ، وألهمهم كلمة التقوى ، وكانوا أحق بها وأهلها ، فسبحانه من إله عظيم ، وتبارك من رب واسع كريم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، في أسمائه ، وصفاته ، وأفعاله ، وخيراته ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أشرف رسله وخير برياته ، اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آله وأصحابه في غدوات الدهر وروحاته .
    (1/17)



    أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله تعالى ، واعلموا أن سعادة الدنيا والآخرة بصلاح القلوب وانشراحها ، وزوال همومها وغمومها وأتراحها ، فألزموا طاعة الله ، وطاعة رسوله ، تدركوا هذا المطلوب ، واذكروا الله كثيرا ، ألا بذكر الله تطمئن القلوب . أما علمتم أن الإقبال على الله - رغبة ورهبة وإنابة - في جميع النوائب والحالات أعظم الأسباب لانشراح الصدور وطمأنينة النفوس وإدراك الغايات ؟ وأن الإعراض عن الله والانكباب على الشهوات نار تلظى في القلوب ، وخسران وحسرات ؟ وأن السعي في طلب العلم النافع مع النية الصادقة من أكبر الطاعات ، وبه تزول التبعات والجهالات ، والأمور المعضلات ؟ وأن تنوع العبد في السعي في نفع المخلوقين في قوله وفعله وماله وجاهه يصلح الله به أموره في الدنيا والدين ؟ ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ، ومن تواضع لله رفعه ، ومن تكبر عليه أو على الخلق وضعه ، ومن عفى وسامح
    (1/1



    سامحه الله ، ومن استقضى استقضى الله عليه ، ومن تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته وفضحه ، ومن تورع عن عيوب الخلق كف الله عن عرضه ، ومن تقرب إلى الله ، تقرب الله منه ، ومن أعرض عن الله ، أعرض الله عنه ، والجزاء من جنس العمل ، وما ربك بظلام للعبيد . أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ } إلى قوله : { الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } .
    (1/19)
    التعديل الأخير تم بواسطة أم الحارث السلفية; الساعة 27-Jul-2008, 11:54 PM.

  • #2
    الفواكه الشهية في الخطب المنبرية والخطب المنبرية على المناسبات

    6 الخطبة
    في وجوب العناية بحقوق الله
    الحمد لله الذي أيقظ الغافلين ، ونفع بالتذكرة المؤمنين ، فلم يشتغلوا بالدنيا وحدها ، بل جمعوا بين الدنيا والدين ، وعرفوا ما لربهم من الحق ، فقاموا به قيام الصادقين ، أحمده حمد الحامدين ، وأشكره وأستعينه ، فهو نعم المولى ونعم المعين ، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي المصطفى الأمين ، اللهم صل وسلم على محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
    (1/20)


    أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله حق تقواه لتفوزوا بنعيمه ورضاه ، فإن الله خلقكم لمعرفته وعبادته ، فطوبى لمن قام بحق مولاه ، فحقه عليكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شركا خفيا ولا جليا ، وأن تحققوا المتابعة والإخلاص ، ويكون الله وحده لكم ناصرا ووليا ، فتداركوا أعماركم بالتوبة النصوح ، وإصلاح الأعمال قبل احترام النفوس وحضور الآجال ، قبل أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وطاعة ذي الجلال ، كيف تغترون بالدنيا وقد أمدكم بعمر يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير ؟! وقد علمتم أن الأجل ينطوي والإنسان في كل لحظة يرحل ويسير ، يا عجبا لنا نضيع أوقاتنا - وهي أنفس ما لدينا - باللهو والبطالات ، وقد جعلنا الدنيا دار قرار ، وإنما هي دار العمل والتزود واغتنام الخيرات ، يا عجبا تستوفي جميع مراداتك من مولاك ولا تستوفي حقه عليك ، وأنت متبع لهواك ، وتعرض عن مولاك وقت الرخاء والسراء ، وتلجأ إليه حين تصيبك الضراء ، أكرمك وقدمك على سائر المخلوقات ، فقدمه في قلبك ، وقدم حقّه على كل المرادات ، من أقبل على ربه تلقاه ، ومن ترك لأجله وخالف هواه عوضه خيرا مما تركه ، ورضي عنه مولاه ، ومن قدم رضى المخلوقين على رضاه
    (1/21)



    فقد خسر دينه ودنياه ، ومن أعرض عن ذكره فإن له معيشة ضنكا ، وذلك بما قدمت يداه ، ومن توكل عليه صادقا من قلبه ، يسر له أمره وكفاه ، { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا }{ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } وحفظه من الشر وحماه { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
    (1/22)


    7 - خطبة
    في التوكل

    الحمد لله القوي المتين ، الملك الحق المبين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، فإياه نعبد وإياه نستعين ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، سيد المرسلين وإمام المتقين . اللهم صل وسلم على محمد ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
    (1/23)



    أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله ، واعتصموا بحبل الله ، وتوكلوا في أموركم كلها على الله ، قال تعالى : { وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } . { فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } . { وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ } . { وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } . { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } وقال صلى الله عليه وسلم : « إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله » . فالاستعانة بالله والتوكل عليه من أعظم واجبات الإيمان ، وأفضل الأعمال المقربة إلى الرحمن ، فإن الأمور كلها لا تحصل ، ولا تتم إلا بالاستعانة بالله ، ولا عاصم للعبد سوى الاعتماد على الله ، فإن ما شاء الله كان ؛ وما لم يشأ لم يكن ، ولا تحول للعباد من حال إلى حال إلا بالله ، ولا قدرة لهم على طاعة الله إلا بتوفيق الله ، ولا مانع لهم من الشر والمعاصي إلا عصمة الله ، وكذلك أسباب الرزق لا تحصل وتتم إلا بالسعي في الطلب مع التوكل على الله ، قال صلى الله عليه وسلم : « لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير
    (1/24)



    تغدو خماصا وتروح بطانا » ، فوصف صلى الله عليه وسلم المتوكل على الله بوصفين : السعي في طلب الرزق والاعتماد القوي على مسبب الأسباب ، فمن فقد الوصفين أو أحدهما خسر وخاب ، ومن سعى في الأسباب المباحة واعتمد على ربه وشكر المولى إذا حصلت له المحبوبات وصبر لحكمه عند المصائب والكريهات ، فقد فاز ونجح واستولى على جميع الكمالات ، من علم أنه فقير إلى ربه في كل أحواله كيف لا يتوكل عليه ؟! ومن علم أنه عاجز مضطر إلى مولاه كيف لا يستعين به وينيب إليه ؟! ومن تيقن أن الأمور كلها بيد الله كيف لا يطلبها ممن هي في يديه ؟! ومن علم بسعة غناه وجوده كيف لا يلجأ في أموره كلها إليه ؟! ومن استيقن أنه أرحم بعباده من الوالدة بولدها كيف لا يطمئن قلبه إلى تدبيره ؟! ومن علم أنه حكيم في كل ما قضاه كيف لا يرضى بتقديره ؟! فيا أيها العبد المقبل على الخير إنك لن تناله إلا ببذل المجهود ، والاستعانة والاعتماد على المعبود ، ويا أيها المجاهد نفسه عن المعاصي والذنوب إنه لا يتيسر لك تركها إلا بقوة الاعتصام بعلام الغيوب ، فإنه من توكل عليه كفاه ، ومن استعان به واعتصم أصلح له دينه ودنياه ، ومن أعجب بنفسه وانقطع قلبه عن ربه خاب
    (1/25)



    وخسر أولاه وأخراه ، فكم من ضعيف عاجز عن مصالحه قوي توكله على ربه فأعانه عليها ، وكم من قوي اعتمد على قوته فخانته أحوج ما يكون إليها ، ما ثم إلا عون الله وتوفيقه ، فهو عدة المؤمنين ، ولا فلاح ولا سعادة إلا بعبادة الله والاستعانة به ، فهو المعبود حقا ، وهو نعم المعين ، { رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } . { وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } . بارك الله لي ولكم .
    (1/26)


    8 - خطبة
    في الحياة الطيبة

    الحمد لله الرب الغفور ، العفو الرؤوف الشكور ، الذي وفق من شاء من عباده لتحصيل المكاسب والأجور ، وجعل شغلهم بتحقيق الإيمان والعمل الصالح ، يرجون تجارة لن تبور ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الذي بيده تصاريف الأمور ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أفضل آمر وأجل مأمور ، اللهم صل وسلم وبارك على محمد ، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم البعث والنشور .
    (1/27)



    أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله تعالى ، وذلك بالقيام بحقوق الإيمان والأعمال الصالحة ، فرضها ونفلها ، قال تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } . فوعد من جمع بين الإيمان والعمل الصالح بالحياة الطيبة في هذه الدار ، وبالأجر العظيم والثواب الجزيل في دار القرار ، أما الإيمان فهو الإقرار والاعتراف بأصوله المبني على العلم واليقين والإذعان المقتضي للعمل الصالح وهو القيام بحقوق الله ، أو حقوق الوالدين والأقارب ، والأصحاب وذوي الحقوق والجيران ، فكل واجب أو مستحب فهو داخل في العمل الصالح ، ويدخل في ذلك ترك الفسوق وجميع القبائح ، فمن قام بذلك فليبشر بالحياة الطيبة ، فهو المفلح الناجح ، لا تحسبن الحياة الطيبة مجرد التمتع بالشهوات ، ولا الإكثار من عرض الدنيا وتشييد المنازل المزخرفات ، إنما الحياة الطيبة راحة القلوب وطمأنينتها ، والقناعة التامة برزق الله ، وسرورها بذكر الله وبهجتها ، وانصباغها بمكارم الأخلاق ، وانشراح الصدور وسعتها ، لا حياة طيبة لغير الطائعين ،
    (1/2



    ولا لذة حقيقة لغير الذاكرين ، ولا راحة ولا طمأنينة قلب لغير المكتفين برزق الله القانعين ، ولا نعيما صحيحا لغير أهل الخلق الجميل والمحسنين ، لقد قال أمثال هؤلاء الأخيار : لو علم الملوك ، وأبناء الملوك ما نحن فيه من لذة الأنس بالله لجالدونا بالسيوف عليه ، ولو ذاق أرباب الدنيا ما ذقناه من حلاوة الطاعة ، لغبطونا وزاحمونا عليه ، ما ظنك بمن يمسي ويصبح ليس له هم سوى طاعة مولاه ، ولا يخشى ولا يرجو ولا يتعلق بأحد سواه ، إن أعطي شكر ، وإن منع صبر ، وإذا أذنب استغفر وتاب مما جناه ، هذا والله النعيم الذي من فاته فهو المغبون ، وهذه الحياة الطيبة التي لمثلها يعمل العاملون ، أي نعيم لمن قلبه يغلي بالخطايا والشهوات ، وأي سرور لمن يتلهب فؤاده بحب الدنيا وهو ملآن من الحسرات ، وأي راحة لمن فاته عيش القانعين ، وأي حياة لمن تعلق قلبه بالمخلوقين ، وأي عاقبة وفلاح لمن انقطع عن رب العالمين ، ومع ذلك لا يرجو العقبى ، وثواب العاملين بالله ، لقد فاز الموفقون بعز الدنيا والآخرة ، ورجع أهل الدناءة بالصفقة الخاسرة .
    (1/29)


    9- خطبة
    في تفسير قوله : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ } إلخ

    الحمد لله الذي جعل القرآن تبيانا لكل شيء ، وهدى ورحمة للمؤمنين ، وجمع فيه أصول الدين وفروعه ، وأصلح به الدنيا والدين ، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أكمل الخلق وسيد المرسلين ، اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آله وأصحابه ، ومن تبعهم إلى يوم الدين .
    (1/30)



    أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله بامتثالكم لأوامره ، واجتنابكم لمناهيه ، وتوددوا إليه بالتقرب إليه ، واتباع مراضيه ، فقد جمع الله الخير في آية واحدة من كتابه ، وهي قوله : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } . فتأملوا كيف جمعت كل مأمور ، ونهت عن كل شر ومحظور ، أمر الله فيها بالعدل الذي قامت به الأرض والسماوات ، وصلحت الأمور واستقامت به الموجودات ، أكبر العدل القيام بالعبودية ، وتحقيق التوحيد ، وأعظم الظلم الشرك بالله ، واتخاذ العديل به والتنديد ، ومن العدل إقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، والقيام بشرائع الدين ، والقيام بحق الوالدين ، والأقارب والجيران ، والمعاملين ، ومن العدل القيام بالقسط في الأحكام والولايات ، بأن يكون الناس كلهم عندك سواء ، البعداء والأقرباء ، والأعداء وأهل المودات ، ومن العدل معاملة الناس بالوفاء ، والصدق والإنصاف ، وأن تعطيهم ما لهم عليك كاملا كما تستوفي حقك بلا نقص ولا إجحاف . فـ { وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ }{ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا
    (1/31)



    عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ }{ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ }{ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ }{ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ } . ومن العدل القيام على نفسك والأقربين والأبعدين وأن لا يضلك الهوى عن طريق الشرع والدين ، ومن العدل أن تساوي بين زوجاتك في النفقة ، والكسوة والعشرة ، فعل أهل الكمال ، وأن لا تفضل بعض أولادك على بعض في عطية أو بر أو وصال ، وأمر تعالى بالإحسان في عبادته ، وذلك بمراقبته وخوفه ورجائه ، والإخلاص له في الأقوال والأعمال ، وبالإحسان إلى عباد الله ، بالنصح ، والتعليم ، وبذل الجاه والمال ، ومن الإحسان بذل المعروف والعفو عن المسيئين ولين الكلام وطلاقة الوجه وحسن الخلق مع المسلمين كافة ، ومن الإحسان إكرام الجيران وإيتاء ذي القربى ، ولهذا خصه الله بالذكر لشرفه ومصلحته العظمى ، ومن الإحسان الرفق بالمماليك والخدم والبهائم ، وأن لا يشتمهم ولا يحملهم ما لا طاقة لهم به ، فعل المسرف الظالم ، ونهى في الآية عن الفحشاء ، وهي الكبائر من الجرائم ، كالقتل والزنا والربا ، والغش وسائر العظائم ، وكذلك الرياء والكبر والسخرية بالخلق فإن ذلك من أشنع المآثم ، وزجر عن
    (1/32)



    منكرات الأخلاق ، والأعمال والأهواء والأدواء ، وعن البغي على الخلق ، في أنفسهم وأموالهم ، وأعراضهم ، فالباغي لا بد أن يصرعه بغيه ، وتكون له العاقبة الوخيمة السوء . من الله علي وعليكم بالعدل والإحسان ، وجنبنا الفواحش والمنكرات والعدوان ، وبارك لي ولكم في القرآن العظيم .
    (1/33)


    10- خطبة
    في « إنما الأعمال بالنيات »

    الحمد لله العالم بالبواطن والظواهر ، والخفيات والجليات ، المطلع على مكنون الصدور وخبايا الأمور ، ودقيق المخلوقات في زوايا الظلمات ، يعلم السر وأخفى ، الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى وكامل الصفات ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الذي شهدت له بالربوبية جميع الموجودات ، وأذعن له بالألوهية والإخلاص خلاصة المخلوقات ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل الرسل وسيد البريات ، اللهم صل وسلم وبارك على محمد ، وعلى آله وأصحابه أهل السرائر الصافيات ، وعلى التابعين لهم بإحسان في صحة العقيدة وزكاء النيات .
    (1/34)



    أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله تعالى وأطيعوه ، واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فأحذروه ، قال صلى الله عليه وسلم : « إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى » ، وهذا من جوامع كلماته الشريفة ، ومن أعظم أصول الشريعة المنيفة ، فيدخل في هذا جميع العبادات والعادات ، ويتناول المعاملات والمعاوضات والتبرعات ، فلا يصح لأحد صلاة ولا زكاة ولا صيام ولا حج إلا بالنية ، ولا تكمل عباداته كلها وينمو ثوابها إلا بكمال الإخلاص وصحة الطوية ، والنية بها تميز فروض العبادات من نفلها ، وبإخلاصها لله ، يعظم أجرها ، ويفوز العامل بفضلها . أيها الناس : وطنوا نفوسكم على الاحتساب في كل شيء وإرادة وجه الله ، ومرنوها على محبة الخير للمسلمين والنصح لعباد الله ، فإن الله لا ينظر إلى صوركم الظاهرة وأعمالكم ، وإنما ينظر إلى بواطن قلوبكم ، وما اشتملت عليه من أحوالكم ، وعودوا أنفسكم الإخلاص في كل ما تأتون وما تذرون ، واحتساب الأجر فيما تسرون وما تعلنون ، ليكون الإخلاص لكم قرينا ، وارتقاب الثواب على الخير لكم عوينا ، فمن كان مشتغلا بتجارة ، أو صناعة ، أو حرفة ، أو فلاحة ، أو غيرها من الأعمال ، فلينو بذلك القيام
    (1/35)



