قال العلامة محمد أمان الجامي رحمه الله: "لكل منهج من المناهج طريقة في التربية، وميزة يتميز بها في تنشئة الفرد والمجتمع، فللإسلام طريقة خاصة ومتميزة في التربية بميزات لا يشاركه فيها أي منهج آخر، فالإسلام وحده هو الذي يهدف إلى تكوين الإنسان الصالح، بينما تهدف جميع المناهج إلى تكوين المواطن الصالح، وما من شك في أن إعداد وتكوين الإنسان الصالح أشمل وأدق وأعمق من إعداد المواطن الصالح، المواطن الصالح: هو ذلك الإنسان المقيد بالأرض، بل بقطعة منها، لا يصلح لغيرها، مع ملاحظة الاختلاف بين تلك منهاج الأرضية في تحديد هذا المواطن الصالح هل هو الجندي الصالح في استعمال سلاحه، أو هو العابد الصالح في تنسكه وعبادته، أو ذلك الإنسان الخامل في سلامة صدره وهدوئه، إلى غير ذلك من المعاني.
أما الإسلام فله طريقته الخاصة في إعداد الفرد الصالح، وله وسائله الخاصة أيضا، إذ يأخذ هذا الكائن البشري المسمى إنسانا يأخذه بكامله بجسمه وروحه وعقله، قبل أن يهمل الروح على حساب الجسم أو العقل وقبل أن يعكس، بل ينفذ إلى هذا الكائن من جميع منافذه، فيربى روحه وجسمه وعقله معا، ثم إنه يساير الإنسان في جميع أحواله، في حبه وكرهه، وفي حالة خوفه ورجائه، وفي جميع ظروفه المختلفة.
يربيه بوسائل شتى: يربيه بالقوة، يربيه بالموعظة، يربيه بالأحداث على اختلافها بالقحط والزلازل، بالأمراض وتسليط الأعداء حتى يجأر إلى الله ويرجع إليه: { ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} النحل:53؛ يربيه بمثل هذه الوسائل حتى يتكون الفرد الصالح القوي في إيمانه وثقته بربه، فمنه يتكون المجتمع الصالح والأمة الصالحة الخيرة، وهي الأمة الإسلامية الواعية الطيبة التى قال عنها خالقها الحكيم العليم سبحانه:{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه} آل عمران: 110.
ولقد رأينا الله يخاطب هذه الأمة المحمدية مباشرة ودون واسطة ودون تقييد لها بأي صفة من الصفات المقيدة لا بالقومية ولا الوطنية ولا القبلية، بل يقول لهم: يا أتباع محمد صلى الله عليه وسلم كنتم خير أمة أخرجت للناس إخراجا خاصا وممتازا، لتقوموا بأعباء الخلافة تعمرون الأرض وتصلحونها بالعدل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله والإيمان بالله يستلزم الإيمان برسله وكتبه ويوم لقائه وغير ذلك من شعب الإيمان التي أعلاها قول لاإله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، أخذا من سنة هادي الأمة ومربي البشرية محمد صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله لهداية الناس جميعا: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الأعراف:158، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} الأنبياء 108، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَظ°كِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} سبأ:28، {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} النساء:89.
أعود فأقول: إذا رأينا الله يخاطب هذه الأمة في الآية السابقة ويوجههم ذلك التوجيه السديد، ثم استمعنا إلى الآيات التي تخبرنا بعموم رسالة محمد نبي هذه الأمة، وأنه بعث لهداية الناس جميعا؛ ليصلهم بربهم فسنرى في هذه الـنصوص الآتية كيف يخاطب الله الإنسان بصفته إنسان فقط، ليرده إلى خالقه ويصله به مباشرة ودون واسطة: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ} الانفطار 6-8، {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} الانشقاق :6،{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} ق:16.
هكذا يخاطب الله الإنسان -حقيقة الإنسان- دون أن يربطه بصفاته الطارئة كالقومية أو الوطنية مثلا، بل يخاطب إنسانا حرا طليقا مخلوقا لله، وهو عبد الله فقط".المصدر: طريقة الإسلام في التربية، صفحة 5-9