    بواجب النفس والأهل والعيال ، فإن ذلك جهاد واشتغال بالواجب ؛ وهو من أفضل الأعمال ، وإذا أطعم أحدكم أهله أو من يمونه فليقصد بذلك وجه الله ، فإنه إذا رفع اللقمة إلى في امرأته أو ولده أو كساهم محتسبا كان له رفعة وثوابا عند الله . ومن أكل أو شرب أو نام أو استراح ، ينوي بذلك التقوي على الطاعة فهو في عبادة ، ومن طلب العلم يبتغي به وجه الله ونفع نفسه والمسلمين فهو في جهاد ورفعة وزيادة ، ومن عجز عن فعل الخير فنواه بصدق فله أجر ما نواه ، ومن كان له عادة خير وطاعة فمرض أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما ، فما أحق العبد بشكر مولاه ، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، ومن هم بسيئة فتركها لله كتبها الله عنده حسنة كاملة ، ومن حرص على فعل المعصية فعجز عنها فهو بمنزلة الفاعل ، ومن سعى في خير فأدركه الموت قبل تكميله وقع أجره على الله الذي أكرمه بلطفه الشامل ، ومن أخذ أموال الناس وعاملهم يريد الوفاء أداها الله عنه ، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله ، ومن توسل بحيلة إلى معاملة محرمة فهو مخادع ظالم ، ومن وقف وقفا أو أوصى بوصية يريد حرمان غريمه أو مضارة وارثه فهو معتد آثم ، ومن عضل
    (1/36)



    زوجته وظلمها لتفتدي منه نفسها فذلك من أعظم الجرائم ، فطوبى لأهل الهمم العالية ، لقد انقلبت عاداتهم بالنية الصالحة عبادات ، ويا ويح أهل الجهل والهمم الدنيّة ، لقد كادت عباداتهم لضعف النية تكون عادات ، قال تعالى: { وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ } الآية .
    (1/37)


    11- خطبة
    في الحث علي الدعاء

    الحمد لله الذي أمر بالدعاء ، ووعد عليه الإجابة ، وحث على أفعال الخير كلها ، وجعل جزاءها القبول والإثابة ، فسبحانه من كريم جواد ، رؤوف بالعباد ، يأمر عباده بالتقرب إليه بالدعاء ، ويخبرهم أن خزائنه ليس لها نفاد ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ولا ند ولا مضاد ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد الرسل وخلاصة العباد ، اللهم صل وسلم على محمد ، وعلى آله وأصحابه العلماء العبّاد ، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم التناد .
    (1/3



    أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله تعالى ، وتعرضوا لنفحات المولى في جميع الأوقات ، بالدعاء والرجاء ، واعلموا أن الدعاء يجلب الخيرات ويستدفع به البلاء ، وأنه ما دعى الله داع إلا أعطاه ما سأله معجلا ، أو ادخر له خيرا منه ثوابا مؤجلا ، وصرف عنه من السوء أعظم منه ، كرما منه وإحسانا وتفضلا ، وفي الصحيح مرفوعا : « يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم ، أو قطيعة رحم ما لم يعجل " قيل : يا رسول الله : ما الاستعجال ؟ قال : " يقول قد دعوت ، وقد دعوت فلم أر يستجاب لي ، فيتحسر عند ذلك ، ويدع الدعاء » ، وفي حديث: « من فتح الله له باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة » ، و « ليس شيء أكرم على الله من الدعاء » [ الدعاء ] ، هو العبادة " ثم قرأ قوله تعالي : { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } الآية ، إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل ، فعليكم عباد الله بالدعاء ، ليسأل أحدكم ربه حاجاته كلها ، وكيف لا يكون الدعاء مخ العبادة وخالصها ؟ وهو من أعظم القرب لرب العالمين ، وبه يدرك العبد مصالح الدنيا والدين ، وبكثرة الإلحاح فيه على الله ينقطع الرجاء من المخلوقين ، ويكمل رجاؤه وطمعه في رحمة أرحم الراحمين ، ألا
    (1/39)



    وإن الدعاء ينبئ عن حقيقة العبودية ، وقوة الافتقار ، ويوجب للعبد خضوعه وخشوعه لربه وشدة الانكسار ، فكم من حاجة دينية ، أو دنيوية ألجأتك إلى كثرة التضرع واللجأ إلى الله والاضطرار إليه ، وكم من دعوة رفع الله بها المكاره وأنواع المضار ؟! وجلب بها الخيرات والبركات والمسار ، وكم تعرض العبد لنفحات الكريم في ساعات الليل والنهار ، فأصابته نفحة منها في ساعة إجابة ، فسعد بها ، وأفلح والتحق بالأبرار ، وكم ضرع تائب فتاب عليه وغفر له الخطايا والأوزار!! وكم دعاه مضطر فكشف عنه السوء وزال عنه الاضطرار ، وكم لجأ إليه مستغيث فأغاثه بخيره المدرار !! فمن وفق لكثرة الدعاء فليبشر بقرب الإجابة ، ومن أنزل حوائجه كلها بربه فليطمئن بحصولها من فضله وثوابه ، فحقيق بك أيها العبد أن تلح بالدعاء ليلا ونهارا ، وأن تلجأ إليه سرا وجهارا ، وأن تعلم أنه لا غنى لك عنه طرفة عين في دينك ودنياك ، فإنه ربك وإلهك ونصيرك ومولاك ، { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ } . الآية .
    (1/40)


    12- خطبة
    في التوسل إلى الله بالوسائل النافعة

    الحمد لله الرب العظيم ، الرؤوف الرحيم ، ذي الفضل العظيم ، والإحسان العميم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الملك الكريم ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي قال الله فيه : { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } ، اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آله وأصحابه ، ومن تبعهم في هديهم القويم .
    (1/41)



    أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } أما التقوى هنا فهي اجتناب الكفر والفسوق والعصيان ، وأما الجهاد في سبيله فهو بذل الجهد في مقاومة أهل الانحراف والإلحاد والكفران ، وأما ابتغاء الوسيلة إليه فهي التقرب إليه بأصول الإيمان وشرائع الإسلام وحقائق الإحسان ، من تعبد له أو دعاه بأسمائه وصفاته فذاك أفضل الوسائل ، ومن توسل إليه بإحسانه ونعمه وجوده وكرمه فقد سلك مسلك الأصفياء الأفاضل ، ومن تقرب إليه بترك معاصيه والعمل بما يرضيه فهو الذي لا شك إلى كل خير واصل ، ومن توسل إليه بحاجته وفقره وضرورته فقد توسل إليه بخير الوسائل ، ومن توسل إليه بذوات المخلوقين وجاههم فهو مبتدع ظالم ، ومن دعا مخلوقا أو استغاث به وزعم أنه يتوسل به إلى الله فهو مشرك آثم . فتوسلوا إلى ربكم بكثرة السجود والركوع ، وتوسلوا إليه بتلاوة كلامه بتدبر وخشوع ، وتوسلوا إليه بالإحسان إلى الخلق إن الله يحب المحسنين ، وببر الوالدين وصلة الأرحام ، فإن الله يصل الواصلين ويقطع القاطعين ، توسلوا إليه
    (1/42)



    بخوفه ورجائه والتوكل عليه ، فإن الله يحب المتوكلين ، وتوسلوا إليه باللهج بذكره ، واستغفاره فيا سعادة الذاكرين ، توسلوا إليه بمحبة نبيكم وكثرة الصلاة والسلام عليه ، فمن أكثر الصلاة عليه كفاه الله همه وقضى حاجته ، ومن صلى عليه ، صلى الله عليه عشر أضعافها ، ونال حبه وشفاعته ، توسلوا إليه بالحنو على اليتامى والضعفاء ، وتقربوا إليه برحمة البهائم فإنما يرحم الله من عباده الرحماء ، توسلوا إليه بسلامة الصدور من الفسق والغل والحقد على المسلمين ، وبالنصيحة والشفقة على الخلق أجمعين ، توسلوا إلى الله بترك ما تدعو له النفس الأمارة بالسوء من الهوى والتبعات ، وبغض الأبصار وصيانة اللسان والبعد عن جميع المحرمات ، توسلوا إلى الله بكمال الإخلاص للمعبود والمتابعة للرسول ، لتدركوا كل مطلوب ومرغوب ومأمول . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
    (1/43)
    التعديل الأخير تم بواسطة أم الحارث السلفية; الساعة 27-Jul-2008, 11:17 PM.

    تعليق


    • #3
      الفواكه الشهية في الخطب المنبرية والخطب المنبرية على المناسبات

      13 الخطبة
      في قوله صلى الله عليه وسلم « احرص علي ما ينفعك »
      الحمد لله الذي جعل الشريعة محتوية على الهدى والشفا والنور ، وأوصل من استرشد بكلامه وكلام رسوله إلى كل خير وسرور ، أحمده على أوصافه الكاملة وأسمائه الحسنى ، وأشكره على آلائه الباطنة والظاهرة وما له من عميم النعمى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وربوبيته ، ولا نديد له في عظمته وكبريائه ومجده وأحديته ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خير بريته ، اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آله وأصحابه القائمين بحقوقه ونصرته .
      (1/44)


      أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله حق تقواه ، وتمسكوا بإرشاد نبيه وهديه وهداه ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : « " احرص على ما ينفعك واستعن بالله » ، فيالهما من كلمتين عظيمتين جمع فيهما خيري الدنيا والآخرة ، لمن فهمهما وعمل بهما من العباد ، فأما الحرص والجد في تحصيل الأمور النافعة في المعاش والمعاد ، وذلك بالاجتهاد في القيام بعبودية الله التي خلق الله المكلفين لأجلها ، وبما يعين على ذلك من كسب الحلال المساعد على أمرها ، ولا يتم ذلك إلا بسلوك طرقها النافعة وأبوابها ، ولا يحصل إلا بقوة الاستعانة بالله والتوكل عليه ، لا على الأسباب ، بل على مسببها ، فلا يفوت أحدا الخير إلا بترك واحد من هذه الأمور ، إما أن لا يحرص بل يستولي عليه الكسل والفتور ، أو يكون حريصا على غير الأمور النافعة ، أو لا يستعين بميسر الأمور . أعظم الأمور النافعة أن تتعلم ما يقيم دينك وعباداتك ومعاملاتك ، وأن تؤدي الشرائع الظاهرة والباطنة مجتهدا في تكميل عباداتك قائما بحقوق الخالق وحقوق الخلق ، مستعينا بربك في طلب الحلال من الرزق ، فيا طوبى لمن قوي توكله على ربه في تيسير أمر دينه ودنياه ، ويا سعادته إذا شاهد النجاح والفلاح
      (1/45)



      عند تمام مسعاه ، إذا أردت أن تختار عملا نافعا تصلح به دنياك ، فاسلك الطريق الموصل إليه برفق ، واستعن بمولاك ، فإنك إذا حققت التوكل عليه سهل لك الأمر ، ويسره وكفاك ، وإن أعجبت بنفسك ورأيك خذلك ، ووكلك إلى ضعفك فوهنت قوتك وقواك ، فلو توكلتم على الله حق توكله ، لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا ، ولكن كثيرا منكم يعجب بنفسه فيرهقه وهنا وهوانا وخذلانا ، { وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ } .
      (1/46)


      14- خطبة
      في انتظار الفرج وقت الشدة

      الحمد لله الحميد في وصفه وفعله ، الحكيم في خلقه وأمره ، الرحيم في عطائه ومنعه ، المحمود في خفضه ورفعه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في كماله وعظمته ومجده ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أفضل مرسل من عنده ، اللهم صلى وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وجنده .
      (1/47)



      أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله تعالى ، وتفكروا في حكم المولى في تصريف الأمور ، وأنه المحمود على ذلك ، المثني عليه المشكور ، واعلموا أن ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ، ويعفو عن كثير ، وأن هذه الشدة واللأواء لا بد أن يفرجها من هو على كل شيء قدير ، ولا بد أن يبدل الشدة بضدها والعسر بالتيسير ، بذلك وعد ، وهو الصادق السميع البصير ، فعودوا على أنفسكم بالاعتراف بمعاصيكم وعيوبكم ، وتوبوا إليه توبة نصوحا من جميع ذنوبكم ، وقوموا بما أمركم الله به ، وهو الصبر عند المصائب ، واحتسبوا الأجر والثواب ، إذا أنابتكم المكاره والنوائب ، وكونوا في أوقاتكم كلها خاضعين لربكم متضرعين ، وفي كل أحوالكم سائلين له كشف ما بكم ولكرمه مستعرضين ، ووجهوا قلوبكم إلى من بيده خزائن الرحمة والأرزاق ، وانتظروا الفرج وزوال الشدة من الرؤوف الرحيم الخلاق ، فإن أفضل العبادة انتظار الفرج من الرحيم الرزاق ، وإياكم أن يستولي على قلوبكم القنوط واليأس ، أو تتفوهوا بالكلام الدال على التضجر والتسخط والإبلاس ، فإن المؤمن لا يزال يسأل ربه ويطمع في فضله ويرجوه ، ولا يزال مفتقرا إليه في جلب المنافع ، ودفع المضار من جميع الوجوه
      (1/4



      ، إن أصابته السراء كان في مقدمة الشاكرين ، وإن نالته الضراء فهو من الصابرين ، يعلم أنه لا رب له غير الله يقصده ويدعوه ، ولا إله له سواه يؤمله ويرجوه ، ليس له عن باب مولاه تحول ولا انصراف ولا لقلبه تلفت إلى غيره ، ولا تعلق ولا انحراف ، لا تخرجه السراء والنعم إلى الطغيان والبطر ، ولا يكون هلوعا عند مس الضراء متسخطا للقضاء والقدر ، يتمشى مع الأقدار السارة والمحزنة بطمأنينة وسكون ، ويهدي الله لها قلبه لعلمه أنها تقدير من يقول للشيء كن فيكون ، فهذا عبد موفق قد ربح على ربه وقام بعبوديته في جميع التقلبات ، وقد نال السعادتين راحة البال ، وحسن الحال والمآل ، واكتسب الخيرات ، { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
      (1/49)


      15- خطبة

      في الزجر عن إضاعة الصلاة
      (1/50)



      الحمد لله الرب العظيم ، الواسع الحليم الرؤوف الرحيم ، وأشهد أن لا إله إلا الله الجواد الكريم ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ومن هو بالمؤمنين رؤوف رحيم ، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه ، ومن تبعهم في الصراط المستقيم. أما بعد: أيها الناس ، اتقوا الله تعالى ، وإياكم أن تكونوا ممن قال الله فيهم : { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } أضاعوا الصلاة بأن فوتوها عن الأوقات ، وتهاونوا بالجمع والجماعات ، ولم يخشوا ربهم ولا حذروا من العقوبات ، إذا صلوها نقروها نقر الغراب ، فلا سكون ولا طمأنينة ولا احتساب ، تحسبهم إذا شرعوا فيها مطرودين ، وتشاهدهم لأركانها وشروطها مهملين ، وتبصرهم عن جميع كمالاتها غافلين ، نسوا الله فنسيهم ، وضيعوا مصالح الدنيا والدين ، ضيعوا الصلاة واتبعوا لغيهم الشهوات ، وقدموا أغراض النفوس على القيام بالواجبات ، إن بدا لهم طمع طاروا إليه جماعات ووحدانا ، وإذا جاء أمر الله فهم كسالى عنه فحسبهم بذلك هوانا وخسرانا فياويح من قدم شهوات الغي عن طاعة مولاه ، وما أخسر من زهد في الخير واتبع هواه فأهلكه
      (1/51)



      وأرداه . أين الإسلام والإيمان يا من يدعيه ؟! وأين الخوف من يوم يجد فيه كل عامل عمله ويلاقيه ؟ يوم لا يجد هذا المفلس من أعماله ما ينجيه من عذاب ربه ويقيه . فويل يومئذ للمضيعين للصلاة من { يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ }{ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ }{ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ }{ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } . فأين هؤلاء الأراذل من أقوام يرون الصلاة أكبر نعمة من الله وأجل غنيمة ؟! فيتلقونها بصدور منشرحة ، وهمم صادقة ، وأعمال مستقيمة ، لا تفقدهم في جمعة ولا جماعة إلا إذا كان لهم عذر من الأعذار ، { رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ }{ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
      (1/52)


      16- خطبة
      في النار وصفتها وأهلها

      الحمد لله الذي جعل النار مثوى للكافرين ، وعاقبة المجرمين والمتكبرين والمتجبرين ، فهو الحكم العدل شديد العقاب ، وأحكم الحاكمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الملك الحق المبين ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي حذر وأنذر ، وأخبر أن جهنم مثوى الظالمين ، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه أئمة المتقين ، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
      (1/53)



      أما بعد : أيها الناس ، اتقوا ربكم ، واتقوا النار التي أعدت للكافرين ، وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين ، فإن الله أخبر أنه لا يصلى النار إلا الأشقى ، الذي كذب وتولى ، وجمع فأوعى ، ونسي المبتدأ والمنتهى ، فهي دار من طغى وبغى وتجبر على الخلق وآثر الحياة الدنيا ، دار الشقاء الأبدي والعذاب الشديد السرمدي ، دار جمع الله فيها للطاغين أصناف العذاب ، وأحل على أهلها السخط والسعير والحجاب ، دار اشتد غيظها وزفيرها ، وتفاقمت فظاعتها وحمي سعيرها ، قعرها بعيد ، وعذابها شديد ولباس أهلها القطران والحديد ، وطعامهم الغسلين وشرابهم الصديد ، يتجرعه المجرم ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان ، وما هو بميت فيستريح من التنكيد ، يتردد أهلها بين الزمهرير المفرط برده وبين السعير ، ويلاقون فيها العنا والشقا ، فيا بئس المثوى ويا بئس المصير ، ويلقى عليهم الجوع الشديد المفظع ، والعطش العظيم الموجع ، فيستغيثون للطعام والشراب ، فيغاثون من هذا العذاب بأفظع عذاب ، يغاثون بماء كالمهل وهو الرصاص المذاب ، خبيث الطعم منتن الريح حره قد تناها ، إذا قرب من وجوههم أسقط جلدها ولحمها وشواها ، وإذا وقع في بطونهم صهرها وقطع
      (1/54)



      أمعاءها ، يغلي طعام الزقوم في بطونهم كغلي الحميم ، فشاربون عليه من الحميم ، فشاربون شرب الإبل العطاش الهيم ، هذا نزلهم فبئس النزل غير الكريم ، ينادودن مالكا خازن النار: { لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ } فيقول { إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ }{ لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } وينادون مستغيثين بربهم { رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ }{ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ }{ قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ } فحينئذ ييأسون من كل خير ويأخذون في الزفير والشهيق ، وكلما رفعهم اللهب وأرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم : ذوقوا عذاب الحريق ، لا يفتر عنهم من عذابها وهم فيه مبلسون ، ويبكون دما بعد الدموع فلا يرحمون ، جزاء بما كانوا يكسبون ، قد فاتهم مرادهم ومطلوبهم ، واعترفوا بذنوبهم وأحاطت بهم ذنوبهم يدعون بالويل والثبور: يا ثبوراه ! يا حسرتنا على ما فرطنا في جنب الله ! واحزننا من فظيعة العذاب والشقا ، واكربنا من دار العقاب وتجدد العنا ، وافجيعتنا من الخلود في الجحيم ويا عظيم البلا ،
      (1/55)



      فمالنا من شافعين ، ولا أولياء وأخلاء دافعين ، قد نسينا الرحمن في العذاب كما نسيناه وكما جحدنا آياته وجزاءه ولقاه ، فوالله إن أفئدتنا لتفتت من قوة العقاب ، وإن قلوبنا لتتقطع من الكروب وعظم المصاب ، سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ، فالعذاب دائم وسواء دعونا أو سكتنا فليس لنا مشفق ولا ولي ولا راحم . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
      (1/56)


      17- خطبة
      في ذكر صفة الجنة وأهلها

      الحمد لله البر الكريم ، الرؤوف الرحيم ، ذي الفضل العظيم ، والإحسان الشامل الكامل العميم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك العظيم ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى الكريم ، اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آله وأصحابه السالكين للصراط المستقيم .
      (1/57)



      أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله تعالى ، فإن الله أعد الجنة للمتقين . { الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }{ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ }{ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ } ، فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلوب العالمين ، فيها أنهار من ماء غير آسن ، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ، وأنهار من خمر لذة للشاربين ، وأنهار من عسل مصفى ، ولهم فيها من كل الثمرات ، والفواكه المتنوعة لذيذة الطعم سهلة المنال على المتناولين ، وفاكهة مما يتخيرون ، ولحم طير مما يشتهون ، ظلها ممدود وخيرها غزير غير محدود ، وأنهارها تجري في غير أخدود ، فتبارك الرب المعبود ، دار جل من سواها وبناها ، دار طابت
      (1/5



      للأبرار منازلها المزخرفة وسكناها ، دار تبلغ النفوس فيها منيتها ومناها ، رياضها الناضرة مجمع الأصفياء المتحابين ، وبساتينها الزاهرة نزهة المشتاقين ، وخيام اللؤلؤ والدر على شواطئ أنهارها بهجة للناظرين ، فيها خيرات الأخلاق حسان الوجوه ، قد جمع الله لهن الجمال الباطن والظاهر من جميع الوجوه ، أبكارا عربا أترابا ، كأنهن اللؤلؤ المكنون ، قاصرات الطرف من حسنهن الذي قصر عن وصفه الواصفون ، مقصورات في خيام اللؤلؤ ، والزبرجد عن رؤية العيون ، يتمتع أهلها في كرم الرب الرحيم ، وينظرون بأبصارهم إلى وجهه الكريم ، فإذا رأوا ربهم تعالى نسوا ما هم فيه من النعيم ، ينادي المنادي في أرجاء الجنة مبشرا لأهلها بدوام النعيم سرمدا ، إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا ، وإن لكم أن تصحوا فلا تمرضوا أبدا ، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا ، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا ، وإن لكم أن يحل الكريم عليكم رضوانه فلا يسخط عليكم أبدا يتزاور فيها الأصحاب والأقارب والأحباب ، ويجتمعون في ظلها الظليل ، ويتعاطون فيها كؤوس الرحيق والتسنيم والسلسبيل ، ويتنادمون بأطيب الأحاديث متحدثين بنعم المولى الجليل ، قد نزع من قلوبهم الغل
      (1/59)


      والهم والأحزان ، وتوالت عليهم المسرات والخيرات والكرم والإحسان ، لمثل هذه الدار فليعمل العاملون ، وفي أعمالهم الموصلة إليها فليتنافس المتنافسون ، فواعجبا كيف نام طالبها ؟ وكيف لم يسمح بمهرها خاطبها ؟ وكيف طاب القرار في هذه الدار بعد سماع أخبارها ؟ وكيف قر للمشتاقين القرار دون معانقة أبكارها ؟ طريقها يسير على من يسره الله عليه ، وهو امتثال الأوامر واجتناب النواهي والتوبة والإنابة إليه .

      اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل واعتقاد ، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل واعتقاد ، إنك أنت الكريم الجواد .
      (1/60)


      18- خطبة
      في تيسير الله المعايش لعباده

      الحمد لله ذي الفواضل الجليلة والعوائد ، الذي خفف عن عباده المعضلات الشدائد ، بما قيضه من أرزاق متنوعة ، وبركات متتابعة وفوائد ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الملك العظيم الواجد الماجد ، الذي تفرد بالكمال المطلق فهو الإله السيد الصمد الأحد الواحد ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل محمود وأكمل مثن على الله وحامد . اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه المحسنين في الأعمال والمقاصد .
      (1/61)



      أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله تعالى ، وتفكروا في نعم ربكم واشكروه ، واذكروا آلاء الله وتحدثوا بفضله ولا تكفروه ، واذكروا إذ كنتم من قبل أن ينزل عليكم هذا الغيث مبلسين ، فأمدكم بغيثه فأصبحتم برزقه فرحين مستبشرين ، ولئن شكوتم غلاء الأسعار وصعوبة المؤنة وتعذر المطلوب ، فانظروا ما في ضمن ذلك من الألطاف والخصب الذي وضعه الله في القلوب ، أما ذلك من ألطاف الباري ليخفف به عنكم الشدائد والكروب ، أليس من إحسانه إليكم أن سهل لكم كل مطلوب ؟ فكم لله من خيرات وبركات ربانية ، وكم له من أسرار وألطاف ظاهرة وخفية ، أما قدر أسبابا وأعمالا متنوعة لتقوم بها معائش الخلق ويرتفقوا ، أما سخر الغني للفقير والفقير للغني لينتفع الجميع ويرتزقوا ؟ أما خصكم بما فجر لكم من ينابيع الأرض والعيون الجارية ؟ أما أفادكم من بركات أرضه ونعمه المتتابعة المتوالية ؟ أما ذلك نعمة في حق الأغنياء ، وزيادة فضل عليهم وامتنان ، ونعمة في حق الفقراء ، لتكثر الأعمال والحرف ويتوافر الإحسان ، فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون ، وأكثروا من ذكره وشكره لعل النعم تدوم عليكم وترحمون ، جعلنا الله وإياكم من الشاكرين لنعمائه ، الصابرين على
      (1/62)



      أقداره وبلائه ، وجعل ما أنعم به علينا معونة على الخير ، ودفع عنا وعن المسلمين كل شر وضير { اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ } . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
      (1/63)


      19- خطبة
      في فضيلة الذكر

      الحمد لله الذي أعطى الذاكرين ما لم يعط أحدا من العالمين ، ورفع لهم المنازل العالية ، وجعلهم صفوة المؤمنين ، وأشهد أن لا إله إلا هو ولا ضد ولا معين ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل الذاكرين ، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعهم إلى يوم الدين .
      (1/64)



      أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله تعالى ، واستعينوا على ذلك بذكر الملك العظيم ، فإن ذكره يوصل العبد إلى كل خير جسيم ، وينجيه من العذاب الأليم ، فبذكر الله تطمئن القلوب ، وتزول المكاره والكروب ، أما علمتم أن من ذكر الله في نفسه ذكره الله في نفسه ؟ ومن ذكره في ملأ ذكره في ملأ خير منهم ، في حضرة قدسه ، وأن الذاكرين الله كثيرا والذاكرات هم المفردون ، وأنهم إلى كل خير وكرامة ونعمة سابقون ، فذكر الله مجلبة للغنى وأنواع الفوائد مطردة للهم والغم والأنكاد والشدائد ، أما سمعتم أن الإكثار من ذكر الله خير لكم من إنفاق الذهب والفضة والجهاد ، وما شرعت العبادات كلها إلا لإقامة ذكر رب العباد ، وأن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان ، وغراسها العمل الصالح والإكثار من ذكر الملك الديان ، فمن قال : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، غرس له بكل واحدة شجرة في رياض الجنان ، ومن أكثر من ذكر الله غفرت له الذنوب وجبر ما فيه من نقصان ، فيا فوز الذاكرين بمحبة الله في الدنيا وذوق حلاوة الإيمان ، ويا سعادتهم يوم لقائه حين يحل عليهم الكرامة والرضوان ،
      (1/65)



      ويا غبطتهم في قبورهم حين يفترشون الروح والريحان ، ويا فرحهم حين تتلقاهم الملائكة مهنئين لهم بالخير والكرامات والإحسان ، ويا خسارة الغافلين ماذا فاتهم من النعم والسرور؟ وماذا حصل لهم من العقوبات والشرور؟ لقد حرموا خير الدنيا والآخرة ، وباءوا بالخيبة والحسرة والصفقة الخاسرة . { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
      (1/66)


      20- خطبة
      في التوكل على الله والاستعانة به

      الحمد لله الذي وعد المتوكلين عليه بالكفاية التامة والمعونة ، وهون عليهم الأثقال وحمل عنهم المشقة والمؤنة . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه .
      (1/67)



      أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله تعالى الذي خلقكم ورزقكم ورباكم ، والذي أطعمكم وكفاكم وآواكم ، والذي أنقذكم من الردى وهداكم ، وتوكلوا حق التوكل عليه في إصلاح دينكم ودنياكم ، واعلموا أن التوكل على الله من لوازم الإيمان ، وبه يتحقق للعبد كل خير وبر وامتنان ، فأنتم تعلمون أنكم فقراء مضطرون إلى ربكم في كل الأحوال والشئون ، والرب هو الفعال لما يريد إذا قضى أمرا قال له كن فيكون ، وهو الذي يعلم من مصالحكم مالا تعلمون ، ويريد منها مالا تريدون ويقدر على ما ليس عليه تقدرون ، فقوموا بالأسباب متوكلين على الله لا على سواه فأدوا أمره ، واجتنبوا نهيه طالبين منه أن يعينكم على محبته ورضاه ، وقوموا بالأسباب الدنيوية من تجارة أو صناعة أو فلاحة أو غيرها من الأسباب قائمين بالسبب متوكلين ومعتمدين على مسبب الأسباب ، فإنكم إذا اتصفتم بذلك لم تزالوا في عبادة وأعانكم المولى ، ويسر لكم الطرق والأبواب ، وثلاث كلمات هن روح التوكل والاستعانة ، فمن قالها بلسانه مستحضرا لمعناها في قلبه فقد حقق التوكل واستقام بنيانه : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } وحسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت ، وهو رب العرش
      (1/6



      العظيم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، التي هي كنز من كنوز الجنة ، توصل العبد إلى كل خير عميم ، فمتى علم العبد أنه لا حول لأحد ولا قوة إلا بالله ، فاعتمد كل الاعتماد على ربه في جلب مصالح دينه ودنياه ، وفي استدفاع المضار والمكاره واثقا بمولاه ، عالما أنه النافع الضار ، وأنه الواقي للشرور الجالب للمحاب والمسار ، وأن الخلق كلهم في غاية الاضطرار إلى ربهم ونهاية الافتقار ، فقطع رجاءه وتعلقه بالمخلوقين ، وانزل حوائجه وشؤونه كلها بالله رب العالمين ، فليبشر بالكفاية التامة وتيسير الأمور ، ويا قرة عينه بالحياة الطيبة في كل ما يجري به المقدور ، ومن انقطع تعلقه بالله وتعلق بمن سواه خذله ووكله إلى غيره وولاه ما رضيه لنفسه وتولاه ، فاتقوا الله عباد الله ، وأجملوا في السعي والطلب ، وتوكلوا على المسبب لا على السبب ، { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا }{ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا } . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
      (1/69)
      التعديل الأخير تم بواسطة أم الحارث السلفية; الساعة 27-Jul-2008, 11:18 PM.

      تعليق


      • #4
        الفواكه الشهية في الخطب المنبرية والخطب المنبرية على المناسبات

        21 الخطبة
        في النهي عن الإسراف في النفقات
        الحمد لله الذي دبر عباده في كل أمورهم أحسن تدبير ، ويسر لهم أحوال المعيشة وأمرهم بالاقتصاد ونهاهم عن الإسراف والتقتير ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله البشير النذير ، اللهم صل وسلم وبارك على محمد ، وعلى آله وأصحابه الذين سلكوا طرق الاعتدال والتيسير .
        (1/70)


        أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله تعالى ودعوا مجاوزة الحد في كل الأمور ، واسلكوا طريق الاقتصاد في الميسور والمعسور ، فقد قال تعالى: { وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا } . فيدخل في هذا الإرشاد النفقات الواجبة والمستحبات ، كما يدخل فيه النوائب التي تنوبكم عند عوارض الحاجات ، وقد حدث التوسع الزائد في هذه الأوقات ، في الولائم ومحافل النساء وغيرها من الدعوات ، وهذا ضرر عظيم ، مخالف للشرع والعرف وحسن التدبير ، ومضاره شاملة للغني والفقير ، فالإسراف مخالف لما أمر به الشارع ، فقد جعل الله الأموال قياما للناس تقوم بها المصالح والمنافع ، فمن صرفها في غير وجهها أو تجاوز بها حدها فقد ضيع ما جعله الله قواما حيث صرفها عن المصلحة وصدها ، وهذا النوع من النفقة لم يضمن الله للمنفق خلفها ورفدها ، ألا وإن الإسراف في النفقات لا يستجيزه أهل العقول الوافية ، ولا يبني مكرمة عند ذوي الهمم العالية ، ولا يصير له موقع يذكر ، ولا معروف وإحسان يشكر ، بل نشاهد المدعوين القادح منهم أكثر من المادحين ، وذلك ضار لصاحبه ولمن أراد مقابلته من الفاعلين ، ألا ترون
        (1/71)



        العاجزين ومن ليس لهم مقدرة يلتزمون ذلك مجاراة للأغنياء القادرين ، فلو أن رؤساء الناس التزموا واتفقوا على الاقتصاد لشكروا على ذلك ، وكان خيرا لهم ولأهل البلاد ، أما تشاهدون أفرادا من الرجال الأبرياء الذين لا يشك في كرمهم وعقلهم إذا سلكوا طريق الاقتصاد اتفق الناس على الثناء عليهم ، ويرونه من محاسنهم وإحسانهم إلى الذين يختمون إليهم ، وخصوصا في هذه الأوقات التي اشتدت بها المؤنة وارتفعت الأسعار ، وصار الواحد إذا جارى الناس في توسعهم حمل ذمته مالا يطيق وتحمل المضار . فلو بذل ذلك في ضروراته وحاجاته ، لكان خيرا له من بذله في أمور الست من كمالاته ، وقد تشاهدون من يسرف في هذه النفقات فهو مقصر غاية التقصير في قيامه بما عليه من الواجبات ، فانظروا رحمكم الله ماذا يجب عليكم في أموالكم ، وما يحسن شرعا وعقلا ، واسلكوا هذا السبيل ولا تصغوا لمن يريد غير ذلك أصلا ، ولا تضطروا عباد الله بإسرافكم في أمور لا يحبونها ولا تدخلوهم في أحوال ونفقات لا يرتدونها . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
        (1/72)


        22- خطبة
        واعظة

        الحمد لله الجليل وصفه ، الجميل لطفه ، الجزيل ثوابه ، الشديد عقابه ، الحي القيوم ، الذي أوجد الكون من عدم ودبره ، وخلق الإنسان من نطفة فقدره ، ثم السبيل يسره ، ثم أماته فأقره ، ثم إذا شاء انشره ، فسبحانه من إله ما أعزه وأقدره ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة معترف بوحدانيته ، مقر بألوهيته وربوبيته وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل بريته ، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه صفوة الله من خلقه وخيرته .
        (1/73)



        أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله ولا تغتروا بإمهاله وحلمه ، وأصلحوا أعمالكم فإنها محصاة عليكم ومجازون عليها بحكمته وعلمه ، واحذروا الدنيا فإنها كثيرة آفاتها وعللها ، مدبر مقبلها ومائل معتدلها ، إن أضحكت بزخارفها قليلا ، أبكت بأكدارها طويلا ، انظروا من جمعها ومنعها ، كيف انتقلت إلى غيره وصار عليه تعبها ومأثمها ، فتفكروا في عواقب من دانت لهم الأمور ، وأسكرهم الجهل والغرور ، وصنعوا فيها ما اشتهوا وأرادوا ، ووصلوا من أرادوا وصله وقطعوا وعادوا ، كيف هجم عليهم الموت بغتة وهم لا يشعرون ، وكيف انتزع أرواحهم العزيزة وهم في غفلة نائمون ، عوضهم موحشات القبور ، بعد منتزهات القصور ، وصنع بهم الدود مستبشع الأمور ، وتراكيبهم المعتدلة أمالها ، ومفاصلهم المتصلة أزالها ، وعيونهم المليحة أطفأ نورها وأحالها ، ووجوههم الصبحية المليحة غيرها ، وألسنتهم الفصيحة أسكتها وقطعها ، وشعورهم الحالكة مزقها ، وأبدانهم الناعمة لعب البلاء بها وفرقها ، يتمنون الرجوع إلى الدنيا وهيهات لهم الرجوع ، ويودون أن يردوا ليستدركوا ما يقدرون عليه من التوبة والنزوع ، فلو سألتهم عما وصلوا إليه من الأحوال ، لقالوا قد لقينا الشدائد
        (1/74)



        والقلاقل والأهوال ، ولقد حوسبنا على الدقيق والجليل من الأعمال ، فلم نفقد من أعمالنا قليلا ولا كثيرا ولم نجد لنا شافعا ولا وليا ولا نصيرا ، فيا حسرتنا على ما فرطنا في جنب الله ، ويا ندامتنا على ما تجرأنا عليه من محارم الله ، ويا شقاءنا من العذاب الدائم ، ويا فضيحتنا من الحزن والخزي المتراكم ، لقد جاءتنا الآيات والنصائح فرددناها ، ولقد توالت علينا النعم من ربنا فما شكرناها ، ولقد قدمنا الدنيا على الآخرة وآثرناها ، فالآن أصبحنا بأعمالنا مرتهنين ، وعلى ما قدمت أيدينا من الجرائم نادمين . { أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ } الآيات . بارك الله لي ولكم .
        (1/75)


        23- خطبة
        في سؤال العبد عن النعم

        الحمد لله الذي أعطى عباده الأسماع والأبصار والأفئدة لعلهم يشكرون ، وأسدى عليهم أصناف النعم وسيحاسبهم عليها وعنها يسألون ، فمن استعان بها على طاعة المنعم فأولئك هم المفلحون ، ومن صرفها في معاصيه ، فأولئك الذين خسروا أنفسهم وأهلهم القيامة ، ألا ذلك هو الخسران المبين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي إذا أراد شيئا قال له كن فيكون ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي ختمت به الأنبياء والمرسلون ، وبهديه وسيرته يهتدي المهتدون ، اللهم صلي وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه ، ومن تبعهم في الأقوال والأفعال والحركة والسكون .
        (1/76)



        أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله واعرفوا مقدار نعم الله ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : « " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن خمس ، عن عمره فيم أفناه ، وعن شبابه فيم أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ، وماذا عمل فيما علم » . فكلنا معشر المسلمين مسئول عن هذه الخمس ، كما أخبر به الصادق في المقال ، فلينظر العبد موقع حاله ، وماذا يجيب به هذا السؤال ، فمن قال بصدق : يا رب قد أفنيت عمري في طاعتك ، وأبليت قوتي وشبابي في خدمتك ، ولم أزل مقلعا تائبا عن معصيتك واكتسبت مالي من طرق الحلال واجتنبت المكاسب الردية الموجبة للهلاك والنكال ، وأنفقته فيما تحب واجتنبت إنفاقه في الفسوق ، ولم أبخل بالزكاة ولا في النفقات الواجبة وآتيت الحقوق ، وعلمت الخير ففعلته ، وعرفت الشر فتركته ، فليبشر عند ذلك برحمة الله وأمانه ، والفوز بجنته ورضوانه . ومن قال : قد قضي عمري وشبابي في الذنوب والغفلات ، ولم أبال بالمكاسب الخبيثة ولا بالغش والخيانات ، وعلمت الخير والشر فلم انتفع بعلمي ، ولا أغنت عني معرفتي ولا فهمي . فذلك العبد الذي هلك مع الهالكين ، وسلك سبيل الظالمين المعتدين . فيا سوءتاه حين يندب الشاب
        (1/77)



        شبابه ، ويفتضح الشيخ إذا قرأ كتابه ويا ندامة المفرطين حين يحشر المتقون إلى الرحمن وفدا ، ويساق المجرمون إلى جهنم وردا ، لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا ، ينادون مالكا خازن النار: { يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ }{ لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } ويقولون : { رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ }{ قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ } . الآيات . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
        (1/7


        24- خطبة
        في وجوب معرفة الله وتوحيده

        الحمد لله المتوحد بصفات العظمة والجلال ، المتفرد بالكبرياء والكمال ، المولي على خلقه النعم السابغة الجزال ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل الرسل في كل الخصال ، اللهم صل وسلم ، على محمد وعلى آله وأصحابه خير صحب وأشرف آل .
        (1/79)



        أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله واعبدوه ، فإن الله خلقكم لذلك قال تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } خلقهم ليعبدوه ويدينوا بعبادته الجامعة لمعرفته والإنابة إليه والتوجه في كل الأمور إليه ، خلقهم ليعرفوا ويعترفوا أنه الرب الذي أوجد جميع المخلوقات ، وأعدها وأمدها بكل ما تحتاج إليه من كل الجهات ، وهي الفقيرة إليه بالذات وكل الصفات ، خلقهم ليعرفوا ويعترفوا أنه الملك المالك لجميع الموجودات والعوالم والممالك ، الذي له الحكم والحمد في الأولى والآخرة وإليه يرجعون ، وإليه تنتهي الأقدار ومنه تبتدئ ، وإذا أراد شيئا قال له كن فيكون ، خلقهم ليعرفوا أحكامه الشرعية والقدرية والجزائية ، ولها يخضعون ، فيعلمون أن كل شيء بقضاء وقدر ، وأن ما أصابهم لم يكن ليخطئهم ، هو مولانا وعليه فليتوكل المؤمنون ، فنرضى بالله ربا وسيدا ومدبرا وحاكما ، وبمحمد نبيا رسولا ومبشرا ومنذرا ، وبالإسلام دينا وطريقا ومسلكا ، خلقهم ليعرفوا ويعترفوا أنه الله الذي لا إله إلا هو ، فليس له شريك في ألوهيته ، كما ليس له شريك في ربوبيته وملكه ، فكما أنه الخالق الرزاق المدبر لجميع الأمور فهو الإله
        (1/80)



        المعبود ، المحمود المشكور ، وكما أن جميع النعم الظاهرة والباطنة منه لطفا وإحسانا ، فهو المستحق لكمال الشكر إخلاصا ومحبة له وخضوعا وإذعانا ، وكما أنه الذي لطف بكم وعدلكم وسواكم ، فليكن وحده معبودكم ومرجوكم ومولاكم ، وكما شرع لكم دينا حنيفا ميسرا موصلا للفلاح ، فاسلكوا الصراط المستقيم متقربين إليه في الغدو والرواح ، فليس لكم رب سواه ، ولا معبود ومقصود إلا الله ، ولا ملجأ ولا منجا منه إلا إليه ، ولا معول في الأمور إلا عليه ، فقوموا بعبوديته ظاهرا وباطنا لعلكم تفلحون ، واستعينوا به وتوكلوا عليه لعلكم ترحمون ، إذ سألتم فلا تسألوا إلا الله ، وإذا استعنتم فلا تستعينوا بأحد سواه ، فإن الخلق كلهم فقراء عاجزون ، وجميعهم إلى ربهم مضطرون مفتقرون ، أعانني الله وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته ، ووفقنا لمحبته ومعرفته والقيام بطاعته ، ولا حرمنا خير ما عنده من الإحسان بشر ما عندنا من الإساءة والعصيان . { يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
        (1/81)


        25- خطبة
        في بعض حقوق النبي صلى الله عليه وسلم

        الحمد لله الذي أوجب لرسوله حقوقا هي من لوازم الإيمان ، وفضله وخصه بخصائص لا يشاركه فيها ملك ولا إنسان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المتفرد بالوحدانية والكبرياء والسلطان ، الذي له كل اسم حسن ووصف جميل ، وهو الرحيم الرحمن ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، المبعوث إلى الإنس والجان . اللهم صل وسلم وبارك على محمد ، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان .
        (1/82)



        أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله تعالى ، فإن الله كتب الرحمة الكاملة للمؤمنين ، فقال : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ }{ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } فهذه الآيات الكريمة قد تضمنت ما يجب لهذا النبي الكريم من الحقوق التي لا يحصل ولا يتم الإيمان إلا بها ، حقه الأصيل أن نؤمن به ونعترف بصدقه وأن كل ما جاء به حق لا ريب فيه ، وأن نتبعه في أصول الدين وفروعه ، ونقدم قوله وطاعته على طاعة كل أحد ، ونعلم أنه لا يأمر إلا بالمعروف الذي هو الخير والهدى والبر والصلاح ، ولا
        (1/83)



        ينهى إلا عن المنكر الذي هو كل ذر وفساد وأعمال قباح ، وأنه أحل لنا جميع الطيبات من المآكل والمشارب والملابس والمناكح وجميع التصرفات ، وحرم كل خبيث من هذه الأشياء فرسالته احتوت على كل الكمالات ، وكان دينه مبنيا على اليسر والسهولة ، ورفع الأغلال قرة العيون وحياة القلوب ، ووسيلة إلى كل خير وكمال ، وعلينا أن نعزره بنصره ونصر شريعته في حياته وبعد مماته ، فهو أولى بنا من أنفسنا في أمور العبد وحالاته ، وعلينا أن نخضع لهديه ونقتدي به في جميع حركاته وسكناته ، وعلينا أن نوقره بالإجلال والإكرام ، والتوقير التام والاحترام ، وأن يكون أحب إلينا من والدنيا وأولادنا ونفوسنا والناس أجمعين ، وأن نكثر من الصلاة والتسليم عليه في كل وقت وحين ، وأن لا ندعوه باسمه بل إذا خاطبناه فعلى وجه الإجلال والتكريم ، وقد رفع الله له ذكره ، فلا يذكر الله إلا ذكر معه الرسول ، كما في الخطب والشهادتين ، اللتين هما أساس الإسلام ، وفي الأذان الذي هو شعار الإسلام ، وفي الصلاة التي هي عماد الدين ، لما له من الحق الأكبر على الناس أجمعين ، وكما أنه صلى الله عليه وسلم تميز عن الخلق بكل أوصاف الكمال الممكن الذي لا يساويه فيه مخلوق
        (1/84)



        فكان حقه بعد حق الله أوكد الحقوق ، من الله علي وعليكم بمعرفة نبينا والقيام بحقه والاقتداء به في كل حال ، وثبتنا بالقول الثابت على سنته في الحال والمال ، وحشرنا في زمرته ، وأدخلنا في شفاعته ، وأوردنا حوضه العذب الشهي الزلال ، إنه جواد كريم واسع النوال . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
        (1/85)


        26- خطبة
        في حديث « إني حرمت الظلم ... »

        الحمد لله الغني الحميد ، الواسع الكرم ذي الخير المديد ، يسأله من في السماوات والأرض وقد تكفل بشؤون العبيد ، فسبحانه من إله كريم ، وسع كل شيء رحمة وعلما ، وتبارك من أولى عباده عفوا ومغفرة وحلما . ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، في جميع النعوت والصفات ، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل الرسل وخير المخلوقات ، اللهم صل وسلم ، وبارك على محمد وعلى آله وأصحابه أولي الفضائل والكرامات .
        (1/86)



        أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه ، واشكروه على سوابغ نعمه وأياديه ، وأشعروا قلوبكم الافتقار إليه على الدوام في هداية قلوبكم وحصول مطلوبكم على التمام ، فقد سعد من تعلق قلبه خوفا ورجاء بالملك المولى وقد خاب من طغى وأعرض واستغنى ، فمن تعلق بغير الله وكل إليه ، ومن تعلق بربه أسعفه بمراده وقربه إليه ، قال صلى الله عليه وسلم : « قال الله تعالى: " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم ، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم ، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم ، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم ، يا عبادي لو أن أولكم وأخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وأخركم وأنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وأخركم وأنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص
        (1/87)



        المخيط إذا غمس في البحر ، ذلك بأني جواد واجد ما جد عطائي كلام وعذابي كلام إنما أمري لشيء إذا أردت أن أقول له كن فيكون ، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه »{ يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ } . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
        (1/8


        27- خطبة
        في التحذير من حلق اللحى

        الحمد لله الذي من علينا بالنبي الكريم ، وهدانا به إلى الصراط المستقيم ، واستنقذنا به من طرق الجحيم ، وأشهد أن لا إله إلا الله الرب الرحيم ، الملك الجواد الكريم ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي هو بالمؤمنين رؤوف رحيم ، اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم في كل هدي قويم .
        (1/89)



        أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله تعالى وتمسكوا بهدي نبييكم المصطفى وامتثلوا أوامره واجتنبوا ما عنه زجر ونهى ، فقد أمركم بحف الشوارب وإعفاء اللحى ، وأخبركم أن حلق اللحى وقصها من هدي الكفار والمشركين ، ومن تشبه بقوم فهو منهم فأحذروا مشابهة الظالمين ، يا عجبا لمن يؤمن بالله واليوم الآخر ، كيف يزهد في هدي نبيه وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ؟! ويختار هدي كل كافر وفاسق فأين الأيمان ؟ لقد أكرم الله الرجال باللحى وجعلها لهم جمالا ووقارا ، فيا ويح من حلقها وأهانها وعصى نبيه جهارا ، أيظن هؤلاء أن حلقها يكسب صاحبها بهاء وجمالا ، كلا والله إنه ليشين الوجه ، ويذهب نوره ، ويزداد به إثما ووبالا ، ولكنه الاقتداء الضار يحسن كل قبيح ، ويوقع صاحبه في الشر الصريح ، أما قال أهل العلم : من جنى على لحية غيره فأزالها أو أزال جمالها على وجه لا يعود فعليه الدية كاملة ؟! ثم هو مع ذلك يجني على نفسه ويجحد نعمة الله الشاملة ، أما ترون وجوه الحالقين لها كيف يذهب بهاؤها وخصوصا عند المشيب ، وتكون وجوههم كوجوه العجائز قد ذهبت محاسنها ، وهذا من الشيء العجيب ! فالله الله عباد الله في لزوم دينكم ، ولا تختاروا عليه سواه ،
        (1/90)



        فإن فيه الخير والسعادة وكل جمال قد حواه ، فوالله ما في الاقتداء بأهل الشر إلا الخزي والندامة ، ولا في الاقتداء بنبيكم صلى الله عليه وسلم إلا الصلاح والفلاح والكرامة ، وإياكم أن تصبغوها بالسواد ، فقد نهى عن ذلك خير العباد ، فتوبوا إلى الله واستغفروه ، وتمسكوا بالخير ولازموه ، قبل أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله ، يا ليتني حذرت من أهل الشر واقتديت برسول الله ، يا ليتني أعود إلى الدنيا لأعمل صالحا وأتوب ، فالآن فات كل مطلوب ، وحصل كل مرهوب ، وأحاطت بأهل المعاصي الخطايا والذنوب ، { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا }{ يَاوَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا }{ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا } .
        (1/91)


        28- خطبة
        في كل معروف صدقة
        الحمد لله المعروف بالخير والكرم ، والامتنان المجازي البر بالبر ، وعلى الإحسان بالإحسان ، وأشهد أن لا إله إلا الله الرحيم الرحمن ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد الرسل وخلاصة الإنسان ، اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان .

        أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله تعالى ، واعلموا أن مدار التقوى على فعل الخير واجتناب الشر والفساد ، وعلى إخلاص الدين للمولى والإحسان إلى العباد ، فلقد قال من أعطى جوامع الكلام : « كل معروف صدقة » فيالها من كلمة عظيمة جامعة للخيرات ، وياله من كلام بليغ محيط بأصناف البر والبركات ، فكما دخل في هذا الإحسان الديني يدخل فيه الإحسان الدنيوي ، وكما يدخل فيه المعروف بالجاه والمقال ، يدخل فيه المعاونات البدنية والإحسان بالمال ، ويتناول المعروف إلى الصاحب والقريب ، والمعروف إلى العدو والبعيد ، فمن علم غيره علما أو أهدى له نصحا فقد تصدق عليه ، ومن نبهه على مصلحة دينية أو دنيوية أو حذره من مضرة فقد أحسن إليه .
        (1/92)



        أيها العبد لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق ، وتباشر جليسك بالبشاشة وحسن الخلق ، ولو أن تفرغ الدلو للمستقي والمتوضي ، ولو أن تعطي صلة الحبل وتعير الإناء للمستجدي ، وكلما كانت العارية أنفع كان أجرها أفضل ، ومن المعروف إماطة الأذى عن الطريق ، وعزل العظم والشوكة وجميع ما يؤذي ، ومن المعروف هداية الأعمى في المساجد والطرق وهداية الحيران ، وأن تسمع الأصم وتطعم الجائع وتسقي الظمآن ، وتغيث المكروب واللهفان ، ومن المعروف إعانة أصحاب الحوائج من الأقارب والأباعد والجيران ، والعفو عمن ظلمك ومقابلة الإساءة بالإحسان ، ومن المعروف الدعوة إلى طعام أو قهوة أو شراب ، للأغنياء والفقراء والبعداء والأقراب ، وسماحك لمن ينتفع بشيء من ملكك من ماشية ونخل وأشجار ، بلبن أو خوص أو حطب أو ثمار ، وإعانة المسلم بكتابة وعمل صنعة ونقل متاع ، ومن المعروف بذل الفضل في المعاملات والمحاباة فيها فما شيء يترك ثوابه ولا يضاع ، ومن المعروف الإحسان إلى المماليك من الآدميين وسائر الحيوانات ، ففي كل كبد حراء أجر واكتساب للخيرات ، ومن المعروف أن تبذل لغيرك دواء نافعا أو تباشره بطب أو تصف له حمية أو دواء ناجعا ،
        (1/93)



        فكلما أوصلته إلى الخلق من البر والإحسان والتكريم ، فأنه داخل في خطاب النبي الكريم ، { وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا } . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
        (1/94)


        29- خطبة
        في العقل

        الحمد لله الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ، ثم سواه ونفخ فيه من روحه ، فتبارك الله أحسن الخالقين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إله الأولين والآخرين ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد المرسلين وإمام المتقين ، اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم أجمعين ، وسلم تسليما كثيرا .
        (1/95)



        أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله تعالى ، واذكروا ما تفضل به عليكم من العقل الذي تميزتم به على كثير من المخلوقات ، واحذروا أن تضيعوه أو تهملوه في وضعه في الأمور الضارة أو غير الأمور النافعات ، فما أنعم الله على عبد نعمة فاستعملها فيما خلقت له إلا حفظها الله ونماها ، ولا أهملها ووضعها في غير موضعها إلا سلبها وبقي عليه شقاها ، فهذا العقل الذي منحكم الله إياه من أفضل العطايا ، فما بالكم تستعملونه في ركوب الدنايا ، خلق الله لكم العقول لتعقلوا بها ما ينفعكم من المعارف والعلوم النافعة ، وترتقوا بها إلى مدارج الفلاح بهمم قوية وقلوب واعية ، فقاوموا بها ما يضركم من الأخلاق الرذيلة ، فلا خير فيمن غلبت شهوته عقله فألقته في المهالك الوبيلة ، فكروا في المصالح والمنافع فإذا توضحت فاسلكوها ، وزاحموا بها النفوس العالية المقبلة على الخير ونافسوها ، وإياكم أن تكون هممكم في تحصيل الأغراض الدنيئة فتخسروا عقولكم وتضيعوها ، طوبى لمن كانت أفكاره حائمة حول ما يحبه الله ، دائرة حول ما ينفع عباد الله ، الإخلاص لله في كل الأمور شعاره ، والإحسان المتنوع على الخلق دثاره ، طوبى لمن كانت شهوته تبعا لعقله فآثر
        (1/96)



        النافع وفاز بالسعادتين ، وويل لمن غلبت شهوته عقله فاختار الرذائل فخسر الدنيا والدين ، من ترك ما تهواه نفسه لله لم يجد فقده ، وعوضه الله الإيمان والثواب ، ومن تبع هواه وأعرض عما يحبه مولاه ابتلاه بالهموم وأنواع الأوصاب ، سبحان من فاوت بين عباده بالعقول والهمم والأعمال ، وباين بينهم في صفات النقص والكمال ، وقسم بينهم الأخلاق كما قسم بينهم الأرزاق ، فتبارك الله الواحد الملك الخلاق . من الله علي وعليكم بمحاسن الأعمال وأحاسنها ، وحفظنا من أسافل الأخلاق وأراذلها { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
        (1/97)


        30- خطبة
        في قوله صلى الله عليه وسلم « قد أفلح من هدي للإسلام.. . » إلخ

        الحمد لله الملك القهار ، العزيز الجبار ، وأشهد أن لا إله إلا الله الرحيم الغفار ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إمام المتقين الأبرار ، اللهم صل وسلم على محمد ، وعلى آله وأصحابه البررة الأطهار .
        (1/9



        أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله تعالى فإن تقوى الله عماد الدين ، وحقه الواجب على الخلق أجمعين ، قال صلى الله عليه وسلم : « قد أفلح من هدي للإسلام وكان عيشه كفافا وقنعه الله بما آتاه » . فجعل صلى الله عليه وسلم هذه الثلاث عنوان الفلاح ، وبها يحصل الخير والنجاح ، فإن من جمع الله له هذه الثلاث فقد جمع له خير الدنيا والآخرة ، وتمت عليه النعم الباطنة والظاهرة ، وبها الحياة الطيبة في هذه الدار ، والسعادة الأبدية في دار القرار . أما الهداية للإسلام ، فإن الإسلام به العصمة والنجاة من طرق الجحيم ، ولن يقبل الله من أحد دينا غير الاستسلام للرب العظيم . الإسلام هو الاستسلام الباطن والظاهر لله ، وهو الانقياد الكامل لطاعة الله ، الإسلام مقصوده القيام بحق الله وحق العباد ، وروحه الإخلاص لله والمتابعة للرسول في الهدي والرشاد ، المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم « لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه » وأما الكفاف من الرزق فهو الذي يكفي العبد ، ويكف قلبه ولسانه عن التشوف وسؤال الخلق ، واغتباطه برزق الله والثناء على الله بما أعطاه من ميسور الرزق . فإن
        (1/99)



        من أصبح آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه وليلته فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ، وأغبط الناس من عنده رزق يكفيه ، وبيت يؤويه ، وزوجة ترضيه ، وسلم من الدين الذي يثقله ويؤذيه ، فليس الغنى عن كثرة العرض إنما الغني غني القلب ، قال صلى الله عليه وسلم : « من كانت نيته الآخرة جمع الله عليه أمره ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة . ومن كانت نيته طلب الدنيا جعل الله فقره بين عينيه ، وشتت عليه أمره ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له » ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ، فإن ما عند الله لا ينال عصيته ، وإنما ينال بطاعته وخدمته ، فاحمدوا الله عباد الله على الهداية للإسلام واشكروه على الكفاية من الرزق والغنى عن الآثام ، وانظروا إلى من فضلتم عليه بالعافية والرزق والعقل والتوفيق ، فإنه أحرى لشكر النعم والهداية لأقوم طريق ، من الله علينا وعليكم بالقيام بحقه والقناعة بميسور رزقه ، إنه جواد كريم . { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } . بارك الله لي ولكم في
        (1/100)

        القرآن العظيم .
        التعديل الأخير تم بواسطة أم الحارث السلفية; الساعة 27-Jul-2008, 11:20 PM.

        تعليق


        • #5
          الفواكه الشهية في الخطب المنبرية والخطب المنبرية على المناسبات

          (1/101)

          31- خطبة
          في نصائح نبوية
          الحمد لله الذي من على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا منهم ، يتلو عليهم آياته ويزكيهم ، ويعلمهم الكتاب والحكمة ، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ، وخصه بجوامع الكلم وغرر الحكم ، وجعل قبول وصاياه واتباع هديه داعيا لمحبة رب ، العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الناصح البار الأمين ، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله الطيبين وأصحابه الطاهرين ، ومن تبعهم إلى يوم الدين .
          (1/102)

          أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ، وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين ، وكونوا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه ، أولئك الذين هداهم الله ، وأولئك هم أولوا الألباب ، لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم ، حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ، فمن قبل نصائحه استقام على الصراط المستقيم ، وأوصله ذلك إلى جنات النعيم ، فقد قال صلى الله عليه وسلم: « اتق الله حيثما كنت وأتبع الحسنة السيئة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن » ، ثلاث منجيات وثلاث مهلكات : فأما المنجيات فتقوى الله في السر والعلانية ، والقول بالحق في الرضى والغضب ، والقصد في الغنى والفقر ، أما المهلكات فهوى متبع وشح مطاع ، وإعجاب المرء بنفسه وهي أشدهن ، ومن تواضع لله رفعه ، فهو في نفسه صغير وفي أعين الناس عظيم ، ومن تكبر وضعه الله فهو في أعين الناس صغير ، وفي نفسه كبير ، حتى لهو أهون عليهم من كلب وخنزير ، بئس العبد عبد تخيل واختال ، ونسي الكبير المتعال ، بئس العبد عبد تجبر واعتدى ، ونسي الجبار الأعلى ، بئس عبد سهى ولهى ونسي المقابر والبلاء ، بئس العبد عبد عتى وطغى ، ونسي المبتدأ والمنتهى ، بئس العبد عبد يختل الدنيا
          (1/103)

          بالدين ، بئس العبد عبد طمع يقوده ، بئس العبد عبد هوى يضله ، بئس العبد عبد رغب يذله ، من التمس رضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس ، ومن التمس رضى الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس الدواوين ثلاثة : ديوان لا يغفره الله ، وهو الإشراك بالله ، يقول الله: { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ } ، وديوان لا يتركه الله وهو ظلم العباد فيما بينهم حتى يقتص بعضهم من بعض ، وديوان لا يعبأ الله به ؛ ظلم العباد فيما بينهم وبين الله ، فذاك إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء تجاوز عنه ، من الله علي وعليكم بقبول النصائح ، وحمانا من جميع الشرور والقبائح . { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
          (1/104)

          32- خطبة
          في الاهتمام بصلاح القلب
          الحمد لله الذي أصلح بلطفه الصالحين ، وخلع عليهم خلع الإيمان واليقين ، وحفظهم بعنايته مما يقبح ويشين . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، مالك يوم الدين ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي الأمين ، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم إلى يوم الدين .
          (1/105)

          أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله تعالى ، واعلموا أن مدار التقوى على إصلاح القلوب ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : « إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي " القلب » فمتى صلح القلب بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره وصحح ذلك بالمعرفة وحسن الاعتقاد ثم توجه القلب إلى ربه بالإنابة والقصد وحسن الانقياد - فإن الجوارح كلها تستقيم على طريق الهدى والرشاد ، فصلاح الجوارح ملازم لصلاح القلوب ، فاغتنموا رحمكم الله إصلاحها بحسن النية في كل مطلوب ، فإن الله لا ينظر إلى صوركم وأعمالكم ، ولكن ينظر ما أكنته القلوب ، فأخلصوا الأعمال لله في كل ما تأتون وما تذرون ، وأنيبوا إلى ربكم واطمعوا في رحمته لعلكم ترحمون ، فالعمل اليسير مع الإخلاص خير من الكثير مع الرياء ، والثمرات الطيبة إنما تحصل لمن حقق النية واتقى ، فمن أصلح باطنه . أصلح الله له الأحوال ، وسدده في الأقوال والأفعال ، { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا }{ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ
          (1/106)

          وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } . وسلوا مولاكم أن يطهر قلوبكم من الغل والحقد ، ومن الكبر والتعاظم على العباد والحسد ، فقد قال-صلى الله عليه وسلم : « لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه »« ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم : إخلاص العمل لله ، ومناصحة من ولاه الله أمركم ، ولزوم جماعة المسلمين ، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم »« لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام ، دمه وماله وعرضه » طوبى لمن أخلص لله في أقواله وأفعاله ، ورجا فضله في حاله ومآله ، وطهر قلبه من البغضاء والعداوة للمسلمين ، وتعاون معهم في أمور الدنيا والدين ، وويل لمن تعلق قلبه بأحد من المخلوقين ، أو امتلأ من الغل والحقد على المؤمنين ؛ أما الأول فإنه يسعى في علو الدرجات ، وأما الآخر فإنه يتردى في مهاوي الهلكات . اللهم يا مصلح الصالحين أصلح فساد قلوبنا ، ويا من بيده خزائن كلى شيء اسعفنا بمطلوبنا ، ويا من يغفر الذنوب جميعا اغفر ذنوبنا واستر عوراتنا وعيوبنا إنك أنت
          (1/107)

          الجواد الكريم . { رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا } . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
          (1/10

          33- خطبة
          عن الآيات المخوفة والتحذير من الذنوب
          الحمد لله الحكيم في خلقه ورزقه وتدبيره ، الحميد في خفضه ورفعه وعطائه ومنعه وجميع تقديره ، الغفور الرحيم لمن خشيه واتقاه ، شديد النكال والعقوبة على من عانده وعصاه ، وأشهد أنه لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ومختاره ومصطفاه ، اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه .
          (1/109)

          أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله فإن تقوى الله بها حصول الخيرات وفيها دفع الشرور والمكروهات قال تعالى : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } وقال تعالى : { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } . وأخبر أن الدعاء سبب للإجابة بحصول المطلوب ، وأن الذنوب أكبر الموانع لنزول الغيث ، ونزع البركة من الأرض والثمار والحبوب ، كيف تطمعون في حصول ما تحبون وأنتم مصرون على الذنوب والجنايات ، كيف ترجون حصول الغيث وأنتم مقيمون على الغش والخيانات ، وقد برئ صلى الله عليه وسلم من أهل الكذب والغش في كل المعاملات ، أما سمعتم أن بخس المكاييل والموازين وبخس الناس أشياءهم أهلك الله به أهل مدين بالعذاب في الدنيا قبل الآخرة ، وأن من لم يتب منها فعاقبته أفظع العواقب وقد باء بالصفقة الخاسرة ، فوالله إن الحرام والغش ليستدرج صاحبه ثم يمحق محقا ، وأن المكاسب الخبيثة مع إثم صاحبها
          (1/110)

          لتنزع منها البركة حقا وصدقا ، وأن المكاسب الطيبة ليصلح الله بها الأحوال ، والورع عن الحرام خير لصاحبه في الحال والمآل ، أما ترون الله يستعتبكم ويخوفكم بما يريكم من الآيات والشدة والنكال ، ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء ويصرفها عمن يشاء وهو شديد المحال ؟! أما ترون الله يصرف عنكم أمورا وشرورا قد انعقدت أسبابها بما كسبت أيدي العباد لتتوبوا إليه وترجعوا عن الشر والفساد ؟! أما علمتم أن المعاصي تخرب الديار العامرة ، وتسلب النعم الباطنة والظاهرة ؟! فكم لها من العقوبات والعواقب الوخيمة ، وكم لها من الآثار والأوصاف الذميمة ، وكم أزالت من نعمة ، وأحلت من محنة ونقمة ، فاتقوا الله عباد الله واحذروه ، واعلموا أنكم لا بد أن تلاقوه ، فيحاسبكم وينبئكم بما قدمتموه وأخرتموه . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
          (1/111)

          34- خطبة
          في التوحيد
          الحمد لله الذي خلق المكلفين ليعبدوه ، وأدر عليهم الأرزاق ليشكروه ، ووضح لهم الأدلة والبراهين ليعرفوه ، وأشهد أن لا إله إلا الله الذي يتعين علينا أن لا ندعو غيره ولا نخافه ونرجوه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي فاق الرسل من جميع الوجوه ، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه جميع الذين اتبعوه .
          (1/112)

          أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله وأطيعوه ، واحذروا جميع ما يسخطه وتتبعوا مراضيه ، أما دلكم على وحدانيته بالآيات البينات ، أما وضح لكم معرفته بالحجج والبراهين القاطعات ، تعرف لكم بأسمائه الحسنى ، وصفاته العليا ونعمه الواسعة العظمى . { يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ }{ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ }{ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ } ، { وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ }{ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ } ، { خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ }{ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ }{ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ } . وجعل له السمع والبصر والفؤاد وجميع القوى فتبارك الله أحسن الخالقين ، أحسن بقدرته المخلوقات ، وزين السماء بالشمس والقمر والكواكب النيرات ، ومهد الأرض وأودع فيها منافعها المتنوعات ، وثبتها بالجبال الشم الشاهقات ، أجرى فيها العيون والأنهار ، وأخرج أصناف الزروع والأشجار والثمار ، وجعلها متاعا للبشر وأنعامهم ، فتبارك الكريم القهار ، أسبغ على عباده النعم ، وصرف عنهم المكاره والنقم ، فكم له على
          (1/113)

          عباده من الخير المدرار ، فهو المتفرد بالعطاء والمنع والخفض والرفع ، وهو الواحد الغفار ، مجيب الدعوات ، وفارج الكربات ، ومغيث اللهفات ، وسامع الأصوات بتفنن اللغات ، فسبحان الحليم الستار ، يعلم السر وأخفى ، وإليه ترفع الحاجات والشكوى ، وإليه ينتهي السائلون ، وهو محل النجوى ، ومزيل المكاره والشدائد والأخطار ، يقول تعالى في الحديث القدسي: « إني والجن والأنس في نبأ عظيم أخلق ويعبد غيري وأرزق ويشكر سواي خيري إليهم نازل وشرهم إلي صاعد أتحبب إليهم بالنعم ، وأنا الغني عنهم ويتمتعون إلي بالمعاصي وهم الفقراء إلي » ، فاتقوا الله عباد الله وراقبوه ، وتوبوا إليه كل وقت واستغفروه ، وانظروا إلى كثرة نعمه عليكم ، فاشتغلوا بالثناء عليه ، والجؤا إلى الله وتوكلوا عليه . أجارنا الله وإياكم من النار وغفر لنا الذنوب والأوزار ، وبارك لنا ولكم في القرآن العظيم .
          (1/114)

          35- خطبة
          في نعيم البرزخ وعذابه
          الحمد لله الذي لم يزل قائما بشؤون الخليقة على أحسن نظام ، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام ، يخفض القسط ويرفعه ، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل على الكمال والتمام ، فهو الملك العظيم القدوس السلام ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام ، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد الأنام ، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه البررة الكرام .
          (1/115)

          أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله ، واعلموا أن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ، وأنكم عند انتقالكم من الدنيا لا بد أن يمتحنكم ويسألكم ويجازيكم ، فمن كان في الدنيا ثابتا على الصراط المستقيم ثبته الله عند مماته وفي قبره وبشر بالفوز والنعيم ، ومن كان في هذه أعمى معرضا عن الله فلا بد أن يلاقي ما قدمت يداه ، قال صلى الله عليه وسلم : « إذا قبر الميت أتاه ملكان فيجلسانه فيقولان له : من ربك ؟ فيقول المؤمن: ربي الله ، فيقولان : له ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام ، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله ، فيقولان له: وما يدريك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت ، فينادي مناد من السماء: أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة ، وافتحوا له بابا إلى الجنة ، فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره . وأما الفاجر أو الكافر فإذا سأله الملكان من ربك وما دينك ومن نبيك قال : هاه هاه لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته فيضربانه بمطرقة من حديد فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنس والجن ولو سمعوها لصعقوا ، فينادي مناد أن كذب عبدي فافرشوه من النار ، وألبسوه من النار ،
          (1/116)

          وافتحوا له بابا إلى النار ، فيأتيه من حرها وسمومها ، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه فلا يزال معذبا إلى أن تقوم الساعة » . أما والله لو نشر لكم أهل القبور ، فحدثوكم بما وصلوا إليه من عظائم الأمور لقالوا : قد وجدنا ما وعدنا الله ورسوله حقا ولم نفقد من أعمالنا مثقال ذرة من خير أو شر فأصبحنا مرتهنين صدقا ، أما طائعنا فقد اغتبط بعمله ولقي الفوز والروح والريحان ، وأما عاصينا فقد باء بالخيبة والحسرة والهوان ، يتمنون الرجوع إلى الدنيا ليتوبوا ، ويودون أن لو مكنوا ليعملوا صالحا وينيبوا ، وأنتم إلى ما صاروا إليه صائرون ، وبكأس الحمام الذي يدور على الخليقة شاربون فتوبوا إلى ربكم ما دمتم في زمن الإمهال ، وتقربوا إليه بما استطعتم من صالح الأعمال ، { فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ } إلى آخر السورة . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
          (1/117)

          36 - خطبة
          في فضل الإسلام
          الحمد لله الذي جعل الإسلام مل الخليقة في دينها ، ودنياها وأرشد فيه النفوس إلى هداها وحذرها من رداها ، وأشهد أنه الرب العظيم ، الذي لم يزل ربا وإلها ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله أعظم الخلق عند الله فضلا وقدرا وجاها ، اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آله وأصحابه صلاة وسلاما وبركة لا تنقضي ولا تتناها .
          (1/11

          أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله واعلموا أن دين الإسلام هو الدين القيم الذي فيه صلاح العباد ، وهو أعظم المنن من الكريم الوهاب ، ولا يقبل الله من العباد سواه ، وقد تكفل لسالكه بخير دينه ودنياه ، فيه من المبادئ السامية ، والأخلاق العالية والنظم العادلة ما تشتهيه الأنفس وتمتد إليه الأعناق ، وقد تكفل بالحياة الطيبة لمتبعيه لحسنه وجماله ، وفضائله التي فضل بها غيره وفاق ، أليست عقائده الصحيحة أصح العقائد ، وأصلحها للقلوب وأنفعها للأرواح ؟ أليست أخلاقه أجمل الأخلاق ، وبراهينه في غاية القوة والبيان والإيضاح ؟ فهل أعظم وأنفع وأكمل من الاعتقاد اليقيني الذي لا ريب فيه أن تعلم أن لنا ربا عظيما تتضاءل عظمة المخلوقات كلها في عظمته وتضمحل إذا نسبت إلى كبريائه ومجده وحكمته ؟ له الأسماء الحسنى ، والصفات الكاملة العليا ، أحاط بكل شيء علما ورحمة وقدرة وحكمة وحكما ، وشمل كل موجود بحسن تدبيره إحكاما ونظاما وحسنا ، قد أحسن ما خلقه ، وأبدع ما صنعه ، وأحكم ما شرعه ، له العلو المطلق من جميع الوجوه ، وهو الغاية في الكمال فلا نخشى غيره ولا نرجوه ، يجيب الداعين ، ويفرج الكربات عن المكروبين ، من توكل عليه كفاه ،
          (1/119)

          ومن أناب إليه وتقرب إليه قربه وأدناه ، ومن أوى إليه آواه ، لا يأتي بالخير والحسنات إلا هو ، ولا يكشف السوء والضراء سواه ، يتودد إلى عباده بكل سبيل ، ويسبغ عليهم من عطائه وكرمه الجزيل ، لا يخرج عن خيره وجوده إلا المتمردون ، ولا يعرض عن طاعته إلا الظالمون ، فهل تصلح القلوب والأرواح إلا بالتأله إليه ؟ وهل للعباد معاذ وملجأ إلا إليه ؟ وكذلك يهدي هذا الدين لأحسن الأخلاق ، والأعمال ، على محاسن الآداب وطرق الكمال ، لا خير ولا ، فلاح ولا هدى إلا دل عليه ، ولا شر ولا ضرر ولا فساد إلا حذر منه . أما حث على الصدق والعدل في الأقوال والأفعال ؟ أما أمر بالإخلاص له في كل الأحوال ؟ أما حث على الإحسان المتنوع لأصناف المخلوقات ، وبالتواضع للحق وللخلق في كل الحالات ؟ أما أمر بنصر المظلومين وإغاثة الملهوفين ، وإزالة الضر عن المضطرين ؟ أما رغب في حسن الخلق بكل طريق ، على القريب والبعيد والعدو والصديق ؟ أما نهى عن الكذب والفحش والخيانات ، وحث على رعاية الشهادات والقيام بالأمانات ؟ أما حذر من ظلم الخلق في الدماء والأموال والأعراض والحقوق ؟ أما زجر عن القطيعة والإساءة والعقوق؟ أما أمر بفعل الأسباب النافعة مع
          (1/120)

          التوكل على المولى ؟ أما حث على التآلف والاجتماع والمودة والإخاء؟ أما أمرنا أن نعد لأعدائنا ما نستطيعه من قوة نافعة وواقية؟ وأن نقوم بكل ما يقيم الدين ويصلح الدنيا بالوسائل الكافية ؟ أما أباح لنا الطيبات من المآكل والمشارب والملابس والمعاملات ؟ وحرم علينا الخبائث والمضار والمفاسد في كل الحالات ؟ فأي صلاح ديني ودنيوي لم يرشد إليه هذا الدين ، وأي ضرر وشر إلا بين طرقه وحذر عنه العالمين ؟ { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
          (1/121)

          37- خطبة
          في عمل اليوم والليلة
          الحمد لله الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، فما أعظمه ربا وملكا قديرا ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أرسله إلى جميع الثقلين بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
          (1/122)

          أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله تعالى ، واعلموا أن الله تعالى جعل الأوقات والشهور تتكرر على العباد لتقوم وظائف الطاعات ، وتنشط النفوس على الخيرات ، لما مضت الأشهر الثلاثة الكرام ، أولها رجب وآخرها شهر الصيام ، أعقبها بالشهور الثلاثة شهور الحج إلى بيته الحرام ، فكما أن من صام رمضان وقام غفرت له جميع الذنوب والآثام فمن حج البيت أو اعتمر غفرت ذنوبه فضلا من الملك العلام ، فما يمضي على المؤمن وقت من الأوقات ، إلا ولله عليه وظيفة من وظائف الطاعات ، فإذا قام بها ووفاها كان من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات ، المعد لهم المنازل العالية الطيبات ، أليس من أجل نعمه على العباد أن جعل الليل والنهار يتناوبان كلما ذهب أحدهما خلفه الآخر؟ لإنهاض همم العاملين إلى الخيرات ، فمن فاته الورد بالليل استدركه بالنهار ، ومن فاته بالنهار استدركه بالليل على مدى الأوقات ، ألا وإن شجرة الإيمان قد غرسها الله في قلوب المؤمنين ، ورتب العبادات على اختلافها لتنميتها وتكميلها في كل وقت وحين ، فلولا أعمال اليوم والليلة لذوى غرس الإيمان ، فإليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفع ذلك إلى الملك الديان ، فلقد سبق المفردون
          (1/123)

          الذين لا تزال ألسنتهم تلهج بذكر الله إلى جنات النعيم ، ولقد فاز المسارعون إلى الخيرات برفعة الدرجات والقرب من الرب الكريم ، فيا ويح المعرضين عن ربهم ما أشد خسارهم وأشقاهم ، ويا ندامة الغافلين لقد انفرطت أمور دينهم ودنياهم ، فوالله إن ذكر الله لحياة الأرواح والقلوب ، وإن القيام بخدمته ليوصل العبد إلى أجل مطلوب . أعانني الله وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته ، ووقانا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا بلطفه ورعايته . { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ } . الآية . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
          (1/124)

          38 - خطبة
          في النصيحة
          الحمد لله الذي أوجب على عباده النصح في العبادات والمعاملات ، وحذرهم من الغش والغل والخيانات ، وأشهد أن لا إله إلا الله المعروف بجميل الهبات ، وعظيم الصفات ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد الرسل الذي رفعه الله أعلى الدرجات ، اللهم صل وسلم وبارك على محمد وأصحابه ، ومن تبعهم في كل الحالات .
          (1/125)

          أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه ، وبترك مساخطه والإقبال على مراضيه ، وتقربوا إليه بالنصيحة فيما يظهره أحدكم أو يخفيه ، قال صلى الله عليه وسلم : « " الدين النصيحة " ، ثلاثا ، قالوا : لمن يا رسول الله ؟ قال: " لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم » فأخبر صلى الله عليه وسلم خبرا متضمنا للحث على النصيحة والترغيب فيها ، إن الدين كله منحصر في النصيحة ، أي ومن قام بالنصيحة كلها فقد قام بالدين ، وفسره تفسيرا يزيل الأشكال ، ويعم جميع الأحوال ، أما النصيحة لله فهي القيام بحقه وعبوديته ، وذلك يشمل ما يجب اعتقاده من أصول الإيمان ، وما يتعين القيام به من شرائع الإسلام وحقائق الإحسان ، من أعمال القلوب والجوارح وأقوال اللسان ، وهو فعل المأمور من الفرائض والنوافل ، ونية القيام بما يعجز عنه منها . وأما النصيحة لكتاب الله فهي الإقبال بالكلية على تلاوته وتدبره وتعلم معانيه وتعليمها ، وجملة ذلك وحاصله هو الإيمان بالله ورسوله وطاعة الله ورسوله . وأما النصيحة لأئمة المسلمين وهم ولاتهم من السلطان الأعظم إلى الأمير إلى القاضي إلى جميع من لهم ولاية كبيرة أو صغيرة ، فهؤلاء
          (1/126)

          لما كانت مهمتهم وواجباتهم أعظم من غيرهم وجب لهم من النصيحة بحسب مراتبهم ومقاماتهم ، وذلك باعتقاد إمامتهم والاعتراف بولايتهم ، ووجوب طاعتهم في المعروف ، وحث الرعية على طاعتهم ولزوم أمرهم ، وبذل ما يستطيعه الإنسان من نصيحتهم ، وتوضيح ما خفي عليهم مما يحتاجون إليه في رعايتهم ، كل أحد بحسب مرتبته ، والدعاء لهم بالتوفيق والصلاح ، فإن صلاحهم صلاح للرعية وللأمور ، واجتناب سبهم والقدح فيهم وإشاعة مثالبهم ، فإن في ذلك شرا وضررا وفسادا كبيرا ومن رأى منهم مالا يحل فعليه أن ينبههم سرا لا علنا بلطف وعبارة تليق بالمقام ، فإن هذا مطلوب في حق كل أحد وبالأخص ولاة الأمور ، فتنبههم على هذا الوجه فيه خير . وأما النصيحة لعامة المسلمين فبمحبة الخير لهم وإيصاله إليهم بحسب الإمكان ، وكراهة الشر لهم والسعي في دفعه بحسب القدرة ، وتعليم جاهلهم ووعظ غافلهم ، ونصحهم وإرشادهم في أمور دينهم ودنياهم ، وكل ما تحب أن يفعلوا مع الإحسان؟ فافعله معهم، ومعاونتهم على البر والتقوى ، ومساعدتهم في كل ما يحتاجونه ، فمن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته .
          (1/127)

          فتبين بهذا أن النصيحة تشمل الدين كله أصوله وفروعه ، وحقوق الله وحقوق عباده ، فأين النصيحة ممن تهاون بحقوق الله فضيعها وعلى محارمه فتجرأ عليها ؟! وأين النصيحة من أهل الخيانات وأصحاب الغش في المعاملات؟! وأين النصيحة ممن يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ، ومن يتتبعون عورات المسلمين وعثراتهم ؟! فهؤلاء عن النصيحة بمعزل ، ومنزلهم منها أبعد منزل ، طوبى للناصحين ، ويا خسارة الغشاشين . من الله علي وعليكم بالقيام بالنصيحة ، وحفظنا من أسباب الخزي والفضيحة . أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ }{ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
          (1/12

          39- خطبة
          في سنن الفطرة
          الحمد لله الذي شرع لنا ما يقربنا إليه ويدنينا ، ونهج لنا من الطرق ما يكفينا عن غيرها ويغنينا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهنا ومليكنا وناصرنا وهادينا ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله بعثه الله بالهدى ودين الحق شرعة وتوحيدا ودينا ، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان أفضل الناس أخلاقا وأعمالا وعلما ويقينا .
          (1/129)

          أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله واشكروه على آلائه الباطنة والظاهرة ، وتقربوا إليه بما يحبه ويرضاه من العقائد والأعمال والأخلاق الفاضلة ، فقد شرع لكم من فطرة الإسلام ما يطهر الظواهر ويزكي القلوب ، ويسر لكم كل سبب تدركون به المطلوب ، قال تعالى : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }{ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } فهذه الفطرة الباطنة التي عمادها على الإخلاص والإقبال بالقلب عليه ، وتمامها بترك الشرك قليله وكثيرة وتحقيق الإنابة إليه ، قولوا بألسنتكم وقلوبكم إذا أصبحتم وأمسيتم : أصبحنا وأمسينا على فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص وملة أبينا إبراهيم ودين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، هذه الفطرة الباطنة التي تطهر القلب من الشرك والشك والشقاق والنفاق ، وتنقيه من الغل والغش والحقد ومساوئ الأخلاق ، وتملأ القلب علما ويقينا وعرفانا ، وتوجهه إلى ربه إخلاصا وطمأنينة وبرا وإيمانا . أما
          (1/130)

          الفطرة الظاهرة فقد حث الشارع على تنقية الجسد من الأوساخ والأنجاس والأوضار ، ورغب في حلق العانة ونتف الإبط ، وحف الشارب وإعفاء اللحية ، وتقليم الأظفار ، وأخبر أن الطهور الشرعي- وهو إزالة الأخباث والأحداث- شطر الإيمان ؛ لما في ذلك من طهارة البدن من الأوضار والأدران ، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن النكاح والحناء والتطيب من سنن المرسلين ، وأن استدامة الطهور والمداومة عليه من أوصاف المؤمنين ، وقال تعالى بعد ما ذكر الطهارة بالماء والتراب : { مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ، فهذه الطهارة التي شرعها من أكبر نعمه على العباد ، وبها تكفر الخطايا وتحصل العطايا الكثيرة يوم التناد ، فمن توضأ وضوءا كاملا خرجت خطاياه مع الماء من تحت الأظفار ، ومن أحسن الوضوء ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفرت ذنوبه ، واستحق رضا الغفار ، ومن توضأ فأحسن وضوئه ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين- فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ،
          (1/131)

          وما ذلك بعزيز على فضل الكريم الغفار ، وقال صلى الله عليه وسلم : « ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟ إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطا إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباط ، فذلكم الرباط ، إن أمتي يدعون غرا محجلين من آثار الوضوء ، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل » وقال: « تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء » . رزقنا الله الاعتراف بنعمه وأياديه ، ووفقنا للقيام بما يحبه ويرضيه . { وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ } . الآية ، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
          (1/132)

          تعليق


          • #6
            الفواكه الشهية في الخطب المنبرية والخطب المنبرية على المناسبات

            40- خطبة
            في البداءة باليمين
            الحمد لله الذي فضل بعض المخلوقات على بعض بحكمته الشاملة ، وخصص بعضها بأوصاف تميزت بها ، فسبحان من اختص بالأوصاف الكاملة ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في نعوته وفي أياديه التامة ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى ونبيه المقتفى ، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه النجبا .
            (1/133)

            أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله تعالى ، واعلموا أن كمال التقوى وزينتها الاجتهاد في التأدب بالآداب الشرعية والتحقق بالإرشادات النبوية ، قالت عائشة - رضي الله عنها- : « كان رسول الله يعجبه التيمن في طهوره وترجله وتنعله ، وفي شأنه كله » . قال العلماء : ينبغي للعبد إذا تطهر أن يبدأ باليمين من اليدين والرجلين قبل اليسار ، وأن يجعل يمناه لأكله وشربه وأخذه وعطائه ، فمن سمى الله عند أكله وشربه وتناول أكله وشربه بالأدب باليمين وحمد الله إذا فرغ- نال رضى رب العالمين ، أو ناول أحدا شيئا أو تناول منه فليكن ذلك باليمين ، ومن صافح غيره صافحه باليمين ، ومن أدار على جماعة طعاما أو شرابا أو طيبا أو غيرها بدأ بالأيمن فالأيمن ، ولو كان الأيسر فاضلا والأيمن مفضولا ، إلا أن يؤثر صاحب الحق غيره في بالتقديم ، واحذروا من الأكل والشرب باليسار من غير عذر ، فأن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ، فاحذروا من مشابهة الشيطان في أعماله ، وإذا دخل أحدكم المسجد فليقدم رجله اليمنى ، ويقول : بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك ، فمن غفر له ورحم وفقه الله لتكميل العبادات ،
            (1/134)

            ومن عليه بما يفعل في المسجد من الطاعات ، وإذا خرج من المسجد قدم رجله اليسرى ، وقال : بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك ، ليكون متعلقا رجاؤه بربه في أمور دينه ، ودنياه ، فإن من سأل ربه وتوكل عليه رزقه من حيث لا يحتسب وكفاه ، وإذا لبس لباسا بدأ بالجانب الأيمن ، فإن كان جديدا قال: الحمد لله الذي كساني هذا اللباس ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة ، اللهم كما سترت وجملت ظاهري باللباس فجمل باطني بلباس التقوى ، وإذا خلع ذلك بدأ بالجانب الأيسر ، وليجعل يده اليسرى لمباشرة النجاسات والأوساخ والأقذار ، كالاستنجاء والاستجمار والإستنثار . { ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ } .
            (1/135)

            41 - خطبة
            فيها آداب الشرع في السلام والتحية وغيرها
            الحمد لله الذي جعل الأدب الشرعي عنوان التوفيق ، وهدى من شاء من خلقه لأقوم طريق ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة مبنية على الإخلاص والمحبة والتحقيق ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، الذي أخرج الله به المؤمنين من الكربات والظلمات والضيق ، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه أولي الفضائل والسوابق والتوفيق .
            (1/136)

            أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله تعالى ، واعلموا أن الآداب الشرعية أفضل الآداب ، فاسلكوا سبلها لتحظوا من ربكم بجزيل الثواب ، ألا وإن أصل الأدب مراقبة الله في السر والعلانية ، والقيام بحقوقه وحقوق خلقه بنية وهمة عالية ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : « حق المسلم على المسلم ست بالمعروف : يسلم عليه إذا لقيه ، ويجيبه إذا دعاه ، ويشمته إذا عطس ، ويعوده إذا مرض ، ويشهد جنازته إذا مات ، ويحب له ما يحب لنفسه »« إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام »« إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه »« والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أولا دلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم » واعلموا أن السلام الشرعي بالمشافهة والمكاتبة ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فاستبدل به الجهال الذين لا يعرفون قدر الآداب الشرعية ألفاظا استحسنوها وهي غير مرضية ، فأين هذه الألفاظ التي لا فائدة فيها أصلا من تحية المسلمين التي تجمع أكمل الدعاء وأنفع الخير والثناء ، وليسلم الراكب على الماشي ، والقليل على الكثير ، والصغير على الكبير
            (1/137)

            ، والماشي على الجالس ، وإذا عطس أحدكم فليقل : الحمد لله ، وليقل سامعه : يرحمك الله ، فإذا قال ذلك فليقل : يهديكم الله ويصلح بالكم ، فإن حمد الله فشمتوه ، وإن لم يحمد الله فلا تشمتوه ، وقال صلى الله عليه وسلم : « لا خير في الجلوس في الطرقات » أي التي لا بيع فيها ولا شراء إلا لمن هدى السبيل ، ورد التحية ، وغض البصر ، وأعان على الحمولة ، ولم يؤذ الناس ولم يتتبع عوراتهم ويشتغل بالتفتيش عن أحوالهم ، فإن من تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته وفضحه بين العباد وأظهر للناس عيوبه التي كان يخفيها ، ومن تغافل عن عيوب الناس وأمسك لسانه عن تتبع أحوالهم التي لا يحبون إظهارها سلم دينه وعرضه ، وألقى الله محبته في قلوب العباد وستر الله عورته ، فإن الجزاء من جنس العمل ، وما ربك بظلام للعبيد . { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
            (1/13

            42- خطبة
            في حسن الخلق
            الحمد لله الرؤوف الرحيم ، البر الجواد الكريم ، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك العظيم ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الهادي إلى صراط مستقيم ، اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم في كل أمر قويم .
            (1/139)

            أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله تعالى بالقيام بحقوقه وحقوق العباد ، وبكمال المتابعة للرسول وقوة الإخلاص للرب الجواد ، قال صلى الله عليه وسلم : « أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا » ، فعاشروا رحمكم الله الخلق بالخلق الجميل ، وبالتواضع لهم في كل كثير وقليل ، واعقدوا قلوبكم عقدا جازما على محبة جميع المسلمين والتقرب بذلك إلى رب العالمين ، واجتهدوا في تحقيقها ودفع ما ينافيها ، واعملوا على كل ما يحققها ويكملها وينميها ، واتخذوا المؤمنين إخوانا ، وعلى الخير مساعدين وأعوانا ، ومتى رأيتم قلوبكم منطوية على خلاف ذلك فبادروا إلى زواله ، وسلوا ربكم أن لا يجعل فيها غلا للذين آمنوا تحظوا بنواله ، وميزوا في هذه المحبة من لهم في الإسلام مقام جليل ، كعلمائهم وولاتهم العادلين وعبادهم ، فتمام محبة الله محبة أوليائه ، بحسب مقاماتهم وعملهم واجتهادهم ، ووطنوا نفوسكم على ما ينالكم من الناس من الأذى ، وقابلوه بالإحسان ، وتقربوا بذلك إلى الله راجين فضل الكريم المنان ، فمن كمال حسن الخلق أن تعطي من حرمك ، وتعفو عمن ظلمك ، وتحسن الخلق لمن أبغضك وهجرك ، فإن الجزاء من جنس العمل ، فمن عفي عن عباد الله عفى الله عنه
            (1/140)

            ، ومن سامحهم سامحه الله ، ومن أغضى معائبهم ومساويهم ستر الله عليه ، فاجعل كبير المسلمين بمنزلة أبيك وصغيرهم بمنزلة ابنك ونظيرهم محل أخيك ، وتكلم مع كل أحد منهم بما يناسب الحال؛ فمع العلماء بالتعلم ، وبالتعليم مع الجهال ، ومع الصغار باللطف ، ومع الفقراء بالرحمة والعطف ، ومع النضراء بالآداب والظرف. { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
            (1/141)

            43- خطبة
            في مفاتيح الخير والشر
            الحمد لله الفتاح العليم ، الملك العظيم ، الرب الحكيم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، البر الرحيم ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي قال الله فيه: { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم في هديهم القويم .
            (1/142)

            أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله تعالى بفعل الخير وترك العصيان ، { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : « إن هذا الخير والشر خزائن ولهذه الخزائن مفاتيح ، فطوبى لمن كان مفتاحا للخير مغلاقا للشر ، وويل لمن كان مغلاقا للخير مفتاحا للشر » بهذا الذي ذكر المصطفى توزن الرجال ، وبه يعرف أهل النقص من أهل الكمال ، فكونوا رحمكم الله مفاتيح للخيرات ، مغاليق للشرور والآفات ، فمن كان منكم مخلصا لله ناصحا لعباد الله ، ساعيا في الخير بحسب إمكانه فذاك مفتاح للخير حائز للسعادة ، ومن كان بخلاف ذلك فهو مغلاق للخير ، وقد تحققت له الشقاوة ، من الناس من إذا اجتمع بهم في مجالسهم حرص على إشغالهم فيما ينفعهم في دينهم ودنياهم ، ومنهم من يشغلهم بما يضر وما لا يغني ، فهذا قد حرمهم الخير وأشقاهم ، ومنهم من يسعى في تقريب القلوب وجمع الكلمة والائتلاف ، ومنهم من يسعى في إثارة الفتن والشقاق والتنافر والخلاف ، ومنهم من يجتهد في قلع ما في قلوبهم من البغضاء ، ومنهم من يلهب في قلوبهم الشحناء ، ومنهم من يحث على الجود والكرم والسماحة ،
            (1/143)

            ومنهم من يدعو إلى البخل والشح والوقاحة ، ومنهم من يتنوع في فعل المعروف في بدنه وقوله وماله ، ومنهم من لا يعرف المعروف ولو قل ، فلا تسأل عن سوء حاله ، ومنهم من مجالسه مشغولة بالغيبة والنميمة والوقيعة في الناس ، ومنهم من ينزه نفسه عن ذلك وينزه الجلاس ، ومنهم من تذكر رؤيته بالله ، ويعين العباد في مقاله وحاله على طاعة الله ، ويأمرهم بالقيام بالحقوق الواجبة والمسنونة ، ومنهم المثبط عن الخير وأحواله غير مأمونة ، فتبارك الذي فاوت بين العباد هذا التفاوت العظيم ، فهذا كريم على الله وعلى خلقه ، وهذا لئيم ، وهذا مبارك على من اتصل به ، وهذا داع إلى كل خلق ذميم ، وهذا مفتاح للبر والتقوى وطرق الخيرات ، وهذا مغلاق لها ومفتاح للشرور والآفات ، وهذا مأمون على النفوس والأعراض والأموال ، وهذا خائن لا يوثق به في حال من الأحوال وهذا قد سلم المسلمون من لسانه ويده وهذا لم يسلم منه أحد وربما سرت أذيته على أهله وولده أجارني الله وإياكم من منكرات الأعمال والأخلاق والأهواء ، وعافانا من كل شر قاصر ومتعد ومن البلوى ، ورزقنا الهدى والتقى والعفاف والغنى . { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا
            (1/144)

            قَوْلًا سَدِيدًا } . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
            (1/145)

            44- خطبة
            في الحث على مؤونة الأقارب وغيرهم
            الحمد لله الذي كرم بني آدم ، وفضلهم على كثير من المخلوقات ، ويسر لهم من ألطاف بره وأسباب كرمه ما به ينتفعون ويرتفعون درجات ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، كامل الأسماء والصفات ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى من جميع البريات ، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه الذين فضلوا الأمة بالعلوم النافعة والأعمال الصالحات .
            (1/146)

            أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله تعالى واعلموا أن من أجل القربات وأفضل الطاعات القيام بمؤنة البنين والبنات ، والإخوان والأخوات ، والأعمام والعمات ، والأخوال والخالات ، وجميع القرابات ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : « إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعله في فم امرأتك » ، و « من عال جاريتين حتى يغنيهما الله كانتا له حجابا من النار »« الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله وأحسبه قال : وكالقائم لا يفتر وكالصائم لا يفطر »« أنا وكافل اليتيم له أو لغيره في الجنة كهاتين » وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا ، « "خير بيت فيه يتيم يحسن إليه ، وشر بيت فيه يتيم يساء إليه » فما أعظم توفيق من قام بكفالة أحد من أقاربه العاجزين ، وما أولاه بالأجر والثواب والخلف من رب العالمين ، فإنه في عبادة وثواب متزايد ، كلما أطعمهم وكساهم ، وهو في جهاد كلما سعى في الكسب لهم وضمهم إليه وآواهم ، وقد يفتح الله له بسببهم طرقا من الخير وأبوابا ، وينزل له البركة ويعطيه خلفا عاجلا وأجرا وثوابا ، فإنما ينصر الناس ويرزقون بعاجزيهم وضعفائهم ، وإنما ترحمون برحمتهم إياهم وكثرة سؤالهم
            (1/147)

            ودعائهم ، أما تحبون أن يحسن الله إليكم إذا أحسنتم إليهم ؟ أما ترغبون أن يكرمكم مولاكم إذا آويتموهم وتفضلتم عليهم ؟ أما تغتنمون أدعيتهم لكم في كل الأحوال ؟ أما علمتم أن من فرج عنهم كربة فرج الله عنه يوم القيامة الشدائد والأهوال ؟ ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن شرح صدر قريبه المحتاج يسر الله أمره ، وغفر له يوم فقره وفاقته . { وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
            (1/14

            45- خطبة
            في الحث على تدبر القرآن الكريم
            الحمد لله الذي قال لنبيه المصطفى ، منوها بعظمة القرآن وما فيه من الرحمة والنور والهدى : { طه }{ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى }{ إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى }{ تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا }{ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى }{ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى }{ وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى }{ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك المولى ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المختار من الخليقة المجتبى ، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه البررة الأخيار النجبا .
            (1/149)

            أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله تعالى بمراعات العلم وتحقيق التقى ، وتدبروا هذا الكتاب العزيز فإنه مبارك ، فيه الرحمة والشفا ، فهو الهدى الذي يهدي من الضلالة ، وينير الحقائق الصحيحة في ظلم الجهالة ، يهدي إلى معرفة الله بأسمائه وصفاته وأفعاله ، ويبين الطريق الموصل إلى فضله وأفضاله ، ويوضح الأحكام كلها في العبادات والمعاملات ، ويبين الحقوق في جميع التعلقات ، وهو الشفاء من الأمراض البدنية والقلبية ، وبه العصمة والنجاة في الأمور الدينية والدنيوية ، وهو المزيل لأمراض الشبهات وأمراض الشهوات ، بما فيه من البراهين القاطعة ، والمواعظ المؤثرة والتذكيرات ، وهو الموصل إلى المعارف الجليلة والعلم واليقين الكاشف للحقائق كلها بالتوضيح الكامل والبراهين ، فيه نبأ الأولين والآخرين ، وفيه الحكم العادل بين الخلق أجمعين ، وفيه من دلائل التوحيد والنبوة والمعاد ما تطمئن به القلوب ، وفيه التفاصيل العظيمة النافعة الموصلة إلى كل مطلوب ، كتاب عظيم هيمن على الكتب السابقة حتى أحاط بها وحواها ، وحكم بالحق في كل ما تنازعت فيه الأمم ، أولاها وأخراها ، أعيا ببلاغته وحسن نظمه جميع البلغاء ، وحير بحسن أسلوبه وما كشفه
            (1/150)

            من غيوبه أفئدة العقلاء ، وأصلح بهدايته العقائد والأخلاق والأعمال ، وهدى للتي هي أقوم وأصلح وأنفع ، في كل الأحوال ، كتاب حفظه الله من التغيير والتبديل والزيادة والنقصان ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حميد رحيم رحمان ، من قال به صدق ، ومن عمل به أجر ، ومن حكم به عدل ، ومن دعا إليه فقد هدي إلى صراط مستقيم . اللهم اجعل القرآن العظيم لقلوبنا ضياء ، ولأسقامنا دواء ، ولذنوبنا ممحصا ، وعن النار مخلصا ، واجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك يا رب العالمين .
            (1/151)

            46- خطبة
            في وجوب العدل في كل شيء
            الحمد لله الذي أوجب العدل في كل الأحوال ، وحرم الظلم في الدماء والأعراض والحقوق والأموال ، وأشهد أن لا إله إلا كامل الأوصاف وواسع النوال ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي فاق جميع العالمين في العدل والفضل والإفضال ، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه خير صحب وأشرف آل .
            (1/152)

            أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله تعالى واعلموا أن مدار التقوى على القيام بالعدل في حقوق الله وحقوق العباد ، فإن التوحيد غاية العدل والشرك أعظم الظلم وأشنع الفساد ، إذا كان الله هو الذي خلقك ورزقك وعافاك وأعطاك فمن العدل الواجب أن يكون معبودك ، وإليه ترجع في رغباك ورهباك ، فمن أظلم ممن سوى المخلوق الناقص الفقير بالرب الغني الكامل القدير . إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، قال تعالى { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } . الآية . قد أمر الله ورسوله بالعدل بين الناس في جميع الحقوق ، ونهى عن الظلم والجور والفسوق . بالعدل تعمر الأسباب الدينية والدنيوية ، ويتم التعاون على المصالح الكلية والجزئية ، والعدل واجب في الولايات كلها والمعاملات ، وهو أن تؤدي ما عليك كاملا كما تطلبه تاما من كل الجهات . فمتى عدل الرعاة والمعاملون في المعاملات صلحت الأمور واتسعت دائرة الأسباب والتجارات ، ومتى رفع من المعاملة روح العدل والأمانة وحل محله البخس والغش والتطفيف والخيانة ، فمنع
            (1/153)

            الإنسان ما عليه واستوفى ماله . { وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ }{ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ }{ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ }{ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ }{ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ } ، ويل لهم مما يترتب على البخس والتطفيف من العقوبات ، وما يرفع بذلك من الخيرات والبركات ، وما يتوقف بسببه كثير من المعاملات النافعات ، كل معاملة فقدت العدل فهي معاملة ضارة ، قال تعالى : { وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ } وقال صلى الله عليه وسلم : « ليس منا من غشنا » . فالغش والمعاملات الجائرة ليست من الدين ، وصاحبها متعرض لعقوبة رب العالمين . والعدل يكون في الحقوق الزوجية ، فعلى كل واحد من الزوجين معاشرة الآخر بالمعروف ، فمتى قام كل منهما بما عليه التأمت الزوجية ، وتم لهما حياة سعيدة طيبة ، وحصلت الراحة وحلت البركة ، ونشأت العائلة نشأة حميدة ، ومتى لم يقم كل منهما بالحق الذي ، عليه ، تكدرت الحياة ، وتنغصت اللذات ، وطال الخصام وتعذر الوئام ، قال صلى الله عليه وسلم : « كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته .
            (1/154)

            فالإمام راع على الناس ومسئول عن رعيته . والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عن رعيته . والمرأة راعية على بيت زوجها هي مسئولة عن رعيتها ، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عن رعيته ، فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته » فذكر صلى الله عليه وسلم الولايات كلها كبارها وصغارها ، وأخبر أن من تولى ولاية فهو مسئول عنها ، وهل عدل فيها وسلك المأمور به فله الثواب ، أو ظلم فيها وجار فعليه العقاب . العدل تقوم به الولايات ، وتصلح به الأفراد والجماعات ، وتمشي به الأحوال في كل الأوقات . سلك الله بنا وبكم سبيل العدل والإنصاف ، وأعاذنا وإياكم من الجور والأعتساف ، وبارك لي ولكم في القرآن العظيم .
            (1/155)

            47- خطبة
            في معرفة الله وتوحيده
            الحمد لله الذي أوجب على العباد معرفته بأسمائه وصفاته ، وأسبغ عليهم نعمه وأمرهم أن يستدلوا بآياته ، وأشهد أن لا إله إلا الله الذي لا يلجأ العبد إلا إليه في كل مهماته ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أشرف برياته ، اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه مدى الدهر وأوقاته .
            (1/156)

            أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله وأنيبوا إليه ، واستغفروه من جميع الذنوب ، ثم توبوا إليه ، فإنه الودود الغفور لمن لجأ إليه ، وتعرفوا إليه بمعرفة أسمائه وصفاته ، وتحببوا إليه بطاعته والثناء عليه وذكر آلائه ، فإنه الرب العظيم ، الذي ملأت عظمته قلوب أوليائه ، وحنت إلى وداده ومحبته أفئدة أصفيائه ، موصوف بصفات الكمال ، منعوت بنعوت الجلال والجمال ، منزه عن العيوب والنقائص والمثال ، هو كما وصف به نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله ، وفوق ما يصفه أحد من الخلق في كل الأحوال ، حي لا يموت ، قيوم لا ينام ، عليم لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، بصير يرى دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء ، سميع يسمع ضجيج الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات ، تمت كلماته صدقا وعدلا ، وجلت صفاته أن تقاس بصفات خلقه شبها ومثلا ، وتعالت ذاته أن تشبه شيئا من الذوات أصلا ، ووسعت الخليقة أفعاله حكمة ورحمة وعدلا ، وعم البرية جوده ومواهبه رحمة وإحسانا وفضلا ، لخلق والأمر ، وله الملك والحمد ، وله الثناء والمجد ، أول ليس قبله شيء ، آخر ليس بعده شيء ، ظاهر ليس فوقه شيء ، باطن دونه شيء ، أسماؤه كلها
            (1/157)

            أسماء مدح وحمد وثناء وتمجيد ، ونعوته أوصاف كمال وجلال وجمال وتحميد ، كل شيء من مخلوقاته دال عليه ، ومرشد للعقول إلى الوصول إليه ، لم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا ، ولا ترك الإنسان سدى ولا عاطلا ، وإنما خلق الخلق لقيام توحيده وعبادته ، وأسبغ عليهم نعمه ليتوسلوا بشكره إلى كرامته ، تعرف إلى عباده بأنواع التعرفات ، وصرف لهم الآيات ونوع الدلالات ، ودعاهم إلى محبته من جميع الأبواب ، ومد بينه وبينهم من عهده أقوى الأسباب ، فأتم عليهم نعمه السابغة ، وأقام عليهم حجته البالغة ، وأفاض عليهم النعمة ، وكتب على نفسه الرحمة ، فتبارك الله الملك الجواد ، وتعالى من شمل خيره جميع العباد . { وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } ، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام ، يخفض القسط ويرفعه ، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل ، حجابه النور ، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من المخلوقات ، ولو كان فيهما إله غير الله لفسدت الأرض والسماوات ،
            (1/15

            ملجأ المضطرين ، وملاذ المستجيرين ، وغياث المستغيثين ، ومجيب دعوات الداعين ، وقرة عيون المحبين ، وأنيس المستوحشين ، وهو الغني عن جميع العالمين ، ميسر الأمور ، وشارح الصدور ، ومحكم الأحكام والمقدور ، ومدبر المخلوقات ومصرف الدهور ، اضمحلت في عظمته وكبريائه عظمة الملوك والعظماء ، وتلاشت لديه مقدرة الأقوياء ، وعلوم العلماء ، وافتقرت إليه جميع الخليقة في كل شئونها الأغنياء منهم والفقراء ، من توكل عليه كفاه ، ومن دعاه أجابه ، وأفاض عليه عطاياه ، ومن اعتز به أسعده وتولاه ، ومن انتصر به نصره على عداه ، ومن اتقاه جعل له مخرجا وفرجا ، وسهل أمور دينه ودنياه . ماله { وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى }{ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
            (1/159)

            48- خطبة
            في أحكام فقهية
            الحمد لله الملك الحق المبين . وأشهد أن لا إله إلا الله مالك يوم الدين . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد المرسلين وإمام المتقين ، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم إلى يوم الدين .
            (1/160)

            أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله وانتبهوا ونبهوا إخوانكم على ما يحتاجونه من مسائل الأحكام ، فمن ذكر أخاه مسألة واحدة كتب له الأجر عند الملك العلام . واعلموا أن الأصل طهارة الأشياء كلها ، فمن أصابه ماء من ميزاب أو رطوبة . أو وطئ روثا أو أرضا لا يدري عنها فجميع ذلك محكوم له بالطهارة . ومن صلى وهو محدث ناسيا حدثه أعاد الصلاة . ومن صلى وعلى ثوبه أو بدنه نجاسة جهلها أو نسيها ولم يدر عنها حتى فرغ فلا إعادة عليه . ومن عدم الماء أو تضرر باستعماله تيمم بالتراب ، وعليه أن يستوعب بالمسح جميع وجهه وكفيه وينوي بتيممه جميع حدث عليه . ومن كان مريضا وقد تلوث بدنه وثيابه بالنجاسة فإن كان يقدر على خلعها وجب عليه ألا يصلي إلا على طهارة ، ومن كان لا يقدر على ذلك فليصل على حسب حاله ، وصلاته تامة لا إعادة عليه . ومن أدرك من صلاة الجمعة ركعة أتمها جمعة ، وإن أدرك أقل من ركعة نواها وصلاها ظهرا . ومن كانت عليه فوائت يقضيها فليبادر إلى قضائها مرتبا . وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن النفل في ثلاثة أوقات : من الفجر حتى ترتفع الشمس قيد رمح ، ومن صلاة العصر إلى غروب الشمس ، وعند زوال الشمس حتى تزول ، إلا ما استثناه
            (1/161)

            الشارع . ومن جاء منكم والإمام راكع فعليه أن يكبر تكبيرة الإحرام وهو قائم قبل أن يهوي إلى الركوع ، فإن كبر وهو يهوي ففريضته غير صحيحة . ومن فاته شيء من الصلاة فلا يحل له أن يقوم لقضاء ما فاته حتى يفرغ الإمام من التسليم ، فإن قام قبل أن يسلم التسليمة الثانية ولم يعد انقلبت صلاته نفلا . ومن جاء منكم والإمام يخطب فلا يجلس حتى يصلي ركعتين ، وكذلك في غير الخطبة . { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ } . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
            (1/162)

            49- خطبة
            الجزاء من جنس العمل
            الحمد لله الذي من حكمته جعل الجزاء من جنس الأعمال ، وأرى العباد من ذلك نموذجا ليحدوهم به إلى أكمل الخصال ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الكرم والجلال ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي فاق الخلق في كل كمال ، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه خير صحب وأشرف آل .
            (1/163)

            أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله ، واعلموا أن الله بحكمته قضى أن الجزاء من جنس العمل في الخير والشر ليعرف العباد أنه حليم عليم رؤوف رحيم ، وليرغبوا في الخير ويحذروا من أسباب العذاب الأليم ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : « الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء » ، إن الله طيب لا يقبل من الأعمال والأقوال والنفقات إلا طيبا ، إن الله طيب نظيف يحب النظافة ، جواد يحب الجود ، كريم يحب الكرم ، وما نقصت صدقة من مال بل تزيده ، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا ، وما تواضع أحد إلا رفعه الله ، ومن أحسن إلى الخلق أحسن الله إليه ، ومن عفى عنهم عفى الله عنه ، ومن غفر لهم غفر الله له ، ومن تكبر عليهم وضعه الله ، ومن يسر عن معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، والله في حاجة العبد ما كان العبد في حاجة أخيه ، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة ، ومن أنفق لله أخلف الله عليه ، ومن أمسك عما عليه أتلفه الله ، وما ظهر الغلول وأكل المال بغير حق في قوم إلا أوقع في قلوبهم الرعب وابتلاهم
            (1/164)

            الله بالذل ، وما نقص قوم المكيال والميزان إلا قطع عنهم الرزق ، وما نكث قوم العهد إلا سلط عليهم الأعداء ، وما فشى في قوم الزنا إلا كثر فيهم الوبا والموت ، وما حكم قوم بغير ما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم ، ومن وصل رحمه وصله الله ، ومن قطعها قطعه الله ، ومن أوى إلى الله آواه الله ، ومن استحيا من الله استحيا الله منه ، ومن أعرض عن الله أعرض الله عنه ، ومن تقرب إلى الله تقرب الله منه أكثر من ذلك ، ومن أشبع مسلما من جوع أطعمه الله من ثمار الجنة ، ومن سقاه على ظمأ سقاه من حلل الجنة ، ومن نصر أخاه المسلم نصره الله ، ومن خذله خذله الله ، ومن تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته وأظهر عيوبه ، ومن سترهم وأغضى عن معائبهم ستره الله ، ومن يستعفف يعفه ومن يستغن يغنه الله ، ومن يصبر يصبره الله ، ومن أقال مسلما بيعته أقاله الله عثرته يوم القيامة ، ومن أخذ أموال الناس يريد أداءها أداها الله عنه ، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله ، ومن فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته ، ومن جمع متحابين جمع الله بينه وبين أحبته . من الله علي وعليكم بالقيام بالأسباب النافعة ، وحمانا وإياكم من الأسباب
            (1/165)

            الضارة . { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ }{ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
            (1/166)

            50- خطبة
            في الصدق
            الحمد لله الذي أمر بالصدق في الأقوال والأفعال ، وأثنى على الصادقين بالفضل والكمال . وأشهد أن لا إله إلا الله الكبير المتعال ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل من نطق وقال ، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه خير صحب وآل .
            (1/167)

            أما بعد : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ، قد أمر الله بالصدق في عدة آيات ، وأثنى على الذين يرعون العهد والأمانات ، وأخبر بما لهم من الثواب الجسيم ، فقال { هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } . وقال صلى الله عليه وسلم : « عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عنه الله صديقا » . فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الصدق يهدي إلى البر ، والبر اسم جامع لكل خير وطاعة وإحسان إلى الخلق ، والصدق عنوان الإسلام وميزان الإيمان وعلامة الكمال، وإن لصاحبه المقام الأعلى عند الملك المتعال ، بالصدق يصل إلى منازل الأبرار ، وبه تحصل النجاة من الآفات وعذاب القبر وعذاب النار ، بالصدق يكون العبد معتبرا عند الله وعند الخلق ، قال صلى الله عليه وسلم : « البيعان بالخيار فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما » ، فالبركة مقرونة بالصدق والبيان ،
            (1/16

            والتلف والمحق مقرون بالكذب والكتمان ، والمشاهدة أكبر شاهد على ذلك والعيان ، لا تجد صادقا إلا مرموقا بين الناس بالمحبة والثناء والتعظيم ، ولا كذابا إلا ممقوتا بهذا الخلق الأثيم ، الصادق يطمئن إلى قوله العدو والصديق ، والكاذب لا يثق به بعيد ولا قريب ، الصادق الأمين مؤتمن على الأموال والحقوق والأسرار ، ومتى حصل منه كبوة أو عثرة فصدقه يقيه العثار ، والكاذب لا يؤمن على مثقال ذرة ، ولو فرض أحيانا لم يحصل به الثقة والاستقرار ، ما كان الصدق في لا زانه ، ولا الكذب في شيء إلا شانه ، الصدق طريق الإيمان ، والكذب بريد النفاق ، اللهم تفضل علينا بالصدق في أقوالنا وأفعالنا وجميع أحوالنا ، إنك جواد كريم ، رؤوف رحيم .
            (1/169)

            51- خطبة
            في الاستقامة
            الحمد لله الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي ليس لفضله منتهى ولا مدد ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خير مولود وأشرف ولد ، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه صلاة وسلاما بغير عدد .
            (1/170)

            أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله تعالى ، وتقربوا إليه ، واستقيموا إليه ، واسلكوا كل طريق يوصلكم إليه ، فقد « جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك ، قال: " قل آمنت بالله ثم استقم » ، فجمع صلى الله عليه وسلم في هذه الوصية أصول الخير وفروعه ، بلفظ موجز واضح مثمر للسعادة والفلاح وجميع المصالح ، فقوله: " آمنت بالله " أي أعترف من صميم قلبي أنه ربي وإلهي الذي لا رب لي سواه ، ولا معود لي إلا إياه ، وأنه الموصوف بصفات الكمال ، المنزه عن العيوب والنقائص والمثال ، الأول الذي ليس قبله شيء ، الآخر الذي ليس بعده شيء ، الظاهر الذي ليس فوقه شيء ، الباطن الذي ليس دونه شيء ، المحيط بكل شيء رحمة وعلما وقدرة ومشيئة وحكما ، الحميد في أسمائه وأوصافه وأفعاله . الحكيم في خلقه وشرعه وعطائه ومنعه ، الرحمن الرحيم ، الجواد الكريم ، الذي شمل العباد بواسع نواله ، يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن ، يغفر ذنبا ويفرج كربا ، ويعطي سائلا ، ويرفع أقواما ويضع آخرين ، بيده ملكوت كل شيء ، وإليه مرجع كل حي ، ليس للعباد غنى عن طاعته والافتقار إليه ،
            (1/171)

            ولا لهم ملجأ ومعاذ وملاذ ولا اضطرار إلا إليه ، فمن آمن بالله على الوجه الذي جاء عن رسول الله واستقام على شرع الله فقد استقام على الصراط المستقيم ، واستحق الفوز في جنات النعيم . ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ، ولا بمجرد الأقوال الخالية من الأعمال ، إنما الإيمان ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال ، وأثمر الخشية من علام الغيوب . { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }{ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ }{ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } . المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم ، وتمام الاستقامة بمعرفة الخير والاجتهاد في فعله ، ومعرفة الشر والاجتهاد في تركه ، فليجاهد العبد نفسه في تحقيق التقوى ، ويستعين بالملك الأعلى ، ونسأل الله الثبات إلى الممات ، وأن يحفظه الله من فتن الشبهات والشهوات . { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا
            (1/172)

            رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ } . وبارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
            (1/173)

            52- خطبة
            في التعرف إلى الله
            الحمد لله ذي الألطاف الواسعة والنعم ، وكاشف الشدائد والمكاره والنقم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجود والكرم ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي فضل على جميع الأمم ، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه ، ومن تبعهم في طريقهم من الأمم .
            (1/174)

            أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله تعالى وتعرفوا إلى الله في الرخاء يعرفكم في الشدة ، وتقربوا إليه بطاعته يجلب لكم السعادة ويدفع عنكم المشقة ، فمن اتقى الله وحفظ حدوده وراعى حقوقه في حال رخائه عرفه الله في شدته ورعى له تعرفه السابق ، وكان معه ومحل طمعه ورجائه ، قال تعالى : { فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ }{ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } فكان ليونس مقدمة صدق نجي بها ، ويعين الله ما يتحمله المتحملون ، فمن عامل الله في حال صحته وشبابه وقوته عامله الله باللطف والإعانة في حال شدته ، ومن كان مطيعا لله لاهجا بذكره في حال السراء أغاثه الله وأنقذه من المكاره والضراء ، لا سيما عند انتقاله من الدنيا في تلك الشدائد والكروب ، فإن الله يلطف به ويثبته فيخرج من الدنيا على غاية المطلوب ، ولقي ربه وهو راض عنه حيث قدم رضى ربه على كل محبوب ، ومن نسي الله في حال قوته وصحته ولم يتب إلى ربه ولا تاب من زلته- فلا يلومن إلا نفسه حين وقوعه في كربه وشدته وشقوته ، قال صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه: « من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت
            (1/175)

            عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه ، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولابد له منه » . والمؤمن المتقي إذا حضره الموت فبشر بالسعادة أحب لقاء الله وأحب الله لقاءه ، والمعرض الغافل إذا بشر بالشقاء كره لقاء الله وكره الله لقاءه " . { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
            (1/176)

            تعليق


            • #7
              هذا الجزء الاول من الكتاب وسوف اتم باقى الكتاب انشاء الله

              تعليق

              يعمل...
              X